توفي الصحافي المخضرم محمد صفا حائري، والمعروف أيضا باسم صفا حائري، في منفاه في باريس منذ أيام قليلة عن عمر يناهز 79 عاما. ولقد كان واحدا من أكثر الأعضاء شهرة في الجيل الثاني من المواطنين الإيرانيين الذين طوروا صناعة الصحافة والإعلام وحولوها إلى مهنة مناسبة منذ عقد الأربعينات فصاعدا.
والجيل الأول، ومن بينهم أناس على شاكلة جو مازاندي، وعلي مهرافاري، وبرويز رائين، ونجفاكولي بيسيان، وعلي جلالي، وفاروخ كيفاني، وإسماعيل بورفالي، كانوا قد فعلوا كثيرا لرفع مكانة الصحافة والصحافيين، ولا سيما المراسلين في مجتمع تقليدي كان يعتبر الصحافة من المهن الثانوية، إن لم تكن من المهن الوضيعة المخلة بالشرف.
ومع مجيء الجيل الثاني، الذي ينتمي إليه صفا حائري، كانت الصحافة قد تأسست بالفعل بوصفها مهنة محترمة وكان المراسلون هم نجومها اللامعين. وكان هناك رجال أمثال علي باستاني، وعلي أكبر خيرخاه، ومحمد بولوري، وبرويز نقيبي، وسيافاش عازاري، ونساء أمثال باري عباسالتي، وسيما دابير عشتياني، ومنصورة بيرنيا، من الذين ساعدوا في تعزيز مكانة وسلطة المراسلين بوصفهم مروجي الأخبار الدقيقة وغير المخلوطة.
كان صفا، وهو اسمه المعروف به في أوساط أصدقائه، ينتمي لعائلة من رجال الدين من مازندران التي لها فروع في يزد، ومشهد، والنجف. ولقد ولد صفا قبل نصف قرن، وكان على الأرجح سوف ينتهج حياته المهنية ضمن التقاليد الشيعية المعروفة آنذاك. ولكن بدلا من ذلك، ولد صفا خلال السنوات الأخيرة من حكم رضا شاه الذي اشتمل مشروعه للحداثة على التقليل من شأن مهنة رجال الدين والمؤسسات الدينية كلها.
تعلم صفا اللغة الفرنسية لتكون لغته الثانية في مدرسة فيروز باهرام الثانية، ثم سافر في منتصف خمسينات القرن الماضي إلى باريس ليعكف على مزيد من الدراسات. ولكن سرعان ما طغى عشقه للمغامرة على كل طموحاته الأكاديمية ومن ثم انضم إلى الفيلق الأجنبي الفرنسي ثم اشترك في حرب استقلال الجزائر. وإثر عدم مقدرته على التماهي مع القضية الفرنسية آنذاك وعدم تعاطفه أيضا مع القضية الجزائرية، غادر صفا حائري الفيلق الفرنسي، وبعد ما وصفه بنفسه بأنه «فترة من التسكع الموجزة» في أفريقيا وأوروبا، عاد إلى الوطن. وفي السنوات اللاحقة على عودته إلى إيران ألف كتابا عن «الفظائع التي لا يصدقها عقل» تلك التي شاهدها بأم عينيه في حرب الاستقلال الجزائرية.
وإثر افتقاره للمؤهلات الأكاديمية في مجتمع كانت الشهادات الجامعية بمثابة جواز المرور إلى الحراك الاجتماعي المتنامي، لم يتمكن صفا من الحصول على أي منصب واعد ضمن عالم الخدمة المدنية الآمن في إيران. ولأنه لم يكن من أهل الأعمال والاقتصاد كذلك، فقد حاول البحث عن مجالات جديدة لا تعبأ بالعلاقات العائلية والدرجات الجامعية. وكانت الصحافة وقتذاك هي أحد تلك المجالات.
حصل صفا على وظيفة مترجم لدى وكالة أنباء «فارس» المملوكة للدولة، وكان يعمل في الوقت ذاته مراسلا صحافيا محليا دائما لدى وكالة الصحافة الفرنسية في طهران. واستنادا لخبرته الموجزة في أفريقيا بدأ في كتابة عدد من المقالات الصحافية حول حرب الاستقلال الجزائرية، التي كانت في مراحلها الأخيرة في ذلك الوقت، لصالح مجلة «كافيان» و«بامشاد» الأسبوعيتين.
ومن واقع عمله مراسلا لوكالة أنباء «فارس»، عمل صفا على تغطية عدد من الرحلات الرسمية التي يقوم بها الشاه الأسبق والملكة فرح وكبار المسؤولين، بمن في ذلك رئيس الوزراء ووزير الخارجية.
وانطلق في عام 1962 - 1963 إلى فيتنام، في رحلة من تمويله الذاتي، لتغطية الحرب هناك وتصوير فيلم وثائقي عن الحرب لصالح شبكة التلفزيون المملوكة للدولة. وكان يعتزم القيام برحلة أخرى إلى فيتنام في عام 1975 في الوقت الذي كانت الحرب هناك تقترب من نهايتها وأصبح سقوط سايغون وشيكا. وانضم في عام 1970 بفريق صحيفة «جورنال دي طهران» الناطقة باللغة الفرنسية، التي كانت من إصدار مجموعة «إطلاعات» الإيرانية، في أثناء وظيفة المراسل الدبلوماسي كان يشارك أيضا في صحيفة «أيانديغان» الإيرانية اليومية حديثة الإصدار. وعمل على تغطية الحرب الهندية الباكستانية في عام 1970. والحرب المصرية الإسرائيلية في عام 1973.
وفي العام نفسه، 1973 تم تعيينه مراسلا بدوام كامل من قبل الإذاعة والتلفزيون الوطني الإيراني وانتقل إلى بيروت مراسلا في منطقة الشرق الأوسط.
وهناك، أنشأ شبكة واسعة من الاتصالات والمعارف التي تضمنت الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، والإمام موسى الصدر، الملا الإيراني الذي أرسله الشاه لقيادة الشيعة في لبنان. وساعدت مراسلاته من المنطقة، وكثير منها كان من دمشق والقاهرة، على تعرف كثير من الشعب الإيراني على الصراع العربي الإسرائيلي من دون القيود المعتادة والارتباط العاطفي والتحيزات والأحكام المسبقة. وكان حياده ونزاهته، رغم ذلك، من الأمور التي أثارت غضب الدوائر المناهضة لإسرائيل، الذين اتهموه زورا وبهتانا بإظهار المشاعر المؤيدة لليهود و«الاتصالات المشبوهة» مع السفارة الإسرائيلية في طهران.
قرر مجلس إدارة الإذاعة والتلفزيون الوطني الإيراني، في استجابة ربما تكون جزئية لهذه الضغوط والاتهامات، بإرسال صفا حائري إلى الطرف الآخر من العالم في وظيفة مراسل في آسيا من مدينة هونغ كونغ مع تكليف موجز بمتابعة المحاولات الصينية المشبوهة للانضمام مجددا إلى العالم بصورة طبيعية. ووفرت مراسلات صفا حول الصين للمواطن الإيراني بعضا من الأخبار الأولى عن الطريقة التي يحاول بها ذلك العملاق الصيني الآسيوي استيعاب التجربة الشيوعية والسعي للحصول على مكان جديد في المجتمع الدولي.
10:58 دقيقه
الصحافي المخضرم صفا حائري توافيه المنية في المنفى
https://aawsat.com/home/article/767806/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%B6%D8%B1%D9%85-%D8%B5%D9%81%D8%A7-%D8%AD%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D9%8A-%D8%AA%D9%88%D8%A7%D9%81%D9%8A%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D9%81%D9%89
الصحافي المخضرم صفا حائري توافيه المنية في المنفى
أحد الذين طوروا صناعة الصحافة والإعلام في إيران
الصحافي المخضرم محمد صفا حائري
- لندن: أمير طاهري
- لندن: أمير طاهري
الصحافي المخضرم صفا حائري توافيه المنية في المنفى
الصحافي المخضرم محمد صفا حائري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة



