كيف لرئيس الـ«فيفا» الجديد أن يعيد المصداقية لكيان أكبر جهة مسؤولة عن إدارة كرة القدم في العالم؟ الحل يكمن في القيام بإصلاح كلي وجزئي من القمة للقاع، أو في تبني خطة «مجنونة» لتوسيع نطاق الفرق المشاركة في بطولة كأس العالم ليصبح 48 فريقا...
في عالم السينما، أحيانا تكون الأفلام سيئة جدا لدرجة أنها لا تقتل نفسها فقط، بل تقتل سلسلة الأفلام كلها. فقد كان جورج كولني على حق في تعليقه الغريب، والمنطقي أيضا، الذي قال فيه عقب عرض فيلم «باتمان وروبين»: «أعتقد أننا ربما قتلنا سلسلة الأعمال كلها». فأحيانا يكون الفيلم كارثة كبيرة لدرجة أنه يقتل ذلك النوع من الأفلام الشبيهة كلها. فهكذا جاء تصرف الملكة كليوباترا الهائل عندما أصابت نفسها بجرح مميت في الملحمة الشهيرة، وجاء سقوط الإمبراطورية الرومانية بعد ذلك بعام ليجعل انتحارها منطقيا. كان فيلم «هيفينز غيت»، أو أبوب السماء، أفضل نموذج للأفلام التي لم تتسبب في انهيار للاستوديو الذي صورت فيه (استوديو يونايتد أرتستس) فحسب، بل تسببت في منع رصد الميزانيات الضخمة للأفلام الغريبة برمتها. كذلك اتهم البعض ملحمة المخرج الأميركي ماكيل كيمينو بقتل أفلام السبعينات، وهي التهمة الغريبة التي تجعلنا نبتكر مصطلح «عصر القتل».
المضحك المبكي هنا هو أن كل هذا يقودنا للعودة إلى الـ«فيفا» لنسأل إذا ما كان صحيحا أن نطلق على ما يحدث عملية قتل للسلسلة كلها، أم قتل للأعمال المشابهة؟ في أي خانة ستضع خطة جياني إنفانتينو لزيادة فرق كأس العالم إلى 48 فريقا؟
فهل ما تمنيته هو ما يحدث فعلا؛ بمعنى أن الـ«فيفا» خصصت اجتماعها الأخير لمحاسبة النفس، لكن ماذا فعلت مع مسؤوليها السابقين الذين لا يزالون قيد المحاكمة أمام مكتب التحقيقات الفيدرالي وآخرين لا يزالون في انتظار أوامر لتسليمهم، فيما أصبحت المنظمة كلها محل سخرية العالم لما نسب إليها من وقائع مشينة تتعلق بالفساد والجشع. لكن ماذا بعد كل هذا؟ ففي الاجتماع الأخير للمكتب التنفيذي لـ«فيفا»، قرر جياني إنفانتينيو رئيس «فيفا» الحالي زيادة عدد أعضاء مجلس الإدارة، وهو أكثر مجالس إدارات الاتحادات الرياضية تغييرا، دارت نقاشات كثيرة حول مقترح زيادة عدد الفرق المشاركة في كأس العالم إلى 40 أو 48 فريقا. قد لا يكون هذا هو التغيير الذي تنشده في «فيفا»، لكن بالنسبة لإنفانتينيو، فهذا هو الاقتراح الذي تحتاج إليه من الـ«فيفا».
بالطبع، فهؤلاء الذين لا يزالون يعتقدون بأن زيادة عدد الفرق المشاركة في كأس العالم من 16 فريقا إلى 32 فريقا خلال الفترة من 1982 – 1998 قد جردت المسابقة من سحرها الراقي؛ فهم يفتحون باب الجدال على مصراعيه بشأن نظرية «قتل الأعمال المشابهة».
هل يتجه «فيفا» إلى خيار 48 فريقا، ثم يدخل في جدال واسع عن كيفية سير السباقات وتحديد أماكنها، لكن النظام الحالي الذي يعتمد على مجموعتين متزامنتين لا يمكن تجنبه. فمثلا لو أن 16 فريقا وصلوا للأدوار الحاسمة، فسوف تشمل المسابقة 88 مباراة، ولو أن العدد كان 32 فريقا، فسيرتفع عدد لقاءات كأس العالم إلى 104 مباريات.
إن كان هناك من بين مديري بنوك سويسرا العالمين بلغة الأرقام من يرى أن في ذلك ما يصلح حال المسابقة ويطورها، فأنا على يقين أن إنفانتينيو سيسعده أن يستمع إليه. فإنفانتينيو بات مجبرا على مبرراته الخاصة، ومن المنطقي القول: إن «هذا أشبه بالعبث بالطين».
في الواقع، فإن الاستماع إلى حديث جياني يجعلك تشعر بأن تلك الرياضة باتت تجر مسابقة كأس العالم للقاع. ماذا تعني الرياضة بمعناها التقليدي إن لم تعتمد على إقصاء الفرق لبعضها؟ فقد بذل إنفانتينيو الكثير من الجهد للتأكيد على أن زيادة التأهل لبطولة كأس العالم قد أنعش النشاط في مختلف الدول وساهم في تشجيعها، باعتبار أن عدم التأهل حدث بشع كان بمثابة «الكارثة» لأندية تلك الدول. في الحقيقة، البطولة بهذا الشكل تشبه كأس العالم التي ستصممها أمي، لو طلب منها ذلك؛ أي ذلك النوع من المسابقات التي يشارك فيها الجميع وتحصل كل الفرق على جوائز. بارك الله في أمي، فهي شخصية طيبة، لكن عذرا. فكلما سرنا في هذا الاتجاه، اقتربنا من فكرة بعيدة عن الفوز، ولا تهدف سوى للتأهل والمشاركة؛ فتلك الفكرة لا علاقة لها بالتنافس الرياضي، وربما نفكر لاحقا في طريقة تجعلنا نخفف بها الحزن الذي يشعر به الجمهور عندما يخسر فريقهم المباراة.
كأس العالم بـ48 فريقًا.. «ضرب من الجنون»
زيادة عدد الفرق المشاركة في المونديال من 16 إلى 32 فريقًا جردت المسابقة من سحرها الراقي
كأس العالم بـ48 فريقًا.. «ضرب من الجنون»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة