طه حسين يخاطب الإنجليز بـ «الوعد الحق»

كتابات تخاطب القارئ من كل العقائد والأديان

طه حسين - غلاف الكتاب
طه حسين - غلاف الكتاب
TT

طه حسين يخاطب الإنجليز بـ «الوعد الحق»

طه حسين - غلاف الكتاب
طه حسين - غلاف الكتاب

عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، صدرت في هذه الأيام ترجمة إنجليزية لكتاب الدكتور طه حسين «الوعد الحق»، من ترجمة د. محمد عناني أستاذ الأدب الإنجليزي بكلية الآداب جامعة القاهرة، صاحب الرصيد المرموق من الترجمات، من الإنجليزية وإليها، التي تشمل عشرين مسرحية لشكسبير، وملحمة ميلتون «الفردوس المفقود»، وقصيدة بايرون القصصية الطويلة «دون جوان».
«الوعد الحق» الذي صدر في 1949 واحد من كتابات طه حسين (1889 - 1973) الإسلامية التي تشمل «على هامش السيرة»، و«الشيخان»، و«الفتنة الكبرى»، و«مرآة الإسلام»، وغيرها. ويعمد عميد الأدب العربي هنا إلى تقديم طرف من تاريخ الإسلام في القرن الأول للهجرة (القرن السابع الميلادي) من منظور إنساني رحيب، يمكن أن يخاطب القارئ من كل العقائد والأديان، وذلك بما يحتويه من قيم إنسانية مشتركة وتوكيد لأقانيم التآخي والعدالة والخير. وطه حسين في هذا جزء من حركة فكرية أشمل عرفتها مصر في النصف الأول من القرن العشرين، ومثّلها - إلى جانب طه حسين - عباس محمود العقاد بعبقرياته الإسلامية، ومحمد حسين هيكل بكتابه «في منزل الوحي»، وإبراهيم المازني في كتابه «رحلة إلى الحجاز»، وأحمد حسن الزيات في توجهه العروبي الإسلامي على صفحات مجلة «الرسالة»، وأمين الخولي في كتاباته الرامية إلى تجديد الفكر الإسلامي ومناهج التفسير القرآني، وتوفيق الحكيم في مشاهده الحوارية عن حياة الرسول الكريم، وخالد محمد خالد بكتاباته التقدمية المستنيرة. يشترك هؤلاء الأدباء جميعا - مع أقران لهم من أجزاء أخرى في العالم العربي - في رحابة نظرتهم، وإدانتهم للتطرف المقيت، وتوكيدهم قيم التسامح والوسطية والاعتدال.
و«الوعد الحق» ليس عملا روائيا، وإنما هو صياغة لقطاع من التاريخ بأسلوب قصصي ينحو نحو الدرامية حينا، وذلك حين يصور الصراع في نفس الفرد بين المعتقدات القديمة والدين الجديد، أو المحاورات بين المشركين والمؤمنين، أو أحداثا تاريخية مثل محاولة أبرهة الحبشي ملك الحبشة هدم الكعبة المشرفة وحبوط عمله. ويقدم طه حسين هذه المواقف كلها بقلم الأديب الفنان، والباحث التاريخي المدقق، والبلاغة التي جعلت منه علما من أعلام النثر العربي يقف في صف واحد مع الجاحظ والتوحيدي وعبد الحميد الكاتب، وغيرهم من أئمة البيان عبر القرون.
وقد ترجم الدكتور محمد عناني كتاب طه حسين - وما أصعبها من مهمة - ترجمة بليغة تفي الأصل حقه، ووطأ للترجمة بمقدمة تعرف القارئ الأجنبي بالكتاب ومؤلفه، على أن في مقدمته أشياء جديرة بالتوقف، وربما بالمخالفة. يقول مثلا إنه ليس في المكتبة العربية أو الإنجليزية أي كتاب «جاد» عن طه حسين غير كتاب الدكتور جابر عصفور «المرايا المتجاورة»، وهو بذلك يتجاهل كتابين مهمين باللغة الإنجليزية: «طه حسين: مكانه من النهضة الأدبية المصرية» لبيير كاكيا (الناشر لوزاك، لندن، 1956)، وكتاب فدوى ملطي - دوجلاس «العمى والسيرة الذاتية» (مطبعة جامعة برنستون، 1988) عن طه حسين والأديب الهندي الكفيف فدمهتا. وفي اللغة العربية، هناك كتاب الأب يوحنا قلته عن طه حسين وأثر الثقافة الفرنسية في أدبه (دار المعارف، وهو في الأصل رسالة دكتوراه).
ويقول عناني إنه لم يترجم إلى الإنجليزية سوى الجزأين الأولين من كتاب «الأيام»، وكتاب «مستقبل الثقافة في مصر». والواقع أن الأجزاء الثلاثة مترجمة: الجزء الأول بعنوان «طفولة مصرية» (ترجمة: ا. ه. باكستون)، والجزء الثاني بعنوان «تيار الأيام» (ترجمة: هيلاري دايمنت)، والجزء الثالث بعنوان «طريق إلى فرنسا» (ترجمة: كنيث كراج). ويغفل عناني أعمالا أخرى ترجمت لطه حسين، مثل «المعذبون في الأرض» (ترجمة: منى الزيات، 1993)، و«دعاء الكروان» (ترجمة: ا. ب. الصافي، 1980)، و«أحلام شهرزاد» (ترجمة: مجدي وهبة، 1974). كذلك صدرت ترجمة لكتاب «أديب» ورواية «شجرة البؤس»، هذا غير الترجمات الفرنسية التي صدرت عبر السنين.
ويقول عناني إن المفكر المصري التقدمي سلامة موسى - الذي أشاع كلمة «الثقافة» ترجمة لكلمة Culture خلال العقود الأولى من القرن العشرين - كان متأثرا بـ«دائرة فينا» و«مدرسة فرانكفورت»، وهي دعاوى لا يقوم عليها دليل. والثابت أن سلامة موسى كان متأثرا بالفكر الاشتراكي الإنجليزي والجمعية الفابية، وبمفكرين وأدباء مثل برناردشو وه. ج. ولز، إلى جانب دارون وفرويد، ولكنه لم يكن يحمل أي آثار من الوضعية المنطقية التي روج لها فلاسفة فينا، ولا من فكر الباحثين الألمان ماكس هوركايمر وثيودور أدورنو، ممثلي «مدرسة فرانكفورت» وتنظيراتها الاجتماعية والسياسية والفلسفية، وتنقلها ما بين ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية في الفترة من 1930 إلى 1958.
ويبقى بعد ذلك أن كتاب طه حسين يزخر بصور حية من التاريخ خليقة أن تجد صدى في قلب كل قارئ وعقله، مثل تصويره المؤثر لعذاب المؤمنين من أوائل المسلمين على أيدي المشركين بزعامة أبي جهل، ورصده لمجتمع الجاهلية حيث الفجوة صارخة بين الأغنياء والفقراء، وبين الأحرار والأرقاء، ورسمه صورا فنية ناطقة لعمار بن ياسر وصهيب الرومي وبلال بن رباح وعبد الله بن مسعود، وغيرهم من أبطال تلك الملحمة التاريخية الكبرى. ومن خلفهم، تتخايل أشباح قيصر بلاد الروم وكسرى فارس ونجاشي الحبشة، مع لمحات عن موقعة بدر وحروب الردة وموقعة صفين. ويستخدم طه حسين نقلات زمنية في ثنايا القصة، كأن يرتد في الفصل التاسع أربعين عاما إلى الوراء كي يصف إغارة أبرهة على الكعبة، ثم ينتقل في الفصل التالي إلى ما أعقب ذلك من أحداث، ويقدم هذه الأحداث كلها على لسان راو أشبه بالجوقة الإغريقية التي تسرد وتصف وتعلق.

الوعد الحق
طه حسين
ترجمة د. محمد عناني
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب
القاهرة: 2016
Taha Hussein،
The Fulfilled Promise، translated with an introduction by M.M.Enani، General Egyptian Book Organization، Cairo، 2016



مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي
TT

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية، تناولت مفهوم الثقافة بالتساؤل عن معناها ومغزاها في ظل متغيرات عصر العولمة، وعرّجت على الدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة السعودية في تفعيل المعاني الإيجابية التي تتصل بهذا المفهوم، منها إبراز الهويَّة والتواصل مع الآخر.

كما أثارت المجلة في العدد الجديد لشهري نوفمبر (تشرين الثاني)، وديسمبر (كانون الأول) 2024 (العدد 707)، نقاشاً يرصد آفاق تطور النقل العام في الحواضر الكُبرى، في ضوء الاستعدادات التي تعيشها العاصمة السعودية لاستقبال مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام في الرياض».

وفي زاوية «بداية كلام» استطلعت المجلة موضوع «القراءة العميقة» وتراجعها في العصر الرقمي، باستضافة عدد من المشاركين ضمن النسخة التاسعة من مسابقة «اقرأ» السنوية، التي اختتمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي السياق نفسه، تطرّق عبد الله الحواس في زاوية «قول في مقال» إلى الحديث عن هذه «المسابقة الكشافة»، التي تستمد حضورها من أهمية القراءة وأثرها في حياتنا.

في باب «أدب وفنون»، قدَّم قيس عبد اللطيف قراءة حول عدد من أفلام السينما السعودية لمخرجين شباب من المنطقة الشرقية من المملكة، مسلطاً الضوء على ما تتناوله من هموم الحياة اليومية؛ إذ يأتي ذلك بالتزامن مع الموسم الخامس لـ«الشرقية تُبدع»، مبادرة الشراكة المجتمعية التي تحتفي بـ«الإبداع من عمق الشرقية».

وفي «رأي ثقافي»، أوضح أستاذ السرديات وعضو جائزة «القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، د. حسن النعمي، دور الجائزة في صناعة مشهد مختلف، بينما حلَّ الشاعر عبد الله العنزي، والخطّاط حسن آل رضوان في ضيافة زاويتي «شعر» و«فرشاة وإزميل»، وتناول أحمد عبد اللطيف عالم «ما بعد الرواية» في الأدب الإسباني، بينما استذكر عبد السلام بنعبد العالي الدور الأكاديمي البارز للروائي والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي. أما علي فايع فكتب عن «المبدع الميّت في قبضة الأحياء»، متسائلاً بصوت مسموع عن مصير النتاج الأدبي بعد أن يرحل صاحبه عن عالم الضوء.

في باب «علوم وتكنولوجيا»، تناولت د. يمنى كفوري «تقنيات التحرير الجيني العلاجية»، وما تعِد به من إمكانية إحداث ثورة في رعاية المرضى، رغم ما تنطوي عليه أيضاً من تحديات أخلاقية وتنظيمية. وعن عالم الذرَّة، كتب د. محمد هويدي مستكشفاً تقنيات «مسرِّعات الجسيمات»، التي تستكمل بالفيزياء استكشاف ما بدأته الفلسفة.

كما تناول مازن عبد العزيز «أفكاراً خارجة عن المألوف يجمح إليها خيال الأوساط العلمية»، منها مشروع حجب الشمس الذي يسعى إلى إيجاد حل يعالج ظاهرة الاحتباس الحراري. أما غسّان مراد فعقد مقارنة بين ظاهرة انتقال الأفكار عبر «الميمات» الرقمية، وطريقة انتقال الصفات الوراثية عبر الجينات.

في باب «آفاق»، كتب عبد الرحمن الصايل عن دور المواسم الرياضية الكُبرى في الدفع باتجاه إعادة هندسة المدن وتطويرها، متأملاً الدروس المستفادة من ضوء تجارب عالمية في هذا المضمار. ويأخذنا مصلح جميل عبر «عين وعدسة» في جولة تستطلع معالم مدينة موسكو بين موسمي الشتاء والصيف. ويعود محمد الصالح وفريق «القافلة» إلى «الطبيعة»، لتسليط الضوء على أهمية الخدمات البيئية التي يقدِّمها إليها التنوع الحيوي. كما تناقش هند السليمان «المقاهي»، في ظل ما تأخذه من زخم ثقافي يحوِّلها إلى مساحات نابضة بالحياة في المملكة.

ومع اقتراب الموعد المرتقب لافتتاح قطار الأنفاق لمدينة الرياض ضمن مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام»، ناقشت «قضية العدد» موضوع النقل العام، إذ تناول د. عبد العزيز بن أحمد حنش وفريق التحرير الضرورات العصرية التي جعلت من النقل العام حاجة ملحة لا غنى عنها في الحواضر الكبرى والمدن العصرية؛ فيما فصَّل بيتر هاريغان الحديث عن شبكة النقل العام الجديدة في الرياض وارتباطها بمفهوم «التطوير الحضري الموجّه بالنقل».

وتناول «ملف العدد» موضوعاً عن «المركب»، وفيه تستطلع مهى قمر الدين ما يتسع له المجال من أوجه هذا الإبداع الإنساني الذي استمر أكثر من ستة آلاف سنة في تطوير وسائل ركوب البحر. وتتوقف بشكل خاص أمام المراكب الشراعية في الخليج العربي التي ميَّزت هذه المنطقة من العالم، وتحوَّلت إلى رمز من رموزها وإرثها الحضاري.