نازحو الموصل.. أمام تحدي إثبات الهوية

شهادات ميلاد ووفاة ووثائق ملكية صادرة من «داعش» لا تعترف الحكومة بها

نازحو الموصل.. أمام تحدي إثبات الهوية
TT

نازحو الموصل.. أمام تحدي إثبات الهوية

نازحو الموصل.. أمام تحدي إثبات الهوية

يواجه سكان مدينة الموصل الهاربون من قبضة تنظيم داعش الذي سيطر على مدينتهم منذ أكثر من ثلاث سنوات، وغيرهم من أبناء المناطق التي استعادت القوات الأمنية السيطرة عليها من قبضة التنظيم المتطرف، مصاعب جديدة واجهوا منذ الوهلة الأولى في مخيمات النزوح.
مشكلة هؤلاء النازحين هي الأوراق الثبوتية التي أصدرتها دوائر تابعة لتنظيم داعش والتي تحمل شعار ما يسمى دولة الخلافة ورفضتها السلطات الحكومية. وأبرز الآلاف من سكان مدينة الموصل والقرى والبلدات الأخرى التي تم تحريرها عند أطراف المدينة أوراقا ثبوتية مثل البطاقة الشخصية وشهادات الولادة وعقود الزواج التي أصدرها التنظيم وفرض على السكان أو إتلاف كل الأوراق المتعلقة بالدولة العراقية.
المواطن ثامر الجبوري، 65 عاما، ويعمل في المحاماة ومن سكان حي الانتصار في الموصل، الذي تم تحريره مؤخرًا من قبل القوات الحكومية العراقية، يقول في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «تنظيم داعش ومنذ دخوله إلى مدينة الموصل عمل على تبديل كل القوانين المعمول بها في المدينة واستبدل بها قوانين أخرى فرض تطبيقها على السكان وهذه القوانين شملت مجالات عدة منها الزواج وشهادات الولادة والوفيات مكتوبة على أوراق تحمل شعار التنظيم وممهورة من قبل ما يسمى (ديوان القضاء والمظالم) التابع له الذي أصدر تعليمات إلى سكان مدينة الموصل تنص على إصدار وثائق جديدة وتمزيق وإتلاف كل الوثائق التابعة للدولة العراقية». وأضاف الجبوري: «لقد أجبرنا التنظيم الإرهابي على تغيير تقاليدنا وعاداتنا التي توارثناها عن آبائنا وأجدادنا بالقوة والخوف، حيث أصبح الزواج مثلاً في ظل حكم (داعش) له إجراءات لا بد من الالتزام بها وإلا أصبح هذا الزواج زنى. فمثلاً اضطر جاري حارث لأن يؤجل زفاف ولده لمدة أربعة أشهر من أجل أن تنمو لحية ولده أحمد إلى حد يؤهله للوقوف أمام قاضي إحدى المحاكم الشرعية التابعة لـ(داعش) من أجل إتمام عقد الزواج الممهور طبعًا بختم (الخلافة) وشعار (دولة) التنظيم، ليس هذا فحسب بل على طالب الزواج أن يرتدي ثوبا ويطلق شعره ولحيته الطويلة ويقف أمام القاضي وطبعًا مع الفتاة التي يروم الزواج منها وهي متخفية بالكامل بعد أن ارتدت النقاب والجلباب ومعها أبوها أو أخوها (ولي أمرها) كما يجب إحضار شاهدين اثنين يرتديان زيا مشابها لزي العريس أي الدشدادشة والسروال، بعدها يقوم القاضي بترديد عبارات باللغة العربية الفصحى تدل على قبول الزواج ويرددها الزوج من بعده ثم يفعل الشيء ذاته مع والد الفتاة باعتباره ولي أمرها ووكيلها دون أن يوجه أي كلمة إلى العروس مهما كان عمرها. واليوم لا تعترف الحكومة العراقية بكل تلك الأوراق الصادرة من التنظيم الإرهابي، فكيف ستتم معالجة الأمر، خصوصًا أن تلك العائلة أصبح لديها مواليد جدد يحملون بطاقات شخصية صادرة من قبل دوائر تنظيم داعش، وهذا الحال ينطبق على آلاف العائلات من سكان مدينة الموصل».
وتابع الجبوري: «لقد ألغى تنظيم داعش محاكم الأحوال الشخصية ومكاتب الولادات والوفيات في مدينة الموصل، وعمل على إنشاء سبع محاكم شرعية وزعها في أنحاء متفرقة من المدينة وخصص لها قضاة عربًا وأجانب يمنحون الإذن بالزواج من عدمه ويفرضون عقوبات على المخالفين تصل إلى حد الموت رجمًا بالحجارة، وهذه المحاكم حلت بديلاً عن محكمة الأحوال الشخصية وباقي محاكم استئناف محافظة نينوى كالجنح والجنايات والبداءة والتحقيق فور سيطرته على المدينة، واتهم قضاتها بالكفر وحرم مهنة المحاماة وألغى دراسة القانون في جامعة الموصل والكليات الأهلية، وهناك مسائل في غاية الخطورة عمل التنظيم على انتشارها والعمل بها في محاكمه الشرعية، منها إلغاء شرط العمر في الزواج، إذ يمكن تزويج الفتاة القاصر إذا قرر القاضي بناءً على مشاهدته بنيتها مع شرط أساسي للقاصر والبالغة على حد سواء بحضور ولي أمرها وموافقته وهو الأب بالدرجة الأساس وفي حال عدم وجوده تحضر الأم، كما لا تشترط البلوغ لدى العريس كذلك، والذي حدده القانون العراقي بـ(18) سنة، ويمكن لهذه المحكمة أن تزوج مراهقا قاصرا إذا وجد القاضي أنه يصلح بدنيا لذلك مع توفر المقدرة المالية ووجود ولي الأمر، لكنها تفرض سن البلوغ للشاهدين الاثنين على عقد الزواج». وأكد الجبوري أن تنظيم داعش فرض عقوبة الزنى على العرسان الذين يبرمون عقود الزواج خارج محاكمها، معتبرًا العلاقة بين الزوجين محرمة والعقوبات تتراوح بين الجلد وحتى الموت رجما بالحجارة.
وأضاف: «اليوم نحن بلا أوراق تثبت وجودنا لكون الحكومة لا تعترف إطلاقًا بوثائق وشهادات صادرة عن تنظيم إرهابي، ولا بد من إيجاد حلول سريعة وعاجلة لنا».
بدوره، قال عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى النائب عبد الرحيم الشمري في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «الحكومة العراقية تتعامل مع أهالي مدينة الموصل وباقي مدن محافظة نينوى على أنهم كانوا أسرى في قبضة تنظيم داعش الإرهابي، وتعتبرهم على هذا الأساس، فمن الطبيعي جدًا ألا يحمل الأسير أي أوراق ثبوتية معه حين خلاصه من أسره». وأضاف الشمري: «إن الحكومة العراقية والحكومة المحلية في محافظة نينوى أنشأتا دائرة للأحوال المدنية والجنسية في منطقة الشيخان، وستباشر تلك الدائرة بإصدار شهادات ثبوتية لجميع المدنيين الذين تمكنوا من الإفلات من قبضة التنظيم الإرهابي».
إلى ذلك، أكد نائب رئيس اتحاد الحقوقيين في العراق شاكر البحر في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «الحكومة العراقية مقصرة تمامًا في ملف النازحين ولا يمكنها معالجة أبسط الأمور في إنقاذهم من الأزمات التي يمرون بها، وأزمة عدم وجود أوراق ثبوتية لمئات الآلاف من سكان مدينة الموصل هي أمر معقد للغاية حيث سيفقد هؤلاء الأبرياء حقوقهم بالكامل، فلا يمكن لشخص اليوم أن يعيش وهو بلا إثباتات رسمية تثبت اسمه ووظيفته وأملاكه، وعلى الحكومة العراقية معالجة هذا الأمر بالسرعة الممكنة». وأضاف البحر: «لا بد من تشكيل لجان تعمل على إحصاء المدنيين الهاربين من قبضة التنظيم الإرهابي والعمل على إصدار كل الأوراق الرسمية لهم وتسجيل المواليد الجدد وأعداد الوفيات في ظل سيطرة التنظيم الإرهابي على مدينة الموصل».



انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.