جماعة «جند الأقصى» حالة لافتة على الساحة الراديكالية في سوريا

أسسها عبد العزيز القطري كفصيل «مستقل» عام 2013

عناصر من جند الأقصى («الشرق الأوسط»)
عناصر من جند الأقصى («الشرق الأوسط»)
TT

جماعة «جند الأقصى» حالة لافتة على الساحة الراديكالية في سوريا

عناصر من جند الأقصى («الشرق الأوسط»)
عناصر من جند الأقصى («الشرق الأوسط»)

أدَّت الاشتباكات بين حركة «أحرار الشام» وجماعة «جند الأقصى» في شمال سوريا إلى مبايعة هذه الأخيرة لجبهة «فتح الشام» التي انفصلت أخيرًا عن «القاعدة». وهذه مبايعة قد يُقرأ بين سطورها جملة من الأمور من بينها السعي إلى إعادة تمركز الساحة المسماة بـ«الجهادية» في سوريا وتوحّد المجموعات المتشددة الصغيرة على المدى البعيد.
يوم 10 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري أعلنت «جبهة فتح الشام» وحركة «أحرار الشام» عن نص الاتفاق النهائي فيما يتعلق بالقتال الذي دار مؤخرًا بين «الأحرار» ومن معها من الفصائل من جهة، وتنظيم «جند الأقصى» من جهة أخرى. ودفعت هذه المعارك «جبهة فتح الشام» إلى التدخل عبر مفاوضات، سعيًا لإنهاء القتال وضم جماعة «جند الأقصى» إلى صفوفها.
ولقد تضمن الاتفاق أن يلتزم الجميع بالوقف الفوري والمباشر لإطلاق النار وفتح جميع الطرق المغلقة، إضافة إلى الإفراج الفوري عن جميع المحتجزين خلال 24 ساعة، باستثناء من عليه دعاوى ارتباط بتنظيم داعش الإرهابي المتطرف. كذلك نص الاتفاق على تشكيل لجنة قضائية مؤلفة من قاضيين من «جبهة فتح الشام» وآخرين من «أحرار الشام» والفصائل التي معها، وخامس مستقل، وذلك للنظر في الدعاوى المقدمة من أي طرف، وتجتمع اللجنة خلال مدة أقصاها 48 ساعة.
وأشار الاتفاق، إلى اعتبار بيعة «جند الأقصى» لجبهة «فتح الشام»، حلاً لـ«جند الأقصى»، واندماجًا كاملاً في «فتح الشام»، منوهًا إلى أن هذا الأمر «يعني منع إعادة تشكيل هذا الكيان مستقبلاً بأي شكل أو مسمى جديد». وأخيرًا أكد الاتفاق على أن يعود الوضع في بلدة سرمين بريف محافظة إدلب، في شمال غربي سوريا، إلى ما كان عليه قبل الحوادث الأخيرة، وتتولى «فتح الشام» إدارة الحواجز التي كانت لجماعة «جند الأقصى»، وتخضع المناطق الأخرى للاتفاق المبرم بين الطرفين.
* الصفقة بعد القتال
أتت هذه الصفقة – كما سبقت الإشارة – في أعقاب اشتباكات دامية بين «جند الأقصى» و«أحرار الشام» دارت لعدة أيام متتالية في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في الشمال السوري. وكانت سلسلة المعارك هذه قد اندلعت عندما حاول «جند الأقصى» اختطاف ضابط أمن من «أحرار الشام» في بلدة سراقب بمحافظة إدلب. وأسفرت هذه العملية بالذات عن مقتل شقيقه وزوجته، كما أصيب شخص آخر وهو في حالة حرجة. ومباشرة بعد ذلك، تفجّرت المعارك في محافظة إدلب بين «أحرار الشام» و«جند الأقصى» وكذلك في محافظة حماه، وخلّفت، وفقا لمصادر محلية، مئات الجرحى وعشرات القتلى من الجانبين، بما في ذلك قادة تجمع «أحرار الشام».
* ما هي «جند الأقصى»؟
تعتبر «جند الأقصى» جماعة راديكالية تضم مقاتلين أجانب وسوريين، وهي تنشط ميدانيًا في المقام الأول على جبهات محافظتي إدلب وحماه بشمال غربي سوريا. وحسب المعلومات المتوافرة، أنشئت هذه الجماعة أصلا كمجموعة مستقلة ظاهريًا في أوائل عام 2013، واختارت في بداياتها أن تلتزم الحياد في النزاع الذي دار بين «جبهة النصرة» و«داعش». ووفق الشيخ حسن دغيم، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» فإن جماعة «جند الأقصى» - التي أسست عام 2013 - اختارت ألا تلتحق لا بـ«جبهة النصرة» ولا بـ«داعش». أما الشخصية التي كانت وراء تأسيس هذه الجماعة فهي الشيخ عبد العزيز القطري، الذي قاتل مع تنظيم القاعدة في أفغانستان وكان مقرّبًا من زعيمي «القاعدة» أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.
ووفق المعلومات تندرج آيديولوجية «جند الأقصى» ضمن معسكر التشدد الراديكالي وتعكس رؤية القطري. وراهنًا «الأمير» الحالي لهذه الجماعة هو أبو ذر النجدي الحارثي، السعودي الجنسية الذي سبق أن اعتقل في المملكة العربية السعودية لفترة، قبل أن يسافر إلى سوريا. كما تستعين جماعة «جند الأقصى» أيضا بشخص يطلق على نفسه اسم «ابن تيمية» لاتخاذ القرارات الحاسمة. وهنا، يشير خبير إسلامي - تحدث لـ«الشرق الأوسط» شريطة التكتم على هويته – إلى أن «جند الأقصى» عبارة عن جماعة «تكفيرية قريبة آيديولوجيًا إلى داعش».
* هوية الجماعة دينيًا
تركِّز الدعاية التي تنشرها جماعة «جند الأقصى» على ضرورة التديّن سنيًّا لمقاومة ما تسميه «دولة بشار» وحماية ما تصفه بـ«الأمة السنّية» في سوريا والعراق واليمن. وهذا الخطاب ينسجم مع المطالبات التاريخية الراديكالية المتشددة للتوحّد في مواجهة الاضطهاد الديني والقمع الذي تمارسه بعض الحكومات في العالم الإسلامي. والظاهر أن جماعة «جند الأقصى» لا توجِّه أجندتها القتالية ضد الغرب، بل هي تركّز من ذلك على ضرورة القتال في سوريا قبل كل شيء.
من جهة أخرى، تشير لبنى مرية في مقال نشر من مركز الأبحاث الأميركي المجلس الأطلسي، أنه «خلافًا لأحرار الشام، لا تعتبر جماعة (جند الأقصى) نفسها جزءًا من الانتفاضة السورية ضد استبداد نظام الأسد. فهي مثل جبهة النصرة وداعش، لا تعترف بسوريا ككيان وطني، ولكن كجزء من خلافة أكبر وقد استفادت من الحرب لتحقيق حلمها هذا».
وفي عام 2015، التحقت جماعة «جند الأقصى» بـ«جيش الفتح»، وهو التحالف المسلّح الواسع الذي ضم «جبهة النصرة»، وساعد على كسب معارك رئيسية في شمال غربي سوريا. فخلال معركة مدينة إدلب مثلاً، فجّر عدد من الانتحاريين من تنظيم «جند الأقصى» أنفسهم في نقاط تفتيش تابعة لنظام الأسد، ما فسح المجال لمقاتلين آخرين بتوجيه ضربات قاضية أدت إلى تحرير إدلب على أيدي «جيش الفتح» في غضون أيام فقط.
ولكن مع هذا، في وقت لاحق من ذلك العام، انشقت «جند الأقصى» عن «جيش الفتح» بعد رفضها التوقيع على اتفاق لمكافحة «داعش»، ما أدى إلى اعتبار الجماعة و«داعش» بمثابة «إخوة وحلفاء». ومنذ ذلك الحين أيضا و«أحرار الشام» على خلاف مع «جند الأقصى».
* اختراق «داعشي»
وفي السياق نفسه، اتهمت مصادر في المعارضة الوطنية والإسلامية في سوريا جماعة «جند الأقصى» بإقامة علاقات مع «داعش»، وشنت هجومًا في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة. وعلى الرغم من أن معارضي «جند الأقصى» يتهمونها وما زالوا بخدمة أهداف «داعش» وزعيمها أبو بكر البغدادي، فإن قادتها لطالما عبروا عن ولائهم لتنظيم القاعدة، ففي 31 يونيو (حزيران)، أصدر «جند الأقصى» بيانا امتدح تحوّل «جبهة النصرة» إلى جبهة «فتح الشام» معتبرًا أن قادة «القاعدة» لا بد أن رأوا أن هذه الخطوة ستصب في «مصلحة» الناس والنضال في سوريا. ومع ذلك، يُعتقد أن العناصر العادية داخل «جند الأقصى» قد تدين بولائها لـ«داعش»، ولا سيما أنه انتشرت بعض الشائعات التي تحدثت عن تعرّض «جند الأقصى» لاختراق من «داعش» وذلك من أجل مهاجمة شخصيات «أحرار الشام» وغيرها داخل فصائل المعارضة. وفي هذا السياق، أظهر شريط فيديو بث أخيرًا مقاتلاً من «جند الأقصى» وهو يعترف باستهداف المعارضة بهجمات لحساب «داعش». ولقد زُعم أن عناصر من «جند الأقصى» شنوا بالفعل هجومًا بالتزامن مع مسلحي «داعش» لقطع الطريق السريع لفترة وجيزة بين مدينتي حلب وحماه عند بلدة خناصر في فبراير (شباط) الماضي، وأتت عمليات الإعدام التي نفذها «جيش الفتح» بحق بعض مقاتلي «جند الأقصى» في مدينة إدلب خلال يناير (كانون الثاني) بتهمة تنفيذ اغتيالات سياسية، لتظهر مدى تشكيك المعارضة السورية بعناصر هذه الجماعة المتطرفة.
في أي حال، من خلال الانضمام رسميًا إلى «فتح الشام»، تأمل جماعة «جند الأقصى» ومن يحالفونها الآن بوضع حد للاقتتال الدائر بين الفصائل المعارضة. وفي هذا السياق كان الدكتور عبد الله محمد محيسني، وهو رجل دين له تأثير كبير وعلى صلة بتنظيم القاعدة في سوريا، قد ادعى أنه ساعد في التوسط للتوصل إلى اتفاق.
ومن جهة ثانية، فإن وضع حد للأعمال العدائية بين «أحرار الشام» و«جند الأقصى»، ومن ثم انضمام هذه الأخيرة إلى «فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقًا) يسلط الضوء على تطورات الساحة القتالية الراديكالية في أراضي سوريا، وأيضًا على مدى واقعية «فتح الشام» التي تسعى إلى توحيد، بقدر المستطاع وبأي ثمن، مختلف قوى المقاتلين المعارضين الراديكاليين.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».