العلم يقلب تصوراتنا ويجعل الفلاسفة يقومون بمحاكمة عنيفة للعقل

حين تخدعنا حواسنا وتقدم لنا عالمًا على غير حقيقته

العلم يقلب تصوراتنا ويجعل الفلاسفة يقومون بمحاكمة عنيفة للعقل
TT

العلم يقلب تصوراتنا ويجعل الفلاسفة يقومون بمحاكمة عنيفة للعقل

العلم يقلب تصوراتنا ويجعل الفلاسفة يقومون بمحاكمة عنيفة للعقل

إن كوني «أعرف»، هي قضية إنسانية بامتياز. فقطعة الحجر تمر عليها أحداث كما تمر بالإنسان، وقد تترك فيها آثارًا كما تترك به. إلا أن الإنسان يعرف ما يحيط به وما يمر عليه من خبرات. فأنت مثلاً، تعرف ما هو ماثل أمامك، ولديك صور لما تراه وما تسمعه. كما أنك تملك القدرة على الرجوع إلى الماضي وربط الحاضر به، ناهيك على تمكنك من القيام باستدلالات متعددة، إذ تحلل وتركب كل المعطيات المحصل عليها، في أسماء كلية وتوليفات وخلاصات واستنتاجات عامة، تجمع بها شتات الواقع. لكن هل ما يعرفه المرء بتلقائية وعفوية هو الحقيقة؟ ألا يكذّب العلماء دومًا، نظرتنا الخامة إلى العالم، ويفاجئوننا بمعارف لا نتوقعها أبدًا؟ هذا ما سنحاول أن نلقي نظرة عليه.
* الواقعية الساذجة
هي نظرية الإنسان العادي مسوقا إليها بإدراكه الفطري التلقائي والعفوي. إذ تصبح المعرفة مجرد نقل لما يجري في العالم من وقائع وأحداث. بعبارة أخرى، تنطلق الواقعية «الساذجة»، من كون الحقائق الخارجية هي الأصل، ومعرفتي بها بمثابة الصور الذهنية الخاصة بها. فمثلاً، إذا شاهدت كرة وقلت عنها إنها كروية الشكل وبيضاء اللون، فهذا يعني أن هناك، خارج نفسي، شكلا كرويا ولونا أبيض لا دخل لذاتي في حدوثهما. فكل ما وقع، هو أنها أمور ارتسمت في ذهني كما هي في الواقع كنسخ ذهنية. فلا فرق بيني وبين آلة التصوير التي تنقل العالم خاما كما هو. وبعبارة أخرى، نقول إننا نحن البشر، نتعامل فيما بيننا، على الأساس نفسه، وهو التقاط صورة يكون بينها وبين أصلها شبه تام. بمعنى أن لكل جزء من تفصيلات الشيء المرسوم جزءًا يقابله في الصورة. وتأتي اللغة بعد ذلك، لتقوم بعملية وصف ما نعرف، فتحول الصورة الذهنية إلى صورة لفظية. فحين أقول مثلا: «الحاسوب الأسود على الطاولة»، فلفظ الحاسوب يشير إلى الحاسوب الماثل أمامي، ولفظ الأسود يشير إلى اللون المنبعث من هذا الحاسوب، وكلمة (على)، تشير إلى العلاقة بين الحاسوب الأسود والطاولة. فاللغة هي وسيط أمين بين الأشياء الخارجية وصورها الذهنية.
إن الواقعية «الساذجة»، القائمة على الإدراك الفطري العفوي، هي ما تجعل الإنسان العادي يرى الأرض ثابتة ومنبسطة، والشمس متحركة، والكون مغلقا، والسماء زرقاء، والقمر مضيئا وصقيلا، والخفاش طائرا، والثعبان يسمع، والثور يخشى اللون الأحمر، والبياض بياضا، والعصا معوجة في الماء... فمعارفنا تكون نقلاً مطابقًا لما نراه لا زيادة ولا نقصان.
* نقد العلم الحديث للواقعية الساذجة
إن ظهور العلم الحديث في القرن السابع عشر، جاء ليهاجم الواقعية الساذجة. فهي لا تعبر عن الحقيقة، بل هي نقل مزيف ومضلل للواقع. فحواسنا تعطي للذهن صورا خادعة فهي وكأنها «تشهد زورا». لقد اكتشف الإنسان أن عقله مملوء بصور خاطئة. ولعل أهم حدث صادم جعل البشرية تستفيق من سباتها وتلقائيتها تجاه العالم الخارجي، تمثل في الثورة الكوبيرنيكية، التي نبهتنا إلى أن الأرض تدور، وأنها سماوية وليست مركزا كما اعتقدت البشرية لقرون. ليأتي بعد كوبيرنيكوس (1473 - 1543)، جيوش من العلماء، سيبرزون أن العالم ليس مغلقا بقبة سماوية، بل هو منفتح بشكل لا نهائي، إلى درجة الرعب. وهنا نستحضر جيوردانو برونو الذي مات من أجل هذه الفكرة. كما نتذكر أيضا، قول عالم الرياضيات والحكيم بليز باسكال، الذي راعه الأمر، فقال عبارته الشهيرة: «إن هذا العالم الأزلي واللانهائي يرعبني». كما نتذكر وبقوة، الفيلسوف ديكارت، الذي دخل في موجة شك عارمة سببها الثورة الكوبيرنيكية، باعترافه هو شخصيا، في إحدى رسائله إلى صديقه مرسن، إذ يقول: «وإني لأعترف بأنه إذا كانت فكرة حركة الأرض خاطئة، فإن جميع أسس فلسفتي ستكون باطلة كذلك». والأمر نفسه يقال عن العالم يوهانس كبلر (1571 - 1630)، الذي ضرب فكرة دوران الكواكب في السماء محولاً إياها إلى