لماذا يذهب الجامعيون إلى ساحات القتال تحت راية «داعش»؟

ارتباط التطرف بالجهل يسقط تحت أقدام مقاتليه

جامعيون من الأجانب  استهوتهم شعارات {داعش} فانضموا إليه ({الشرق الأوسط})
جامعيون من الأجانب استهوتهم شعارات {داعش} فانضموا إليه ({الشرق الأوسط})
TT

لماذا يذهب الجامعيون إلى ساحات القتال تحت راية «داعش»؟

جامعيون من الأجانب  استهوتهم شعارات {داعش} فانضموا إليه ({الشرق الأوسط})
جامعيون من الأجانب استهوتهم شعارات {داعش} فانضموا إليه ({الشرق الأوسط})

استندت دراسة البنك الدولي، المعدة أخيرًا، التي بينت أن الأجانب الذين يلتحقون بصفوف «داعش» على مستوى تعليمي أعلى من المتوقع، إلى بيانات داخلية للتنظيم المتطرف جرى تسريبها لـ3803 من عناصره.
ويشار إلى أن الدراسة التي أعدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي، تستند فيما خص الشق المتعلق بالمتطرفين الأجانب إلى استمارات انضمامهم إلى التنظيم المتطرف، التي تتضمن بيانات عن بلد الإقامة والجنسية والمستوى التعليمي والخبرات السابقة في العمل القتالي والإلمام بالشريعة.
ومن ناحية ثانية، تفيد دراسة البنك الدولي بأن «داعش» لم يجند مقاتليه الأجانب من الطبقات الفقيرة أو الأقل تعليمًا، بل على العكس هناك ما يشير إلى أن الافتقار إلى الإدماج الاقتصادي لهؤلاء الأشخاص في بلادهم يفسر تفاقم التشدد، وتحوله إلى تطرف عنيف.
كذلك فإن معدّي الدراسة وعنوانها «العدالة الاجتماعية والاقتصادية لمنع التطرف العنيف»، أكدوا أن «داعش» لم يأت بمجنديه الأجانب من بين الفقراء والأقل تعليمًا، بل العكس هو الصحيح. إذ بحسب الدراسة، فإن غالبية المنضمين إلى التنظيم خلال عامي 2013 و2014 «يؤكدون أن مستواهم التعليمي هو المرحلة الثانوية، وقسم كبير منهم تابعوا دراستهم حتى الجامعة». وأظهرت بيانات الدراسة أن الأجانب الذين انضموا لـ«داعش»، 43.3 منهم مستواهم التعليمي هو المرحلة الثانوية، و24.5 في المائة هو المرحلة الجامعية، في حين أن 13.5 في المائة فقط يقتصر مستواهم التعليمي على المرحلة الابتدائية، وبلغت نسبة الأميين في صفوف التنظيم 1.3 في المائة فقط.
من ناحية أخرى، فتح «داعش» في شهر فبراير (شباط) عام 2016 مدرستين في مدينة الرقة السورية لتعليم «الجهاد» والعلوم الشرعية لأبناء وبنات المقاتلين الأجانب في صفوفه، لكن باللغة الإنجليزية، تماشيًا مع خصوصيتهم، إحداهما للذكور وحملت اسم «أبو مصعب الزرقاوي»، والمدرسة الثانية للإناث سميت بـ«مدرسة عائشة». وقال «ديوان التعليم» لدى «داعش» إن «المدارس الجديدة لتدريس الأطفال من عمر السنة السادسة وحتى الرابعة عشرة من أبناء المهاجرين الأجانب باللغة الإنجليزية». وكان التنظيم قد أنشأ أيضًا معهدًا لتدريب الأطفال على القتال وفق عدة مستويات تحت اسم «معهد الفاروق» لتدريس الأطفال أحكام الجهاد والشريعة، وقدر عدد الأطفال المنتسبين إليه بمائة طفل.
ومما يذكر هنا أن «داعش» كان قد فرض في مارس (آذار) عام 2015 التعليم الإلزامي في الأراضى الواقعة تحت سيطرته في سوريا، وقام بتوزيع تعهدات على أهالي الطلبة، لضمان التزامهم بإرسال أطفالهم إلى المدارس التي يديرها، بحسب مصادر حقوقية سورية. ونشر نشطاء نسخة من أوراق تتضمن تسجيل التلاميذ في مدارس «داعش»، وتعهد من ولي أمر التلميذ بإرساله إلى هذه المدارس وإلزامه بالدوام ومتابعته، وجاء في نص التعهد: «أتعهد بإذن الله بإرسال ابني إلى المدرسة ومتابعة دوامه، وفي حال عدم تنفيذ هذا الأمر أتحمل المسؤولية الكاملة».

