باريس وبرلين ماضيتان في الضغط على موسكو.. وهدنة حلب ليست صدفة

لا معجزات في اجتماع برلين.. والضغوط ستبقى «سياسية»

متظاهرون سوريون أمس أمام مقر اجتماع قمة برلين طالبوا بوقف قصف حلب وسحب الوجود العسكري من سوريا (أ.ف.ب)
متظاهرون سوريون أمس أمام مقر اجتماع قمة برلين طالبوا بوقف قصف حلب وسحب الوجود العسكري من سوريا (أ.ف.ب)
TT

باريس وبرلين ماضيتان في الضغط على موسكو.. وهدنة حلب ليست صدفة

متظاهرون سوريون أمس أمام مقر اجتماع قمة برلين طالبوا بوقف قصف حلب وسحب الوجود العسكري من سوريا (أ.ف.ب)
متظاهرون سوريون أمس أمام مقر اجتماع قمة برلين طالبوا بوقف قصف حلب وسحب الوجود العسكري من سوريا (أ.ف.ب)

ما بين اجتماعه أمس بوفد من «القبعات البيضاء» السورية في قصر الإليزيه، ومشاركته ليلا في القمة الثلاثية مع المستشارة الألمانية والرئيس الروسي، التي شغل الملف السوري ودور موسكو فيه حيزا واسعا منها، ثم افتتاحه صباح اليوم الاجتماع الوزاري الموسع الذي دعت إليه باريس حول الموصل، وتوجهه مباشرة بعد ذلك إلى بروكسل لحضور القمة الأوروبية، وعلى جدول أعمالها «غربلة» وسائل الضغط الأوروبية على موسكو، يبدي الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند نشاطا ملحوظا بحثا عن دور يريده بديلا عن الغياب الأميركي. بيد أن النشاط الزائد ليس صنوا لفاعلية بسبب «ندرة أوراق» الضغط التي تتلاءم مع العقلية الروسية في إدارة الحرب في سوريا، بحسب تعبير مصادر فرنسية رسمية.
بيد أن هذه المصادر ترى أن تعبئة الأسرة الدولية والرأي العام التي لجأت إليها باريس بدعم من حلفائها الأوروبيين وغير الأوروبيين في مجلس الأمن والمجالس الأخرى، قد جاءت ببعض النتائج، إذ إنها تعتبر أن قرار روسيا «المفاجئ» أول من أمس القاضي بوقف العمليات الجوية والقصف بأنواعه ضد حلب، ثم إعلان هدنة من 8 ساعات لليوم الخميس، «ليسا من باب الصدفة»، بل هما مرتبطان بالضغوط المتنوعة على موسكو. وغرض البادرة الروسية، وفق باريس، مزدوج: الأول «إراحة» الرئيس بوتين في اللقاء الثلاثي في برلين ليل أمس، حيث لم يعد من الممكن التعاطي معه وكأن الهدنة غير موجودة. والثاني «ضربة» إعلامية لإبراز كم أن موسكو «مهتمة» بالجوانب الإنسانية وتريد تسهيل ترميم الهدنة «وفقا لشروطها»، ورمي المسؤولية على الطرف الآخر. وتربط المصادر الفرنسية بين البادرة الروسية وبدء المحادثات العسكرية أمس في جنيف، بين الفريقين العسكريين الروسي والأميركي، عملا باتفاق لوزان، من أجل الفصل بين الفصائل المقاتلة من جهة وبين عناصر جبهة فتح الشام «النصرة سابقا» من جهة أخرى، وهو شرط مسبق لروسيا والنظام من أجل وقف القصف وترميم الهدنة.
تريد باريس الاستمرار في ممارسة الضغوط على موسكو. وقال الرئيس هولاند، أمس، عقب اجتماعه بوفد «القبعات البيضاء» ومنظمات إنسانية أخرى في قصر الإليزيه، إن فرنسا وأوروبا «ستستمران في ممارسة الضغوط كافة على النظام وداعميه، وخصوصا روسيا، من أجل تمديد العمل بالهدنة وإيصال المساعدات الإنسانية، والدفع باتجاه الحل السياسي»، مضيفا أنه «سيقوم بكل ما هو متاح مع المستشارة الألمانية» من أجل أن تبقى الهدنة قائمة. وبنظر باريس، لا يتعين أبدا أن تُسخَّر الهدنة «من أجل طرد السكان ورميهم على طرق التهجير (أو دفعهم) إلى مخيمات اللاجئين». وهذه النقطة بالذات أثارها رئيس المجلس المحلي لمدينة حلب، بريتا الحاج حسن، الذي أكد أن هدف النظام من هذه الهدنة القصيرة التي وصفها بـ«الميتة»، هو «تهجير المدنيين ودفع 300 ألف مواطن للاستسلام». وقال في باحة الإليزيه، إن حلب، بعد مائة يوم على الحصار «تباد، ومن العار على المجتمع الدولي أن يرى الإنسانية تباد ولا يحرك ساكنا».
