تنظر باريس بعين الشك إلى انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية. وإذا كانت التهنئة التي أرسلها الرئيس فرنسوا هولاند إلى ترامب قد اتسمت بالبرودة فإن التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية جان مارك أيرولت بعد ساعات قليلة من إعلان نتيجة الانتخابات تعكس مخاوف الجانب الفرنسي من طبيعة السياسات التي يمكن أن يتبعها الرئيس الجمهوري بشأن مجموعة من المسائل التي تهم باريس، ومن أهمها الملف السوري.
ثمة ثلاث ملاحظات تتوقف عندها الدبلوماسية الفرنسية، أولاها أن الكلام السياسي أثناء الحملات الانتخابية شيء والسياسات الرسمية التي ستسير عليها الإدارة الأميركية الجديدة يمكن أن تكون شيئا آخر. والثانية أن ترامب لم يعرض رؤية متكاملة لطريقة التعاطي مع الملف السوري بوضوح. جل ما صدر عنه تنديد قوي بسياسة الرئيس أوباما التي وصفها في حديث لصحيفة «نيويورك تايمز»، في شهر يوليو (تموز) الماضي بـ«الحمقاء والمجنونة»، واعتباره تنظيم داعش «أكثر خطورة» من النظام السوري. أما الملاحظة الثالثة، فمفادها ترجيح أن يكون ترامب أكثر ميلا للتعامل مع روسيا في الملف المذكور، أكثر مما فعله أوباما ووزير خارجيته كيري.
حقيقة الأمر أن باريس وفق أكثر من مصدر، كانت مقتنعة بأنه سيكون عليها العمل مع هيلاري كلينتون، ورهانها أن الأخيرة ستكون أكثر ميلا لاتباع سياسة أكثر تشددا إزاء روسيا. وقالت مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى لـ«الشرق الأوسط»، إن موظفين كبارا في الخارجية الأميركية بدأوا بتشكيل مجموعة ضغط للتأثير على أوباما - كيري قبل أن تصل كلينتون إلى البيت الأبيض. وأضافت هذه المصادر أن المجموعة كانت تريد الدفع باتجاه إقامة منطقة حظر طيران شمال سوريا، تحديدا فوق المنطقة الخاضعة لقوات تتبع الجيش السوري الحر التي تتمتع بدعم عسكري تركي. وبعكس تقديرات وزارة الدفاع الأميركية سابقا التي كانت ترى أن منطقة كهذه تفترض تدمير الطيران السوري دفاعاته الجوية الأرضية، فإن القراءة الجديدة لا ترى حاجة إلى تحقيق هذين الهدفين مسبقا، لتعتبر أن إعلانا للتحالف عن إقامة هذه المنطقة سيكون بنفسه رادعا لقوات النظام والقوة الجوية الروسية نفسها التي «لن تخاطر» بإشعال حرب مع الولايات المتحدة، خصوصا أنها لن تكون مستهدفة كما أن قوات النظام السوري نفسه لن تكون هدفا إلا إذا انتهكت منطقة الحظر.
هذه الاعتبارات لم يعد لها معنى الآن بعد أن فاز ترامب بالرئاسة، خطأ جميع التقديرات. وتتابع باريس عن كثب أولى خطوات ترامب خصوصا هويات الأشخاص الذين ستناط بهم مهمات السياسة الخارجية الأميركية، علما بأن ترامب لا يملك أي خبرة في هذا المجال. وتركز المصادر الفرنسية على أنه يتعين على الرئيس الأميركي أن يوفق بين مراكز صنع القرار، أكان ذلك الوكالات المتخصصة أو الوزارات المعنية (الخارجية والدفاع) أو مجلس الأمن القومي ومستشاري للرئيس. ولذا، فإن باريس لا تنتظر تغيرات «جذرية» في السياسة الأميركية، كما أنها كانت تشكو، في أي حال، من «ميوعة» سياسة أوباما - كيري خصوصا إزاء روسيا.
بيد أن أنظار فرنسا تتجه أيضا إلى ما يجري ميدانيا في سوريا، خصوصا إلى حقيقة الأسباب التي تدفع موسكو للاستمرار في وقف عملياتها الجوية فوق حلب ومنطقتها، وذلك منذ انتهاء الهدنة في21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وما يزيد من حيرة الغربيين، أن «الترفع» الروسي يتزامن مع وصول التعزيزات البحرية الروسية قبالة الشاطئ السوري التي كان يقدر أن وظيفتها المباشرة «حسم» معركة حلب قبل وصول الإدارة الأميركية للجديدة. وقالت المصادر الفرنسية لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك ثلاثة افتراضات، أولها أن الرئيس بوتين «ليس مستعجلا»، وبإمكانه انتظار السياسة التي سيقررها فريق ترامب قبل أن يعاود التسريع بالحل العسكري. والثاني، مرده رغبة موسكو في تلافي فرض عقوبات اقتصادية جديدة عليها بسبب ما يحصل في حلب والاتهامات التي وجهت إليها بـ«المشاركة في ارتكاب جرائم حرب». وتشير هذه المصادر إلى العزلة السياسية والدبلوماسية التي تعاني منها موسكو، والتي برزت الشهر الماضي عندما فشل المشروع الروسي المقدم إلى مجلس الأمن في جمع أكثر من أربعة أصوات. أخيرا، لا تستبعد المصادر الفرنسية أن يكون بقاء الطائرات الروسية رابضة في مطار حميميم العسكري وسيلة ضغط، من أجل «تطويع» النظام من جهة وتحييد الأصوات المطالبة بهدنة في القصف الجوي في حلب، إذ إن ما يحصل هو هدنة جوية فعلية ولكن من غير مراسيم.
يبدو بوضوح، والكلام لباريس، أن وصول ترامب إلى البيت اﻷبيض سيخلط أوراق الملف السوري، وأن كل ما يتم تداوله في الوقت الحاضر يدخل في باب التخمين والتحليل، في انتظار أن يتمكن فريق ترامب الذي لم ير النور بعد، من الإمساك بالملفات الشائكة وإعادة النظر في السياسات السابقة المتبعة، علما بأن الملفات الخارجية لن تكون بالضرورة هي التي ستحظى بأولوية الرئيس للملياردير الذي لم يسبق له أن تعاطى مع الشأن العام أو السياسة الخارجية.
مجموعة ضغط أميركية كانت تعد لمنطقة عازلة بسوريا قبل ظهور نتائج الانتخابات
مصدر فرنسي لـ«الشرق الأوسط»: أنظار فرنسا تتجه إلى ما يجري على الأرض
مجموعة ضغط أميركية كانت تعد لمنطقة عازلة بسوريا قبل ظهور نتائج الانتخابات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة