مشاركة أوروبية ـ أميركية في الهجوم على الرقة

«قوات سوريا الديمقراطية» تتقدم.. ومسؤول المال في «داعش» أبرز الفارين

مقاتلون من «قوات سوريا الديمقراطية» لدى تقدمهم إلى قرية تل عاج شمال الرقة أمس (أ.ف.ب)
مقاتلون من «قوات سوريا الديمقراطية» لدى تقدمهم إلى قرية تل عاج شمال الرقة أمس (أ.ف.ب)
TT

مشاركة أوروبية ـ أميركية في الهجوم على الرقة

مقاتلون من «قوات سوريا الديمقراطية» لدى تقدمهم إلى قرية تل عاج شمال الرقة أمس (أ.ف.ب)
مقاتلون من «قوات سوريا الديمقراطية» لدى تقدمهم إلى قرية تل عاج شمال الرقة أمس (أ.ف.ب)

أكد مصدر كردي بارز قريب من الحملة الدولية لمحاربة «داعش» في الرقة، لـ«الشرق الأوسط»، أن مستشارين عسكريين أميركيين وفرنسيين وألمانًا يوجدون في مدينة عين العرب (كوباني) السورية في شمال شرقي مدينة حلب، «لتنسيق الضربات الجوية ودعم (قوات سوريا الديمقراطية)» التي أطلقت حملتها أول من أمس لعزل مدينة الرقة والسيطرة عليها في مرحلة لاحقة، مدعومة بغطاء جوي من طائرات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.
وقال المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، إن «50 مستشارًا عسكريًا أميركيًا و20 مستشارًا عسكريًا فرنسيًا، وصلوا إلى مدينة الرقة، بينما يوجد عدد صغير من المستشارين العسكريين الألمان على الخطوط الثانية للجبهات ضد (داعش)، لتنسيق العمليات العسكرية والضربات الجوية التي ينفذها التحالف». وأضاف المصدر: «هناك قرار بمشاركة الطائرات الفرنسية والبريطانية إلى جانب الطائرات الأميركية في حماية القوات المهاجمة وضرب تمركزات التنظيم، بينما المستشارون الأميركيون والفرنسيون والألمان، يوجدون على الأرض». وأكد أن الحشد الأوروبي والأميركي «يعكس التوجه الغربي لدعم (قوات سوريا الديمقراطية)، والثقة بأنها القوة الوحيدة القادرة على تحرير الرقة من الإرهاب». وقال المصدر القريب من الحملة الدولية للهجوم على الرقة، إن التقديرات لدى التحالف الدولي، تقول إنه «قبل نهاية العام، يرجح أن تحقق القوات المتقدمة تقدمًا كبيرًا، وستصل إلى الرقة»، لافتًا إلى أن عناصر التنظيم المتشدد «بدأوا في الفرار من معقلهم بالرقة، وكان أبرز الفارين مسؤول ديوان المال في التنظيم».
بدوره، أكد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» وصول تعزيزات من الجنود الأميركيين إلى منطقة عين العرب (كوباني)، للمشاركة في العمليات العسكرية الدائرة في ريف الرقة الشمالي، بين «قوات سوريا الديمقراطية»، وتنظيم «داعش»، والإشراف على سير المعارك فيها. ونقل عن مصادر قولها إن القوات الأميركية ستشارك في العملية التي أطلق عليها اسم «غضب الفرات» لعزل مدينة الرقة عن ريفيها الشمالي والشرقي، بأعداد أكبر من الأعداد التي شاركت بها في معارك السيطرة على منبج، كما أكدت المصادر أنه جرى إرسال ذخيرة وأسلحة متطورة من قوات التحالف إلى «قوات سوريا الديمقراطية» قبيل بدء عمليتها العسكرية في الرقة.
يذكر أن قوات ألمانية وأميركية وفرنسية خاصة، شاركت «قوات سوريا الديمقراطية» في هجومها على تنظيم «داعش» في منبج، حيث ساعدت القوات الألمانية التي يقدر عددها بنحو 50؛ ضمنهم نحو 20 مستشارًا عسكريًا، «قوات سوريا الديمقراطية»، بمهام تفكيك الألغام وبالخدمات التقنية والاستشارية، فيما شاركت القوات الأميركية والفرنسية في الخط الثاني من الجبهة حينها.
وأحرزت «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة أمس، تقدمًا لنحو 12 كيلومترًا في ريف الرقة، حيث انتزعت السيطرة على عدد من القرى في الأيام الأولى من هجوم لاستعادة مدينة الرقة من تنظيم داعش.
وقال المصدر إن القوات البرية تحصل على دعم من ضربات جوية يشنها تحالف تقوده الولايات المتحدة. لكنه أضاف أن معركة إخراج مقاتلي التنظيم من الرقة، معقله الرئيسي في سوريا، «لن تكون سهلة». وتهدف العملية التي تنفذها «قوات سوريا الديمقراطية» التي تشمل «وحدات حماية الشعب» الكردية، والتي بدأت يوم السبت الماضي إلى تطويق الرقة وانتزاع السيطرة عليها في نهاية الأمر، مما يزيد من الضغوط على تنظيم داعش الذي يواجه هجوما كبيرا على الموصل معقله في العراق.
ويبدو حتى الآن أن الهجوم الذي أطلق عليه اسم «غضب الفرات» يتركز على مناطق إلى الشمال من الرقة وجنوب بلدة عين عيسى على مسافة 50 كيلومترا. وقال مصدر لوكالة «رويترز»: «من الصعب تحديد إطار زمني للعملية في الوقت الراهن. المعركة لن تكون سهلة». وأكد أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يوفر دعما جويا «ممتازا».
وقال التحالف أمس إن «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة بغطاء جوي ودعم يتعلق بالاستشارات، من التحالف، بدأت عملية لعزل الرقة. وقال اللفتنانت جنرال ستيفن تاونسند: «عزل الرقة عندما يكتمل، سيحرر قطعة أرض ذات قيمة استراتيجية حول الرقة، وسيمكن من تحرير المدينة». وأضاف أن العملية ستقطع الطرق كذلك على مقاتلي تنظيم داعش إلى الموصل في الوقت الذي تحاول فيه القوات العراقية استعادة المدينة.
وقصفت طائرات التحالف الدولي أماكن في منطقة الهيشة ومناطق أخرى في ريفي الرقة الشمالي والشمالي الغربي، بالتزامن مع استمرار الاشتباكات في محاور عدة، في محاولة لتحقيق تقدم جديد ضمن العملية. وتمكنت «قوات سوريا الديمقراطية» من السيطرة على قرية لقطة الاستراتيجية جغرافيًا، في ريف الرقة الشمالي.
وقالت جيهان شيخ أحمد، المتحدثة باسم حملة «غضب الفرات»، وهو اسم العملية التي أطلقتها «قوات سوريا الديمقراطية»، لوكالة «الصحافة الفرنسية»: «تقدمت قواتنا من محور بلدة سلوك (80 كيلومترا شمال الرقة) لمسافة 12 كيلومترا بعدما اندلعت (أول من) أمس اشتباكات عنيفة مع (داعش)». وأضافت: «تمكننا من الاستيلاء على أسلحة، وسقط قتلى من (داعش)».
كذلك تقدمت «قوات سوريا الديمقراطية»، وفق شيخ أحمد، لمسافة «11 كيلومترا من محور بلدة عين عيسى» الواقعة على بعد 50 كيلومترا شمال مدينة الرقة. وأكدت شيخ أحمد أن «الحملة مستمرة بحسب التخطيط الذي وضعناه».
وكان التخطيط لهجوم الرقة معقدا بسبب عوامل؛ منها مخاوف تركيا المجاورة التي لا تريد أن ترى أي توسع إضافي للنفوذ الكردي في شمال سوريا.
وإضافة إلى ذلك، فإن الرقة تقطنها أغلبية عربية، وقال مسؤولون بارزون من أكراد سوريا في وقت سابق إنه يتعين على جماعات سورية عربية تحريرها من تنظيم «داعش» وليس «وحدات حماية الشعب» الكردية.
وقالت جيهان شيخ أحمد، المتحدثة باسم «قوات سوريا الديمقراطية» إنه فور تحرير الرقة من التنظيم، سيديرها مجلس مدني وعسكري من سكانها. وكان هذا هو نموذج الحكم بعد التحرير الذي طبق في مدينة منبج قرب الحدود التركية بعد أن أخرجت «قوات سوريا الديمقراطية» مقاتلي التنظيم منها في أغسطس (آب) الماضي.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.