أهداف «داعش»
الدكتورة إلهام شاهين، أستاذ العقيدة والفلسفة في مصر، ترى أن «داعش» يلجأ للمتعلمين، لأنه يعتمد على الدراسات المسبقة، ووضع الخطط المنهجية في جذب العناصر التي تنضم إلى صفوفه، ويحدد ذلك أيضًا بناءً على أهداف يسعى إلى تحقيقها. وتلفت إلى أن التنظيم يسعى لتكوين دولة واسعة النطاق تعتمد على التكنولوجيا الحديثة في إدارتها، وبالتالي لن يتحقق ذلك إلا بالمستويات العلمية القوية، ومن ثم يدخل للسيطرة عليهم من النقص الذي يعانون منه والتفكك الأسري أو الرغبة في دور محوري في الحياة ودولة «الخلافة» (المزعومة)، أو الرغبة في التخلص من حياة سيئة واستبدال حياة أخرى بها في الدنيا أو الآخرة.. وكل هذا يلعب «داعش» على أوتاره بقوة.
ثم تقول شاهين: «لكن تنظيم داعش ليس وحده الذي لديه عوامل جذب، لأن على الجانب الآخر هناك عوامل دفع تدفع هؤلاء الشباب إلى الانضمام لـ(داعش)، ومنها الجهل الديني، وضعف انتشار التعليم الديني في الدول الغربية، ومحاربة التعليم الديني والحط من شأنه وقدر القائمين عليه في الدول الشرقية، فضلاً عن شبه انعدام تناول موضوعات دينية بعينها في التعليم الديني، وكذلك من خلال وسائل الإعلام، وتلك هي الموضوعات الأساسية التي يعتمد عليها التنظيم في بناء دولته المزعومة، مثل مواضيع (الخلافة والإمامة والجهاد والجزية ومعاملة أهل الذمة والجواري والعبيد)، رغم أن هذه المواضيع جرى حذفها حتى من المناهج الدينية في التعليم الديني، بحجة أننا لسنا بحاجة لها الآن، لكنها أساسية في المنهج الداعشي».
وتضيف شاهين: «إذا كان (داعش) يلجأ إلى الغرب اليوم، فإن شباب الشرق المتعلم هو الذي سيسعى إلى (داعش) اليوم وغدًا، إذا لم نغير سياستنا في التعليم والتعامل، فلا بد من اتباع سياسة الاحتواء والتمكين للشباب والاستماع لهم، والأهم من الاستماع، العمل بأفكارهم وإشراكهم في نهضة أوطانهم بدلاً من سياسة التهميش والتخويف والتخوين لكل ناقد». ثم تستطرد: «لا بأس في تدريس هذه المواضيع وإدراجها ضمن المناهج الدراسية الدينية في التعليم الديني والمدني وبيان وجه الحق فيها، ولكن شرط أن يقوم على تدريسها ذوو الكفاءة من المتخصصين. وإذا كان (داعش) نظامًا هشًا وضعيفًا، فإنه يقوي نفسه بالعلم والعلماء، ويجعل لهم دورًا محوريا في بناء (الدولة) المزعومة التي يسعى إلى تكوينها، وإن لم نحصن شبابنا ونعلمهم تعليمًا دينيًا قويًا فلن تسرنا النتائج التي سنجني ثمرتها».

مطالب نفسية ودينية
وحول لماذا يلجأ المتعلمون لـ«داعش»، أوضحت الأكاديمية المصرية أن التنظيم يلبي لهم مطالب نفسية وعلمية لديهم قصور فيها، فهؤلاء وإن كان لديهم علم دنيوي ولديهم وظائف هامة، فإنهم يعانون من الجهل بالعلوم الدينية، وهي المدخل الذي يستغله «داعش» في التأثير عليهم، وتمثل أهم عوامل الجذب للتنظيم، ومن خلال المعلومات الدينية المحرفة والموجهة لتحقيق مصالح وأهداف «داعش» يستطيعون أن يؤثروا على هؤلاء، وبالتالي يجدون ضالتهم المنشودة في العلم الديني والعمل به، حسب توجيهات معلميهم.

احتواء ديني واجتماعي واقتصادي
من جانبه، بقول الدكتور محمود الصاوي، وكيل كلية الدعوة بالعاصمة المصرية القاهرة، إن «ما جاء في تقرير البنك الدولي يقودنا لموضوع الاحتواء الذي أشار إليه التقرير بأنواعه الثلاثة؛ الديني والاقتصادي والاجتماعي، فقضية الاحتواء، بالغة الأهمية في كل الأحوال، سواء كان الاحتواء أسريًا، وهو أن تحيط الأسرة الأبناء بعنايتها واهتمامها، وأن تحافظ على عقولهم كما تحافظ على أبدانهم، وأن تنمي مختلف جوانب شخصياتهم لترتقي بهم نحو الكمال، ويقتصر البعض على الاحتواء المادي فقط، وهذا أحد مصادر الخطر على شباب العصر، فالاحتواء المعنوي أشد أثرًا من الاحتواء المادي الذي يقتصر على تلبية الحاجات المادية فقط، بينما المعنوي يشمل الصبر على الشاب أو الفتاة واستيعاب عيوبهم وتربيتهم على قبول الآخر بكل ما فيه من محاسن ومساوئ».
ويتابع الصاوي: «أما الاحتواء الديني يكون عن طريق تجديد الخطاب الديني ليواكب أحداث العصر ومشكلاته، ويجيب على تساؤلات شبابه ولا ينفصل عنهم ولا يتركهم فريسة لتيارات ومذاهب وأفكار غالية ومتشددة أو متسيبة تلعب بعقولهم وتدغدغ مشاعرهم، وأن يجدد الخطاب الديني من آلياته ووسائله ويخرج من جدران المساجد إلى ساحات النوادي ومراكز الشباب وكل المواقع والمنتديات بلغة جذابة وأفق واسع مستنير».

مزاعم «الخلافة»
أما الدكتور علي محمد، وهو أستاذ جامعي مصري، فيرى أن «(داعش) يخدع هذه الفئة للانضمام إليه بحجة إرساء الشريعة وتطبيقها، وأن البيعة منعقدة لهذا التنظيم دون غيره، ولا شك أن هذا يؤدي إلى إيهام أغلب المثقفين والمتعلمين بوهم إقامة (الخلافة) – المزعومة -، ويقومون ببث هذه الفتنة عبر وسائل التواصل (فيسبوك) و(تويتر) وغيرها». ويردف: «ذلك يجعل أفراد هذا التنظيم يتعرفون على المثقفين والمتعلمين من هذه المواقع التي تكون رواجًا لهم بسهولة ويسر، وهي أدعى في التفاعل من غيرها، وهناك أشخاص لديهم مهارات التواصل يتم تجنيدهم عن طريق هذه الغاية الكاذبة، بل يضعون لهم بوقًا من الكذب، فيقولون إننا نحارب تحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وللأسف تجد تجاوبًا غير عادي لهذه الشعارات الكاذبة، منها وهم إقامة (الخلافة)، وأيضًا الاستشهاد في سبيل الله، والعمل قضاة شرعيين، وأيضًا بعض الشباب يريد خوض التجربة، وكذا صرخات ونعرات التنظيم الكاذبة بتحرير المسجد الأقصى». ويوضح محمد أن سبب استقطاب هؤلاء أيضًا هو «العمل على استغلالهم فيما يتعلق بالتقنيات الحديثة، واختراق كثير من مواقع الحكومات الاستخباراتية، والعمل على ترجمة كثير من المقالات والكتب التي تصدر عن التنظيم، والتي ترد عليه بعدة لغات». ثم يستطرد: «قد يكون هذا الصنف من المتعلمين سببًا رئيسيًا في ضرب هذا التنظيم، وذلك لأن التنظيم الداعشي لا يبالي بمن ينضم إلى صفوفه، فلا يبحث عن هوية ولا عن جنس ولا بلد، فقد جمع (داعش) بين مقاتليه أصنافًا، منهم المتطرف ومنهم الأجنبي الذي لا يعلم عن الإسلام إلا اسمه فقط، ومنهم الباحث عن المال الهارب من السجون، وبذلك فإن هؤلاء الفرقاء تتبلور لديهم فكرة التطرف عن طريق الغلو الفكري والتطرف العقدي، فيكون أشد حالاً من حال (خوارج العصر).. ومن ثم فإن هذا الأمر قد يكون سببًا في زوال التنظيم».

