باريس تنجح في إقناع واشنطن باستكمال حرب «داعش» في الرقة بعد الموصل

كارتر: سنلاحق الإرهابيين في كل مكان.. ولو دريان يؤكد أنه لن تكون هنالك عاصمة بديلة للمتطرفين

أعضاء التحالف للحرب ضد داعش خلال اجتماعهم في باريس أمس (رويترز)
أعضاء التحالف للحرب ضد داعش خلال اجتماعهم في باريس أمس (رويترز)
TT

باريس تنجح في إقناع واشنطن باستكمال حرب «داعش» في الرقة بعد الموصل

أعضاء التحالف للحرب ضد داعش خلال اجتماعهم في باريس أمس (رويترز)
أعضاء التحالف للحرب ضد داعش خلال اجتماعهم في باريس أمس (رويترز)

نجحت باريس في دفع الولايات المتحدة الأميركية إلى الإعلان عن موقف واضح من موضوع استكمال محاربة تنظيم داعش وتحرير مدينة الموصل التي بدأت معركتها قبل عشرة أيام. وقال وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، بعد انتهاء اجتماع وزراء الدفاع في 13 بلدا منخرطا في التحالف الدولي إن معركة الموصل لن تكون معزولة عن معركة الرقة بل إن «تداخلا» سيقوم بين المعركتين. ولمزيد من الإيضاح أضاف كارتر الذي كان يتحدث في مؤتمر صحافي في مقر وزارة الدفاع الفرنسية وإلى جانبه نظيره الفرنسي جان إيف لو دريان أن «الاستعدادات لعزل الرقة قد بدأت» وأن «هدف التحالف الدولي بقيادة واشنطن بعد معركة تحرير الموصل من تنظيم داعش، هي الرقة السورية».
وردا على سؤال حول هوية القوات التي ستتولى المهمة، اكتفى الوزير الأميركي بالقول إنه «بشأن مسألة القوة التي سنستخدمها لتحرير الرقة، يجب أن أقول إن استراتيجيتنا ستعتمد على قوات محلية من السوريين تعرف الأرض جيدًا ويمكننا دعمها». غير أنه امتنع عن تحديد هوية هذه القوات وما إذا كان يعني «قوات سوريا الديمقراطية» أم قوات الجيش السوري الحر التي تتمتع بدعم من تركيا، علما بأن هاتين القوتين تتواجهان في محافظة حلب وقد حصلت بينهما معارك حامية الأسبوع الماضي لم تتوقف إلا بعد ضغوط أميركية على الجانب التركي. وكان لافتا أن الوزير الأميركي أشاد بالجهود التركية في محاربة تنظيم «داعش» بمناطق شمال غربي سوريا.
لمزيد من الوضوح خصوصا لتبيان مدى الالتزام الأميركي بمحاربة «داعش»، أكد الوزير كارتر أنه «حتى بعد أن يتم القضاء على (داعش) في العراق وسوريا سنتابع حربنا على الإرهاب وعلى الشبكات المتبقية لـ(داعش)».
يأتي هذا التوجه الأميركي الجديد الذي يمكن اعتباره النتيجة الرئيسية للاجتماع الوزاري في باريس (الثاني من نوعه هذا العام) ليثلج قلب العاصمة الفرنسية. وحتى أول من أمس كانت مصادرها تبدي تخوفات واضحة من أن تعتبر إدارة الرئيس أوباما أن الحرب على «داعش» ستنتهي بانتهاء تحرير الموصل وما تبقى من الأراضي العراقية الخاضعة لـ«داعش»، وأن التزام واشنطن ومعها التحالف الدولي في محاربة تنظيم داعش في سوريا لن يذهب أبعد مما ذهب إليه حتى الآن، أي منذ انطلاق التحالف الدولي قبل عامين. وقالت مصادر رسمية فرنسية لـ«الشرق الأوسط» على هامش الاجتماع الوزاري الخميس الماضي لوزراء خارجية وممثلين لعشرين دولة من دول التحالف بينها الدول العربية، إن مخاوفها تنبع من أن تتحول الرقة إلى «العاصمة» البديلة لـ«داعش» بعد سقوط الموصل عاصمتها المعلنة منذ يونيو (حزيران) من عام 2016. ولذا، فإن الوزير لو دريان اعتبر أن «الرقة ستكون هدفا استراتيجيا لنا» مستعيدا ما قاله الرئيس فرنسوا هولاند لدى افتتاحه الاجتماع بعد ظهر أمس، بقوله إنه «يتعين علينا أن نتصرف بحيث نتوصل إلى تدمير داعش وجبهة النصرة في أي مكان كان».
وتطرح المصادر الغربية مجموعة أسئلة حول كيفية تعاطي عناصر «داعش» مع لمعركة الحقيقية في الموصل بعد أن تنتهي العمليات التمهيدية. ووفق هذه المصادر، فإن «داعش» استقدم نحو مائتي مقاتل من سوريا لتعزيز مواقعه في الموصل. لكن الخبراء العسكريين يرجحون أن ينجح عناصر من «داعش» في الانتقال من الموصل والعراق بشكل عام إلى سوريا وتحديا إلى الرقة، الأمر الذي يفسر كلمة الوزير الأميركي بخصوص رغبة التحالف في «عزل» هذه المدينة بمعنى منع وصول المقاتلين إليها من العراق. بيد أن باريس ومعها البلدان الأوروبية التي عانت من الإرهاب لا تعتبر أن الحرب على «داعش» ستنتهي بسقوط الموصل التي قال عنها الرئيس هولاند إنها «ليست الغاية»، بل إن الهدف وفق هولاند هو «تدمير (داعش) في كل مكان» بما في ذلك ليبيا وبلدان الساحل الأفريقي.
في اجتماع أمس، كان هناك توافق على أن المعارك في الموصل ومنطقتها تسير بشكل جيد وأن داعش سوف يهزم. واعتبر لو دريان أن تنظيم «داعش» أصبح في موقع «دفاعي»، وأن استعادة الموصل ستمثل «خسارة رمزية كبيرة» للتنظيم. وأضاف الوزير الفرنسي أن التنظيم سيكون أضعف بعد استعادة الموصل، في العراق وسوريا. بيد أن هذا التقدير لا يقلل من مستوى التهديدات الأمنية التي يمثلها التنظيم بالنسبة للمنطقة وكذلك بالنسبة لأوروبا. مؤكدا أن تهديدات التنظيم تبقى مرتفعة. وتفيد المصادر الفرنسية بأن عدد المتشددين الفرنسيين الموجودين في العراق وسوريا يصل إلى 600 شخص وأن عودة هؤلاء إلى الأراضي الفرنسية ستكون بمثابة «تحد كبير» للسلطات الأمنية الفرنسية.
ينبع الحرص الفرنسي الذي كرره الرئيس هولاند اليوم من أن العمليات الإرهابية التي ضربت باريس ومناطق فرنسية أخرى منذ شهر يناير (كانون الثاني) الماضي تم التخطيط لها في الرقة وأن أحد كبار «مشغلي» الإرهابيين الفرنسيين واسمه رشيد قاسم موجود في الرقة. وفي الأشهر الأخيرة، أرسلت وزارة الدفاع الفرنسية مجموعة كوماندوز إلى سوريا إلى جانب «قوات سوريا الديمقراطية» لغرض «تصيد» المتشددين الفرنسيين. وفي الكتاب الصادر حديثا تحت عنوان «رئيس الجمهورية يتعين عليه ألا يتحدث بهذه الطريقة» لصحافيين معروفين يعملان في جريدة «لو موند» المستقلة، اعترف هولاند بأن القوات الخاصة الفرنسية قامت لأربع مرات بالقضاء على من تسبب بعمليات إرهابية في فرنسا.
في كلمته الافتتاحية، حدد الرئيس فرنسوا هولاند المحاور الأساسية الثلاثة للاجتماع، التي تتمثل بالتحديات السياسية والأمنية والإنسانية. وكان لافتا في كلمة الرئيس الفرنسي التنبيه المبطن الذي وجهه للسلطات العراقية بشأن كيفية إدارة الموصل بعد تحريرها من «داعش»، وتأكيدها على الحاجة إلى «استباق» هذه المرحلة والتنبه لما قد تأتي به من نتائج لجهة تسرب الداعشيين إلى مناطق أخرى، مشددا على الحاجة للنظر في «المستقبل السياسي» للموصل ولمنطقتها وللعراق. وطالب هولاند بأن تكون كل المكونات الإثنية والدينية ممثلة في الإدارة المقبلة للموصل، مما يعكس المخاوف الكامنة من أن تتكرر في هذه المدينة ومنطقتها التجاوزات التي عرفتها مناطق أخرى من العراق بعد تحريرها من «داعش»، الأمر الذي نددت به الأمم المتحدة رسميا في تقاريرها. كذلك نبه هولاند إلى ضرورة التعاطي بحذر مع الجانب الإنساني بحيث «لا يتكرر في الموصل ما يحصل في حلب» في إشارة واضحة لعمليات القصف التي يقوم بها طيران النظام والطيران الروسي التي من نتائجها سقوط عدد كبير من الضحايا من بين صفوف المدنيين.
أما الجانب الأمني البحت فعنوانه منع الداعشيين من الاندساس في صفوف اللاجئين والمدنيين أو تسرب الإرهابيين باتجاه الرقة. وطالب الرئيس الفرنسي بضرورة وجود تعاون وتنسيق بين أجهزة المخابرات لتلافي هذه المخاطر.
يبقى سؤال لا بد من أن يطرح، وهو يتناول المغزى الكامن وراء غياب الطرف المعني الأول وهو العراق، وكذلك غياب الأطراف الإقليمية؛ أكانت السعودية والأردن، أم تركيا وإيران. واكتفى مصدر فرنسي بالرد على هذا التساؤل بالقول إن هذه الصيغة «اعتمدت منذ البداية، ولم نر سببا في تغييرها في هذا الاجتماع».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.