ظاهرة ترامب تعيد للواجهة صورة «الأميركي القبيح»

كتب وأفلام سينمائية ترصد صورة الأميركيين في الخارج

ملصق فيلم «الأميركي القبيح» من بطولة مارلون براندو  -  غلاف كتاب ويليام ليدرار وأيوجين بيرديك {الأميركي القبيح}  -  غلاف كتاب مارك توين {الأبرياء في الخارج}
ملصق فيلم «الأميركي القبيح» من بطولة مارلون براندو - غلاف كتاب ويليام ليدرار وأيوجين بيرديك {الأميركي القبيح} - غلاف كتاب مارك توين {الأبرياء في الخارج}
TT

ظاهرة ترامب تعيد للواجهة صورة «الأميركي القبيح»

ملصق فيلم «الأميركي القبيح» من بطولة مارلون براندو  -  غلاف كتاب ويليام ليدرار وأيوجين بيرديك {الأميركي القبيح}  -  غلاف كتاب مارك توين {الأبرياء في الخارج}
ملصق فيلم «الأميركي القبيح» من بطولة مارلون براندو - غلاف كتاب ويليام ليدرار وأيوجين بيرديك {الأميركي القبيح} - غلاف كتاب مارك توين {الأبرياء في الخارج}

خلال الشهور القليلة الأخيرة التي لمع فيها نجم المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وبسبب آرائه المتطرفة في السياسة الداخلية والخارجية، وصفه عدد من الكتاب والصحافيين بأنه «الأميركي القبيح».
قالت مجلة «يو إس نيوز»: «يرى العالم في شخصية ترامب شخصية الأميركي القبيح. وينتقده كثير من الناس، ويرونه رمزًا للعنجهية».
ونقلت صحيفة «واشنطن بوست»، في تقرير عن عداء المكسيكيين لترامب، بأنه أيقظ فيهم «كراهية الأميركي القبيح».
ونشرت مجلة «فانيتي فير» تقريرًا عن ترامب بعنوان: «الأميركي القبيح، مع الاعتذار للمؤلفين».
يشير هذا إلى كتاب «أغلي أميركان» The Ugly American (الأميركي القبيح) الذي صدر في عام 1958، وكتبه رجلان: ويليام ليدرار، وأيوجين بيرديك.
يتلخص الكتاب في الآتي: «ذهب، خلال خمسينات القرن الماضي، أميركيون إلى جنوب شرق آسيا (خاصة فيتنام، وتايلاند، وبورما، وكمبوديا) لتقديم مساعدات لتلك الشعوب. لكن، اتفقوا في الهدف، واختلفوا على الوسائل: قال دبلوماسيون: تجب إعادة تركيب الهياكل الاقتصادية لهذه الدول. وقال عسكريون: تجب حماية هذه الشعوب من الشيوعية. (فعلاً، تدخلت الولايات المتحدة عسكريًا بعد نشر الكتاب بعشرة أعوام تقريبًا). بينما قال هومر أتكينز (شخصية رمزية): يجب علينا أن نشارك شعوب تلك المنطقة في الآراء، وفي الحلول».
لكن الكتاب يصف أتكينز هذا بأنه كان «قبيحًا» في منظره، وغير مرتب الثياب (لكن، كان هادئا وودودا في تصرفاته وفي آرائه). واختار المؤلفان، لسبب ما، أن يكون اسم الكتاب «الأميركي القبيح».
* «قبيح» أو «جميل»؟:
يعنى هذا أن «الأميركي القبيح» كان أحسنهم. لكن، صار الوصف هو وصف ربما كل الأميركيين الذين يذهبون إلى دول أخرى لمساعدة شعوبها، ويستعلون، باسم هذه المساعدة، على شعوب تلك الدول. ويسيئون إليها، بل يحاربونها.
وتأكيدًا لهذا الرأي، قال صحافي رمزي في الكتاب، وهو يتحدث إلى «الأميركي القبيح»: «أنت أحسن من غيرك. لكن، يميل أكثركم نحو الاستعلاء والعنجهية.
يضيف: «غريبة. أنا كنت في بلدكم، ووجدت الأميركيين طيبين ومؤدبين. لكنكم تستعلون علينا عندما تأتون إلى بلادنا».
ظهر الاسم، قبل كتاب «الأميركي القبيح» بعشرة أعوام تقريبًا، في مجموعة صور التقطها صحافي كوبي في كوبا. صور استغلال الشركات الأميركية (في تجارة التبغ والموز والسكر) للشعب الكوبي (في عهد الديكتاتور باتستا. قبل ثورة كاسترو بعشرة أعوام تقريبًا). وسمى مجموعة الصور: «فيو أميركانو» (الأميركى القبيح).
في عام 1963، صدر فيلم «الأميركي القبيح»، اعتمادا على الكتاب، ومثل الدور الرئيسي الممثل مارلون براندو. وتوجد ملصقات الفيلم، ومعلومات عن «الأميركي القبيح» في متحف نجوم هوليوود، في ابنجدون (ولاية فرجينيا).
وفي ذلك الوقت، قالت مجلة «تايم»، إن براندو «جميل مثل القبيح الجميل». يشير هذا إلى أن براندو كان وسيما وأنيقا. لكنه مثل دور «الأميركي القبيح» الذي هو، حقيقة، كان طيبًا ومحترمًا، «كان جميلاً».