مستويات التعليم
وفي السياق ذاته، تقول الأستاذة الجامعية الدكتورة عزة سيد، إن التنظيم «جمع بين شتات المراهقين من الأجانب وغيرهم. وهذا يدل على معطيات يمكن الاقتصار على بعضها أنه تنظيم مخترق من الداخل، وخصوصًا أن كثيرًا من الأجانب لا دخل لهم بمعرفة معتقد التنظيم من نحو إقامة (الخلافة) كما يدّعون أو محاربة غير المسلمين، بل هذا يدل على مدى ارتباط التنظيم الداعشي بالدول الغربية التي من شأنها تمزيق أوصال الدول العربية». وتزيد موضحة أن انضمام شباب لديه أموال كثيرة، وفقًا لتقرير البنك الدولي إلى «داعش»، «يدل على حرص هؤلاء الأجانب على الإنفاق للتخريب والعمل على إبادة المسلمين هناك، مما يدل على خيانة هذا التنظيم وإفساده، وبيان معتقد هؤلاء الفاسدين. وبالفعل هذا الأمر له أثر سلبي للقضاء على هذا التنظيم، خصوصًا أنهم انتهجوا سياسة التطرف والإرهاب، فقد يقتل بعضهم بعضًا من أجل الصدارة، وأيضًا من أجل الخلاف على أمور فيما بينهم، وقد ينشب الانشقاق كما حدث آنفًا مع تنظيم القاعدة الذي من رحمه خرج (داعش)».

الإرهاب والتعليم
أخيرًا، يقول الدكتور الصاوي وكيل كلية الدعوة بالقاهرة، في سياق التعليق على نسب التعليم في صفوف «داعش»: «يجب أن نتحدث عن مسألتين؛ الأولى (العلاقة بين الإرهاب والتعليم)، والثانية (العلاقة بين الإرهاب والفقر)، أما عن المسألة الأولى، فالحقيقة والواقع أنه ليس ثمة ارتباط بين مستوى التعليم والانضمام إلى صفوف هذه التيارات، خصوصًا (داعش). بل بالنظرة المجردة نجد أن منهم المهندسين والأطباء والمحامين ورجال القانون، ولعل وجود أسامة بن لادن وأيمن الظواهري مثلاً على رأس تنظيم القاعدة، الأول مهندس والثاني طبيب، ينسف هذه المقولة من أساسها أن هناك ارتباطًا بين الجهل وبين الإرهاب. لكنني أشير إلى أن معظم أعضاء هذه الجماعات ممن تلقوا تعليمًا مدنيًا لا علاقة له بالدراسات الشرعية من قريب ولا من بعيد. فالجرعات الدينية الموثقة والصحيحة التي حصلوا عليها في مدارسهم وجامعاتهم لا تسمن ولا تغني من جوع، بل إنها غير موجودة بالمرة في حالة الأجانب القادمين من خارج العالم الإسلامي أو إنها موجودة بنكهة استشراقية، وبذلك فهم لم يتلقوا معلومات صحيحة ومعتمدة عن الإسلام، فكانوا فريسة سهلة لهذه الجماعات الإرهابية التي أشعلت حماستهم وألهبت عواطفهم بمعلومات مغلوطة ومشوهة»، مشيرًا إلى أن ذلك أوجد «حالة من الهشاشة المفرطة في الثقافة الدينية لدى هؤلاء الشباب نتيجة لعدم تحصنهم بالثقافة الإسلامية الصحيحة، وها هي الأمة تدفع الثمن من فلذات أكبادها، الذين تلقفتهم هذه الجماعات مستغلة جهلهم الديني وعدم تحصينهم وضعف مناعتهم الدينية، فكانوا فريسة سهلة لتلك للجماعات. أما عن المسألة الثانية وهي (الإرهاب والفقر)، فإن الجهة منفكة بين الاثنين، وليست العلاقة بينهما حتمية وضرورية، فليس كل فقير إرهابيًا وليس كل غني مستقيمًا، فإن كان للفقر ثقافته فإن للغنى ثقافته كذلك، والإسلام يعلن الحرب على الفقر ويعتبره شرًا يستعيذ المسلم منه، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر)، لكنه يربي المسلم في ذات الوقت على ألا يستسلم لواقعه، وأن يبذل أسبابه في الانتقال من حال الفقر وإزالة أسبابه، والسعي في الأرض لتحصيل أسباب الرزق والمعاش».



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».