النظام يضيّق الخناق على خان الشيح ودوما لإخضاعهما للتهجير أو «المصالحة»

ضمن خطّة التهجير القسري في محافظة ريف دمشق، التي تحيط بالعاصمة السورية، تشهد الغوطتان الشرقية والغربية حملة عسكرية شرسة من قبل قوات النظام والمجموعات الموالية لها. إذ في حين تعمل على تضييق الخناق أكثر على دوما في الأولى، وتحاول الفصل بين بلدة زاكية ومخيم خان الشيح في الثانية، في محاولة لإخضاعها لما بات يعرف بـ«الهُدن» أو «المصالحات» التي تؤدي إلى إخراج المعارضين منها كما حصل سابقا في داريا والهامة وقدسيّا وبعض المناطق بريف دمشق.
وأمس، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن طائرات حربية قصفت بعد منتصف الليل مناطق في بلدة خان الشيح بالغوطة الغربية، لتعود صباحا وتتجدد الاشتباكات العنيفة بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، والفصائل المعارضة و«جبهة فتح الشام» من جهة أخرى، في مزارع البويضة ومحيط بلدة خان الشيح التي تحاول قوات النظام تضييق الخناق أكثر عليها في مقدمات لاستعادة السيطرة على كامل البلدة، بينما تحاول الفصائل صد الهجوم وإبعادها عن البلدة، التي رصدت الأخيرة كل الطرق الواصلة إليها، وتترافق الاشتباكات مع قصف مكثف بين الجانبين، وضربات جوية استهدفت مناطق الاشتباك.
وأشارت «شبكة شام المعارضة» إلى تصعيد قوات النظام أمس قصفها بالبراميل المتفجرة على أطراف مخيم خان الشيح ومحيطه في إطار سعيه لتضييق الحصار على المدنيين، خصوصًا بعد أن ضيّق عليهم بسيطرته على كتيبة الصواريخ الفاصلة بين المخيم وبلدة زاكية. وأكد ناشطون أن مروحيات النظام أمطرت محيط المخيم وأطرافه بأكثر من ستين برميلا متفجرا حتى ظهر أمس، بعضها حوى مادة النابالم الحارقة، حيث أدى سقوط هذه البراميل لحدوث أضرار مادية كبيرة جدا. كذلك شنت الطائرات الحربية 5 غارات جوية على محيط المخيم، في حين استهدفت قوات النظام المزارع المحيطة بالمخيم بنحو 30 صاروخ «أرض - أرض» وبعدد كبير من قذائف المدفعية والصواريخ، بحسب الشبكة.
وفي حين لفتت «الشبكة» إلى أن القصف العنيف الذي يشنه النظام هو محاولة لتقدم قواته على الأرض، حيث حاولت التقدم باتجاه مخيم خان الشيح من جهة الديوان وجهة جامع التقي، أشار الناشط ضياء الحسيني في محافظة ريف دمشق إلى أن النظام ضمن محاولاته فصل زاكية عن خان الشيح، عمد إلى وضع ساتر ترابي من دون أن ينجح في فصلها بشكل كامل. ومن جهتها، ادعت «وكالة سانا» التابعة للنظام أن «وحدات من الجيش والقوات المسلحة حققت تقدمًا جديدًا في عملياتها بمنطقة خان الشيح، حيث فرضت سيطرتها على منطقة جامع التقي ومحيطه بعد القضاء على عدد من الإرهابيين - حسب تعبيرها - وتدمير أسلحتهم».
وفي حين يحذر ناشطون من المخاطر المحدقة بالمخيم في حال استمرار الحصار والقصف، مع بدء نفاد المواد الغذائية والطبية منه، مبدين تخوفهم وقلقهم على حياة آلاف المحاصرين بسبب نفاد الخبز والطحين وحليب الأطفال والأدوية، أكّد الحسيني لـ«الشرق الأوسط» أن الوضع الإنساني في المخيم الذي يصنف ضمن المناطق التي يصعب الوصول إليها، يزيد سوءا يوميًا. ولفت إلى أن قوافل المساعدات الغذائية لم تصل إليه إلا مرتين خلال أربعة أشهر.
ويشير الحسيني إلى أن السيناريو الذي حصل في داريا يتكرّر الآن في الغوطة التي تتعرض لقصف متواصل بالبراميل المتفجرة، وأن النظام يهدف بذلك إلى فصل زاكية عن مخيم خان الشيح، الذي يعتبر خزانًا بشريًا من المقاتلين في الغوطة الغربية، ومن ثم، قطع طريق الإمداد عنه. وأشار إلى أن ما يحصل في دوما لجهة محاولة تنفيذ عملية التهجير القسري يحصل أيضا في المخيم، حيث فشل النظام في إخضاع أهله وفرض هدنة عليهم أو ما يطلق عليه تسمية «المصالحة» بهدف تهجير أبنائه والسيطرة عليه. ويضيف أن «النظام يستغل خضوع بعض البلدات والقرى إلى المصالحات للتركيز على جبهة دوما مع مجموعات عراقية موالية له ولما يسمى (حزب الله) اللبناني».
وهذه الحملة تهدف - بحسب الحسيني ومصدر في المعارضة - إلى تضييق الخناق أكثر على الغوطة الشرقية بشكل عام، ودوما المحاصرة بشكل خاص، وإخضاعها لشروطه التي تؤدي في النهاية إلى التهجير القسري، وبالأخص، بعد فشل المباحثات حتى الآن التي كانت تجري بين ممثلين للنظام وأهالي في الغوطة الشرقية، ورفض النظام تنفيذ بند الإفراج عن المعتقلين لديه وتأكيد الأهالي رفض أي اتفاق يفصل دوما عن باقي مناطق الغوطة الشرقية.
أيضًا على الصعيد الميداني، تعرضت أمس، أماكن في أطراف مدينة دوما المهمة في الغوطة الشرقية وأماكن في الطريق الواصل بينها وبين الشيفونية، لقصف من قبل الطيران الحربي، بحسب «المرصد»، بينما أكد الحسيني، استمرار الاشتباكات في محيط دوما، وتحديدا على أوتوستراد دمشق - حمص الدولي الذي يطلّ على مزارع دوما، ومن جهة سجن دمشق المركزي أو ما يعرف بـ«سجن عدرا»، إضافة إلى معارك في بلدة الريحان، مع محاولات مستمرة من قوات النظام لاقتحام المدينة، التي باءت حتى الآن بالفشل. ولفت إلى أن دوما تتعرض لحملة عنيفة من القصف والغارات المكثفة يهدف النظام من خلالها إلى قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين وإخضاع أهلها لهدنة محلية أو إجبارهم على الخروج ضمن خطة التهجير القسري التي تعتمدها في ريف دمشق.