ظاهرة الإرهاب في روايات عربية وغربية

منذ وقت مبكر اهتم الكتاب بانعكاساتها المختلفة في المجتمع

الإرهاب ضرب فرنسا عدة مرات في الفترة الأخيرة
الإرهاب ضرب فرنسا عدة مرات في الفترة الأخيرة
TT

ظاهرة الإرهاب في روايات عربية وغربية

الإرهاب ضرب فرنسا عدة مرات في الفترة الأخيرة
الإرهاب ضرب فرنسا عدة مرات في الفترة الأخيرة

لم يكن الأدب يومًا أكثر انعكاسًا لواقع مجتمع كما هو عليه اليوم، وخصوصًا من بداية العقدين الأخيرين. فإذا كان الأدب مرآة المجتمع الذي يستلهم الأديب منه أدوات فنه ليعبر عن إشكالية ما، عن مأساة، أو عن ملهاة، عن ضياع، أو عن حدث ترك بصمة في عمق الضمير الإنساني، والأمثلة على كثرتها. عالمنا العربي الذي انتشر فيه الإرهاب من مشرقه إلى مغربه، لم يكن غريبًا عن هذه الظاهرة، فمنذ وقت مبكر، اهتم كتاب عرب وخصوصًا في الجزائر - بسبب العشرية السوداء في التسعينات - وما تلاها بظاهرة الإرهاب وانعكاساتها المختلفة في حياة المجتمع.
يتطرق واسيني الأعرج في روايته «أصابع لوليتا» إلى كيفية تحول بطلة الرواية وعشيقة الراوي إلى إرهابية تفجر نفسها في أشهر جادة في باريس، وكأنه يستبق الحدث ويرى ما يحدث اليوم من استقطاب لفتيات أوروبيات من قبل منظمات إرهابية كـ«داعش». ويحكي ياسمينة خضرا في «ماذا ينتظر القرود»، (بالفرنسية) كيف يتحول شاب عادي إلى إرهابي خلال العشرية السوداء ثم يقتل في نهاية المطاف. وفي «العملية الإرهابية» (بالفرنسية)، يروي كيف تنتمي زوجة طبيب عربي ناجح في تل أبيب إلى مجموعة إسلامية متطرفة وتفجر نفسها في مقهى، وكيف يحاول الزوج فهم الدوافع والأسباب التي دفعتها لمثل هذا العمل. وكذلك في المغرب التي عاشت أيامًا سوداء عبر عنها محمد الأشعري في روايته «القوس والفراشة»، حيث يتحول نجل بطل الرواية إلى إرهابي يفجر نفسه وأبيه. وقد أنتج أدباء سوريون كثيرون أعمالاً كثيرة حول إرهاب الدولة. إرهاب النظام السوري الذي لا يتواني عن قتل، وتعذيب، ووضع سيارات متفجرة في مناطق الثوار.
العراقي أحمد سعداوي، يستوحي قصة فرانكشتاين ليروي قصة ذاك العراقي في روايته «فرانكشتاين في بغداد» (بالفرنسية) الذي يقوم بجمع أشلاء ضحايا الانفجارات الإرهابية اليومية في بغداد ويضمها بعضها إلى بعض للتحول إلى رجل شبيه بـ«فرانكشتاين» تدب فيه الحياة، كائن عجيب يتكون جسده من قطع مختلفة من أجساد عراقيين من طوائف أعراق مختلفة، وكأنه يمثل العراق بأكمله، لكن هذا المارد العجيب الذي دبت فيه الحياة قام لينتقم من القتلة.
هذه الظاهرة الأدبية انتقلت إلى أميركا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) التي فاجأت الشعب الأميركي الذي كان يعتقد أنه في مأمن من أي ضربة خارجية، فإذا به يشهد عملاً إرهابيًا بهذا الحجم يستهدف أكبر رموز حضارته المتمثلة بمركز التجارة العالمي. أعمال أدبية كثيرة تطرقت لهذا الحدث وانعكاساته على الشعب الأميركي نذكر منها «الحياة الجميلة» للأديب جي ماك اينرني الذي يتطرق فيها الكاتب للمجتمع النيويوركي وخصوصًا في منهاتن، حيث تتميز حياة ساكنيه بطابع الرخاء، والجشع والتفكك فيما بينها، إذ تشكل مجموعات صغيرة منعزلة، وفجأة يأتي هذا الحدث الرهيب ليجمع فيما بينها وينسج علاقات جديدة قائمة على الترابط في مواجهة خطر خارجي، ولكن ما أن عادت الأمور إلى نصابها، عادوا إلى عادتهم القديمة وكأن شيئًا لم يكن.
جوناتان سافران فور في «قوي جدا، وقريب جدا» ودون دليلو في «الرجل الذي هوى»، وجون أبديك في «الإرهابي»، وجوناثان فرانزن في «حرية» ودونا تارت في «العصفور». كل هذه الأعمال ظهرت في السنوات الخمس التي تلت الحدث الذي هز العالم بأكمله، وجميعها تتوغل في أعماق الظاهرة الإرهابية وانعكاساتها المختلفة.
فرنسا بدورها، لم تشذ عن القاعدة، ففي فترة وجيزة جدًا تمتد من يناير (كانون الثاني) 2015 إلى يوليو (تموز) 2016، هزت فرنسا عدة عمليات إرهابية مريعة، في باريس ونيس، صدعت نظرة الفرنسي العادي السائدة إلى العالم حوله، ومست أحاسيسه ومشاعره.
لم يتأخر الكتاب، وخصوصًا الناشئة منهم، من اللحاق بركب الكتاب الآخرين في العالم، إذ لم يمر شهر دون أن نرى عملاً روائيًا جديدًا يعالج مشكلة الإرهاب، أو يتحدث عن مأساة إحدى ضحاياه، وكيف قلبت حياة مئات العائلات الفرنسية رأسًا على عقب: لورانس تارديو في «في النهاية ران الصمت» يتطرق الكاتب إلى كيف انعكست هذه العمليات الإرهابية على حياته شخصيا ونظرته كإنسان عايشها فقلبت مفاهيمه فيقول: «اللامعقول بات جزءًا من حياتنا». جوليان سودو في «الفرنسي يعالج قصة ذاك الفرنسي الذي أغراه الجهاد، وتبع هذا العمل بعمل آخر بعنوان «لا النار ولا الصاعقة» التي استمد وقائعها من أحداث الثالث عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الإرهابية (باتاكلان) في عام 2015 فيعرض مجموعة من الفرنسيين الذين يكافح كل واحد منهم من أجل العيش منفردا، ويواجهون الإرهاب مفككين يذكرنا بعمل الأميركي «الحياة الجميلة». إيلي فلوري في «لعبة في بلاد داعش» يحكي قصة امرأة اختطفت من قبل «داعش» فوجدت نفسها بين منقبات حولهن الإرهابيون إلى آلة جنسية. رشيد بن زين في روايته «نور» (بالفرنسية) تحكي قصة نور التي تزوجت من قائد شرطة «داعش» في الفلوجة، ودخلت في نقاش مع أبيها العالم الإسلامي المتنور المعتدل، وتروي كيف انجرت وراء فكرة الخلافة، وكيف أنها عادت لترفض هذه القناعة بعد أن شاهدت بأم عينيها ما حل بزميلة لها من فظائع، ثم تتحسر لتقول في النهاية: «كيف أني لم أر كل ذلك منذ البداية».
أعمال كثيرة أخرى تظهر تباعًا على الساحة الأدبية العربية والغربية متأثرة بشكل أساسي بوقع العمل الإرهابي على المجتمعات، وخصوصًا الغربية منها التي كانت تعيش بمعزل عن مآسي العالم «الآخر» الذي صدر لها الإرهاب، فراحت تتساءل ربما متأخرة، لماذا؟ وكيف؟. لكن الظاهرة لم تنته فصولاً، وأعمال أخرى سترى النور تطرح أسئلة أكثر عمقًا.



مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي
TT

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية، تناولت مفهوم الثقافة بالتساؤل عن معناها ومغزاها في ظل متغيرات عصر العولمة، وعرّجت على الدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة السعودية في تفعيل المعاني الإيجابية التي تتصل بهذا المفهوم، منها إبراز الهويَّة والتواصل مع الآخر.

كما أثارت المجلة في العدد الجديد لشهري نوفمبر (تشرين الثاني)، وديسمبر (كانون الأول) 2024 (العدد 707)، نقاشاً يرصد آفاق تطور النقل العام في الحواضر الكُبرى، في ضوء الاستعدادات التي تعيشها العاصمة السعودية لاستقبال مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام في الرياض».

وفي زاوية «بداية كلام» استطلعت المجلة موضوع «القراءة العميقة» وتراجعها في العصر الرقمي، باستضافة عدد من المشاركين ضمن النسخة التاسعة من مسابقة «اقرأ» السنوية، التي اختتمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي السياق نفسه، تطرّق عبد الله الحواس في زاوية «قول في مقال» إلى الحديث عن هذه «المسابقة الكشافة»، التي تستمد حضورها من أهمية القراءة وأثرها في حياتنا.

في باب «أدب وفنون»، قدَّم قيس عبد اللطيف قراءة حول عدد من أفلام السينما السعودية لمخرجين شباب من المنطقة الشرقية من المملكة، مسلطاً الضوء على ما تتناوله من هموم الحياة اليومية؛ إذ يأتي ذلك بالتزامن مع الموسم الخامس لـ«الشرقية تُبدع»، مبادرة الشراكة المجتمعية التي تحتفي بـ«الإبداع من عمق الشرقية».

وفي «رأي ثقافي»، أوضح أستاذ السرديات وعضو جائزة «القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، د. حسن النعمي، دور الجائزة في صناعة مشهد مختلف، بينما حلَّ الشاعر عبد الله العنزي، والخطّاط حسن آل رضوان في ضيافة زاويتي «شعر» و«فرشاة وإزميل»، وتناول أحمد عبد اللطيف عالم «ما بعد الرواية» في الأدب الإسباني، بينما استذكر عبد السلام بنعبد العالي الدور الأكاديمي البارز للروائي والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي. أما علي فايع فكتب عن «المبدع الميّت في قبضة الأحياء»، متسائلاً بصوت مسموع عن مصير النتاج الأدبي بعد أن يرحل صاحبه عن عالم الضوء.

في باب «علوم وتكنولوجيا»، تناولت د. يمنى كفوري «تقنيات التحرير الجيني العلاجية»، وما تعِد به من إمكانية إحداث ثورة في رعاية المرضى، رغم ما تنطوي عليه أيضاً من تحديات أخلاقية وتنظيمية. وعن عالم الذرَّة، كتب د. محمد هويدي مستكشفاً تقنيات «مسرِّعات الجسيمات»، التي تستكمل بالفيزياء استكشاف ما بدأته الفلسفة.

كما تناول مازن عبد العزيز «أفكاراً خارجة عن المألوف يجمح إليها خيال الأوساط العلمية»، منها مشروع حجب الشمس الذي يسعى إلى إيجاد حل يعالج ظاهرة الاحتباس الحراري. أما غسّان مراد فعقد مقارنة بين ظاهرة انتقال الأفكار عبر «الميمات» الرقمية، وطريقة انتقال الصفات الوراثية عبر الجينات.

في باب «آفاق»، كتب عبد الرحمن الصايل عن دور المواسم الرياضية الكُبرى في الدفع باتجاه إعادة هندسة المدن وتطويرها، متأملاً الدروس المستفادة من ضوء تجارب عالمية في هذا المضمار. ويأخذنا مصلح جميل عبر «عين وعدسة» في جولة تستطلع معالم مدينة موسكو بين موسمي الشتاء والصيف. ويعود محمد الصالح وفريق «القافلة» إلى «الطبيعة»، لتسليط الضوء على أهمية الخدمات البيئية التي يقدِّمها إليها التنوع الحيوي. كما تناقش هند السليمان «المقاهي»، في ظل ما تأخذه من زخم ثقافي يحوِّلها إلى مساحات نابضة بالحياة في المملكة.

ومع اقتراب الموعد المرتقب لافتتاح قطار الأنفاق لمدينة الرياض ضمن مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام»، ناقشت «قضية العدد» موضوع النقل العام، إذ تناول د. عبد العزيز بن أحمد حنش وفريق التحرير الضرورات العصرية التي جعلت من النقل العام حاجة ملحة لا غنى عنها في الحواضر الكبرى والمدن العصرية؛ فيما فصَّل بيتر هاريغان الحديث عن شبكة النقل العام الجديدة في الرياض وارتباطها بمفهوم «التطوير الحضري الموجّه بالنقل».

وتناول «ملف العدد» موضوعاً عن «المركب»، وفيه تستطلع مهى قمر الدين ما يتسع له المجال من أوجه هذا الإبداع الإنساني الذي استمر أكثر من ستة آلاف سنة في تطوير وسائل ركوب البحر. وتتوقف بشكل خاص أمام المراكب الشراعية في الخليج العربي التي ميَّزت هذه المنطقة من العالم، وتحوَّلت إلى رمز من رموزها وإرثها الحضاري.