المدارس العسكرية الروسية تستعيد نشاطها لبناء جيش المستقبل

كانت للذوات خلال الإمبراطورية ونشرها ستالين في العهد السوفياتي

مسابقات لفك البندقية وتركيبها في معهد سوفوروف
مسابقات لفك البندقية وتركيبها في معهد سوفوروف
TT

المدارس العسكرية الروسية تستعيد نشاطها لبناء جيش المستقبل

مسابقات لفك البندقية وتركيبها في معهد سوفوروف
مسابقات لفك البندقية وتركيبها في معهد سوفوروف

استعادت مدارس «الكاديت» والمنظمات والمؤسسات التربوية التي تعنى بالتربية القومية للأطفال والناشئين نشاطها في روسيا خلال السنوات الأخيرة، حيث يجري التركيز على توسيع عمل تلك المؤسسات الذي يشمل التربية البدنية والتدريبات العسكرية الخاصة للفئات العمرية حتى سن الثامنة عشر، فضلاً عن نشاطات تهدف إلى تعزيز الفكر القومي لدى هؤلاء المتدربين، وتوسيع معرفتهم لتاريخ البلاد، والأبطال التاريخيين وأمجادهم بما يعزز لديهم المشاعر القومية.
وجرت العادة بأن يُطلق لقب «كاديت» على الفتية والفتيات الذين ينشطون ضمن تلك المؤسسات والجمعيات الشعبية قومية الطابع.
وفي معنى كلمة «كاديت» ما يوضح طبيعة عمل تلك المنظمات، فالكلمة جاءت من اللغة الفرنسية وتعني «الأصغر». أما باللغة القسطانية (الأوكستانية) المنتشرة جنوب فرنسا وشمال غرب إيطاليا وشمال شرق إسبانيا فإن كلمة «كاديت» تعني «القائد»، وفي الاستخدام العسكري فإن «كاديت» كانت تستخدم للتعريف عن الأبناء الصغار لعائلات البلاط في فرنسا، ومنذ مطلع القرن الثامن عشر في روسيا ما قبل الثورة البلشفية كان لقب «كاديت» يُطلق على أبناء عائلات حاشية الإمبراطور الذين يتلقون التعليم في مدارس عسكرية، ليتم تأهيلهم منذ سن مبكرة للخدمة في قيادة الجيش والمؤسسات الحكومية. ويطلق على هؤلاء باللغة العربية «تلميذ عسكري».
* المزاجية القومية تعيد المدارس العسكرية إلى الواجهة
ومع أن مدارس الـ«كاديت» والمعاهد العسكرية التعليمية الرسمية وشبه الرسمية لم توقف نشاطها في روسيا منذ مطلع القرن الثامن عشر، إلا أن نشاطها تراجع في السنوات الأولى من استقلال روسيا بعد انفصالها وسقوط الاتحاد السوفياتي. وفي الوقت الحالي استعادت تلك المؤسسات عافيتها وتسجل إقبالا واسعا للدراسة فيها، على خلفية عودة المزاجية القومية مجددا إلى السياسة الروسية، وسعي الكرملين لاستعادة الكرامة والهيبة لروسيا بعد مرحلة التسعينات التي يرى كثيرون أنها كانت مذلة بشكل أو بآخر، وأدت إلى تراجع الحس القومي لدى شرائح واسعة من المواطنين الروس.
ويرى قلة من المختصين بالشأن الاجتماعي والتربية القومية في المجتمع الروسي الحديث أن استعادة نشاط المؤسسات التعليمية العسكرية الخاصة بالأطفال والشباب وظهور مؤسسات اجتماعية مدعومة حكوميًا تعني بالتربية القومية للأطفال، ظاهرة قد تؤدي إلى عسكرة المجتمع. بالمقابل ترى غالبية عظمى أن العودة إلى تلك المدارس والمؤسسات والمنتظمات الاجتماعية التربوية القومية ليس أكثر من تعبير عن التمسك بالتقاليد الروسية الأصيلة المتعارف عليها منذ عهود القياصرة. من جانب آخر فإن عودة نشاط كل تلك المؤسسات، وفق ما ترى الغالبية العظمى من المواطنين الروس، هو بديل جيد جدًا عن ترك الجيل الصاعد دون اهتمام، ذلك أن النشاط الذي يمارسه الأطفال والفتية والشبان في مقتبل العمر ضمن تلك المؤسسات لا يقتصر على التدريبات العسكرية، فهي مجرد جزء من برنامج واسع يشمل التربية على الأخلاق وآداب السلوك، فضلاً عن غرس مفهوم حب للوطن، واحترام للتاريخ وأبطاله، وكذلك احترام كبار السن ومساعدة الصغار والكثير غيره من الأخلاق، هذا فضلاً عن التربية البدنية من خلال تدريبات ومسابقات رياضية، إلى جانب توسيع المعرفة عبر دروس في التاريخ والسياسة، وكل هذا يجري ضمن أطر تعزز الجنوح نحو روح العمل الجماعي باحترام.
* تاريخ يعود إلى القيصرية الروسية
وتشكل تلك المؤسسات بديلاً مثاليًا بالنسبة للمواطنين الروس، وبصورة خاصة الذين وجدوا أطفالهم في حالة من التيه والتشتت والجنوح نحو المخدرات وعالم الجريمة إبان مرحلة سقوط الاتحاد السوفياتي وظهور روسيا المستقلة. وتشير نتائج استطلاع للرأي الذي أجراه مركز «ليفادا سنتر» المستقل لاستطلاع الرأي إلى أن 89 في المائة من المواطنين الروس يرون ضرورة أن تلعب المدارس دورا في تربية وتعزيز الشعور القومي لدى الأطفال والفتية والشباب، ويرى 85 في المائة ضرورة التربية الأخلاقية الروحية، بينما يرى 78 في المائة من الروس ضرورة التربية العسكرية للفتية والشباب.
وتشير المراجع التاريخية إلى أن أول مدرسة عسكرية «كاديت» للفتية تم تأسيسها في روسيا بمبادرة من الفيلد مارشال كريستوف مينيخ، إبان حكم الإمبراطورة آننا إيفانوفنا، قبل ذلك وتحديدا في عام 1721، وبأمر من القيصر بطرس الأول تم افتتاح مدارس في المدن العسكرية لتعليم الأطفال أبناء الجنود منذ السابعة من العمر، ويتلقون هناك دروسا في القواعد، والنظام المنضبط، وأسس العلوم المدفعية، وجانبا من الهندسة العسكرية، ومع بلوغهم الخامسة عشر من العمر يتم تعيينهم في الجيش لمواصلة التعليم وللخدمة العسكرية.
وما زالت بعض تلك المدارس تواصل عملها حتى يومنا هذا ومنها على سبيل المثال لا الحصر «مدرسة أومسك العسكرية للكاديت»، التي تم تأسيسها عام 1813 إبان غزو نابليون لروسيا، وهي تتبع حاليًا لوزارة الدفاع الروسية، ويديرها نيكولاي كرافتشينكو الحائز على لقب بطل الاتحاد السوفياتي.
* ستالين والمعهد المتوسط
وفي العهد السوفياتي استمر تقليد تأسيس مدارس عسكرية، وفي عام 1943، وضمن قرار أصدره ستالين حول «تدابير لإعادة بناء المؤسسات الإنتاجية في المناطق المحررة من النازيين»، تم تأسيس معهد سوفوروف العسكري الشهير. وكانت الفكرة في البداية تأسيس «مدرسة كاديت» إلا أن ستالين أقر تسميته «معهد متوسط»، وأمر بافتتاح فروع له في عدد كبير من المدن الروسية.
ويشكل معهد سوفوروف المتوسط في أيامنا هذه واحدة من أهم المؤسسات التعليمية العسكرية التي يحصل فيها التلاميذ على أسس العلوم العسكرية، ما يؤهلهم لاحقًا لمواصلة التعليم، ورفد القوات المسلحة والمؤسسات العسكرية والأمنية الروسية بضباط مختصين.
وكما هي حال كل المدارس العسكرية الروسية للتلاميذ في سن ما دون 18 عامًا يعتمد معهد سوفوروف على الكثير من الأسس التي كانت معتمدة في المدارس العسكرية أيام حكم القياصر، حيث لا يقتصر الأمر على تخريج ضباط متخصصين عسكريا بل ويتم زرع أسس آداب التعامل فيهم، ويتعلمون العزف على البيانو والرقصات الكلاسيكية، والتصرف الجدير بالضابط على مائدة الطعام، وآداب تعامله مع السيدات، والكثير غيره من آداب وأخلاق نبيلة من تلك التي تميز بها الضباط الروس في عهد القياصرة.
* عام 2016 يكلل تأسيس «جيش الشبيبة»
وإلى جانب المؤسسات التعليمية العسكرية الرسمية تنشط في الوقت الراهن بصورة كبيرة مؤسسات تحصل على تمويل رسمي، لكنها ليست مدارس بل أقرب إلى المنظمات الشعبية المعنية بتنظيم نشاطات للأطفال، تعزز لديهم الشعور القومي، وتقدم لهم أسس العلوم العسكرية، وتربيهم كذلك على الأخلاق الحميدة، ومن أكبر تلك المنظمات الحركة الشبيبية المعروفة باسم «يوناراميا»، أي «جيش الشبيبة»، وهي حركة تأسست مطلع صيف عام 2016، وباشرت نشاطاتها في الأول من سبتمبر (أيلول) برعاية ومشاركة وزارة الدفاع الروسية، حيث كان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو من أهم المشاركين في حفل تسليم وثيقة تسجيل الحركة وقال إن «حركة يونارميا قد تحولت إلى حركة روسية عامة لها فروع في 76 منطقة في البلاد»، ووعد أعضاء الحركة من الفتية والفتيات بتوفير فرصة «التحليق على متن الطائرات الحربية، والقفز بالمظلات، والمشاركة في مسير قطع الأسطول البحري من سفن وغواصات وإطلاق النار من كل أنواع الأسلحة باستثناء الصواريخ».



جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة
TT

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

تم تصنيف جامعة ياغيلونيا في مدينة كراكوف البولندية كأفضل مؤسسة تعليمية جامعية في البلاد، إلى جانب كونها واحدة من أعرق الجامعات في العالم. بدأت قصتها عام 1364 عندما نجح الملك كازيمير الأعظم بعد سنوات طويلة في إقناع البابا أوربان الخامس بمنح تصريح لإنشاء مؤسسة للتعليم الجامعي في مدينة كراكوف، قام الملك بتمويلها بعائدات مناجم فياليتشكا الملحية القريبة.
بعد ثلاث سنوات كان الجرس يدق في أرجاء المؤسسة معلناً عن بدء الدروس والتي كانت في الفلسفة والقانون والطب. وبدأت الجامعة، التي كان أول اسم يطلق عليها هو أكاديمية كراكوف، في الازدهار والنجاح خلال القرن التالي عندما بدأت في تدريس الرياضيات واللاهوت والفلك، حيث جذبت تلك المواد الباحثين والدارسين البارزين من مختلف أنحاء أوروبا. وتطلب توسعها بخطى سريعة إنشاء حرم جامعي أكبر. وقد التحق نيكولاس كوبرنيكوس، الذي أحدث بعد ذلك ثورة في فهم الكون، بالجامعة منذ عام 1491 حتى 1495.
مع ذلك، لم يستمر ما حققته الجامعة من نجاح وازدهار لمدة طويلة كما يحدث طوال تاريخ بولندا؛ ففي عام 1939 احتل النازيون مدينة كراكوف وألقوا القبض على الأساتذة بالجامعة وقاموا بنقلهم إلى معسكري التعذيب زاكزينهاوسين، وداخاو؛ ولم يعد الكثيرون، لكن من فعلوا ساعدوا في تأسيس جامعة مناهضة سرية ظلت تعمل حتى نهاية الحرب. كذلك اضطلعت جامعة ياغيلونيا بدور في الاحتجاجات المناهضة للنظام الشمولي في الستينات والثمانينات، واستعادت حالياً مكانتها المرموقة كمؤسسة لتدريب وتعليم النخبة المتعلمة المثقفة في بولندا.
ساعد انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004 في زيادة موارد الجامعة، وفتح أقسام جديدة، وإنشاء مرافق أفضل منها ما يسمى بـ«الحرم الجامعي الثالث» أو «الحرم الجامعي للذكرى الـ600» في منطقة بيخوفيسه. وبلغ عدد الملتحقين بالجامعة في 87 برنامجا دراسيا خلال العام الدراسي 2015-2016 47.494 طالباً.
وطوال قرون التحق خلالها عدد كبير من الطلبة بالجامعة، كان التحاق أول طالبة بالجامعة يمثل حدثاً بارزاً، حيث قامت فتاة تدعى نوفويكا، بالتسجيل في الجامعة قبل السماح للفتيات بالالتحاق بالجامعة بنحو 500 عام، وكان ذلك عام 1897، وتمكنت من فعل ذلك بالتنكر في زي شاب، وكانت الفترة التي قضتها في الدراسة بالجامعة تسبق الفترة التي قضاها زميل آخر لحق بها بعد نحو قرن، وكان من أشهر خريجي الجامعة، وهو نيكولاس كوبرنيكوس، الذي انضم إلى مجموعة عام 1492، وربما يشتهر كوبرنيكوس، الذي يعد مؤسس علم الفلك الحديث، بكونه أول من يؤكد أن الأرض تدور حول الشمس، وهو استنتاج توصل إليه أثناء دراسته في الجامعة، ولم ينشره إلا قبل وفاته ببضعة أشهر خوفاً من الإعدام حرقاً على العمود. من الطلبة الآخرين المميزين كارول فويتيالا، والذي يعرف باسم البابا يوحنا بولس الثاني، الذي درس في قسم فقه اللغة التاريخي والمقارن بالجامعة.