«القلب الصلب للصناعات الرقمية».. تحت رحمة الصين

العملاق الآسيوي يحتكر 90% من إنتاج المعادن النادرة

أهم ثلاثة مصانع لبطاريات الهواتف الذكية صينية وتسيطر على أكثر من 90% من صناعة بطاريات الهواتف النقالة في العالم
أهم ثلاثة مصانع لبطاريات الهواتف الذكية صينية وتسيطر على أكثر من 90% من صناعة بطاريات الهواتف النقالة في العالم
TT

«القلب الصلب للصناعات الرقمية».. تحت رحمة الصين

أهم ثلاثة مصانع لبطاريات الهواتف الذكية صينية وتسيطر على أكثر من 90% من صناعة بطاريات الهواتف النقالة في العالم
أهم ثلاثة مصانع لبطاريات الهواتف الذكية صينية وتسيطر على أكثر من 90% من صناعة بطاريات الهواتف النقالة في العالم

يرجع تكثيف البلدان الصناعية الكبرى لرحلاتها الفضائية لاكتشاف الكواكب الأخرى وطبيعتها، والتي تُكلف مئات الملايين، ليس لأهداف علمية بحثية فقط، بل للبحث عن مواد ومعادن تعتبر العنصر الحاسم في استمرار صناعات كثيرة، بالأخص الدقيقة منها مستقبلا، حيث تتزايد المخاوف من نضوب احتياطاتها في باطن الأرض.
وبسبب اكتشاف العلماء بعض المعادن النادرة والمهمة، انتشرت صناعة أجهزة كثيرة، مثل الهواتف النقالة وشاشات التلفزيون المسطحة وبطاريات السيارات الكهربائية والكومبيوتر المحمول ومعدات طبية وعسكرية فائقة الأهمية، كما تدخل هذه المعادن النادرة اليوم في صناعة طواحين الهواء لإنتاج الطاقة الكهربائية والسيارات الكهربائية التي ستحل مستقبلا محل السيارات العادية.
والفضل في وجود بعض هذه المعادن النادرة يعود إلى علماء كالفيزيائي الإنجليزي ويليام هايد ولاستون، الذي اكتشف في أميركا الجنوبية عام 1803 مادة الروديوم وتفوق أسعارها الآن أسعار البلاتين الثمين، ولولا اكتشافه هذا لما تطورت صناعة الهواتف النقالة، كما اكتشف أيضا مواد أخرى مهمة كالبلاديوم المساعد لصناعة المجوهرات وتُستخدم أيضا في مجال طب الأسنان والايروديوم، وهي مادة تدخل في صناعة محركات الطائرات، والأهم أن هذه المعادن غير مُشعة.
ومع التطور الصناعي أصبحت هذه المعادن شريان الصناعات الدقيقة، وهي حسب تقديرات علماء الطبيعة 17 نوعا ذو ميزات خاصة جدا، منها التوليوم وغادليوم والروديوم والنيوديميوم والليثيوم، وهو العنصر الرئيسي الذي يدخل في صناعة البطاريات، والكوبالت والكولتان وغيرها، ولا يمكن استبدالها بمعادن أخرى، فمن دونها كان من الصعب صنع سيارة كهربائية وهاتف نقال أو جهاز كومبيوتر، إلا أن المشكلة التي تواجه شركات الصناعات الإلكترونية أن أكثر من 86 في المائة من هذا المعادن النادرة موجودة في مناجم بالصين.
ومن المواد الأكثر شهرة والأكثر استخداما هي الكوبالت، وأهم مناجم هذا المعدن في جمهورية الكونغو الديمقراطية والموزمبيق، حيث يمتزج الكوبالت مع النحاس، كما تتواجد مناجم له في كل من الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمغرب وكوبا وأستراليا، ويُقدر حجم الكوبالت الاحتياطي في العالم بنحو 25 مليون طن، يُضاف إليه 120 مليون طن في القشرة الأرضية بأعماق المحيطين الأطلسي والهادي وقد يكون أيضا هناك احتياطي في المحيط الهندي.
وحسب البيانات الدولية، ارتفع إنتاج الكوبالت بشكل ملحوظ جدا في السنوات الأخيرة لتلبية حاجة الصناعات المختلفة العسكرية والمدنية، فعلى سبيل المثال تخطت جمهورية الكونغو الديمقراطية الخط الأحمر وأنتجت 54 ألف طن بعد أن كان إنتاجها عام 2006 يقارب الـ22 ألف طن ورفعت الصين إنتاجها التجاري من الكوبالت عام 2014 ليصل إلى 7200 طن، وزاد إنتاج أستراليا عن الـ6000 طن، ووصلت حصة روسيا إلى 6300 طن وكندا إلى 6920 طنا وزامبيا إلى 5200 طن وجنوب أفريقيا كما البرازيل إلى 3000 طن.
والمادة الأخرى المهمة جدا للصناعات والتقنيات الحديثة والحساسة هي الروديوم الذي زاد الطلب عليه، ويدخل الخبراء في الحسبان إمكانية زيادة الاستثمارات الموجهة لرفع الكميات المستخرجة منه.
ويعتبر الروديوم من المعادن الثمينة؛ فهو أصلب من البلاتين والذهب ويذوب في درجة حرارة 1966 مئوية وله خصائص مماثلة للبلاتين، وتستخدم سبائكه في صناعة محفزات السيارات. ويتوقع مصرف دويتشه بنك ومكتب جونسون ماتاي، الخبير في شؤون الأسواق في لندن، أن تتخطى مبيعات الروديوم هذا العام الـ78 ألف أونصة، وتسجل أسعاره منذ 4 أعوام ارتفاعا متواصلا وتخطى الارتفاع هذا العام الـ18 في المائة مقارنة مع 2015؛ ما شجع على رفع سقف استخراجه ليصل المخزون العام الماضي إلى مليون أونصة، والسبب في ذلك أن الكثير من مصانع السيارات تستعين به عوضا عن البلاتين والبالاديوم (معدن يدخل في صناعة السيارات)، فأونصة الروديوم من الممكن أن تحل محل 1.46 أونصة من البالاديوم أو البلاتين؛ ما يعني أن التكلفة تكون أقل؛ لذا يتوقع الخبراء تزايد الطلب العالمي على الروديوم، ما قد يسبب عجزا في تلبية الطلبيات يُقدر ب530 ألف أونصة.
ومن يحمل هاتفا ذكيا بين يديه،، لا يتوقع في الغالب أن المواد التي تدخل في صناعة الهاتف الذكي، مثل الكوبالت الذي لا غنى عنه في صناعة بطاريات اللوثيوم لكل الهواتف النقالة مصدره مناجم في الكونغو يعمل فيها أطفال، وأهم ثلاثة مصانع لصناعة بطاريات الهواتف الذكية صينية وتصنع أكثر من 90 في المائة من بطاريات الموجودة في الهواتف النقالة في العالم؛ فالصين لا تشتري الكوبالت من أي مكان آخر بل مباشرة من شركة التعدين الصينية سيه هاوو كوبالت، وفرعها «دانغفانغ للتعدين» في الكونغو يشتري من تجار وسطاء من مناطق التوتر بإقليم كاناغا شرق الكونغو.
* تحكم الصين بأسعار المواد الخام
منذ ثمانينات القرن الماضي أدركت الصين أهمية المواد الخام التي تدخل في الصناعات الدقيقة والإلكترونيات، فاستثمرت بكثافة في البحوث وإنشاء المناجم؛ ما جعلها اليوم تتحكم بالأسعار لأنها قادرة على إنتاج هذه المعادن النادرة وبيعها بكميات تجارية، ومع تدني تكاليف الاستخراج، بسبب العمالة الصينية الرخيصة، ومعاجلة هذه المواد النادرة، أصبحت الصين متحكمة في أسعارها.
ولم تمض فترة قصيرة إلا وشهد العالم موجة من إنشاء شركات أميركية كبيرة مالكوها صينيون لهم طموح في الحصول على تكنولوجيا متطورة، واليوم فإن خريطة مواقع الإنتاج قد تغيرت ومن يملك معادن نادرة عليه نقل جزء من الإنتاج إلى الصين، وعلى وجه الخصوص فرع الإلكترونيات، فهذه المعادن النادرة أصبحت عصب الإنتاج.
ويقول خبير الصناعات الأميركي جميس كنيدي، إنه في خضم الصراع للسيطرة على الأسواق تباع الكثير من الشركات الغربية إلى الصينيين، وبدأت الولايات المتحدة هذا التوجه في تسعينات القرن الماضي، هذا بالإضافة إلى نقل الشركات الكبرى أعمالها إلى الصين؛ لذا ليس من قبيل المصادفة أن تنتج شركة «آبل» هواتفها الذكية في الصين.
ولأنها الدولة الأكثر إنتاجا للمعادن النادرة حددت الصين عام 2010 سقف الكميات التي تريد تصديرها؛ بحجة الحفاظ على ثرواتها الطبيعية وتأمين احتياجاتها، في الوقت نفسه رفعت الأسعار بشكل ملحوظ؛ ما دفع بالولايات المتحدة وبلدان أوروبا الصناعية إلى رفع شكوى ضدها إلى منظمة التجارية الدولية؛ لأن حجبها أو تحديد كميات التصدير يشكل خرقا لمعاهدة التجارة العالمية الحرة، ولقد أدت الضغوط بالفعل إلى إعلان بكين في شهر يناير (كانون الثاني) عام 2015 رفع قرار تحديد كميات التصدير خشية العقوبات.
ويتساءل المرء عن سبب إقدام الصين على اتخاذ قرار من هذا النوع، هل هو فعلا الخوف من عقوبات منظمة التجارة العالمية، أم عزمها فرض ضرائب خاصة على تصدير المعادن النادرة، فهذا يمكنها من السيطرة على صادراتها ويدخل المزيد من الأموال إلى خزينتها؟
من وجهة نظر الخبير الاقتصادي الألماني فرانك تانغ، فإن حركة السوق هي ما تسببت في اتخاذ الصين لهذا القرار، فعلى الرغم من أنه يُسمح للصين بتصدير ما يقارب الـ31 ألف طن سنويا، لكنها صدرت كميات أقل بكثير في السنوات الماضية، ففي عام 2013 صدرت 22493 طنا، وحتى شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2014 صدرت 24886 طنا.
ونظرة إلى الخلف تراجعت قيمة الصادرات إلى الثلث مقارنة مع عام 2013 حسب بيانات الجمارك الصينية، وفي عام 2012 وصل حجم الاحتياطي الاستراتيجي إلى 20 ألف طن؛ لذا يمكن القول إن المستوردين وجدوا مصادر أخرى بأسعار أقل؛ ما إثر سلبا في أسعار السوق العالمية، وهذا لا يتناسب مع تطلعات الصينيين.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد وقعت شركات كثيرة على أنفها كما يقول المثل الألماني، مثل شركة التعدين الأسترالية ليناس، فهي تستخرج المعادن النادرة من مناجمها وتتم معالجتها في ماليزيا، إلا أن أسهمها تراجعت 60.2 دولار أسترالي إلى 6 سنتات فقط، أي بخسارة تصل إلى 97 في المائة، أما شركة مناجم ماونتين باس في كاليفورنيا التي بدأت بالإنتاج في خمسينات القرن الماضي فإن قيمة سهمها انحدرت من 78 دولارا في عام 2011 إلى 68 سنتا اليوم وهو تراجع مخيف، كما أن هناك مشروعات تصنف بغير المربحة، فحسب تقديرات العلماء لا يتجاوز مخزون مناجم جبل كرانفيلد (ارتفاعه نحو 690 مترا) في منطقة غرينلاند بالدإنمارك الستة ملايين طن من المواد النادرة وهو الأكبر في العالم الغربي، ومع أن المناخ الدافئ جنوب الجزيرة أذاب الثلوج، فإن استخراج هذه المعادن باهظ التكاليف ويتعدى الـ2.3 مليار دولار، فقبل البدء بالحفر والاستخراج يجب بناء شبكة طرقات ومحطات توليد كهرباء وأنابيب وهي مكلفة للغاية في الوقت الراهن؛ ما يعني أن الظروف الحالية غير مواتية لشركات للدخول في منافسة مع الصين، وحتى عند ظهور بوادر حل يتعارض ومصالح الصين فإنها ستعوم الأسواق بالمعادن النادرة من أجل البقاء على فوائد الاحتكار.
* تقديرات منظمة التجارة العالمية
وفقا لتقدير منظمة التجارة العالمية، فإن الصين تحتكر منذ سنوات أكثر من 90 في المائة من الإنتاج العالمي للمعادن النادرة، في حين أنها تملك نحو 30 في المائة من الاحتياطي العالمي منها؛ والسبب في ذلك شراؤها الكثير من المناجم في أنحاء كثيرة من العالم، منها في أفريقيا. وتشير وثائق إلى أن شركات التعدين الصينية تشتري عبر وسطاء لها معادن أساسية من أفريقيا تخلطها بعد ذلك بالمعادن التي تستخرجها من المناجم الصينية، لكن من المشكوك فيه معرفة المستوردين بمصدر الخامات.
واهم مصادر المعادن النادرة التي تشتريها الصين هي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي مناطق خارجة عن سيطرة أمراء الحرب، ولكن إذا ما توقفت الإمدادات سيقذف بآلاف العمال في أتون الفقر وسيصبحون ذخيرة لصراعات داخلية كثيرة في هذا البلد.
في جانب آخر، فإن 10 في المائة فقط من المناجم في الكونغو تحمل شهادات منشأ تسمح ببيع منتجاتها، والباقي يواصل الإنتاج من دون شهادة، وأظهر تقصي قامت به إحدى محطات التلفزيون الألمانية الطرق غير القانونية التي تسلكها هذه المناجم من أجل بيع معادنها النادرة غير المصدق عليها، لكن هذا لا يهم مصانع التقنيات المتطورة طالما أن عجلة الإنتاج تسير.



«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
TT

«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)

بعد أسبوعين من المباحثات المكثفة، وضع «مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16)» لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الذي يعدّ الأكبر والأوسع في تاريخ المنظمة واختتم أعماله مؤخراً بالعاصمة السعودية الرياض، أسساً جديدة لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً، حيث شهد المؤتمر تقدماً ملحوظاً نحو تأسيس نظام عالمي لمكافحة الجفاف، مع التزام الدول الأعضاء باستكمال هذه الجهود في «مؤتمر الأطراف السابع عشر»، المقرر عقده في منغوليا عام 2026.

وخلال المؤتمر، أُعلن عن تعهدات مالية تجاوزت 12 مليار دولار لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، مع التركيز على دعم الدول الأشد تضرراً، كما شملت المخرجات الرئيسية إنشاء تجمع للشعوب الأصلية وآخر للمجتمعات المحلية، إلى جانب إطلاق عدد من المبادرات الدولية الهادفة إلى تعزيز الاستدامة البيئية.

وشهدت الدورة السادسة عشرة لـ«مؤتمر الأطراف» مشاركة نحو 200 دولة من جميع أنحاء العالم، التزمت كلها بإعطاء الأولوية لإعادة إصلاح الأراضي وتعزيز القدرة على مواجهة الجفاف في السياسات الوطنية والتعاون الدولي، بوصف ذلك استراتيجية أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والتكيف مع تغير المناخ.

ووفق تقرير للمؤتمر، فإنه جرى الاتفاق على «مواصلة دعم واجهة العلوم والسياسات التابعة لـ(اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر) من أجل تعزيز عمليات اتخاذ القرار، بالإضافة إلى تشجيع مشاركة القطاع الخاص من خلال مبادرة (أعمال تجارية من أجل الأرض)».

ويُعدّ «مؤتمر الأطراف السادس عشر» أكبر وأوسع مؤتمر لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» حتى الآن، حيث استقطب أكثر من 20 ألف مشارك من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم نحو 3500 ممثل عن منظمات المجتمع المدني. كما شهد المؤتمر أكثر من 600 فعالية ضمن إطار أول أجندة عمل تهدف إلى إشراك الجهات غير الحكومية في أعمال الاتفاقية.

استدامة البيئة

وقدم «مؤتمر الأطراف السادس عشر» خلال أعماله «رسالة أمل واضحة، تدعو إلى مواصلة العمل المشترك لتحقيق الاستدامة البيئية». وأكد وزير البيئة السعودي، عبد الرحمن الفضلي، أن «الاجتماع قد شكّل نقطة فارقة في تعزيز الوعي الدولي بالحاجة الملحة لتسريع جهود إعادة إصلاح الأراضي وزيادة القدرة على مواجهة الجفاف». وأضاف: «تأتي استضافة المملكة هذا المؤتمر المهم امتداداً لاهتمامها بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، وتأكيداً على التزامها المستمر مع الأطراف كافة من أجل المحافظة على النظم البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي، والتصدي للجفاف. ونأمل أن تسهم مخرجات هذه الدورة في إحداث نقلة نوعية تعزز الجهود المبذولة للمحافظة على الأراضي والحد من تدهورها، وبناء القدرات لمواجهة الجفاف، والإسهام في رفاهية المجتمعات في مختلف أنحاء العالم».

