صدرت عن دار «نلسن» مجموعة شعرية بعنوان «رسائل إلى مولانا» للشاعرة اللبنانية سناء البنّا، وقدم للكتاب الدكتور حسين شحادة رئيس منتدى «المعارج» لحوار الأديان والثقافات ببيروت». واختارت الشاعرة سناء البنّا هذا العنوان لمجموعتها في إشارة إلى تلك الخلوة الروحية التي عاشتها في بلدتها الجبلية المتن الأعلى في حضرة جلال الدين الرومي، حيث الغياب الوجودي والحضور الوجداني لهالة الحب الكبرى، هذا الحب الذي تبتعد به عن الإنسان، جاهدة لتتحد بالحب الأكبر:
أغيّم فيك... أغرب فيك عني حد الأفول (صفحة 185)
لا تخلو قصائد البنا من الموسيقى الداخلية والخارجية التي تصل إلى قلب القارئ بسهولة. وربما أرادت أن تخاطب الرومي بطريقة محببة إلى قلبه. فقد عرف باستعانته بالموسيقى للوصول إلى الله.. «الموسيقى الروحية بالنسبة له تساعد المريد على التعرف بالله والتعلق به وحده لدرجة أن المريد يفنى ثم يعود إلى الواقع بشكل مختلف».
أو ربما اعتمدت شاعرتنا أسلوبه هذا ولجأت إلى الموسيقى كي تخرج من مجموعتها أكثر اتحادًا بحبها الكبير متشبعة بحضور جلال الدين الرومي:
استحلفت الناي أن يغني ما أجاد غير النحيب والبكاء
يا بحة التمني الكسول
جنائز الصوت وبسمة القداسة البتول
(صفحة 140)
إنها ترقص وتدور في قصيدتها وحول نفسها لتستحيل إلى درويشة حب تتأمل في حبيبها بهدف الوصول إلى مرحلة الكمال:
وأرقص في خفة رصاص طاعنة في الموت البليد
كشعلة قنديل مغمور بالشموس (صفحة 29)
الشعلة هنا هي رمز المعرفة والكمال كما استخدمها الصوفيون في مناجاتهم وقصائدهم طلبًا للاتحاد بالحبيب الإلهي:
أدور في مدارات النفس بين أذرع متصوف
وأبتهل لأصابعه تدغدغ حواسي (صفحة 33). وترقص حد السكر لتأتينا بصورة شعرية جميلة تؤنث بها الأشياء:
رقصت حتى ثمل الخلخال
وتناثر الألق من جسدي
وتذكرنا الشاعرة بالتنورة في رقصة الدراويش التي ترمز للتفويض، والقبول والتسليم.. وكأن الشاعرة أرادت أن تعبر عن تجربة دخولها في طريق التصوف. فتعصف روحها لتبدأ بالتجلي:
سيدتك اشتعالي
فثملت واكتملت
ذوبني هبوب الطيف
فاستعر الرقص يغمرني
واستدارت تنورتي في الموالد
عصفت روحي بالتجلي
نعيش مع سناء البنّا مراحل الترفع والتطور الروحي.. فنمر بالطرب والحزن والشوق والتخوف والهيبة والتوبة والزهد والتوحيد والتوكل والمحبة.. عبر مقامات تتعاقب، وتنجح في تشكيلنا بصورة أقرب للحقيقة والحب.
نرى في مجموعتها طريقًا روحيًا يعتمد أساسًا ومنهجًا وغاية على سمو مشاعرها بعد أن جهزت الأرضية المناسبة لها، بروح خفية لا يذويها الحنين، فهي تُجامع الغياب كطيف الحبيب، وتؤهل نواقص الحضور الفيزيائي بهالة النور القصوى:
وانصهرنا في عناق
وبيننا ما بيننا من فراق
تتجرد الشاعرة من ذاتها وتغربلها من الشوائب لتمجد الحبيب الحاضر بها أكثر من روحها فتُنجب منه القصيدة:
أنا امرأة حبلى بحروفك
كلما قاربت كلمة
أنجبت قصيدة
تتناول الشاعرة القصيدة بأطراف أصابعها خشية الخدوش.. تعتلي بها وبكامل قلبها لعرش الحب ممتلئة ومكتنزة بالمعنى.. فقد اعتمدت أسلوب السهل الممتنع الذي ينعكس باختيارها للمفردات التي تتكرر في القاموس الصوفي ولكن سر نجاحها كان في إقامة العلاقة بين الكلمات التي أوصلت للقارئ ما تريده من أحاسيس ومعرفة.
خلوة روحية مع جلال الدين الرومي
«رسائل إلى مولانا» للشاعرة اللبنانية سناء البنّا
خلوة روحية مع جلال الدين الرومي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة