قرار المحكمة العليا عصا في عجلات «بريكسيت»

وضع حكومة تيريزا ماي أمام خيارات صعبة.. والخروج من المأزق «انتخابات عامة» قبل موعدها

قرار المحكمة العليا عصا في عجلات «بريكسيت»
TT

قرار المحكمة العليا عصا في عجلات «بريكسيت»

قرار المحكمة العليا عصا في عجلات «بريكسيت»

حكومة تيريزا ماي أمام خيرات صعبة أحلاها قد تكون الدعوة إلى انتخابات عامة في الربيع المقبل، أي قبل موعدها بثلاث سنوات؛ كون استطلاعات الرأي تظهرها متفوقة بمقدار 12 نقطة مئوية على حزب العمال المعارض، الذي يتزعمه اليساري جيرمي كوربن، كما أجمع الكثير من المراقبين. قرار المحكمة العليا أول من أمس ألقى بالعصا في عجلات «بريكسيت»، بعد أن فرض على الحكومة المحافظة أن تعرض خطتها في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي قبل تفعيل المادة 50 من اتفاقية لشبونة للمصادقة عليه من قبل البرلمان. لكن من الواضح من ردات الفعل المتفاوتة حول قرار المحكمة العليا أن جميع الأحزاب أخذت على حين غرة. زعيم حزب الاستقلال نايجل فراج، الذي قاد حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي واعتبرها قضيته الأولى والأخيرة خلال عقد من الزمن، قال «إن خيانة إرادة الشعب أصبحت في متناول اليد. إنني متأكد بأن كل الحيل الممكنة سيتم استغلالها من أجل تأخير تفعيل المادة 50 من اتفاقية لشبونة. إن من يقفون وراء هذا التوجه لا يعرفون حجم الغضب الذي سيواجهونه من قبل جمهور الناخبين».
حكومة تيريزا ماي، التي تم تنصيبها في يوليو (تموز) الماضي بعد استفتاء 23 يونيو (حزيران)، الذي أخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مصرة وتأكد تمسكها بخطتها لتفعيل الخروج من الاتحاد الأوروبي في نهاية مارس (آذار)، كما وعدت نظراءها في التكتل الأوروبي، على الرغم من أن القرار القضائي يمنح البرلمان حق التصويت، ويمكن أن يغير جدولها الزمني. هذا الإصرار لا يتماشى مع ما قررت الحكومة عمله، وهو قرار استئناف الحكم، على أن يتم ذلك مطلع ديسمبر (كانون الأول)، لكن إذا أكدت المحكمة العليا القرار سيؤدي ذلك إلى إبطاء عملية بريكسيت.
وقالت متحدثة باسم المفوضية الأوروبية: إن الجدول الزمني لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بأيدي السلطات البريطانية». ويتوقع أن تعلن ماي احترامها للجدول الزمني الذي عرضته على قادة الاتحاد الأوروبي من أجل عملية الانفصال التي قد تستمر لمدة سنتين.
وأكد متحدث باسم رئاسة الوزراء «ما زلنا نعتزم تفعيل المادة 50 بحلول نهاية مارس»، وهذا ما نقلته تيريزا ماي إلى رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر أمس (الجمعة).
وثارت الصحف البريطانية اليمينية أمس على قرار المحكمة، وكتبت صحيفة «دايلي مايل»: «أعداء الشعب» بالأحرف الكبرى إلى جانب صور للقضاة الثلاثة. في حين قالت: «الدايلي تليغراف» إلى جانب صور للقضاة الثلاثة «القضاة ضد الشعب». واعتبرت أن القضاة خانوا إرادة الشعب البريطاني الذي صوت بنسبة 52 في المائة لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وقال كبير القضاة جون توماس «ينص أهم بند أساسي بالدستور البريطاني على أن البرلمان له سيادة ويمكنه إقرار أو إلغاء أي قانون يختاره». ولم يكشف توماس وقاضيان آخران عما يتعين على الحكومة فعله. ولم يعلنوا أيضا إن كانت الحكومة في حاجة إلى إقرار قانون جديد لبدء إجراءات الانفصال؛ مما قد يواجه معارضة وتعديلات من مجلسي البرلمان، خصوصا مجلس اللوردات الذي لا ينتخب أعضاؤه.
لكن الحكم يجعل مهمة إخراج بريطانيا من التكتل الذي انضمت إليه قبل 43 عاما أكثر تعقيدا.
ونظريا، يمكن للبرلمان البريطاني منع الانسحاب من الاتحاد جملة وتفصيلا. لكن عددا قليلا من الناس يتوقعون هذه النتيجة في ضوء تصويت الشعب البريطاني في استفتاء يونيو لصالح الخروج.
وأمام الحزب العمالي المعارض الضعيف في استطلاعات الرأي، قد يبقي المحافظون السيطرة على البرلمان الذي أيد معظم نوابه البقاء في الاتحاد الأوروبي خلال حملة الاستفتاء.
وقال نايجل فراج لـ«الدايلي تليغراف» «إن أفضل شيء تفعله تيريزا ماي الآن هو الدعوة لانتخابات تشريعية»، معتبرا أن «الشعب البريطاني» سيعارض «وقاحة النخبة السياسية».
وقال نائب رئيس الوزراء السابق نيك كليغ، والزعيم السابق لحزب الديمقراطيين الأحرار لـ«بي بي سي» إن «السؤال ليس هل سنفعّل المادة 50؟ بل هل سنفعّل المادة 50 لصالح (بريكسيت) قاسٍ أو (بريكسيت) مخفف؟». وأضاف، أن البريطانيين صوتوا «لصالح بريكسيت» لكن «ليس لبريكسيت قاس». و«بريكسيت قاس» يعني خروج بريطانيا من السوق الأوروبية الواحدة مع التشدد في فرض قيود على الهجرة الآتية من دول الاتحاد الأوروبي، في حين أن «بريكسيت مخففا» سيتيح الوصول إلى السوق الواحدة مع قيود محدودة على الهجرة. وهذه نقطة خلاف مع الاتحاد الأوروبي الذي يصر أن دخول السوق يعني حركة الأشخاص أيضا، وهذا ما ترفضه بريطانيا، التي اعتبرت قضية التحكم بالهجرة قضية أساسية لها. وعلى هذا الأساس تمت الدعوة للاستفتاء.
وبعد الحكم ارتفع سعر الجنيه الإسترليني أمام الدولار إلى أعلى مستوياته منذ ثلاثة أسابيع. وكان معظم المستثمرين يعتقدون أن النواب سيخففون من غلواء سياسات الحكومة؛ مما يجعل «التبعات الاقتصادية لخروج بريطانيا» أمرا غير مرجح كثيرا.
ويعتقد الكثير من المراقبين أن عرض تفعيل المادة 50 على البرلمان سيتيح للبرلمان أن ينظر إلى المصلحة الوطنية بعيدا عن المهاترات، التي أطلقت سابقا حول استعادة السيادة البريطانية. وكتبت المعلقة السياسية بولي تونبي في صحيفة «الغارديان» تقول: إنه لا يمكن لتيريزا ماي أن تلغي بهذه البساطة حقنا في أن نكون مواطنين أوروبيين، ضمن المعاهدات الموقعة. ومن هنا جاء التحدي القانوني لتفعيل المادة 50 دون الرجوع للبرلمان. الغريب في الأمر، أن أحد الأشخاص الذين أقاموا الدعوة هو من معسكر الخروج. لكنه يصر أن العملية الديمقراطية يجب أن تأخذ حقها قبل الشروع في عملية الانفصال.
وأعرب غراهام بينيي، خارج مبنى المحكمة بعد صدور القرار، عن ارتياحه «لنصر للديمقراطية البرلمانية» مبديا أمله في «أن يقبل الجميع قرار المحكمة حتى يكون بإمكان البرلمان أن يتخذ قرارا بشأن بدء تفعيل الفصل 50»، ودعا الحكومة إلى عدم استئناف القرار.
إذ أكد مقدمو الطلب أن الخروج من الاتحاد الأوروبي دون استشارة البرلمان سيشكل انتهاكا للحقوق التي تضمنها معاهدة الاتحاد الأوروبي لعام 1972 التي تدمج التشريع الأوروبي ضمن تشريع المملكة المتحدة.
وإذا تمكنت حكومة ماي من قلب قرار المحكمة العليا، فإن هناك أسبابا قانونية أخرى قد تلجأ إليها الوزيرة الأولى لبرلمان اسكوتلندا، التي قد تصر أن تتحدى حكومة ويستنستر في المحاكم قبل البدء في عملية الانفصال؛ لأن اسكوتلندا صوتت لصالح البقاء، وأن على برلمانها التصديق على عملية الخروج. وهذا قد يستعمل كتكتيك آخر من أجل استنزاف خطط الحكومة للخروج من التكتل الأوروبي. وقالت نيكولا ستيرجين أمام برلمان أدنبرة بعد صدور قرار المحكمة العليا في لندن «الحكم في غاية الأهمية، ويبين حالة الفوضى التي تعيشها حكومة تيريزا ماي».
لكن اللجوء إلى البرلمان لحل هذا الإشكال، كما قال في الأمس المخضرم المحافظ ووزير الخزانة الأسبق كنيث كلارك، قد يفشل عملية الخروج بأكملها، مما قد يجبر حكومة تيريزا ماي على اللجوء إلى انتخابات مبكرة من أجل الحصول على تخويل من البرلمان لتفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة. وقد تتحد الأحزاب الأخرى من أجل عكس نتيجة الاستفتاء من خلال تخويل برلماني جديد.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».