العرب بين أصوليتين.. ساكنة ومتفاعلة

لماذا تجد الذهنية الأصولية بيئة حاضنة في العالم العربي حتى الساعة؟

العرب بين أصوليتين.. ساكنة ومتفاعلة
TT

العرب بين أصوليتين.. ساكنة ومتفاعلة

العرب بين أصوليتين.. ساكنة ومتفاعلة

عدة أحداث مر بها العالم العربي أخيرًا، أفرزت قناعة بأن البيئة الفكرية والذهنية العربية لا تزال حاضنه للأصولية، دافعة في طريق العنف غير المقدس، ومعبأة بصدأ التطرف، الأمر الذي يستوجب حالة من حالات «مساءلة الذات» الإيجابية لا «جلد الذات» السلبية. ومن ثم طرح أسئلة جوهرية مثل «كيف أسهمنا نحن بدورنا كشعوب وأنظمة فكرية وسياسية، ومنظومات اجتماعية وتعليمية، في الوصول إلى تلك اللحظة المخيفة، لحظة تحول الأصولية الساكنة تحت الجلد إلى أصوليه فاعلة بل ومن الأسف قاتلة؟».
السؤال المتقدم يذكرنا بما قاله وولي سوينكا، الكاتب المسرحي والشاعر والفيلسوف النيجيري ذات مرة إن «الفشل في تفحص ذاتنا يقلل من قوه تأثير استجابتنا على المدى البعيد، كما أن هذا الفشل يحصرنا في عقلية المتعصب، فالمتعصب أو الأصولي شخص لا يسعى مطلقًا للشفاء من دائه، بل قد يكون عاجزًا عن التعافي، وتتلاشى من أمامه لحظة شك ساورته، أو خيارات ممكنة كانت متاحة له، أو الإمكانيات المفقودة مع طريق لم يسلكه». نحن إذن أمام دراسة حالة لما يمكن أن نطلق عليه «العقل الأصولي» الذي لم ينشأ من فراغ على نكوص ماضوي، يقدّس الماضي ويتحرّق شوقًا للعودة إلى الأساس، هذا العقل قطعًا اصطدم بكثير من العقبات الحياتية، دفعته إلى حاله هروب مزدوجة، إلى الخلف لجهة التراث والسلف بشكل سلبي لا إيجابي، وللأمام عبر الاحتجاج بالعنف، أي القوة المسلحة التي تترجم في التعاطي مع الآخر في ميادين الرماية، لا في دوائر الأنوار الحوارية والفكرية.
لعل هناك عوامل أساسية وراء تحول الأصولية الساكنة إلى أصولية عنيفة فاعلة. إذ من المؤكد أن حالة الانسداد التاريخي العربي الحالية التي أفضت إلى الأصولية الظاهرة لاحقًا لم تتأتَ من فراغ، بل دعمتها عوامل كثيرة، في مقدمها جدب الفكر العربي الذي كان يومًا ما يطوف الآفاق مخبرًا ومحدثًا بمآثر الحياة العربية وإبداعاتها علميًا وأدبيًا وثقافيًا واجتماعيًا. هذا الجدب وقفت وراءه ركائز لا تزال تسبب له الصعود إلى الهاوية والتقدم إلى الخلف، إن جاز التعبير.

الركيزة الأولى
الركيزة الأولى تتمثل في فشل العملية التعليمية الحديثة، ذلك أنه عوضًا عن عقلية الإبداع، ها نحن محاصرون بذهنية الأتباع، الأمر الذي جعل مساحة الأسطورة في العقل العربي أوسع وأعمق من مساحة الحقيقة. وهو ما أتاح فتح الباب واسعًا للجهل ومسوغاته عند العوام، والخرافة وسطوتها عند كثيرين، وساعد على هذه الحالة المؤسفة، تحول النخبة من جماعة نهضوية إلى نهبوية، تسعى وراء مصالحها الخاصة في أنانية غير مستنيرة. ثم كان العجز عن إدراك مناهج عملية حديثة، تترك بديلاً واحدًا لأنظمة تعليمية، متدنية ومنفصلة عن الواقع، أنظمة فرّخت لنا شخوصًا لا يؤمنون بالآخر، ولا بحقه في الحياة والتعبير، أنظمة «مالكي الحقيقة المطلقة» التي لا تخرج إلا الطغاة فكريًا على الأقل. وفي ظل عملية تعليمية متخلفة تمارس من خلالها رؤى تسلطية تكون اللاعقلانية هي النموذج السائد، والأحادية الفكرية هي المثال المتسلط، والصوت الأعلى الزاعق هو المتسيد، وساعتها تستدعى الأصولية الفاعلة، تلك الساكنة لتخرج لاحقًا على الملأ تقتيلاً ونحرًا باسم الدين والمذهب والمعتقد.
ولعله يجدر بنا الإشارة إلى أن عالم المتعصبين والأصوليين واحد، ويتداخل مع جميع الأديان والآيديولوجيات والطموحات، فالروافد التي تغذّي مستنقع التعصب، قد تأتي من مصادر مختلفة، وقد يفصل بينها التاريخ والظروف المناخية والجنس أو أشكال الظلم والحرمان المتعددة، لكنها تلتقي في المصب نفسه، أي موقع اليقين المطلق الذي لا يناقش، ويدفعها دافع يسمح لكل شخص بأن يعلن نقاء ذاته ونصوع بياضها في مجتمع فاسد ملوث.

الركيزة الثانية
الركيزة الثانية التي تدفع الأصوليات الساكنة تجاه التحرك الفاعل وإن بشكل سلبي، تتمثل في حالة المجتمعات العربية ذات النموذج الأبوي، الذي فيه تقلص الحريات الفكرية إلى حد الغياب. وبعد 100 سنة من السؤال عن سبب تخلف المسلمين وتقدم غيرهم، ها نحن نكتشف ومن جديد أننا نسعى في طريق التحديث الظاهري لا الجوهري، وبعبارة أخرى يمكن القول إن البنية الخارجية للحداثة لم تستطع أن تحجب البنية القبلية الأسطورية والسحرية التي تعيش في أعماق الإنسان العربي وتعشعش في عقله.
هذا النظام الأبوي الذي تجاوزته منعطفات الأحداث في القرن الحادي والعشرين، أعطى مسالك ودروبًا فرعية آيديولوجية لجماعات الأصولية الفاعلة، فالرافضون للتسلط الأبوي تتم استمالتهم ومن ثم تسكينهم داخل جماعات أصولية حركية على الأرض توفر للأعضاء الجدد الدعم الأدبي والإنساني قبل المالي، شريطة تخلّص المجند من هويته القديمة، وتبنّيه هوية الجماعة الأصولية التي ينضوي تحت جناحيها. ومن الضغوط التي تمارسها الجماعة على المجند تبزغ بذور الخطوات التالية، وأهمها أن يصبح جزءًا من جماعة الشهداء الذين يربطهم رباط الأخوة ويضحون بحياتهم معًا من أجل قضاياهم. ومن هنا رأينا ونرى الانتحاريين وأصحاب السيارات المفخخة والبنادق الآلية التي توجه فوهاتها إلى صدور الكتاب والمفكرين، بوصفهم «خوارج العصر» في مواجهة أصحاب الحقائق اللامعة الناصعة، أو الحق مقابل الباطل، حسب تقديرهم. وهم في ذلك مرضى وضحايا أكثر منهم مجرمون.. كيف ذلك؟

الركيزة الثالثة
الركيزة الثالثة في الطريق تتصل بالأزمات الاقتصادية بوجهيها المالي والسياسي في العالم العربي. وحديث الجدل القائم بين الأصولية والأوضاع الاقتصادية، ذو شجون. وخذ على سبيل المثال لا الحصر، أفكار «الخصخصة»، أي تحويل قطاعات صناعية وطنية عريضة إلى قطاعات خاصة يمتلكها الأفراد، ولا رقابة أو سيادة للدولة عليها. هذه السياسة القاتلة في بعض الأقطار العربية محدودة الموارد كبيرة السكان. وفي ظل السخط السائد من الأوضاع الاقتصادية، كان من الطبيعي أن يحدث استقطاب للآلاف من الشباب إلى داخل الجماعات ذات المسحة الأصولية، مهما تعددت الأسماء أو اختلفت التوجهات الظاهرة. ثم هناك شق الخواء السياسي وغياب القيادات «الكاريزمية» القادرة على تجييش العقول والقلوب باتجاه الأفكار الوطنية والمنفتحة، في حين لمعت أسماء قيادات أصولية جذابة زخّمت الأصوليات النائمة وأثرت الفاعلة منها. ولقد اتخذت رسائلها الأصولية والمتطرفة شكلاً مختلفًا من ناحية الكيف، وخصوصًا بعد أن تتبلور تلك الرسائل في حركة تتجه بعدها نحو العنف في حرب مفتوحة تشنها محليًا وقوميًا، وإقليميًا وعالميًا ضد النظام القائم.

الركيزة الرابعة
الركيزة الرابعة والأخيرة تتصل بما أطلق عليه «الربيع العربي»، ذلك أن تبعاته وتداعياته لا تظهر في الحال، بل تتجلّى مستقبلاً. وفي مطلق الأحوال يمكن القول إن حساب الحصاد بالنسبة للجماعات الأصولية جاء مخالفًا شكلاً وموضوعًا لحساب الحقل الذي عملت فيه الأصولية الفاعلة عبر ثمانية عقود. وأيًا كانت أسباب الإخفاق، فإنها ولّدت عند المريدين والأتباع غصّة عميقة، من ينكرها ينافي الحقيقة، ومن يتجاهلها عمدًا يعرض ذاته لمغالطات موضوعية. بل أكثر من ذلك، يمكن القول إن هناك قطاعات عريضة من الذين كانت تراودهم أحلام الأصولية الساكنة انتقلوا إلى الفئات الفاعلة. وكل ما ينقصهم الآن للظهور على السطح أمران؛ الأول، توافر السياق السياسي والاقتصادي والبيئي لموجة عنف جديدة ستكون أشد من سابقاتها. والثاني، توافر السلاح بأشكاله المختلفة، المعنوية والمادية، وما رأيناه في الأشهر الأخيرة عبر بقاع وأصقاع عربية مختلفة، يعد إرهاصات للأسوأ الذي لم يأتِ بعد.
الإشكالية الحقيقية هنا التي قد تغيب عن أعين كثيرين، هي أن الأحلام والصبوات التي تسكن عقول الجماهير المثالية بعد الثورات كثيرًا ما تنافي وتجافي الواقع فيما بعد، لا سيما، في حال «الثورات التاريخية» - التي يتحدث عنها ثعلب السياسة الخارجية هنري كيسنجر - والتي لا تخلف إلا الخراب والدمار لدولها لا الثورات الديمقراطية التي تعيد بنيان ما قد تهدم. ففي هذا الإطار تغدو الفرصة ذهبية للجماعات الأصولية العنيفة، لاصطياد - وليس استقطاب - أولئك اليائسين والمجروحين في رهاناتهم الثورية، إلى داخل دائرة الأصوليات العنيفة على الأرض.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».