إهليلج. وهذا طبعا فيه ما فيه من نسف للتصورات القديمة، ناهيك بالانقلاب الفيزيائي المدوي جراء كل هذه التحولات، والتي كان بطلها الأول المتمرد غاليليو (1564 - 1642). فهذا الرجل زاد من تعميق الهوة بين العلم والواقعية الساذجة، ببحثه عن الدلائل والحجج الملموسة وليس الرياضية فقط لإثبات مركزية الشمس. فهو من طوّر المنظار الهولندي، وضاعف قوته إلى أزيد من ثلاثين مرة، ليوجهه مباشرة وبحماسة، نحو السماء، في سنة مشهورة هي 1609. فاستطاع أن يكتشف نجومًا جديدة، ما جعل مملكة السماء تتسع. كما اكتشف أقمارا أربعة للمشتري تدور حوله، ما يعني أن الدوران يمكن أن يكون لغير الأرض، وهو ما يجعل فكرة مركزية الأرض مهددة. كما نشر أولى الخرائط حول القمر الذي أصبح شبيها بالأرض، به الوديان والجبال. فسطحه ليس ناعما أو مصقولا، لكنه سطح وعر وغير مستو، به نتوءات وهوات عميقة وتعرجات.
إذن، سيساهم العلم في قلب تصوراتنا، بحيث سيصبح الإنسان مضطرا إلى إعادة النظر ومسح الطاولة من جديد. وهذا ما سيجعل الفلاسفة يقومون بمحاكمة عنيفة للعقل، باحثين عن المنهج الملائم والمسعف لإنقاذ الذهن من عفويته، وإدخاله إلى عالم البناء عوض الجاهزية. إذ ستصبح الأسئلة الطاغية هي: ما الطريقة التي على الذات أن تشتغل بها؟ هل العقل به عيوب؟ أم هو مكبل بثقل الأفكار المتوارثة والجاثمة عليه؟ هل يمكن القول إن العقل كسول سريع القبول بالجاهز؟ وهو ما يحتم ضرورة تحريكه ولجمه وجعله أكثر يقظة، خاصة وأننا اكتشفنا أنه يتقبل ما يأتي من الحواس من دون تمحيص وتدقيق؟ إن الذي يدعو إلى طرح هذه الأسئلة، هو ﺫلك الإحساس الذي انتاب المفكرين جراء الثورات والانقلابات السالفة الذكر، التي نبهتنا إلى زيف الحواس. فالعالم قدم لنا نفسه بطريقة مضللة. والنظرة الخام إلى العالم، لا تبوح بالحقيقة إلا بعد جهد جهيد، وإنفاق لسواد الليل وبياض النهار من قبل العقل. فالعقل الذي يقبل الجاهز ساذج ومغفل، وجب أن يتحصن بالمنهج لإعادة بناء الحقيقة. فلو كانت الحقيقة هي ما يظهر مباشرة، لتمكنا بسهولة من إدراك أن الأرض تدور. والذي يؤكد كلامنا، هو أنه لا يوجد فيلسوف لم يكتب في مسألة العقل وتشريحه، بل محاكمته. فذاك أصبح الشغل الشاغل لهم. ولا بأس من التذكير ببعض عناوين الكتب التي هيمنت في القرن السابع عشر والثامن عشر. فقبل كتاب ديكارت، «مقال في المنهج لحسن قيادة العقل»، كتب فرنسيس بيكون (1561/ 1626) كتابه «الأرغانون الجديد»، أو الآلة الجديدة التي يجب أن توجه العقل، وتزيل أوهامه. وبعد ديكارت، كتب اسبينوزا (1632/ 1677) كتابًا بعنوان «رسالة في إصلاح العقل وفي أفضل منهج نسلكه لمعرفة الأشياء معرفة صادقة». كما ألف جون لوك (1632/ 1704) كتابه الذي يعد أول تشريح للعقل البشري بعنوان «محاولة في الفهم البشري»، حيث كانت محاولته في تنظيف المعرفة وتحرير العقل مما هو خطأ، عن طريق اكتشاف حدوده. ثم جاء كتاب آخر لفيلسوف استطاع أن يخلف أثرا كبيرا على فلسفة كانط، ويوقظه من سباته، إنه الفيلسوف ديفيد هيوم (1711/ 1776)، بعنوان «تحقيق في الذهن البشري». وكم لكلمة تحقيق من دلالة هنا. فهذا الكتاب هو حديث عن الجغرافيا الذهنية وتحديد لأجزاء العقل وقواه المتمايزة. هو بحث في أصل الأفكار المكدسة في الذهن وعلاقتها بالواقع. سيتوج هذا المسلسل من التحقيق في العقل، بأشهر محاكمة كان بطلها الحكيم العالمي كانط (1724/ 1804)، بعناوين لكتبه تتضمن كلمة نقد وهي: «نقد العقل الخالص»، و«نقد العقل العملي»، و«نقد ملكة الحكم»، أي نقد للعقل النظري وللعقل الأخلاقي وللعقل الجمالي. هذه الكتب تدل على أن البحث عن الحقيقة، بناء لا يتم إلا بعد محاكمة العقل والعودة إلى الذات والبحث في قدراتها وإمكاناته.
نخلص إلى أن المعرفة العلمية جاءت ضدا على الحس المشترك، إلى درجة أن الحقيقة أصبحت ليست جاهزة، بل بناء صناعيا غريبا عن طبيعتنا حد المفاجأة. فأصبحت الأرض تدور، والثعبان أصم، والثور لا يرى الألوان، والخفاش يصنف ضمن الثدييات، والقمر تراب ومنعرجات، والبياض سبعة ألوان... وهكذا من المعارف التي لا تمكّننا حواسنا من استيعابها إلا بتشغيل العقل. وهنا نفهم لماذا كل هذا التمجيد للعقل.



وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
TT

وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)

تُوفي الملحن المصري محمد رحيم، في ساعات الصباح الأولى من اليوم السبت، عن عمر يناهز 45 عاماً، إثر وعكة صحية.

وكان رحيم تعرض لذبحة صدرية منذ أشهر، تحديداً في يوليو (تموز) الماضي، دخل على أثرها إلى العناية المركزة، حسبما أعلنت زوجته أنوسة كوتة، مدربة الأسود.

وكان رحيم قد أعلن اعتزاله مهنة الفن والتلحين في فبراير (شباط) الماضي، وتعليق أنشطته الفنية، وبعدها تراجع عن قراره ونشر مقطع لفيديو عبر حسابه الرسمي على «فيسبوك»، قال فيه حينها: «أنا مش هقولكم غير إني بكيت بالدموع من كتر الإحساس اللي في الرسائل اللي بعتوهالي وهتشوفوا ده بعينكم في ندوة، خلاص يا جماعة أنا هرجع تاني علشان خاطركم إنتوا بس يا أعظم جمهور وعائلة في العالم، وربنا ميحرمناش من بعض أبداً».

ونعى تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، رحيم، وكتب عبر موقع «فيسبوك»، اليوم السبت: «رحم الله الملحن محمد رحيم وغفر الله له، عزائي لأهله ومحبيه، خبر حزين».

ورحيم من مواليد ديسمبر (كانون الأول) 1979. درس في كلية التربية الموسيقية، وبدأ مسيرته بالتعاون مع الفنان حميد الشاعري، وأطلق أول أغانيه مع الفنان المصري عمرو دياب «وغلاوتك»، ثم قدم معه ألحاناً بارزة منها أغنية «حبيبي ولا على باله». كما تعاون رحيم مع العديد من الفنانين، ومنهم: محمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، ونانسي عجرم، وروبي، وشيرين عبد الوهاب، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

كما نعى رحيم عدد من نجوم الفن والطرب، وكتب الفنان تامر حسني عبر خاصية «ستوري» بموقع «إنستغرام»: «رحل اليوم صاحب أعظم موهبة موسيقية في التلحين في آخر 25 سنة الموسيقار محمد رحیم. نسألكم الدعاء له بالرحمة والفاتحة»، وأضاف: «صلاة الجنازة على المغفور له بإذن الله، صديقي وأخي محمد رحيم، عقب صلاة الظهر، بمسجد الشرطة بالشيخ زايد، إنا لله وإنا إليه راجعون».

منشور الفنان تامر حسني في نعي رحيم

وكتب الفنان عمرو دياب عبر حسابه الرسمي على «إكس»، اليوم السبت: «أنعى ببالغ الحزن والأسى رحيل الملحن المبدع محمد رحيم».

وكتبت الفنانة أنغام عبر موقع «إكس»: «خبر صادم جداً رحيل #محمد_رحيم العزيز المحترم الزميل والأخ والفنان الكبير، لا حول ولا قوة إلا بالله، نعزي أنفسنا وخالص العزاء لعائلته».

وكتبت الفنانة أصالة عبر موقع «إكس»: «يا حبيبي يا رحيم يا صديقي وأخي، ومعك كان أحلى وأهم أعمال عملتهم بمنتهى الأمانة بموهبة فذّة الله يرحمك يا رحيم».

كما كتب الشاعر المصري تامر حسين معبراً عن صدمته بوفاة رحيم: «خبر مؤلم جداً جداً جداً، وصدمة كبيرة لينا كلنا، لحد دلوقتي مش قادر أستوعبها وفاة أخي وصديقي المُلحن الكبير محمد رحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله».

كما نعته المطربة آمال ماهر وكتبت عبر موقع «إكس»: «لا حول ولا قوة إلا بالله. صديقي وأخي الغالي الملحن محمد رحيم في ذمة الله. نسألكم الدعاء».

وعبرت الفنانة اللبنانية إليسا عن صدمتها بكلمة: «?what»، تعليقاً على نبأ وفاة رحيم، في منشور عبر موقع «إكس»، من خلال إعادة تغريد نبأ رحيله من الشاعر المصري أمير طعيمة.

ونعته إليسا في تغريدة لاحقة، ووصفته بالصديق الإنسان وشريك النجاح بمحطات خلال مسيرتها ومسيرة كثير من زملائها.

ونشرت الفنانة اللبنانية نوال الزغبي مقطع فيديو به أبرز الأعمال التي لحنها لها رحيم، منها أول تعاون فني بينهما وهي أغنية «الليالي»، بالإضافة لأغنية «ياما قالوا»، وأغنية «صوت الهدوء»، التي كتب كلماتها رحيم. وكتبت الزغبي عبر «إكس»: «الكبار والمبدعون بيرحلوا بس ما بيموتوا».

ونشرت الفنانة اللبنانية نانسي عجرم صورة تجمعها برحيم، وكتبت عبر موقع «إكس»: «ما عم صدق الخبر». وكتبت لاحقا: «آخر مرة ضحكنا وغنّينا سوا بس ما كنت عارفة رح تكون آخر مرة». رحيم قدم لنانسي عدة أعمال من بينها «فيه حاجات» و«عيني عليك»، و«الدنيا حلوة»، و«أنا ليه».

ونشرت المطربة التونسية لطيفة عدة صور جمعتها برحيم عبر حسابها بموقع «إكس»، وكتبت: «وجعت قلبي والله يا رحيم... ده أنا لسه مكلماك ومتفقين على شغل... ربنا يرحمك ويصبر أهلك ويصبر كل محبينك على فراقك».

وكتبت الفنانة أحلام الشامسي: «إنا لله وإنا إليه راجعون، فعلاً خبر صادم ربي يرحمه ويغفر له».

كما نعته الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي وكتبت عبر «إكس»: «وداعاً الفنان الخلوق والصديق العزيز الملحن المبدع #محمد_رحيم».

وشارك الفنان رامي صبري في نعي رحيم وكتب عبر حسابه الرسمي بموقع «إكس»: «خبر حزين وصدمة كبيرة لينا».

وشاركت الفنانة بشرى في نعي رحيم، وكتبت على «إنستغرام»: «وداعاً محمد رحيم أحد أهم ملحني مصر الموهوبين في العصر الحديث... هتوحشنا وشغلك هيوحشنا».

وكان رحيم اتجه إلى الغناء في عام 2008، وأصدر أول ألبوماته بعنوان: «كام سنة»، كما أنه شارك بالغناء والتلحين في عدد من الأعمال الدرامية منها «سيرة حب»، و«حكاية حياة».