ألمانيا: محاكمة لاجئ سوري بتهمة الإرهاب وارتكاب جرائم حرب

بدأت في ألمانيا محاكمة لاجئ سوري متهم بالعمل في منظمة إرهابية، والمشاركة في اختطاف محام كندي يعمل في بعثة الأمم المتحدة في سوريا. وتمتد سلسلة التهم الموجهة إلى «سليمان س.» (25 سنة)، لتشمل ارتكاب جرائم حرب، والاختطاف، والابتزاز، وسلب حريات الآخرين، وإلحاق الأضرار الجسدية. وظهر المتهم في قاعة محكمة شتوتغارت بشريط طبي لاصق على وجهه، قال رجال الشرطة إنه نجم عن هجوم سجين آخر عليه قبل يوم من المحكمة. وتحقق النيابة العامة في احتمال أن تكون للحادثة علاقة بمحاكمة «سليمان س.» بوصفه إرهابيا. وربما أراد ممثل الدفاع عن «سليمان س.» إعادة محاولة زميله في قضية محاكمة المراهقة المغربية «صافية س.»، الذي نجح في إقناع قاضي محكمة سيلله بحجب وقائع جلسات المحكمة عن رجال الإعلام بسبب صغر سن المتهمة (16 سنة)، لكن قاضي المحكمة الخامسة في شتوتغارت، القاضي هيربرت أندرر، رفض طلب محامي الدفاع.
واتهم ممثل النيابة العامة «سليمان س.» بالعمل في منظمة إرهابية عن قناعة، وأنه كان في سوريا يحمل الاسم الحركي «أبو آدم». وقال بعدم وجود شك حول تعرف الكندي على صورة المتهم، وأن النيابة العامة استمعت إلى أقوال الكندي عدة مرات. وخططت المحكمة الخامسة في شتوتغارت لقضية تمتد حتى خريف 2017. ومن المقرر أن يحضر الكندي كارل كامبيو كشاهد عيان في المحكمة في وقت لم يحدده القاضي من العام المقبل. وصل «سليمان س.» إلى ألمانيا سنة 2014. وتم الاعتراف به لاجئًا سياسيًا بسهولة، كما هي الحال مع بقية السوريين، وتسلمت دائرة اللجوء والهجرة منه طلب لم شمل عائلته. وكان في طريقه إلى بيته في باكنانغ، قرب شتوتغارت، حينما داهمته وحدة مكافحة الإرهاب في وضح النهار واقتادوه في سيارة يوم 21 يناير (كانون الثاني) من هذا العام.
ويعود اختطاف المتهم إلى تعرف الكندي كارل كامبيو، الذي عمل مستشارًا قانونيًا لقوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الجولان، على صورة «سليمان س.» في أرشيف الإنتربول الخاص بالمشتبه فيهم بالإرهاب. وتعرف كامبيو على «سليمان س.» بكونه أحد السجانين الذين كانوا يحرسونه في فترة اختطافه من قبل الإرهابيين. ويفترض أن المتهم السوري وجه تهديدات خطيرة إلى الرهينة أثناء حراسته له بين شهري مارس (آذار) ويونيو (حزيران) من سنة 2013.
أخطأ المحامي كامبيو طريقه إلى الطبيب، وسار دون علمه في الطريق إلى العاصمة السورية دمشق. وهناك اختطفته مجموعة من الإرهابيين، على الرغم من أنه كان يحمل إشارة الأمم المتحدة وهويته الشخصية التي تكشف مهامه في المنظمة الدولية. وطالب الخاطفون بفدية قدرها 7 ملايين دولار مقابل إطلاق سراحه، لكن الأمم المتحدة والحكومة الكندية رفضتا الرضوخ للابتزاز. وعرضت عائلة الرهينة مبلغ 25 ألف دولار مقابل إطلاق سراحه، لكن المنظمة المتشددة رفضت العرض. وبهدف ابتزاز مبلغ الفدية نشر الخاطفون على الإنترنت شريط فيديو يلفق بتر فخذ الرهينة كامبيو. وذكر كامبيو أن معاملته لم تتحسن إلا بعد أن أعلن إسلامه، ونجح في الفرار من الأسر بعد 8 أشهر من اختطافه. ولم ينص محضر النيابة العامة على أي اتهامات للمتهم السوري بمواصلة النشاط الإرهابي على الأرض الألمانية، ولا أي تهمة عن علاقات له بإرهابيين هنا، أو كان يخطط لعمليات إرهابية. وطالب محامي الدفاع بإطلاق سراح موكله مشككًا بقدرة الرهينة الكندي على تشخيصه من الصورة، واعتبر المحامي الدعوى ضد «سليمان س.» على تعارض مع فقرات القانون الدولي ومع قانون الجزاء الألماني.
وعلى صعيد محاكمة الألمانية، المغربية الأصل، «صافية س.» وزميلها السوري «محمد حسن ك.» (20 سنة)، كشفت صحيفة «زود دويتشه» المعروفة عن «هفوة» بوليسية أخرى ارتكبتها شرطة سكسونيا السفلى هذه المرة. وجاء في تقرير الصحيفة أن السوري كان يخضع لرقابة دائرة حماية الدستور (مديرية الأمن العامة) منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، لكنه تمكن من الإفلات من قبضة الشرطة، والوصول إلى اليونان بنية السفر إلى تركيا والتسلل بعدها إلى سوريا للالتحاق بـ«داعش». ووضعت الشرطة «محمد حسن ك.» تحت الرقابة بعد عمليات باريس في ذلك العام، وبعد إلغاء مباراة ألمانيا وهولندا في هانوفر من تلك الفترة وإخلاء الملعب، بسبب بلاغ عن احتمال تعرض الملعب إلى عمليات تفجير انتحارية. ويفترض أن المتهم كان يعمل ضمن المحافظين على الأمن في ملعب هانوفر، وأنه نشر فيلم فيديو طوله 10 ثوان فقط على الإنترنت يقول فيه بالألمانية: «صلوا إلى الرقة!».
واعتقلت السلطات اليونانية «محمد حسن ك.» في اليونان قبل وصوله إلى تركيا، وسلمته إلى السلطات الألمانية قبل يوم واحد من بدء محاكمته.
على صعيد ذي صلة، أقر البرلمان الألماني مشروع قانون المخابرات الجديد الذي يشدد الرقابة القضائية والحكومية على جهاز المخابرات الألمانية «بي إن دي»، لكنه يمنحه صلاحيات واسعة أخرى باسم مكافحة الإرهاب والتطرف. ويتعامل القانون مع التجسس على «الأصدقاء» بوصفه ممارسة اعتيادية، ويتيح التعاون مع أجهزة المخابرات الصديقة، على الرغم من فضيحة تعاون المخابرات الألمانية مع الأميركية في التجسس على الاقتصاد والسياسة في ألمانيا.
إلى ذلك، يمنح مشروع القانون الجديد جهاز المخابرات صلاحيات أوسع في التجسس الإلكتروني على مواطني البلاد، إذ يمنحه الحق في استخدام المعطيات كافة من جميع قنوات الإنترنت، مقارنة مع 20 في المائة من المعطيات في قناة واحدة فقط، يُسمح للدائرة باستغلالها حاليا.
كما يقضي القانون بزيادة قائمة الأهداف التي تبرر اللجوء إلى التجسس، لتضم، إضافة إلى 8 نقاط أصلية، بما فيها محاربة الإرهاب ومكافحة الجريمة الإلكترونية ومجابهة تجارة البشر، أهدافًا جديدة أكثر غموضًا، بينها «البحث عن معلومات ذات أهمية بالنسبة للسياسة الخارجية والأمن». في الوقت نفسه يعطي مشروع القرار لدائرة الاستخبارات الاتحادية مزيدًا من الصلاحيات في جمع ما يسمى «البيانات الوصفية» فيما يتعلق بالمكالمات الهاتفية بين الذين «لا يمكن تحديدهم بالضبط كمواطني ألمانيا»، وتشمل هذه البيانات مدة الاتصال الهاتفي وهوية المتحاورين والوقت والمكان الذي يجري فيه الاتصال.
من جانب آخر، يقضي مشروع القانون، مع توسيع صلاحيات دائرة الاستخبارات، بتشكيل هيئة مراقبة مستقلة على جهاز المخابرات، يعود تعيين أعضائها إلى الحكومة الألمانية.
ومن المتوقع أن يغير قانون المخابرات الجديد النظام القائم في ألمانيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية جذريًا. إذ كان القانون الألماني يحدد مهمات دائرة الاستخبارات الاتحادية في خارج البلاد فقط، بينما تعود صلاحيات المراقبة الأمنية داخل ألمانيا إلى دائرة حماية الدستور (مديرية الأمن العامة). وأثار مشروع القانون هذا موجة من الانتقادات داخل ألمانيا، والتي يطالب النشطاء فيها السلطات بحظر جمع المعلومات عن أشخاص يحق لهم عدم الإدلاء بشهادتهم، بمن فيهم بالدرجة الأولى الصحافيون والمحامون. كما تعرض مشروع القانون لانتقادات شديدة من قبل منظمات اجتماعية دولية، بما فيها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والأمم المتحدة و«صحافيون بلا حدود».