حكومات لبنان: محاصصات مذهبية وسياسية وحزبية

رشيد كرامي الأطول رئاسة.. وجنرالان مارونيان خرقا الرئاسات السنّية

حكومات لبنان: محاصصات مذهبية وسياسية وحزبية
TT

حكومات لبنان: محاصصات مذهبية وسياسية وحزبية

حكومات لبنان: محاصصات مذهبية وسياسية وحزبية

تشبه ورشة العمل التي بدأها في لبنان رئيس الحكومة المكلف، النائب سعد الحريري، لتشكيل حكومته الثانية، كثيرا من الورشات التي أدارها رؤساء حكومات سابقين انصرفوا إلى توزيع الحصص والحقائب الوزارية على أساس المذهب أولا والانتماء السياسي والحزبي ثانيا. وقد تكون مهمة الحريري هي الأصعب منذ سنوات لتهافت القوى السياسية اللبنانية للمشاركة بالحكم قبل أشهر من موعد الانتخابات النيابية المقبلة، وتعاطي هذه القوى مع الوزارات كوسيلة لاستقطاب الجماهير من خلال تأمين بعض الخدمات وقبض ثمنها أصواتا انتخابية في صناديق الاقتراع في مايو (أيار) المقبل.
ويزيد مهمة الرئيس الشاب المكلّف صعوبة، تفكك كتلتي قوى 8 و14 آذار وانفراط عقد التحالفات التي قامت بعد عام 2005 على خلفية اغتيال أبيه رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، باعتبار أنّه لم يعد يستطع أن يقسّم الوزارات من ناحية الاصطفافات السياسية بل بات مجبرا على التعاطي مع كل حزب أو تيار على أنّه فريق سياسي بحد ذاته.
تُعتبر حكومة سعد الحريري التي من المفترض أن تبصر النور قريبًا الحكومة الرقم 74 منذ استقلال لبنان في عام 1943، والرقم 7 منذ عام 2005. وهي على الأرجح ستكون حكومة «وحدة وطنية»، أي أنها ستضم كل القوى السياسية، تماما كما كانت حكومته السابقة التي شكلها في عام 2009 إبان عهد رئيس الجمهورية السابق، العماد ميشال سليمان، وضمت 30 وزيرا. ولقد قدم الحريري تشكيلتين حكوميتين لرئيس الجمهورية في حينها، فلم تنل الأولى رضا قوى المعارضة، بينما نالت الثانية ثقة 122 نائبا من أصل 128. ولكن، في عام 2011 أسقط ما يسمى «حزب الله» وحلفاؤه، وأبرزهم «التيار الوطني الحر»، تلك الحكومة من خلال سحب ثلث أعضائها على خلفية خلاف حول المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري.

حكومات أكثرية ووحدة وطنية
هذا، ولم يلق الطرح الذي تقدم به في وقت سابق رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ووافقه فيه الوزير بطرس حرب، وحثّا من خلاله على تشكيل حكومة تضم الفريق الحاكم والأكثرية على أن تبقى المعارضة في الخارج ترحيبًا لدى باقي القوى السياسية وأبرزها رئيسا الجمهورية والحكومة اللذان يعتبران حكومة الوحدة كفيلة بإعطاء زخم للعهد الجديد.
ولطالما كانت الحكومات اللبنانية منذ عام 1992 وحتى عام 2004 حكومات تضم الأكثرية الحاكمة فقط، علما بأن الرئيس الراحل رفيق الحريري ترأس معظمها. وفي هذا السياق، يقول الوزير والقيادي الكتائبي السابق كريم بقرادوني، الذي واكب تلك المرحلة لـ«الشرق الأوسط» إنّه «لم يكن يتم تقديم استقالة أي حكومة حينها قبل الاتفاق على تشكيلة الحكومة الجديدة، حتى إنّها تحولت قاعدة لطالما اعتمدها الرئيس الحريري»، واستطرد: «وبعد اغتياله في عام 2005 باتت الحكومة تأخذ وقتا طويلا لتتشكل، فقد استمرت عملية تشكيل بعضها 9 و11 شهرا».. ثم أضاف: «حكومات الوحدة الوطنية لا يجب أن تكون قاعدة، فالديمقراطيات في العالم تعتمد هذا النوع من الحكومات في الحالات الطارئة والحرب، لأنّه خلاف ذلك، فالأكثرية يجب أن تحكم والمعارضة تُعارض». وهنا اعتبر بقرادوني تشكيل حكومة وحدة في الوقت الراهن «مبرّرا من منطلق أننا نخرج من أزمة، بينما تشهد المنطقة أزمات دموية وحروبا»، مرجحا ألا تستلزم عملية التشكيل وقتا طويلا فتنتهي كحد أقصى خلال شهر واحد.
ويؤيد خلدون الشريف، مستشار رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، أهمية أن تكون الحكومة التي سيشكلها الرئيس الحريري حكومة وحدة وطنية، معتبرا انتخاب العماد ميشال عون رئيسا، وتسمية النائب الحريري لرئاسة الحكومة «يستلزمان أن تكون الحكومة تضم الجميع لاستيعاب الاتفاق الذي تم، والهزة التي أحدثتها التسوية، وخاصة بعد كم التصادم بين الرئيسين الحريري وعون الذي طبع كل المرحلة الماضية». وتابع الشريف لـ«الشرق الأوسط» موضحًا: «انسحاب القرار الدولي الذي حصّن لبنان بالمرحلة الماضية على المرحلة الحالية ووجود حكومة فاعلة ورئيس للجمهورية قد يؤشران لانفراجات مقبلة على صعيد السياسة الداخلية، لكن في النهاية لبنان يبقى بلد الصعوبات والتناقضات والمناكفات، ولا شيء سهل بالمطلق فيه».

أرقام قياسية لرشيد كرامي
جدير بالذكر، أنه خاض غمار تجربة رئاسة الحكومة في تاريخ لبنان الحديث 25 شخصية سياسية، 23 منهم سنة، حسب العُرف المعتمد منذ الاستقلال العام 1943، في حين خرق جنرالان مارونيان هذه القاعدة عامي 1952 و1988.
رؤساء الحكومة الذين توالوا منذ عام 1943 هم: رياض الصلح وعبد الحميد كرامي وسامي الصلح وسعدي المنلا وحسين العويني وعبد الله اليافي وناظم عكاري وصائب سلام وفؤاد شهاب وخالد شهاب ورشيد كرامي وأحمد الداعوق وأمين الحافظ وتقي الدين الصلح ونور الدين الرفاعي وشفيق الوزان وسليم الحص وميشال عون وعمر كرامي ورشيد الصلح ورفيق الحريري ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وسعد الحريري وتمام سلام.
ويُعتبر الرئيس رشيد كرامي، أصغر مَن تولى رئاسة الحكومة في تاريخ لبنان، إذ ترأس أول حكومة له في عام 1955 في عهد الرئيس الراحل كميل شمعون، وكان في الـ34 من عمره. بينما يُعتبر الرئيس سعد الحريري ثاني أصغر رئيس حكومة للبنان.
كما أن كرامي - وهو ابن رئيس الوزراء عبد الحميد كرامي وشقيق رئيس الوزراء عمر كرامي - هو أكثر رئيس وزراء تشكيلاً وترؤسًا للحكومات في تاريخ لبنان، إذ ترأس 10 حكومات خلال ثلاثة عقود (بين 1955 و1984) يليه الرئيس عبد الله اليافي (شكّل 9 حكومات بين 1951 و1968).
ولا تقتصر «ميزات» رئاسة كرامي على كونه كان الأصغر وشكل العدد الأكبر من الحكومات، إذ يُعتبر أيضا صاحب الرقم القياسي في الفترة الزمنية التي أمضاها رئيسا للحكومة، وبلغت 141 شهرًا و20 يومًا، أي نحو 11 سنة و10 أشهر، في حين أمضى رفيق الحريري بين 1992 و2004 ما يقارب 10 سنوات وشهرين في سدة رئاسة الحكومة.
أما الجنرالان المارونيان اللذان توليا رئاسة الحكومة في لبنان فهما قائد الجيش فؤاد شهاب الذي ترأس حكومة انتقالية في نهاية عهد الرئيس بشارة الخوري وتحديدًا بين 18 سبتمبر (أيلول) 1952 و30 منه وتخللها انتخاب كميل شمعون رئيسًا للبلاد في 23 سبتمبر. أما الجنرال الثاني الذي ترأس حكومة عسكرية فكان ميشال عون، رئيس الجمهورية الجديد، الذي عيّنه الرئيس أمين الجميّل في 22 سبتمبر 1988 بعدما تعذّر انتخاب خلَف له على رأس الجمهورية.

أقصر الحكومات عمرًا
وتُعتبر الحكومة التي شكّلها الرئيس عبد الله اليافي في 12 أكتوبر (تشرين الأول) 1968 في عهد الرئيس شارل الحلو هي أقصر حكومة في تاريخ لبنان، إذ إنها لم تعمّر إلا 8 أيام واستقالت في 20 أكتوبر من دون أن تمثل أمام مجلس النواب. وتليها الحكومة الانتقالية التي شكلّها فؤاد شهاب في نهاية عهد الرئيس بشارة الخوري واستمرت 12 يومًا (بين 18 و30 سبتمبر 1952) ولم تمثل بدورها أمام البرلمان.
أما العمر الأطول لحكومة في تاريخ لبنان، فكان 37 شهرًا، وسجّله الرئيس رشيد كرامي في الوزارة التي ألفها في 30 أبريل (نيسان) 1984 وبقي على رأسها حتى تاريخ اغتياله في الأول من يونيو (حزيران) 1987. وللعلم، فإن الرئيس فؤاد السنيورة هو صاحب الرقم الثاني لأطول حكومة عمرًا، إذ استمرت لنحو 36 شهرًا بين 19 يوليو (تموز) 2005 و11 يوليو 2008، في حين أن أطول عمر لحكومة ترأسها الرئيس رفيق الحريري هو 31 شهرًا بين 31 أكتوبر 1992 و25 مايو 1995.

قضوا اغتيالاً
وللمفارقة، فإن ثلاثة من رؤساء الحكومة في لبنان قضوا اغتيالاً، هم: «رجل الاستقلال» رياض الصلح، الذي اغتيل يوم 16 يوليو عام 1951 في العاصمة الأردنية عمّان بإطلاق النار على سيارته بعد نحو 5 أشهر على مغادرته سدة رئاسة الحكومة. ورشيد كرامي الذي اغتيل في الأول من يونيو 1987 بتفجير عبوة ناسفة تحت مقعده في هليكوبتر عسكرية تابعة للجيش اللبناني، وكان حينها على رأس الحكومة. ثم رفيق الحريري الذي اغتيل في 14 فبراير (شباط) 2005 بتفجير ضخم استهدف موكبه عند الواجهة البحرية لبيروت، بعد نحو أربعة أشهر على تنحيه عن رئاسة الحكومة.

محطات بارزة
أبرز المحطات التي طبعت عملية تشكيل الحكومات منذ العام 1990 وحتى يومنا هذا، تمثلت بتشكيل عمر كرامي حكومته في أواخر عام 1990، وكان عنوانها «الوفاق الوطني» الذي لم يتحقق بالكامل، فقد ضم كرامي إلى حكومته سليمان فرنجية، أبرز حلفاء سوريا، وسمير جعجع قائد «القوات اللبنانية» التي كانت خاضت حربًا ضد عون، بالإضافة إلى الوزيرين نبيه برّي ووليد جنبلاط وإيلي حبيقة. غير أن جعجع لم يحضر أي جلسة للحكومة، ثم استقال منها بعد نحو 3 أشهر ونيف فعين روجيه ديب ممثلاً له فيها. ثم سقطت حكومة عمر كرامي تحت وطأة اضطرابات شعبية وضغوط غير شعبية في 6 مايو 1992 بسبب الأوضاع الاقتصادية وانهيار الليرة اللبنانية، إذ بلغ سعر صرف الدولار آنذاك نحو 3000 ليرة (حاليًا نحو 1500).
وفي 26 مايو شكّل الرئيس رشيد الصلح حكومة لم تعمّر طويلاً أشرفت على الانتخابات النيابية، ومهدت لوصول رفيق الحريري إلى الحكم لأول مرة. ولقد استقال جعجع من هذه الحكومة أيضا.
وضم الرئيس الحريري إلى حكومته الأولى ذراعه اليمنى، فؤاد السنيورة، بينما بقيت فيها رموز التحالف السابق المؤلف من برّي (عبر وزراء ممثلين له بعد انتخابه رئيسًا للبرلمان) وجنبلاط وفرنجية وحبيقة. وفي عام 1995، شكّل الحريري حكومته الثانية بعدما قدم استقالة الحكومة الأولى عقب تمديد ولاية الرئيس إلياس الهراوي في أكتوبر من العام نفسه. وفي عام 1996 عاد الحريري إلى الحكومة بعد الانتخابات النيابية التي دخل فيها إلى البرلمان للمرة الأولى نائبا عن بيروت.
وفي عام 1998 خرج الرئيس الحريري من الحكم مع انتخاب إميل لحود رئيسًا للجمهورية، بعد أزمة الاستشارات النيابية، إذ احتج الحريري على تفويض بعض النواب رئيس الجمهورية تسمية رئيس الحكومة رغم أنه تم اختياره من غالبية النواب، فأعيدت الاستشارات وسُمي الرئيس سليم الحص من قبل الغالبية النيابية. وضمت هذه الحكومة يومذاك أسماء جديدة مثل وزير المال، جورج قرم، ووزراء آخرين من مؤسسات الرقابة كرئيس التفتيش المركزي، فوزي حبيش. كما خلت من أسماء أخرى كالسنيورة وجنبلاط الذي لم يشارك رغم أنه تمثل فيها بوزراء قريبين منه. وخاض لحود والحريري مواجهة حادة في بداية هذا العهد فأحيل كثير من رموز الحريري للمحاكمة. ولكن الحملة الإعلامية التي شنّت على الحريري جاءت بمفعول عكسي إذ ساعدته على اكتساح مقاعد بيروت النيابية كافة، وحقق انتصارات كبيرة في الشمال والبقاع وجبل لبنان في حملته مجددًا لرئاسة الحكومة التي شكلها في نهاية عام 2000. وعاد فؤاد السنيورة إلى المالية ومعه الوزير باسل فليحان للاقتصاد. وبدا من خلال تلك الحكومة أن الحريري سيتولى ملف الاقتصاد، ولحود الملف السياسي في البلاد. وبعد حرب العراق عام 2003، شكل الحريري حكومته الثانية في عهد لحود والخامسة له، وضم فيها إلياس المر، وزيرا للداخلية، بدلاً من والده نائب رئيس الحكومة ميشال المر.