* مارك توين:
لم يصدر مارك توين، الروائي الأميركي (توفي عام 1910) كتابًا عن «الأميركي القبيح». لكن، أصدر، في عام 1879، كتاب «أبرياء في الخارج». وصار الكتابان، عبر التاريخ، رفيقين في وصف تصرفات الأميركيين في الخارج.
يتلخص كتاب «أبرياء في الخارج» في انطباعات المؤلف خلال رحلة استمرت خمسة أشهر. سافر من الولايات المتحدة، عبر المحيط الأطلسي، إلى أوروبا، ثم إلى الشرق الأوسط، حيث زار القدس وبيت لحم (خلال حكم السلطة العثمانية). وسمى الرحلة: «زيارة الأماكن المقدسة».
انتقد انطباعات سياح غربيين قبله. وقال إنهم استعلوا على شعوب الشرق الأوسط. لكنه، هو نفسه، لم يقصر. تندر على اسم «جبل طارق». وتندر على صحارى فلسطين الجرداء. وتندر على «ملوك الكتاب المقدس». وقال إنهم كانوا يحكمون صحارى ليس فيها غير خيام وجمال. وتندر على الحجاج الكاثوليك الذين قابلهم في القدس (كانت أميركا، في ذلك الوقت، ربما بروتستانتينة صافية).
وتندر على المغاربة عندما وصل إلى طنجة. وقال: «وجدنا، أخيرًا، هدفنا. وجدنا شعبا غريبا، وأجنبيا، ومختلفا. شعبا غريبا في الداخل وفي الخارج. شعبا أجنبيا حتى النخاع. شعبا لا يشبهنا، وليس مثلنا».
* حرب فيتنام:
انتشر وصف «الأميركي القبيح» خلال ستينات القرن الماضي. خلال المظاهرات، في أميركا وفي الخارج، التي عارضت التدخل العسكري الأميركي في فيتنام. وبعد ذلك، صار الوصف يستعمل من وقت لآخر: في عام 1962، عندما تدخلت الولايات المتحدة، عن طريق وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) في الكونغو، وأسقطت حكومة رئيس الوزراء الديمقراطي باتريس لوممبا. وفي عام 1973، عندما تدخلت الولايات المتحدة، عن طريق «سي آي إيه» في تشيلي، وأسقطت حكومة الرئيس الاشتراكي سلفادور الليندي. وفي عام 1985، عندما أيدت الولايات المتحدة ثوار «ساندنستا» اليمنيين ضد حكومة نيكاراغوا الاشتراكية.
واستعمل الوصف في مناسبات غير سياسية، مثل مناسبات رياضية: في عام 1987، عندما تبجح جون ماكنرو، لاعب التنس، بعد أن فاز على منافسه الألماني.
في عام 1999، عندما فعل الشيء نفسه لاعب غولف أميركي بعد أن فاز على منافسه الأسترالي. وفي عام 2000، في منافسات الألعاب الأولمبية في أستراليا. تبجح لاعبون أميركيون بعد أن فازوا بميدالية ذهبية. ورد عليهم المشاهدون داخل الاستاد بصيحات الغضب. وفي هذا العام، في منافسات الألعاب الأولمبية في البرازيل، تبجحت لاعبة كرة القدم هوب سولوا بعد الفوز على فريق السويد. واعتقل السباح ريان لوكتى بعد أن ادعى أن برازيليين نهبوه، هو وزملاءه. فازت الولايات المتحدة، في البرازيل، بأكثر الميداليات الذهبية، لكن، إطلاق وصف «الأميركي القبيح» على السباح بدا وكأنه نسف كل هذه الميداليات.
* جورج بوش:
في عام 2001، عندما أعلن الرئيس جورج بوش الابن «الحرب العالمية ضد الإرهاب»، وغزا أفغانستان، ثم غزا العراق، سماه متظاهرون في دول خارج الولايات المتحدة «الأميركي القبيح». (لم يستعمل الأميركيون الوصف، وأيد كثير منهم بوش).
وفي عام 2004، صدر فيلم «رحلة أوروبية» (عن استعلاء وتأفف وعنجهية سياح أميركيين في أوروبا. على خطى رحلة مارك توين قبل 150 عاما تقريبا). كان اسم الفيلم الأصلي هو «الأميركي القبيح». لكن، غيره المخرج بعد احتجاجات في الكونغرس بأن الاسم «يسيء إلى الحرب ضد الإرهاب، وحماية الأمن الأميركي».
قبل أعوام قليلة، احتجت منظمات أميركية، عرب ومسلمين، على المسلسل التلفزيوني «سكس أند سيتي» (الجنس والمدينة)، لأن الممثلة «سمانثا» أساءت في أحاديثها مع صديقاتها، إلى العرب والمسلمين في شوارع نيويورك.
وأخيرًا، قبل أعوام قليلة، صدر تقرير عن «الأبعاد الخارجية لأفلام هوليوود». يتلخص التقرير في أنه كلما زاد تصدير الأفلام والمسلسلات التلفزيونية الأميركية إلى الخارج، زادت نسبة «عدم الارتياح» للأميركيين وسط الشعوب الأجنبية.



قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية
TT

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

لطالما كانت كلمات الأغاني محل اهتمام البشر بمختلف أجناسهم وأعمارهم وشرائحهم الاجتماعية والثقافية. وإذا كانت القلة القليلة من الباحثين وأهل الاختصاص تحصر تعاملها مع الأغاني في الإطار النقدي، فإن معظم الناس يبحثون في كلماتها، كما في اللحن والصوت عما يحرّك في دواخلهم أماكن الرغبة والحنين وترجيعات النفس والذاكرة. لا، بل إن بعض الأغاني التي تعجز عن لفت انتباه سامعيها بسبب سذاجتها أو مستواها الهابط سرعان ما تكتسب أبعاداً وتأثيرات لم تكن لها من قبل، حين يمرون في تجربة سفر أو فراق أو حب عاصف أو خيانة غير متوقعة.

وحيث لا يُظهر البعض أي اهتمام يُذكر بالدوافع التي أملت على الشعراء كتابة النصوص المغناة، فإن البعض الآخر يجدُّون بدافع الفضول أو المعرفة المجردة، في الوقوف على حكايات الأغاني ومناسباتها وظروف كتابتها. وهو فضول يتضاعف منسوبه إذا ما كانت الأغنية تدور حول حدث بعينه، أو اسم علم مبهم الملامح وغير مكتمل الهوية.

وإذا كان لموت الأبطال في الملاحم والأساطير وحركات المقاومة تأثيره البالغ في النفوس، فإن موت الأطفال في الحروب يكتسب تأثيره المضاعف لأنه ينتقل من الخاص إلى العام فيصيب البراءة في عمقها ويسدد طعنته القاتلة إلى نحر الأحلام ووعود المستقبل. وهو ما جسّدته بشكل جلي أعداد وافرة من الروايات واللوحات التشكيلية والقصائد والأغاني، بدءاً من قصيدة «الأسلحة والأطفال» لبدر شاكر السياب، وليس انتهاءً بشخصية «شادي» المتزلج فوق ثلوج الزمن الذي حولته الأغنية الفيروزية رمزاً أيقونياً لتراجيديا البراءة الطفولية التي قصفتها الحرب في ريعانها.

ولم تكن مأساة «أيمن» الذي قتلته الطائرات الإسرائيلية المغيرة على الجنوب اللبناني في نهاية عام 1977 والتي استوحيت من حادثة استشهاده القصيدة التي تحمل الاسم نفسه، سوى حلقة من حلقات التراجيديا الإنسانية التي تجدد نفسها مع كل صراع قومي وإثني، أو مواجهة قاسية مع الطغاة والمحتلين. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الفارق بين شادي وأيمن هو أن الأول قد اخترعه الرحبانيان بخيالهما المحض، في حين أن أيمن كان طفلاً حقيقياً من لحم ودم، قضى في ظل الظروف نفسها والصراع إياه.

أما الفارق الآخر الذي لا ينبغي إغفاله، فيتمثل في كون النص الرحباني كُتب في الأساس ليكون جزءاً من مسرح الأخوين الغنائي، في حين أن قصيدة أيمن لم تُكتب بهدف الغناء، رغم أن جرسها الإيقاعي سهّل أمر تلحينها وغنائها في وقت لاحق. ومع ذلك، فإن ما يثير العجب في تجربة الرحبانيين هو أن كتابة النص أغنيةً لم تنقص بأي وجه من رشاقته وعوالمه الساحرة وأسلوبه التلقائي.

والواقع أنني ما كنت أعود لقصة أيمن بعد 47 عاماً من حدوثها، لو لم تكن هذه القصة محلّ أخذ ورد على مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، فهوية الطفل القتيل قد حُملت من قِبل المتحدثين عنها على غير رواية ووجه. على أن تبيان وقائع الحدث المأساوي لا بد أن تسبقه الإشارة إلى أن الفنان مرسيل خليفة الذي كانت تربطني به ولا تزال صداقة وطيدة، كان قد فاتحني بشأن كتابة نص شعري يعكس مأساة لبنان الرازح تحت وطأة حربه الأهلية، أو معاناة الجنوبيين وصمودهم في وجه العدو الإسرائيلي. ومع أنني عبّرت لمرسيل عن حماسي الشديد للتعاون معه، وهو الذي اعتُبر أحد الرموز الأبرز لما عُرف بالأغنية الوطنية أو الملتزمة، أبديت في الآن ذاته توجسي من أن يقع النص المطلوب في مطب الحذق التأليفي والصنعة المفتعلة. وإذ أجاب خليفة الذي كان قد أنجز قبل ذلك أغنيات عدة مقتبسة من نصوص محمود درويش، بأن المسألة ليست شديدة الإلحاح وأنه ينتظر مني الاتصال به حالما ينجز الشيطان الذي يلهمني الشعر مهماته.

ولم يكد يمرّ أسبوعان اثنان على لقائي صاحب «وعود من العاصفة»، حتى كنت أتصل هاتفياً بمرسيل لأسمعه دون إبطاء النص الذي كتبته عن أيمن، والذي لم يتأخر خليفة في تلحينه وغنائه. لكن مَن هو أيمن؟ وفي أي قرية وُلد وقضى نَحْبَه؟ وما هي قصته الحقيقية وسبب معرفتي به وبمصيره الفاجع؟

في أوائل سبعينات القرن المنصرم وفي قرية «العزّية» الجنوبية القريبة من الطريق الساحلية الواقعة بين صور والبيّاضة وُلد أيمن علواني لأب فلسطيني وأم لبنانية من بلدة برجا اللبنانية الشوفيّة. وإذ كانت معظم أراضي القرية ملكاً لعائلة سلام البيروتية المعروفة، فقد قدُمت العائلة إلى المكان بهدف العمل في الزراعة شأنها في ذلك شأن عائلات قليلة أخرى، ليؤلف الجميع مجمعاً سكنياً صغيراً لا يتجاوز بيوته العشرين بيتاً، ولا يبلغ سكانه المائة نسمة. أما البساتين الممتدة هناك على مرمى البصر، فقد كان يتعهدها بالنمو والخصوبة والاخضرار نبع دائم الجريان يحمل اسم القرية، ويختتم سلسلة الينابيع المتقطعة الذي يتفتح أولها في كنف الجليل الفلسطيني دون أن يتمكن آخرها من بلوغ البحر.

شكَّل نبع العزية جزءاً حيوياً من مسرح طفولتي الأولى، حيث كان سكان قريتي زبقين الواقعة على هضبة قريبة من مكان النبع يقصدونه للسباحة والاستجمام ويلوذون بمياهه المنعشة من حر الصيف، كما أن معرفتي بأيمن وذويه تعود إلى عملي في التدريس في ثانوية صور الرسمية، حيث كان من بين تلامذتي خالة الطفل وبعض أقاربه الآخرين. وحين قصف الإسرائيليون بيوت القرية الوادعة بالطائرات، متسببين بتدمير بيوتها وقتل العشرات من سكانها الآمنين، ومتذرعين بوجود معسكر تدريب فلسطيني قريب من المكان، فقد بدا اغتيال أيمن ذي الوجه القمري والعينين الخرزيتين بمثابة اغتيال لطفولتي بالذات، ولكل ذلك العالم المصنوعة فراديسه من قصاصات البراءة ونثار الأحلام. وفي حين لم أجد ما أردّ به على موت أيمن سوى كتابة القصيدة التي تحمل اسمه، فإن ذوي الطفل القتيل قرروا الذهاب إلى أبعد من ذلك، فأنجبوا طفلاً آخر يحمل اسم ابنهم الراحل وملامحه، ويواصل حتى الساعة الحياة بالأصالة عن نفسه ونيابة عن أخيه.

بعد ذلك بات اسم أيمن بالنسبة لي محفوراً في مكان عميق من القلب والذاكرة إلى حد أنني كلما قرأته في جريدة أو كتاب، أو قابلت أحداً بهذا الاسم تناهت إلي أصداء ضحكات الطفل القديم وأطيافه المدماة على ضفاف نبع العزية. ومع ذلك، فإن السيناريو الذي ضجت به في الأسابيع الأخيرة مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، ومفاده أن قصيدة أيمن قد استوحيتْ من مقتل الطفل أيمن رحال إثر غارة إسرائيلية على قرية طير حرفا الجنوبية عام 1978، لم يكن هو وحده ما أصابني بالذهول، بل معرفتي بأن الرقيب في الجيش اللبناني الذي استُشهد مؤخراً بفعل غارة مماثلة هو الشقيق البديل لأيمن الأول.

ومع أنه لم يسبق لي معرفة أيّ من «الأيمنين» الآخرين، إلا أن نسبة القصيدة إليهما لا تضير الحقيقة في شيء، بل تؤكد مرة أخرى على أن الشعر كما الأغنية والفن على نحو عام يتجاوز الحدث الباعث على كتابته ليلد نفسه في كل زمن، وليتجدد مع كل مواجهة غير عادلة بين الأطفال والطائرات. لكن كم من أيمن عليه أن يسقط، وكم من قصيدة ينبغي أن تُكتب لكي يرتوي القتلة من دم القتلى وتأخذ الحرية طريقها إلى التفتح؟