جهاز الأمن الجزائري يواجه شكلاً جديدًا من الصراع مع «داعش»

نشاط التنظيم الإرهابي ينتقل إلى الاغتيالات الفردية بالمدن الكبيرة

جهاز الأمن الجزائري يواجه شكلاً جديدًا من الصراع مع «داعش»
TT

جهاز الأمن الجزائري يواجه شكلاً جديدًا من الصراع مع «داعش»

جهاز الأمن الجزائري يواجه شكلاً جديدًا من الصراع مع «داعش»

يواجه جهاز الأمن الجزائري حاليًا شكلاً جديدًا من الصراع مع التنظيم المتطرف «داعش»، يتمثل في الاغتيالات الفردية التي سبق أن عاشتها البلاد في مطلع تسعينات القرن الماضي. فقد أعلن متشددون تابعون للتنظيم، أمس، مسؤوليتهم عن اغتيال شرطي، ليل الجمعة، وسط مدينة قسنطينة، وهي كبرى مناطق الشرق الجزائري.
ونشر موقع إلكتروني يروج لأعمال «داعش» على الإنترنت أن «مقاتلي (داعش) اغتالوا عميدًا في الشرطة الجزائرية بأعيرة نارية، واستولوا على مسدسه بمدينة قسنطينة». ولم يرد في المنشور تفاصيل أخرى عن الحادثة التي قالت عنها الصحافة في يومها إنها «لا تعدو أن تكون تصفية حساب بين الشرطي وشخص قد تعسف في حقه».
وأطلقت مصالح الأمن حملة بحث عن مدبري الجريمة المفترضين، واعتقلت - حسب مصدر أمني محلي - عددًا كبيرًا من المشتبه بهم، ممن لهم سوابق في الإرهاب، وثبت بعد استنطاقهم أن 3 متطرفين كانوا يترصدون الشرطي، وقد باغتوه داخل مطعم، وأطلقوا عليه نارًا كثيفة.
وأفاد المصدر أن الضحية قد أصيب بأكثر من 20 طلقة رصاص. وكان ضمن المعتدين، حسب تحريات الأمن، شخص يكنى «أبو الهمام»، مسؤول «كتيبة الغرباء»، الذي كان أحد قيادات «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، وانشق عنها العام الماضي، معلنا انخراطه في «داعش».
وتم التعرف على شخص ثان كان ضمن المعتدين، يعرف حركيًا بـ«حلفاوي»، بينما لم يتم تحديد هوية الشخص الثالث. وعرض الأمن صور الثلاثة على المعتقلين المشبوهين، فتم التعرف على اثنين منهم. وعاشت ولاية قسنطينة حالة استنفار كبيرة في اليومين الماضيين، إذ داهم رجال الأمن بيوتًا كثيرة بالأحياء الشعبية المعروفة بانتمائها إلى التيار الإسلامي، بحثًا عن أي أثر للمتطرفين المسلحين. وتعتقد السلطات الأمنية أن هذه الأحياء، والمناطق التي تشبهها في العاصمة، يمكن أن تتحول إلى حاضنة خلايا متطرفين لفائدة «داعش».
وقد كانت هذه الأحياء في الـ10 سنوات الماضية قواعد خلفية لتنظيم «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، وقبله «الجماعة السلفية للدعوة والقتال». وثبت أن عشرات العمليات الانتحارية التي وقعت بين سنة 2006 و2008، نفذها أشخاص يتحدرون من هذه الأحياء التي تحمل حقدًا دفينًا للسلطات بسبب وقوفها بوجه صعود الإسلاميين إلى الحكم، عندما ألغت نتائج فوزهم الساحق في انتخابات البرلمان نهاية 1991.
وتخشى السلطات الأمنية، بعد جريمة الجمعة، أن يتكرر سيناريو تسعينات القرن الماضي، عندما واجهت موجة اغتيالات فردية طالت العشرات من الصحافيين والمثقفين ورجال المسرح والسينما، نفذها تنظيم «الجبهة الإسلامية للجهاد المسلح» الذي كان يرى في المثقفين عدوا لدودا، بذريعة أنهم تحالفوا مع النظام ضد الإسلاميين.
وظل نشاط «داعش»، منذ تأسيس فرع بالجزائر في صيف 2014 (جند الخلافة بالجزائر)، محصورا في جبال جرجرة، شرق العاصمة، وبالمناطق الجنوبية الشرقية، قرب الحدود مع ليبيا.
ومن أبرز عملياته الإرهابية، قتل رعية فرنسي، يدعى هيرفيه غوردال، وهو متسلق جبال تعرض للاختطاف مساء 21 سبتمبر (أيلول) 2014، بقرية آيت وابان في بلدية أقبيل، بمنطقة القبائل بالشرق، وكان حينها مع 5 أصدقاء جزائريين داخل سيارة، متجهين إلى جبال جرجرة التي كانت منذ مطلع تسعينات القرن الماضي معقلا أساسيا للجماعات الإرهابية، وقد أطلق الإرهابيون سراح الجزائريين لأن هدفهم كان خطف المواطن الفرنسي.
وبعد أيام من حادثة الاختطاف، نشرت المجموعة الإرهابية شريطًا مصورًا يتضمن إعدام الرهينة ذبحًا. وقد ظهر غورديل في الشريط الذي دام 4 دقائق مكبل اليدين إلى الوراء، يرتدي قميصًا رياضيًا أزرق اللون. وكان يقف وراءه 4 ملثمين يرتدون الزي الأفغاني، اثنان منهم يحملان سلاح كلاشنكوف، وآخر يحمل بيده خنجرًا. أما الإرهابي الرابع، فكان يقرأ مضمون ورقة يحملها بيده عنوانها «رسالة بالدم إلى فرنسوا هولاند». واشترط الخاطفون، قبل قتله، وقف غارات شنها الطيران الحربي الفرنسي على معاقل «داعش» بالعراق، غير أن رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس أعلن رفضه الشرط.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.