«التيار المدخلي».. صداع في رأس «داعش ليبيا»

يدعو في خطابه إلى الوسطية ونبذ العنف.. ويحظى بقبول في أوساط قبلية

عنصران من القوات الليبية الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر يتفاديان إطلاق نار قناصة «داعش» في سرت («الشرق الأوسط»)
عنصران من القوات الليبية الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر يتفاديان إطلاق نار قناصة «داعش» في سرت («الشرق الأوسط»)
TT

«التيار المدخلي».. صداع في رأس «داعش ليبيا»

عنصران من القوات الليبية الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر يتفاديان إطلاق نار قناصة «داعش» في سرت («الشرق الأوسط»)
عنصران من القوات الليبية الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر يتفاديان إطلاق نار قناصة «داعش» في سرت («الشرق الأوسط»)

يوم السابع من مارس (آذار) الماضي، تقدمت قافلة «مدرعات النمر» في الليل لمداهمة وكر لتنظيم داعش في العاصمة الليبية طرابلس. كانت القافلة تابعة لكتائب ما يعرف باسم «التيار المدخلي»، وتقوم بأول نشاط فيه تحد للخصوم الأقوياء من المتشددين في العاصمة. وهذا التحرك أقلق الدوريات الرئيسية في المدينة التي تحكمها ميليشيات أخرى، منها ميليشيات تقودها «الجماعة الليبية المقاتلة» الموالية لتنظيم القاعدة، وأخرى موالية لتنظيم جماعة الإخوان. وشعرت دوريات «الفرقة الثانية» التابعة لميليشيا «الجماعة المقاتلة» بالغضب. وشاركها في هذا الغضب أيضًا كل من قيادات تنظيم داعش وجماعة الإخوان. ومنذ ذلك الوقت، أصبح «التيار المدخلي» رقمًا مهمًا في المعادلة، ليس في طرابلس فقط، ولكن في كثير من المدن الليبية.
يدعو «التيار المدخلي»، وفقًا لخطابه ونشاطه وكتبه التي تباع في المدن الليبية، إلى الوسطية والاعتدال ونبذ العنف، ويحظى بقبول في أوساط القبائل التي ملت من الاقتتال والتنازع الأهلي، وفقًا لمصادر قبلية وأمنية في طرابلس الغرب. ومن ناحية ثانية، رغم الحرب ضد تنظيم داعش ليبيا في مدينة سرت طوال نحو ستة أشهر، فإن التنظيم المتطرف تمكن من الانتشار والتمدد في كثير المدن والبلدات الأخرى، خصوصا في الجنوب، وفي طرابلس ومناطق غرب العاصمة، بما فيها تلك المطلة على شواطئ البحر المتوسط، قرب الحدود مع تونس. لكن أكبر مشكلة يواجهها «داعش» اليوم أصبحت تتمثل في «التيار المدخلي». فمنذ ظهور «داعش» بقوة في سرت في صيف عام 2015، تدور حرب مستعرة بين أفكاره ذات الطابع «الاستئصالي»، و«التيار المدخلي» الذي يميل إلى الاعتدال، وترك الأمور لتصرف الحاكم أو ولي أمر البلاد «تجنبًا للفتنة». هذا التوجه لم يعجب أيضًا قادة في جماعة الإخوان و«الجماعة المقاتلة». ودخلت «المقاتلة» منذ الثالث من أبريل (نيسان) الماضي في حرب شوارع، في طرابلس، مع قوات «المداخلة» (أي «التيار المدخلي»)، وهو أمر أسعد قيادات «داعش».
وقد تمكن التنظيم الداعشي، منذ دخوله إلى مدينة درنة في شمال شرقي ليبيا عام 2014، من الانتشار في سرت والعاصمة طرابلس ومدينتي صبراتة والخُمس، بشمال غربي البلاد. وعلى عكس ما عرف من انغلاق التنظيم في العراق والشام على نفسه، قام التنظيم في ليبيا بنسج علاقات تواصل وتعاون مع قادة لمجاميع متشددة، ليس في الداخل فقط، ولكن في أفريقيا أيضًا، من بينها قيادات من «الإخوان» ومن «المقاتلة» ومن جماعة «المرابطون» الجزائرية و«جند الحق» الماليّة و«بوكو حرام» النيجيرية، بالإضافة إلى ميليشيات المهربين وقطاع الطرق التي تنشط في جنوب ليبيا وعلى شواطئها الشمالية. ويبدو أنه لم يسلم من شباك التنظيم العنكبوتية إلا «التيار المدخلي» الأقرب إلى الوسطية الدينية لكثير من الليبيين.
بطبيعة الحال لا توجد صفوف متراصة لعناصر «داعش» مع عناصر التنظيمات المتشددة الأخرى، ولكن يوجد ما يشبه الاتفاق غير المكتوب على أن يعمل كل فريق بعيدًا عن الفريق الآخر؛ لا صدام، مع إمكانية التعاون.. التعاون في بيع الأسلحة، وفي فتح الطرق لمرور قوافل المقاتلين، والتعاون في فك الحصار الذي يتعرض له هذا التنظيم أو تلك المجموعة من جانب العدو المشترك المتمثل في السلطة أيا كان نوعها، سواء سلطة البرلمان برئاسة عقيلة صالح والجيش الوطني في الشرق، أو سلطة المجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج والميليشيات التي تسانده في الغرب.
* قواعد شرقًا وغربًا
ومثل كل شيء مبعثر في ليبيا، أصبح لـ«التيار المدخلي» قواعد موالية لجنرال الجيش خليفة حفتر في الشرق، وقواعد موالية لخصمه السراج في الغرب. ويقف هذا التيار الذي تمكن من إثبات وجوده في كثير من المدن الليبية مع «الحاكم» وعدم محاربته، ولهذا فإنه يعد مصدر ثقة في الشرق وفي الغرب و«نواة للتوافق في عموم البلاد»، رغم الخلافات بين الحكام هنا وهناك. فحين انقلبت عدة ميليشيات كانت توالي السراج على مجلسه الرئاسي، قبل أسبوع، ظل «التيار المدخلي» على عهده في موالاة «المجلس الرئاسي». وتلقف تنظيم داعش غضب ميليشيات إخوانية وأخرى من «الجماعة المقاتلة» من موقف «المداخلة»، وأخذ في إعادة نسج خيوط التواصل مع تلك الجماعات المتشددة مرة أخرى، للانتقام من قوات «التيار المدخلي».
يعتقد كثيرون أن القضاء على «داعش» في سرت يعني القضاء عليه في عموم ليبيا. لكن هذا ربما لن يكون صحيحا، إذا ما وضعت في الحسبان عملية الخروج المنظم للدواعش من سرت، قبل أيام من بدء اقتحام المدينة على يدي قوات «البنيان المرصوص». إذ توجهت قوافل كل منها يتكون من عدة مئات من دواعش سرت إلى مدن ليبية أخرى، منها الخُمس وزوارة وصبراتة والزاوية، بالإضافة إلى الانتشار في الوديان الجنوبية، ومنها وديان مدينة بني وليد ومناطق القلعة والجفرة وهون ومناطق جنوب سبها، وهي مناطق تنتشر في بعضها أيضًا مجاميع لكل من الإخوان و«الجماعة المقاتلة». ومعروف أنه سبق لـ«داعش» أن تمركز في صبراتة - غرب طرابلس - قبل أن يتعرض لضربات أميركية جوية، وكان هذا في مطلع العام الحالي.
ولكن بعدما بدأت الحرب ضده في سرت، عاد التنظيم لتأسيس غرف عمليات جديدة في صبراتة، وزاد من تعزيز وجوده حول العاصمة، بتأسيس غرف أخرى في مدينة الخُمس - شرق طرابلس - بالإضافة إلى خلاياه النائمة في قلب العاصمة نفسها. ويعد العدو الرئيسي له من بين الجماعات المنتشرة في هذه المنطقة «التيار المدخلي» بقواته المتمركزة في منطقة معيتيقة، وأنصاره في سوق الجمعة بطرابلس.
* الصدام مع «داعش»
يعود أول صدام دموي بين «داعش» و«التيار المدخلي» إلى أكثر من 15 شهرًا. ففي العام الماضي، بدأت فلول تنظيم داعش المهزومة في مدينة درنة، في شرق البلاد، تنتقل إلى سرت التي تقع في الشمال الأوسط من ليبيا، لتأسيس عاصمة في المكان الذي ولد فيه معمر القذافي، وقتل فيه أيضا. لكن «داعش» فوجئ بميليشيا مسلحة ذات صبغة قبلية ومسحة دينية وسطية كانت تقوم على إدارة شؤون المدينة.
بدأ الصدام كالتالي.. تقدم أحد قادة «داعش» لاحتلال مسجد قرطبة، أشهر المساجد في الحي رقم ثلاثة في سرت، وكانت هذه أولى محاولاته للبدء في ممارسة نشاطه، وإلقاء الخطب التحريضية الخاصة بالتنظيم في هذا المسجد، إلا أن شيخ المسجد الموالي لـ«التيار المدخلي»، ويدعى خالد الفرجاني، المحسوب على الميليشيا القبيلة، رفض الامتثال لرغبة الدواعش الذين كانوا يشعرون بالغضب جراء طردهم من درنة على أيدي جيش حفتر وخصوم آخرين من بينهم موالون لـ«التيار المدخلي» نفسه.
ويقول أحد القيادات المحلية ممن نزحوا عن المدينة من قبيلة الفرجان إن «الشيخ خالد تصدى لهم في البداية.. وشن ضدهم هجومًا في خطبه من فوق المنبر.. أما الدواعش، فيبدو أنهم كانوا قد قرروا احتلال المدينة بأي ثمن، وبالتالي القضاء على كل من يبدي معارضة لهم فيها، وكان الشيخ خالد على رأس هؤلاء المعارضين، ليس بالسلاح، ولكن بكلام القرآن والسنة».
ووفقا لروايات من شخصيات من سرت كانت تحضر خطب ودروس الشيخ خالد في أيامه الأخيرة، فقد حذر من الفتنة التي يقوم بها «داعش»، وتحدث عن عمليات الذبح والقتل التي يقوم بها التنظيم في العراق وسوريا ودرنة الليبية، وكيف أن هذه التصرفات ليست من الدين الإسلامي، وأنه لا بد من الوقوف مع ولي الأمر حتى لو كان البعض يرى أن أفعاله لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية، وأن رجال الدين عليهم نصيحة الحاكم وجهًا لوجه، وليس بإثارة العامة ضده، لأن في هذا فتنة تؤدي لهدم بلاد المسلمين».
إذ ذاك، شعر «داعش» بأن الشيخ خالد يهدد العاصمة التي يريد أن يؤسسها التنظيم في المدينة، خصوصًا أن سرت كانت خالية تقريبا من الميليشيات المسلحة، فيما عدا قوات ميليشيا الفرجان ذات الإمكانات المحدودة، مقارنة بالقدرات التي جلبها معه التنظيم من درنة، والمساعدات التي كانت تصله من ميناء سرت عقب سيطرته عليه. وفي تلك الأيام، زار «داعش» في مدينة سرت قيادات من التنظيم تعمل في العراق بالقرب من زعيمه «أبو بكر البغدادي»، من بينهم مفتي «داعش» تركي البنعلي. وتقول تقارير أمنية إن البنعلي أعطى إشارة البدء لإخلاء المدينة من أتباع المنهج «المداخلي».
* تصفية خالد الفرجاني
وفي مساء يوم العاشر من أغسطس (آب) من العام الماضي، كان الشيخ خالد يقف على منبر مسجد قرطبة كالمعتاد، وشن هذه المرة هجومًا شديد اللهجة على غزاة المدينة الذين كانوا قد تجرأوا على مد أيديهم على حرمات أهالي سرت، وأفتى بضرورة مقاتلة هؤلاء الغرباء كما قاتلهم أبناء درنة. إلا أنه لم يكن يعلم أن «داعش» قد قرر التخلص منه. وبالفعل، عقب الصلاة، خرج الشيخ خالد من المسجد متوجهًا إلى بيته في الشارع المجاور، لكن ثلاثة من عناصر التنظيم المتطرف كانوا ينتظرون هذه اللحظة وأيديهم على أسلحتهم في سيارة تقف في الجانب المظلم من الطريق. وتحركت السيارة وأطلقت النار على الرجل، فلقي حتفه في الحال.
وفي اليوم التالي، جاءت مجموعة جديدة من الدواعش وأحرقت مكتبة المسجد، وكل ما يشير إلى الفكر الديني الوسطي، بما في ذلك أشرطة وأسطوانات كانت تحوي خطبا للشيخ خالد ولشيوخ وسطيين آخرين من خارج ليبيا. وفي أول صلاة للجمعة في المسجد بعد عملية الاغتيال، نزع «داعش» اللافتة التي تحمل اسم «مسجد قرطبة»، ووضع لافتة جديدة تحت اسم مسجد «أبو مصعب الزرقاوي». وبعد صلاة الظهر، مثّلت عناصر التنظيم بجثة الشيخ، في محاولة لبث الرعب في أرجاء المدينة، ونفذ الدواعش بعد ذلك حملة لإخضاع أهالي سرت لسلطاتهم، بذبح المعارضين وتعليق جثثهم على أعمدة الإنارة.
ومنذ ذلك الوقت، تحولت سرت إلى وجهة لكل الدواعش الفارين من الحملة الدولية ضد التنظيم المتطرف في العراق وسوريا، بالإضافة إلى من يصلون من مطاريد أنظمة الحكم من الدول المجاورة. وكانت مسألة مواجهتهم من جانب «التيار المدخلي» في سرت أمرًا صعبًا. ولهذا انتقل من تبقى من «مداخلة» سرت إما إلى مساندة حفتر في الشرق، أو إلى الوقوف مع السلطة القائمة في الغرب. وكان من بين هؤلاء شقيق للشيخ خالد. ولفت نشاط «المداخلة» في العاصمة انتباه باقي المجموعات المتطرفة، وليس «داعش» فقط، خصوصًا بعد أن أعطى قادة «التيار المدخلي» في طرابلس الضوء الأخضر لشقيق الشيخ خالد بتأسيس كتيبة قوامها نحو خمسمائة عنصر. وهكذا أصبحت قوة «المداخلة» ذات شأن.
هنا تقدم أحد مؤسسي جماعة «جند الحق»، ويدعى «رشيد»، المتعاون مع «داعش»، باقتراح للتنظيم المتطرف بشق صفوف «التيار المدخلي»، عن طريق محاولة استقطاب قيادات محسوبة على هذا التيار، لكن زعيم «داعش»، ويدعى «المدهوني»، حذر من هذه الخطوة، وقال - وفقا لمصدر قريب من الجماعات المتشددة - إن الشخصيات المقترح استقطابها «ليست محل ثقة.. هم يحملون الفكر المدخلي أيضًا، ويؤمنون به، ومن توجيهات هذا الفكر عدم تقديم النصيحة للمسؤولين إلا سرًا، ويؤمنون بأن السمع والطاعة واجبة لكل حاكم مسلم».
* حلقة وصل داعشية
ومن المعروف أن دواعش محليين من ليبيا تمكنوا منذ عام 2014 من تشكيل ما يشبه حلقة الوصل بين التنظيم المتطرف وقيادات من عدة مجموعات متشددة، مثل جماعة الإخوان و«الجماعة المقاتلة» وغيرها. وحين بدأت الحرب على «داعش» في سرت، كانت عناصر تابعة لـ«التيار المدخلي»، ومنها كتيبة شقيق الشيخ خالد، في مقدمة الصفوف. ولوحظ أن زعماء «الإخوان» و«المقاتلة» ما كانوا من المتحمسين للحرب على التنظيم المتطرف في سرت، بل تركوا مسألة مواجهة الدواعش لشبان مدينة مصراتة المتحمسين، وغضوا البصر عن تحركات «داعش»، بل اتهمهم البعض بتقديم دعم للتنظيم في سرت وفي البلدات التي انتقل إليها.
كانت التقديرات تقول إن عدد الدواعش في سرت لا يقل عن ثلاثة آلاف عنصر. وكان لديهم ما يقارب الألف آلية، من بينها مركبات الدفع الرباعي المجهزة تجهيزًا عسكريًا، ودبابات ومدرعات ومدفعية وراجمات صواريخ. والآن، معظم هذا العتاد اختفى قبل دخول قوات «البنيان المرصوص» إلى قلب المدينة. ويعتقد أن الدوعش تمكنوا من نقل التجهيزات المهمة التي كانت في سرت إلى مناطق أخرى، بدعم من قيادات متشددة تتعاون مع التنظيم في الخفاء. وليس من بين هؤلاء «التيار المدخلي» بطبيعة الحال. بل إن «داعش» يخشى من تهديد فروع هذا التيار لمراكزه الجديدة التي انتقل إليها عقب خروجه من سرت.
وعلى سبيل المثال، وجد «داعش» انتشارًا غير مسبوق للفكر «المدخلي» قد سبقه إلى مدينة الزاوية، عبر «كتب وأشرطة وأسطوانات تناقض توجهات الدواعش، ويجري بيعها في المكتبات والدكاكين، كما يقوم بعض الموسرين بشراء كميات منها وإعادة توزيعها على المواطنين مجانًا»، وفقا لبلاغ من المدينة بعث به قيادي في جماعة الإخوان، يدعى «مشري»، إلى زعماء من التيارات المتشددة في طرابلس.
وتضمن البلاغ عناوين لبعض من هذه الكتب، منها «المحجة البيضاء في حماية السنة الغراء» و«صد عدوان الملحدين وحكم الاستعانة بغير المسلمين» و«العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم». كما توالت البلاغات بهذا الشأن في الأيام الأخيرة، من انتشار «الفكر المدخلي» في سوق الجمعة، إحدى أهم المناطق في العاصمة، إضافة إلى تاجوراء والخُمس، إلى جانب إنشاء مدرسة دينية تصب في الاتجاه نفسه في طرابلس.
ليس «داعش» فقط الذي بدأ في وضع الحسابات لقوة «التيار المدخلي»، بل هناك أيضًا أطراف أخرى متشدّدة، منها الإخوان و«الجماعة المقاتلة». فخلال الأسابيع القليلة الماضية، بدأ قادة من الإخوان و«المقاتلة» في تبادل الاتهامات بشأن «مَن الذي بادر منهما بإصدار فتاوى ضد المداخلة»، لأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى استفزاز أنصار «التيار المدخلي». وهذا الموقف في حد ذاته لم يكن موجودًا في السابق، خصوصًا في طرابلس، حيث لم يكن التيار بهذه القوة.
* رصد التطورات
مصدر أمني في العاصمة الليبية يقول إنه توجد مؤشرات على أن تنظيم داعش يحاول الزج بمن يتواصل معهم من جماعة الإخوان و«الجماعة المقاتلة» للوقوف ضد «المداخلة»، وإصدار الفتاوى في محاولة للحط من قدر تيارهم، لأنه يعد خصمًا حقيقيًا لـ«داعش». وفي ملاسنة بين قائد من «الجماعة المقاتلة» وزميل له من الجماعة نفسها كان قد أصدر فتوى ضد «المداخلة»، قال له غاضبًا: أعدوا أنفسكم لحرب لا قبل لكم بها مع «التيار المدخلي».. من الذي ورطكم في هذا؟ تنظيم داعش أم ورطتكم جماعة الإخوان في مثل هذه الفتوى؟ من الآن فصاعدًا، دعوا الأمر للمفتي (المقصود به مفتى البلاد السابق صادق الغرياني)، ولا أحد يأتي على ذكر المداخلة.
كذلك احتد قائد «الجماعة المقاتلة» نفسه على زعيم في جماعة الإخوان الليبية، يدعى «غويل»، بسبب فتوى مماثلة، وقال له - وفقا للمصدر الأمني - إن التيار المدخلي أصبح متغلغلا في أوساط القبائل الليبية، لأن هناك من ينظر إليه على أنه يتبع منهج هو الأقرب إلى «روح التوافق والتقريب»، و«الناس تريد هذا»، ثم «إننا لا نريد استعداء المداخلة علينا بالفتاوى العلنية».
ومعروف أن كتائب «التيار المدخلي» نأت بنفسها عن التجاذبات الحالية بين الميليشيات، ووجهت عملها لمكافحة الجريمة وتأمين المواطنين في المدن التي توجد فيها، خصوصًا أن البلاد تعاني من انفلات أمني وضعف إمكانات الجيش والشرطة. بيد أن محاولات تشويه هذا التيار لم تتوقف. ويقوم بهذا الأمر، وفقا للمصدر نفسه، تحالف غير معلن بين التيارات المتطرفة المختلفة، على رأسها «داعش». وبعدما رفضت «الجماعة المقاتلة» الزج بها وبجماعة الإخوان التي تتعاون معها في محاولات إصدار فتاوى علنية لتشويه «التيار المدخلي»، ظهرت في شوارع طرابلس منشورات تهاجم «المداخلة»، لكنها تحمل شعارًا منسوبًا لإحدى روابط العلماء المسلمين في شمال أفريقيا.
ويقول المصدر الأمني إنه حين جرى التحقيق في منبع هذه المنشورات، تبين أن وراءه تحالف المتطرفين المشار إليه نفسه. وبحسب المصدر، وصف قيادي في الجماعة المقاتلة هذه العملية الالتفافية في مهاجمة «التيار المدخلي» بأنها «وسيلة عقيمة ستزيد من الغضب ضدنا»، وقال لأنصاره بعد أن اتهمهم بالوقوف وراء توزيع تلك المنشورات: «إن ما تقومون به يعبر عن إفلاسكم؛ هذا سيزيد من قوة المداخلة».



كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

الدمار في غزة (أ ب)
الدمار في غزة (أ ب)
TT

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

الدمار في غزة (أ ب)
الدمار في غزة (أ ب)

استقبل الجيش الإسرائيلي أخيراً وفداً من قادة جيوش دول عدة، «لكي يدرسوا تجربة الحرب الأخيرة، في سبع جبهات (غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن)»، كما قال الناطق بلسان الجيش. وخلال الشرح المتحمس عن هذه الزيارة، سمح الناطق لنفسه بأن يقول إنهم جاؤوا لكي يتعلموا منه العديد من العمليات الحربية. وقال إن بين هذه الجيوش حضر مندوبون من كل من الجيوش؛ الأميركي والألماني والهندي والكندي والتشيكي والبولندي، وغيرها. وعرض عدة مجالات، قال إن جيشه أبدع فيها واستحدث طرقاً حربية سيصار إلى تدريسها في الكليات الحربية في العالم، خصوصاً المعركة ضد الأنفاق والتدمير ومسح الأبنية في قطاع غزة وتخريب الحقول الزراعية والسيطرة التامة على سماء إيران والاغتيال الجماعي لقادة «حماس» و«حزب الله» وقيادة سلاح الجو الإيرانية وعملية تفجير أجهزة النداء واللاسلكي في لبنان لقادة «حزب الله» (البيجر والوكي توكي) وغيرها.

لأول وهلة، يُحسب أن الرسالة - أعلاه - موجهة إلى العالم، لكن من يتابع الأوضاع في إسرائيل خلال العقدين الأخيرين، يدرك أن هذا النشر هو جزء من الحرب التي يخوضها الجيش الإسرائيلي على «الجبهة الثامنة».

إنها الحرب التي تعدّ الأكثر إيلاماً للجيش، لأن «العدو» فيها للجيش الإسرائيلي هو الحكومة واليمين العقائدي الذي يقودها.

يخوض اليمين هذه الحرب منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم عام 2009، وفي حينه حاول فرض حرب على إيران، لكن قادة الجيش وسائر الأجهزة الأمنية اعترضوا. فغضب، وراح يحاربهم، في البداية بهدوء وسريّة، لكن الحرب غدت علنية شيئاً فشيئاً. وكان فيها مسؤولون في الحكومة وباحثون وخبراء يهاجمون الجيش ويتهمونه بالتبذير، والجنرالات ينشرون المقالات التي تظهر الحكومة فاشلة وفاسدة.

أيضاً لعبت الشرطة والنيابة والمحكمة دوراً نشيطاً في كشف تورّط نتنياهو في قضايا فساد... وقدمته إلى المحاكمة. فاستعرت المعركة لتتحوّل إلى «حرب شاملة» بين الطرفين، ما جعل اللواء المتقاعد إسحاق بريك، عضو رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، يقول، في مقال نشرته صحيفة «معاريف» يوم 8 يونيو (حزيران) 2025: «لدينا قيادة فقدت البوصلة، في الحكومة وفي الجيش». ويضيف: «السياسة الحمقاء المتغطرسة التي يتبعانها، ستشجع أعداءنا على الاستعداد لحرب أخرى ضدنا، وكل هذا بسبب جماعة فقدت طريقها وعقلنتها وحكمتها».

نتنياهو وسموترتش (رويترز)

سموتريتش... والميزانية

أحد أبرز السياسيين في هذه الحرب هو بتسلئيل سموتريتش، الذي مع تشكيل الحكومة أصر على تولي حقيبة وزارة المالية وحقيبة أخرى هي وزير ثانٍ في وزارة الدفاع. وسموتريتش هو الممثل المباشر لليمين العقائدي. لديه أجندة واضحة لمنع قيام دولة فلسطينية وتهجير الفلسطينيين. ومنذ تسلمه مهامه، يخوض حرباً علنية على الجيش بلغت حد رفض العديد من طلبات زيادة الميزانية العسكرية. ثم إنه يتهم قادة الجيش بالتبذير وصرف رواتب عالية، وقام بنشر قائمة الرواتب لنحو 50 قائداً أساسياً، فاتضح أنهم يقبضون رواتب أعلى من رئيس الحكومة ورئيس الدولة.

وفي الأسابيع الأخيرة، عندما قرر الجيش رفع عدد جنود الاحتياط الدائم من 6 إلى 60 ألف جندي، سنة 2026، وطلب تمويلاً من المالية (كل جندي يكلف الجيش 300 دولار في اليوم ومعدل الخدمة لكل جندي يصل إلى شهرين في السنة المقبلة، وهذا البند وحده يكلف مليار دولار)، رفض سموتريتش، قائلاً إن على الجيش إيجاد التمويل من تقليص مصاريفه الأخرى. ووفق صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن قادة الجيش «يشعرون بالمهانة وهم يستجدون وزير المالية»، علماً بأنه على صعيد شخصي يبدو صبيانياً، ومن الناحية الجماهيرية يفقد الجمهور الذي انتخبه، إذ تشير الاستطلاعات إلى أنه سيسقط إذا أجريت الانتخابات اليوم.

للعلم، سموتريتش هذا حاقد على الجيش. فعام 2005، عندما كان في الخامسة والعشرين من العمر، بينما عمل الجيش على إخلاء مستوطنات قطاع غزة، جاء سموتريتش مع ألوف المستوطنين لمحاربة الإخلاء. ويومذاك، بطش به الجنود وجرّوه على الأرض عندما اعتقلوه. وهو جزء من الحركة التي قامت في حينه لمنع تشكيل حكومة في إسرائيل تقرّر إخلاء مستوطنات في الضفة الغربية مثلما حصل في غزة. وهو يستذكر هذه الحادثة تقريباً في كل خطاب سياسي له، منذ ذلك الحين. ويعدّ رأس حربة في معركة اليمين لتحجيم مكانة الجيش ونفوذه في البلاد.

انتقاد المهنية العسكرية

في إطار هذه المعركة، تشهد وسائل الإعلام الإسرائيلية موجة نشر ضخمة تنتقد الجيش وتظهره فاشلاً مهنياً. ويجنّد اليمين لهذا الغرض مجموعة كبيرة من الجنرالات السابقين، قسم منهم يكتب في معاهد الأبحاث التابعة لليمين، وقسم آخر ينشر مقالاته في وسائل الإعلام المستقلة، فضلاً عن الإذاعة والتلفزيون والشبكات الاجتماعية.

وأدناه نماذج من هذه المعركة:

العميد أورن سولومون، الذي عيّن رئيساً للجان التحقيق الداخلي في الجيش حول إخفاقات 7 أكتوبر (تشرين الأول) كشف في تقرير للقناة «14» عن أن قيادة الجيش «تتستر على الحقائق وليس صحيحاً الانطباع بأنها أول من تحمل المسؤولية». بل «أخفت الفشل الحقيقي لكونها اتبعت تكتيكاً حربياً خاطئاً منذ البداية... وبدلاً من أن تأمر سلاح الجو بقصف عناصر حماس في أثناء مهاجمتهم البلدات الإسرائيلية يوم 7 أكتوبر 2023، فتشلّ حركتهم وتوقف تقدّمهم، قرّرت شنّ عملية انتقامية لاغتيال قادتها وتدمير مقراتها في شتى أنحاء غزة. وبذا فشلت في حماية مئات من الإسرائيليين الذين قتلتهم حماس ومئات المخطوفين».

وذكر سولومون أيضاً في التقرير، أنه طلب لقاء رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي والحالي إيال زامير لعرض استنتاجاته، لكنهما تهرّبا من لقائه. ومن ثم راحا يحرّضان عليه، لدرجة أنه قرّر إخفاء تقاريره والوثائق التي اعتمدها بهدف الحفاظ عليها في حال جرى له أي سوء. ورداً على سؤال طرحه عليه صحافي معروف بقربه من نتنياهو: «هل تخشى على حياتك؟ هل تعتقد أن هناك مَن قد يقتلك بسبب هذا التحقيق؟». فأجاب «نعم».

من جهة ثانية، تطرّ ق الصحافي والمؤرخ اليميني عكيفا بيغمان، صاحب كتاب «كيف حوّل نتنياهو إسرائيل إلى إمبراطورية»، كشف في موقع «ميدا» (9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025)، عن نتائج تحقيق أجري في لجنة فرعية سريّة للجنة الخارجية البرلمانية، خلال الشهرين الماضيين، تفيد بأن هناك «خللاً بنيوياً» في عملية تأهيل الضباط في الجيش الإسرائيلي. وممّا جاء في تقريره أن الضباط لا يتلقّون تدريبات عسكرية لأكثر من يومين في الأسبوع، بينما يتمتعون بـ«امتيازات دلال لا تلائم جيشاً مقاتلاً»، وأنه في كثير من دورات التعليم التي يمرّون بها ثمة ازدواجية وتناقضات لأن هذه الدورات لا تدار بشكل مهني.

زامير (الجيش الإسرائيلي)

مرحلة بنيامين نتنياهو...استخفاف بالجنرالات وطعن بهم علناً وفي الخفاء

عدوانية متزايدة في عدة اتجاهات

الصحافة الإسرائيلية، أيضاً، تنشر باستمرار تصريحات لوزراء يهاجمون بها قادة الجيش ويهينونهم في جلسات «الكابنيت» (مجلس الوزراء المصغّر)، الذي يقود الحرب، بينما كان نتنياهو صامتاً. ولكن، في يناير (كانون الثاني) 2025 تجرأ وأوقف الجلسة التي هاجم فيها الوزيران إيتمار بن غفير وميري ريجف رئيس الأركان هاليفي، على قراره تشكيل لجان تحقيق داخلية حول أداء الجيش.

وفي شهر مايو (أيار) تعرّض زامير لـ«بهدلة» مماثلة، لكنه ردّ على الهجوم بكلمات قاسية ونابية، ما جعل نتنياهو يلفت نظره ويوقفه عن الكلام في جلسة الحكومة. وحقاً، زامير نفسه لم يسلم من الانتقادات. وعندما اقترح صرف النظر عن إعادة احتلال غزة في نهاية الصيف، اتهمه غلاة اليمين بالتراجع عن وعوده في «تغيير نهج الجيش القتالي وجعله جيشاً هجومياً أكثر». وقالوا إن «الدولة العميقة الليبرالية تمكنت من السيطرة عليه وتدجينه».

في هذه الأثناء، هناك ما تشهده الضفة الغربية من اعتداءات. وهنا لا نقصد الاعتداءات الإرهابية على الفلسطينيين، بل الاعتداءات اليهودية على اليهود، التي تتصاعد باستمرار وفيها يهتف «شبيبة التلال» الاستيطانية لجنود وضباط الجيش الإسرائيلي «يهود نازيون».

أيضاً، أحد كبار الجنرالات، وكان مسؤولاً عسكرياً يعمل في وظيفة رفيعة في الضفة الغربية، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» (7 نوفمبر 2025)، يقول: «يبدو لي الوصف (فتيان التلال) أو (شبيبة التلال)، رومانسياً بعض الشيء، كما لو كانوا رعاة غنم يعملون في الزراعة، لكن هذا ليس ما نتكلّم عنه هنا. هؤلاء فتيان يحتاجون إلى رعاية مؤسّسات الرعاية الاجتماعية وسلطة الوالدين والتعليم. إنهم يتصرّفون كما لو كانوا في الغرب (الأميركي) المتوحش. ليس لديهم قانون ولا قاضٍ. يتجوّلون بقمصان كُتب عليها (شعب إسرائيل نعم ودولة إسرائيل لا)».

وتابع الجنرال: «إنهم لا يعترفون بالمؤسسات، وهم معادون تماماً للصهيونية، ويرسمون شعارات صهيونازية على الجدران، ويتلقون دعماً من بعض وسائل الإعلام القطاعية. لقد بنوا ماكينة عمل محكمة وحقيقية. يمكنك أن ترى فتىً في الثالثة عشرة من عمره يقود سيارة مشطوبة، وهو لا يملك حتى رخصة قيادة؛ بينما يُشعل فتيان آخرون النار في المركبات. ما عاد هؤلاء يكتفون بالاعتداءات على الفلسطينيين، بل أضحوا يعتدون بعنف وكراهية حاقدة على جنودنا وضباطنا، حتى ونحن نحميهم. وكذلك يعتدون على المواطنين اليهود، وليس فقط اليساريين منهم الذين يأتون إلى هنا للتضامن مع الفلسطينيين، بل يعتدون على مستوطنين ممّن كانوا ذات يوم شبيبة تلال لأنهم لا يوافقون اليوم على أساليبهم. وأنا لا أتكلم عن اعتداء واحد أو اثنين. لقد شكا عشرات المستوطنين الذين يتعرضون للاعتداءات منهم. ومن ثمّ، شعوري أن عدوهم الأول هو الجيش».

