مخاوف الترحيل تطارد الأقليات الأميركية

سياسات ترامب بطرد غير الشرعيين تكلفة لوجيستية ومالية باهظة

مخاوف الترحيل  تطارد الأقليات الأميركية
TT

مخاوف الترحيل تطارد الأقليات الأميركية

مخاوف الترحيل  تطارد الأقليات الأميركية

استيقظت الأم ياسمين شهاب، من نيوجيرسي، من نومها على صوت بكاء ابنتها صبيحة انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، بعد حملة اعتمدت على ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، ووضع قيود على اللاجئين المسلمين.
وقالت ابنتها البالغة من العمر عشرة أعوم والمولودة في الولايات المتحدة، وهي تنتحب بذعر وتقفز بين ذراعيها: إن «الرئيس ترامب سيفرض حظرا علينا، وسيجعلنا نغادر أميركا. أين سنذهب؟». وجميع أفراد عائلة ياسمين المسلمة ولدوا في الولايات المتحدة.
وأثار خطاب ترامب الغاضب ضد المهاجرين ووجود بعض القوميين البيض بين مؤيديه مخاوف كثيرة من المهاجرين الأميركيين والأقليات. وقال أولياء أمور ومعلمون أول من أمس الأربعاء: إن «بعض العمال المهاجرين أبلغوا عن تعرضهم للتهكم والمضايقة»، فيما طلب أطفال مدارس إعادتهم إلى منازلهم بعد تعرضهم لمضايقات على أساس عرقي أو ديني.
وعبر الناس عن غضبهم ومخاوفهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في حين قالت منظمات حقوقية إنها تلقت اتصالات من أشخاص قلقين طلبوا تقديم النصيحة إليهم. وفي غضون ذلك، سعى آباء ومناصرون إلى تهدئة مخاوف الناس.
ورغم أن ترامب ربما يكون بوسعه إصدار مراسيم رئاسية لإلغاء قرارات اتخذها الرئيس الديمقراطي باراك أوباما بشأن الهجرة، فإن كثيرا من وعود الجمهوريين ستتطلب تعاون الكونغرس، وربما تواجه بدعاوى قضائية.
وحذر خبراء، كذلك، من أن الوصول إلى نحو 11 مليون لاجئ غير شرعي وترحيلهم من الولايات المتحدة، ستكون له تكلفة لوجيستية ومالية باهظة للغاية. ولم يرد فريق ترامب حتى الآن على طلب للتعليق.
ومن بين هؤلاء القلقين بشدة من مسألة الترحيل، شبان يعيشون في الولايات المتحدة ضمن برنامج بدأ بأمر من أوباما، لكن اعترض عليه كثير من الجمهوريين في الكونغرس. ولطلب الحماية وفقا لبرنامج يمنع ترحيل الشبان الذي وصلوا إلى الولايات المتحدة وهم أطفال، يتعين تقديم طلب إلى الحكومة يتضمن أسماء وعناوين آبائهم. وكان أوباما سمح بهذا البرنامج من خلال مرسوم، بعدما رفض الكونغرس الذي يهيمن عليه الجمهوريون ما سمي بـ«قانون الحلم».
وقالت لورينا غونزاليس، وهي عضو ديمقراطي في مجلس النواب عن ولاية كاليفورنيا من سان دييغو، إنها استمرت في تلقي اتصالات من الناخبين طيلة أول من أمس الأربعاء: «صار لدى الحكومة قائمة بالأشخاص الموجودين هنا دون وثائق مع أسمائهم وعناوينهم، والمدد التي قضوها هنا وأماكن عملهم».
من جهتها، قالت سناء ألطاف، المولودة في باكستان وتحظى بحماية القانون وتعيش في نيويورك حاليا، إن أبويها مقيمان بصورة قانونية وآمنة، لكنها تخشى على نفسها بسبب وضعها. وقالت: «ظللت أبكي طوال الليلة الماضية، وحتى صباح اليوم»، مضيفة: «كأن أحدا يبلغك بأنك لست محل ترحيب هنا».
وقال توماس ساينز، وهو رئيس ومستشار عام لدى صندوق الدفاع القانوني المكسيكي الأميركي في لوس أنجليس، إن مؤسسته تبلغ المتصلين بأن يحافظوا على هدوئهم، مؤكدة أن الحماية الدستورية والمخاوف العملية لن تسمح على الأرجح بترحيل 11 مليون مهاجر دون وثائق من الولايات المتحدة.
وقال ساينز إن «خطاب ترامب كان مخيفا.. لكنه أيضا غير واقعي».
لكن أغناسيا رودريجويز، المناصرة لسياسة الهجرة الأميركية التي أقرها أوباما وتعمل لدى المركز الوطني لقانون الهجرة ومقره لوس أنجليس، قالت: إن «المركز ليس متيقنا تماما من أن قاعدة البيانات التي جمعت في إطار البرنامج لن تستخدم في عهد ترامب لترحيل المنتسبين له». وأوضحت: «الإجابة الأمينة هي أننا لا نعلم ما ستؤول إليه الأمور».
ومع هذا الالتباس الشديد، شهد الأربعاء قلقا ومواقف غير سعيدة واجهها كثيرون. وقالت ليديا كالفو، وهي مديرة مكتب في اتحاد عمال ماساتشوستس، إنها لاحظت أن عاملة مهاجرة تسكن في بنايتها وتعمل في مقهى بدا عليها الإحباط. وأضافت: «قالت لي إن شخصا سألها.. هل انتهيتِ من حزم أمتعتك؟».
وفي سان فرانسيسكو، قالت تراسي براون جالاردو، مديرة مدرسة ايفيريت المتوسطة، إن كثيرا من أولياء الأمور سألوها بعصبية عما إذا كان سيتم نقل أبنائهم من المدرسة. وخلال لقاءات مع الطلبة في مدرسة أبتوس الإعدادية في سان فرانسيسكو أيضا، قال جيسون هانون ناظر المدرسة إن بعض الأطفال بكوا، معبرين عن مخاوفهم مما يمكن أن يحدث لآبائهم وأفراد أسرهم الذين ليست لديهم أوراق رسمية.
وقالت شهاب (40 عاما) إن ابنتها الكبرى (13 عاما) اتصلت بها خلال اليوم الدراسي أول من أمس الأربعاء، وقالت لها إن زميلا لها من المؤيدين لخطة ترامب لوضع قيود على المهاجرين تهكم عليها.
وطلبت الابنة من أمها الحضور لأخذها من المدرسة. وقالت الأم إنها وجدت ابنتها تبكي حين وصلت إلى مكتب الإدارة. وتابعت: «كان يوما عصيبا. إنهم خائفون».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