التزامات مالية تاريخية لمكافحة التصحر والجفاف

وتطلبت التحديات البيئية الراهنة استثمارات ضخمة، حيث قدرت «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الحاجة إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030 لإصلاح أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة. ومن بين أبرز التعهدات المالية خلال المؤتمر «شراكة الرياض العالمية لمواجهة الجفاف» حيث جرى تخصيص 12.15 مليار دولار لدعم 80 دولة من الأشد ضعفاً حول العالم، و«مبادرة الجدار الأخضر العظيم»، حيث تلقت دعماً مالياً بقيمة 11 مليون يورو من إيطاليا، و3.6 مليون يورو من النمسا، لتعزيز جهود استصلاح الأراضي في منطقة الساحل الأفريقي، وكذلك «رؤية المحاصيل والتربة المتكيفة» عبر استثمارات بقيمة 70 مليون دولار لدعم أنظمة غذائية مستدامة ومقاومة للتغير المناخي.

وأكدت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد: «عملنا لا ينتهي مع اختتام (مؤتمر الأطراف السادس عشر). علينا أن نستمر في معالجة التحديات المناخية؛ وهذه دعوة مفتوحة للجميع لتبني قيم الشمولية، والابتكار، والصمود. كما يجب إدراج أصوات الشباب والشعوب الأصلية في صلب هذه الحوارات، فحكمتهم وإبداعهم ورؤيتهم تشكل أسساً لا غنى عنها لبناء مستقبل مستدام، مليء بالأمل المتجدد للأجيال المقبلة».

مبادرات سعودية

لأول مرة، يُعقد «مؤتمر الأطراف» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما أتاح فرصة لتسليط الضوء على التحديات البيئية الخاصة بالمنطقة. وضمن جهودها القيادية، أعلنت السعودية عن إطلاق 5 مشروعات بيئية بقيمة 60 مليون دولار ضمن إطار «مبادرة السعودية الخضراء»، وإطلاق مرصد دولي لمواجهة الجفاف، يعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لتقييم وتحسين قدرات الدول على مواجهة موجات الجفاف، ومبادرة لرصد العواصف الرملية والترابية، لدعم الجهود الإقليمية بالتعاون مع «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية».

دعم الشعوب الأصلية والشباب

وفي خطوة تاريخية، أنشأ «مؤتمر (كوب 16) الرياض» تجمعاً للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية لضمان تمثيلهم في صنع القرار بشأن إدارة الأراضي والجفاف. وفي هذا السياق، قال أوليفر تيستر، ممثل الشعوب الأصلية: «حققنا لحظة فارقة في مسار التاريخ، ونحن واثقون بأن أصواتنا ستكون مسموعة»، كما شهد المؤتمر أكبر مشاركة شبابية على الإطلاق، دعماً لـ«استراتيجية مشاركة الشباب»، التي تهدف إلى تمكينهم من قيادة المبادرات المناخية.

تحديات المستقبل... من الرياض إلى منغوليا

ومع اقتراب «مؤتمر الأطراف السابع عشر» في منغوليا عام 2026، أقرّت الدول بـ«ضرورة إدارة المراعي بشكل مستدام وإصلاحها؛ لأنها تغطي نصف الأراضي عالمياً، وتعدّ أساسية للأمن الغذائي والتوازن البيئي». وأكد الأمين التنفيذي لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، إبراهيم ثياو: «ناقشنا وعاينّا الحلول التي باتت في متناول أيدينا. الخطوات التي اتخذناها اليوم ستحدد ليس فقط مستقبل كوكبنا؛ بل أيضاً حياة وسبل عيش وفرص أولئك الذين يعتمدون عليه». كما أضاف أن هناك «تحولاً كبيراً في النهج العالمي تجاه قضايا الأرض والجفاف»، مبرزاً «التحديات المترابطة مع قضايا عالمية أوسع مثل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والأمن الغذائي، والهجرة القسرية، والاستقرار العالمي»