تغييب التكنوقراط
وعلى الرغم من أن «حكومات التكنوقراط» ظلّت الحاضر الأبرز في كل النقاشات عشية تشكيل معظم الحكومات بعد «اتفاق الطائف»، فإنه لم يجر اعتمادها طوال السنوات الماضية. وترد نهلة الشهال، الباحثة في علم الاجتماع السياسي، هذا الأمر إلى النظام السياسي القائم على المحاصصة، لافتة إلى أن «هذا النظام بالمرحلة الراهنة بحالة من العراء الكامل ما يزيد الطابع الفاقع للمحاصصة». وتشير الشهال في حوار مع «الشرق الأوسط» شارحة إلى أن «القادة الذين يسيطرون حاليا على السلطة يعتبرون أن الشكل الذي تتخذه الحكومات الحالية هو الأفضل برأيهم، ويتعاطون مع من ينادون بحكومات تكنوقراط أو غيرها على أنهم أقلية أو غريبي الأطوار». وأردفت: «لا يمكن القول إن الطبقة السياسية نجحت في استنهاض صفوفها وإعادة إحياء النظام الطائفي لسنوات وسنوات، فالتسوية التي أدت لانتخاب رئيس للبلاد لا يمكن أن تخفي ملامح النظام اللبناني المأزوم.. وخاصة أنّها صفقة غير مقنعة».
على صعيد آخر، شكّل البيان الوزاري للحكومات التي تشكلت بعد عام 2005، تحديًا كبيرًا في ظل إصرار ما يسمى «حزب الله» على تشريع حالته ووجوده وإصراره على إيراد عبارة «حق الشعب والجيش والمقاومة بالتصدي للاحتلال الإسرائيلي». ففي حكومة سعد الحريري التي تشكلت عام 2009 تم الاتفاق على تأكيد «حق لبنان، بشعبه وجيشه ومقاومته، في تحرير مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، واسترجاعها، والدفاع عن لبنان في مواجهة أي اعتداء والتمسك بحقه في مياهه، وذلك بكل الوسائل المشروعة والمتاحة»، وهي الصيغة التي تبنتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في عام 2011.
وبعد سجال طويل، توصلت حكومة الرئيس تمام سلام لصيغة جديدة قالت فيها إنه «استنادا إلى مسؤولية الدولة ودورها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أبنائه، تؤكد الحكومة واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، وذلك بشتى الوسائل المشروعة. مع تأكيد حق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة». وحاليًا، يُرجح المعنيون أن تعتمد الحكومة التي سيشكلها الرئيس سعد الحريري الصيغة نفسها أو ما ورد في خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس عون وقال فيه: «أما في الصراع مع إسرائيل، فإننا لن نألو جهدًا ولن نوفر مقاومة، في سبيل تحرير ما تبقّى من أراضٍ لبنانية محتلّة، وحماية وطننا من عدوٍّ لما يزل يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.