قبل قمة برلين، سارعت المستشارة الألمانية إلى خفض سقف التوقعات، معتبرة أن الاجتماع «لن ينتج المعجزات» وهو كان معروفا سلفا، باعتبار أن برلين وباريس ومعهما العواصم الأوروبية الأخرى غير قادرة على إملاء إرادتها على موسكو التي تمسك، إلى حد بعيد، بالأوراق العسكرية في سوريا، كما أنها تدير الدفة السياسية. وبما أن المعجزات استبعدت من حقل الممكن، فإن قمة برلين ليل أمس وقمة بروكسل اليوم «ستركزان على الأمر الأكثر إلحاحا»، وفق باريس، وهو الاهتمام بوضع حلب والضغط على روسيا من أجل تمديد الهدنة ومعالجة الأوضاع الإنسانية المأساوية بالاعتماد على نفوذ موسكو. وفي هذا السياق، لا تريد باريس ومعها على الأرجح برلين والعواصم الأخرى، أن يكون التركيز الإعلامي اليوم على الحرب على «داعش» في الموصل «سببا لتراجع الاهتمام» بمدينة حلب التي تريد باريس أن تبقى أولوية الأولويات؛ لأن ما يحصل فيها، كما قال الرئيس هولاند أمس: «لا يمكن السكوت عليه ولا القبول أو السماح به».
تقول المصادر الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، إن باريس «ماضية في استخدام الوسائل المتاحة كافة من أجل الضغط على روسيا»، رغم إجهاض مشروع القرار الذي قدمته مؤخرا إلى مجلس الأمن الدولي، والمطالب بوقف فوري لعمليات القصف وهدنة دائمة. لكن هذه الضغوط التي تريد باريس أن تستفيد بشأنها من التفاف أوروبي ودولي حولها لهدف إظهار «عزلة» موسكو، ستبقى «سياسية»، ويستبعد أن تصل إلى مرحلة فرض عقوبات اقتصادية جدية. وبرز ذلك خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين الماضي في لوكسمبورغ، حيث عارضت بلدان أوروبية هذا التوجه. لكن الجديد أن ألمانيا وهي الطرف الأكثر تأثيرا في اتخاذ القرارات داخل الاتحاد، بدأت بتغيير موقفها، وأعلنت مستشارتها أول من أمس، أنه «لا يتعين استبعاد أي خيارات في سوريا»، الأمر الذي يذكرنا بما يقوله المسؤولون الأميركيون من أن «كل الخيارات بما فيها العسكرية، مطروحة على طاولة البحث».
وتعد إعادة وصل خيوط الحوار بين الرئيسين بوتين وهولاند بعد «الجفاء» الذي أصاب علاقاتهما، بسبب ما أحاط بزيارة الرئيس الروسي التي كانت مقررة إلى باريس، يوم أمس، وإلغائها عقب فرض باريس شروطا رفضتها موسكو، أولى نتائج قمة برلين. أما نتيجتها الثانية فهي الاستفادة من المناسبة لإيصال عدة رسائل مباشرة إلى الرئيس الروسي، المعروف عنه أنه يقيم علاقة احترام مع المستشارة الألمانية. فضلا عن ذلك، فإن قمة برلين تشكل إحدى المناسبات النادرة في الأسابيع والأشهر الأخيرة التي أثيرت بها المسألة السورية مع بوتين مباشرة ووجها لوجه. وإذا كان مرجحا لها ألا تقود إلى تغيرات ذات معنى في السياسة الروسية، فإن الغربيين ماضون في استخدام ما تيسر من أوراق. ولعل أكثرها إحراجا عندما يصدر التقرير النهائي عن اللجنة الأممية المشتركة الخاصة باستخدام الأسلحة الكيماوية من قبل النظام عامي 2014 و2015. وعندها سيعود الملف السوري مجددا إلى مجلس الأمن، وستكون روسيا في وضع صعب للدفاع عن النظام السوري. لكن الأساسي من المفاوضات يبدو في أمكنة أخرى وبين طرفين رئيسيين، هما واشنطن وموسكو، رغم رغبة الأولى في إشراك الأطراف الإقليمية، بعدما اعتمدت لسنوات «الثنائية» الدولية التي وصلت إلى طريق مسدود.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».