الرد لا يقل حدة

في المقابل، نجد أن الجيش أيضاً يملك جهاز دعاية يهاجم الحكومة بقوة شديدة ولديه مجموعة كبيرة من الكتّاب والناطقين باسمه، الذين يحذّرون من تبعات سياسة الحكومة وممارساتها، ويرون أنها «تُضعِف الجيش وتشجع العدو على تكرار الهجمات الشبيهة بهجمة حماس في 7 أكتوبر». كذلك ينتقد هؤلاء الحكومة بشكل لاذع على «فشلها المهني»، ويحمّلونها، رئيساً ووزراء، مسؤولية أساسية عن إخفاقات 7 أكتوبر، ويقولون إنها أدارت الحرب بشكل سيئ وفرضت على الجيش «إطالة الحرب لأغراض بعيدة عن الحسابات الأمنية والاستراتيجية، هدفها سياسي وحزبي للبقاء في الحكم». «وحقاً، الأمر الجوهري الذي يهاجمونها عليه هو: أنها لم تعرف كيف تستثمر المكاسب العسكرية التي وفّرها لها الجيش في مكاسب سياسية».

وهكذا يكتب الجنرال عاموس جلعاد، رئيس معهد السياسة والاستراتيجية في تل أبيب، يوم 17 نوفمبر 2025: «لقد نجح الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن في توجيه ضربة قاصمة لتحالف الشر في جميع جبهات القتال السبع. في الوقت نفسه، ثمة حاجة إلى استراتيجية لإرساء أمن طويل الأمد. حتى الآن، فشلت الحكومة الإسرائيلية في صياغة سياسة لما بعد (اليوم التالي)، ما أدى إلى خلق فراغ، ملأته الإدارة الأميركية بكل قوتها».

وأردف جلعاد: «من جهة، لهذا الأمر نتائج إيجابية تتمثل في إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء وعملية إعادة الرهائن القتلى، ووقف الحرب في غزة، وتوطيد العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة، واحتمال تحقيق انفراج دبلوماسي مع الدول العربية. ولكن من جهة أخرى، قد يؤدي هذا التطور إلى أضرار جسيمة، مثل نشر قوة متعددة الجنسيات في غزة بمشاركة دول معادية بقيادة محور تركي - قطري داعم لجماعة الإخوان المسلمين، واستمرار وجود حماس بصيغة جديدة في غزة. بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمال الإضرار بالتفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، من خلال نقل قدرات عسكرية غير مسبوقة إلى الدول العربية. في الخلفية، تُبذل جهودٌ من إيران وحزب الله لاستعادة القدرات العسكرية المتضررة خلال الحرب. ولكن الأنكى هو أنه على الصعيد الداخلي، تشهد إسرائيل بقيادة الحكومة سلسلةً من العمليات الهدامة التي تُلحق الضرر بالمناعة الوطنية والاجتماعية، التي تشكل ركيزةً أساسيةً من ركائز الأمن القومي الإسرائيلي. ويشمل ذلك استمرار الانقلاب القضائي وإلحاق الضرر بالمؤسسات القضائية، والحرب على وسائل الإعلام في البلاد، والتدخل في أنشطة أجهزة الأمن وإنفاذ القانون، وغيرها».


إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
TT

إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»

شكّل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعيين إميل جرجس مايكل في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة، ثم تكليفه لاحقاً بإدارة «وحدة الابتكار الدفاعي»، في أحد أبرز القرارات المفصلية ضمن إطار سياسة الابتكار العسكري للولايات المتحدة منذ إعادة هيكلة «البنتاغون» (وزارة الحرب الأميركية) عام في 2017. وذلك ليس فقط لأن المنصب يُعدّ رأس الهرم في الهندسة العسكرية والتطوير التكنولوجي، بل لأن مايكل يمثّل نموذجاً جديداً تماماً عن ذلك الذي اعتادت المؤسسة الدفاعية الأميركية تعيينه في هذا الموقع. إذ إن المسؤول الذي يُمسك عملياً بمفاتيح التفوق التكنولوجي الأميركي، من الذكاء الاصطناعي إلى الأنظمة غير المأهولة، ومن الحرب السيبرانية إلى الجيل الثاني من الدفاع الصاروخي، رجل أعمال مهاجر من جذور مصرية قبطية، بنى مسيرته في شركات التكنولوجيا الفائقة النمو، بدءاً من شركة «تيل مي نيتوورك»، مروراً بـ«كلاوت»، ووصولاً إلى «أوبر»، إحدى أكثر شركات العقد الماضي إثارة للجدل والتأثير في آن واحد.

تعيين إميل مايكل وكيلاً لـ«البنتاغون» للبحث والهندسة لم يكن مجرد مفاجأة، بل كسرٌ لخطٍ طويل من الشخصيات المنتمية تقليدياً إلى عالم الصناعات الدفاعية أو البحث العلمي الأكاديمي. وفي حين يرى البعض أنّ الرئيس دونالد ترمب يكرّر رهانه المألوف على رجال الأعمال - كما فعل في الحكومة الأولى - يعدّ آخرون أنّ ما حدث هو إعادة توجيه جذرية لطبيعة القوة التكنولوجية الأميركية، بحيث تُسلَّم مفاتيح المستقبل لمن يملكون القدرة على «تسريع» الابتكار، وليس فقط تنظيره. وأدناه نبذة عن مسيرة مايكل نحو هذا المنصب، وتكوينه السياسي ومسارة المهني ومنطق تعيينه وتأثير خلفيته القبطية المصرية في شخصيته ودوافعه.

مهاجر في قلب سردية النجاح

ولد إميل مايكل في القاهرة عام 1972 لأسرة قبطية، وهاجر في سن مبكّرة مع عائلته إلى الولايات المتحدة.

وعام 2012 التقى جولي هيرين في لاس فيغاس (ولاية نيفادا)، وتزوجا عام 2018 في حفل أقيم بمدينة ميامي، بولاية فلوريدا.

الانتماء القبطي ليس تفصيلاً هامشياً، بل جزء أساسي في تكوينه السياسي وطريقة تفكيره. وفي شقّ من الهوية القبطية، عند البعض في مصر، ثمة بالهامشية السياسية والبحث عن الحماية عبر «المؤسسات القوية». وهذا انعكس لاحقاً على توجهات مايكل في السياسة الأميركية، وخاصة في علاقة الأقليات بالدولة الحديثة، وقيمة وجود دولة مركزية قادرة على فرض النظام.

وكان مايكل يشير دائماً في مقابلاته القليلة حول خلفيته، إلى أنّ تجربة الهجرة منحته ثقافتين من زاويتين: إيماناً أميركياً تقليدياً بالفرصة الفردية، وحسّاً «واقعياً» في فهم أخطار انهيار الدول وضعف مؤسساتها، وهو أمر لا يمرّ عادة في تكوين المسؤولين الأميركيين الذين يترعرعون داخل «الاستقرار المؤسساتي» الأميركي.

هذه الخلفية تفسّر أيضاً شغفه المبكر بالدفاع الوطني. فمع أنه رجل أعمال تقني، اختار عام 2009 الانضمام إلى برنامج الزمالة في «البيت الأبيض»، والعمل مباشرةً تحت وزير الدفاع روبرت غيتس (الجمهوري) في إدارة الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، إبان سنوات الحرب في العراق وأفغانستان. وما لبث رجل الأعمال الشاب الآتي من وادي السيليكون أن وجد نفسه فجأة في قلب العمليات العسكرية واللوجيستية، في مسار غير شائع إطلاقاً.

جمهوري من هارفارد... إلى ستانفورد

درس إميل مايكل في جامعة هارفارد العريقة، وفيها تولّى رئاسة نادي الجمهوريين. واللافت أنّه فور تسلمه المنصب بادر إلى تحويل اسم النادي إلى «نادي الجرف الأحمر لجمهوريي هارفارد»، في إشارة إلى رغبته في إدخال النساء إلى الهيكل السياسي الطلابي المحافظ. وهو موقف مبكر يعكس قدرة سياسية على قراءة البيئة الاجتماعية ومحاولة توسيع التحالفات، وهي مهارة ستظهر لاحقاً في إدارة الشركات.

بعد هارفارد، تابع دراسته في كلية الحقوق التابعة لجامعة متميزة أخرى هي جامعة ستانفورد، المختبر الفكري الذي أنجب نخبة من روّاد التكنولوجيا.

هناك ازداد تماهيه مع التيار البراغماتي داخل الحزب الجمهوري، الذي يركّز على الاقتصاديات الحديثة والابتكار، وليس فقط على خطاب «القيَم التقليدية». ولعل هذا المزيج، أي يميناً اقتصادياً وابتكاراً تكنولوجياً، كان أساسياً لاحقاً في فهم لماذا رأى ترمب فيه الشخص المناسب لقيادة سباق الحرب التكنولوجية.

المسيرة المهنية

على امتداد 25 سنة، بنى إميل مايكل سمعة استثنائية في عالم الشركات العالية النمو، حيث بدأ مسيرته المهنية مستشاراً استراتيجياً في شركة «كونفيرجينغ» التابعة لشركة «جيميني» للاستشارات. وبعد تخرجه في كلية الحقوق، عمل مايكل مساعداً في مجموعة الخدمات المصرفية الاستثمارية للاتصالات والإعلام والترفيه في «غولدمان ساكس» بنيويورك حتى عام 1999. ثم عمل في مشاريع استشارية للاندماج والاستحواذ العدائي، وفي تمويل الأسهم والديون المصرفية. ومن 1999 حتى 2008 شغل مايكل منصباً تنفيذياً في شركة «تيل مي نتوركس» الناشئة للاتصالات عبر الإنترنت لمدة تسع سنوات. وكانت تلك الشركة رائدة في تقنيات التعرف على الصوت، وبيعت لـ«مايكروسوفت» بـ800 مليون دولار عام 2007.

بعدها، عام 2012، أصبح رئيساً للعمليات وعضواً في مجلس إدارة شركة «كلاوت»، منصة تحليل النفوذ الرقمي (التي سبقت عصر البيانات الضخمة)، ليغادرها عام 2013، للانضمام إلى شركة «أوبر». وحقاً، بيعت «كلاوت» إلى شركة «ليثيوم» مقابل نحو 200 مليون دولار في أوائل عام 2014.

ثم انضم مايكل إلى «أوبر» نائب رئيس أول للأعمال، وكان بمثابة الذراع اليمنى لرئيسها التنفيذي، ترافيس كالانيك، وساعد الشركة على جمع ما يقرب من 20 مليار دولار. وللعلم، كان مايكل لاعباً رئيساً في تطوير جهود «أوبر» في الصين، حيث استثمر ملياري دولار لتصل قيمتها إلى 7 مليارات دولار عام 2016. كذلك عمل على بناء شراكات مع «بايدو» وشركات صينية أخرى. وعام 2016 قاد مايكل عملية دمج «أوبر الصين» مع منافستها المحلية «ديدي تشوكسينغ». وفي 2021، جمعت شركة «ديدي» 4.4 مليار دولار في طرحها العام الأولي.

تقدير قدراته التسويقية

عام 2014 اختير مايكل واحداً من «أكثر الأشخاص إبداعاً في مجال التسويق» وواحداً من «أكثر 100 شخص إبداعاً في مجال الأعمال» من قِبل شركة «فاست».

وفي عام 2017، ساعد مايكل في التفاوض على صفقة مع «ياندكس»، أكبر شركة تكنولوجيا وأشهر محرّك بحث على الإنترنت في روسيا – هي المعروفة باسم «غوغل روسيا» - حيث امتلكت «أوبر» 36.6 في المائة من كيان مشترك لمشاركة الرحلات في روسيا. واستثمرت «أوبر» 225 مليون دولار، واستثمرت «ياندكس» 100 مليون دولار.

رأس المال «المخاطر» يدخل «البنتاغون»

عام 2014، عُيّن إميل مايكل وثمانية آخرون في «مجلس أعمال الدفاع» التابع لـ«البنتاغون». انضمّ الثمانية إلى خمسة عشر عضواً من أعضاء المجلس، الذي أُسس عام 2002 لتقديم استشارات مستقلة بشأن القطاع الخاص. وكان مايكل الوحيد من بين المعيّنين الجدد الذي يتمتع بخبرة في مجال الشركات الناشئة.

وبالفعل، لعبت خلفيته في الاستثمار بشركات الذكاء الاصطناعي، و«البلوك تشين»، واللوجيستيات، والأنظمة الرقمية... وتحديداً، في المجالات التي تُعدّ اليوم قلب المنافسة الاستراتيجية مع الصين، دوراً كبيراً في جعله - في نظر فريق ترمب - «المختبر العملي» لقيادة سباق التكنولوجيا العسكرية، وهو ما أغرى ترمب بوضعه في رأس منظومة الابتكار العسكري.

خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024، أعلن ترمب - وكان لا يزال رئيساً منتخباً - عن نيته ترشيح مايكل لمنصب وكيل وزارة الدفاع للأبحاث والهندسة، وأكد مجلس الشيوخ ترشيحه في مايو (أيار) 2025. وفي أغسطس (آب)، أصبح قائماً بأعمال «مدير وحدة الابتكار الدفاعي».

واليوم، يُعد منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة أخطر منصب تكنولوجي في الحكومة الأميركية. فهو الذي يحدّد اتجاهات الاستثمار التكنولوجي، وأولويات «وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة» (داربا)، وبرامج الأسلحة الاستراتيجية، وتوازن القدرة الأميركية مقابل الصين وروسيا.

ولفهم أسباب اختيار ترمب لمايكل، يرى البعض أنه يجب النظر إلى سمات الشخصية مقابل حاجات المرحلة. وفي ظل الحاجة إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»، ويُنظر إليه كمن يستطيع اختصار سنوات من الدورة البيروقراطية في وزارة الحرب.

وفي عهد فتح الأبواب للقطاع الخاص، اتجه ترمب أيضاً خلال ولايته الثانية إلى جعل الابتكار العسكري يعتمد على الصناعة الخاصة لا على مختبرات الدولة فقط، وهو بالضبط ما يجسده مايكل في هذا النهج. وطبعاً، يضاف إلى ما سبق أن خبرته العالمية، ولا سيما مع الصين وروسيا، منحته نظرة دقيقة على نماذج الابتكار لدى الخصوم.

مع هذا، يثير تعيين مايكل في منصبه جدلاً داخل واشنطن. فبعض الأصوات ترى في تعيين رجل أعمال بهذا الانغماس في رأس المال المخاطر، خطوة قد تعمّق نفوذ الشركات على حساب القرارات الدفاعية. ثم إن موقفه الحازم من الصين - بعدما حذر من أنها تهدف إلى «احتكار الذكاء الاصطناعي العسكري» خلال 10 سنوات - قد يدفعه إلى قرارات سريعة وغير تقليدية، بعضها يزعج التيارات التقليدية.

خلفيته ورؤيته لـ«البنتاغون»

من جهة ثانية، مع أن مايكل لا يقدّم نفسه بوصفه «سياسياً هوياتياً»، ورغم أنه شخصية محافظة سياسياً، فإنّ تأثير هويته واضح. ذلك أن خلفيته بصفته قبطياً مهاجراً جعلته، بحسب مقرّبين، أقرب لفهم أهمية «توازن القوة» في المجتمعات الهشّة، ما جعله يؤمن بأن التفوّق العسكري الأميركي هو أحد صمامات استقرار الأقليات حول العالم.

هذا البعد له تأثير ضمني لكن مفهوم في قراره بالدخول إلى قطاع الأمن القومي، وينعكس في دعمه لبرامج الدفاع غير التقليدية، ولتطوير تقنيات يمكن أن تمنع الحروب قبل وقوعها. وعلى عكس كثير من التكنولوجيين الأميركيين الذين يملكون حسّاً «ليبرالياً » تجاه الأمن القومي، ينظر مايكل إلى الجيش كـ«قوة استقرار»، وليس فقط كمجرد مؤسسة عسكرية.

ومن ثمّ، من الآن وحتى 2030، تشير كل المؤشّرات داخل وزارة الحرب إلى أنّ مايكل يخطط لثلاثة محاور حاسمة:

- تفعيل «نظام الابتكار السريع»، عبر تحويل «البنتاغون» إلى بنية مشابهة لشركات التكنولوجيا، في اتخاذ القرارات السريعة، وتجارب متكررة، ونسخ أولية، ثم تصنيع.

- إعادة توجيه وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة (داربا) نحو الذكاء الاصطناعي العسكري الكامل، ليس فقط كأداة دعم، بل كمكوّن قتالي مستقل.

- عسكرة البيانات، عبر تطوير أنظمة ميدانية تعتمد على بيانات اللحظة، بما يشبه نموذج «أوبر» في مراقبة الحركة البشرية، لكن في ساحات الحرب.

ولهذا بالضبط، نجده اليوم في رأس الهرم التكنولوجي للولايات المتحدة، في لحظة تتقرر فيها ملامح القرن الأميركي أو نهايته.


كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

كاثلين هيكس (آب)
كاثلين هيكس (آب)
TT

كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

كاثلين هيكس (آب)
كاثلين هيكس (آب)

يمثّل صعود إميل مايكل إلى منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة تحولاً واضحاً في طبيعة القيادة التكنولوجية داخل «البنتاغون»، مقارنةً بكل من مايكل غريفين وهايدي شو وديفيد هوني وكاثلين هيكس، الذين شكّلوا المسار المؤسسي التقليدي خلال العقد والنصف الماضيين.

مايكل غريفين (2018 - 2020) العالم الصاروخي، هو نموذج «العالم الكلاسيكي» داخل المؤسسة الدفاعية الأميركية. فيزيائي صواريخ، ومدير سابق لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، ورجل قائم على المدرسة البحثية الثقيلة.

كان تركيزه على الفضاء، والصواريخ، والأنظمة الفرط صوتية، وتطوير أنظمة الردع الاستراتيجي. والفارق الجوهري بينه وبين مايكل يكمن في الخلفية: غريفين ابن المؤسسات الأكاديمية والعسكرية التقليدية، بينما مايكل آت من شركات التكنولوجيا الفائقة النمو، ما يجعله أكثر ميلاً للسرعة والمخاطرة وتبني الابتكار التجاري.

هايدي شو (2020 - 2023) سيدة المنظومات الدفاعية، جاءت من خلفية إدارية - تكنولوجية تمتد لعقود داخل «البنتاغون»، مركّزة على الدفاع الصاروخي والسيبراني، ومثّلت «الاستمرارية» أكثر من التغيير، بينما يجسد مايكل «القطيعة» مع الإرث المؤسسي. إذ إنه لا ينتمي لتقاليد «البنتاغون»، بل لثقافة استثمارية عالمية، ما يجعله أقرب إلى مقاربة «الابتكار المفتوح» مع الشركات الناشئة.

ديفيد هوني (2023 - 2025) المهندس البيروقراطي، يُعدّ خبيراً في البيروقراطية الدفاعية، عارفاً بتعقيدات الهياكل الداخلية ودوائر الاستحواذ. وظيفته كانت تحسين الانسيابية لا تغيير الفلسفة. أما مايكل فيقدّم رؤية انقلابية: تسريع القرارات، ونقل تقنيات القطاع الخاص مباشرة إلى ساحة القتال، وتخفيف دور البيروقراطية لصالح دينامية الشركات.

كاثلين هيكس (2021 - 2025) نائبة وزير الدفاع، تعد العقل الاستراتيجي المدني، ومع أنها لم تشغل الموقع نفسه، لكنها قادت بحكم موقعها، الإشراف على ملفات التكنولوجيا والتحوّل الدفاعي.

أيضاً مثلت هيكس المدرسة الاستراتيجية الليبرالية - التقليدية في الأمن القومي، ويمثل مايكل المدرسة المحافظة - التجارية، المتمحورة حول المنافسة مع الصين والتفوق الصناعي.

أخيراً، في حين يمثل الأربعة المذكورون خط الاستمرارية المؤسسية، يأتي إميل مايكل من خط الاختراق التكنولوجي التجاري. فهو أول من جمع بين خبرة وادي السيليكون والعمل المباشر في ساحات الدفاع، ما يجعل تعيينه انتقالاً من «عقود البحوث البطيئة» إلى «سباق الزمن التكنولوجي» في مواجهة الخصوم الدوليين للولايات المتحدة.