أدَّت الاشتباكات بين حركة «أحرار الشام» وجماعة «جند الأقصى» في شمال سوريا إلى مبايعة هذه الأخيرة لجبهة «فتح الشام» التي انفصلت أخيرًا عن «القاعدة». وهذه مبايعة قد يُقرأ بين سطورها جملة من الأمور من بينها السعي إلى إعادة تمركز الساحة المسماة بـ«الجهادية» في سوريا وتوحّد المجموعات المتشددة الصغيرة على المدى البعيد.
يوم 10 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري أعلنت «جبهة فتح الشام» وحركة «أحرار الشام» عن نص الاتفاق النهائي فيما يتعلق بالقتال الذي دار مؤخرًا بين «الأحرار» ومن معها من الفصائل من جهة، وتنظيم «جند الأقصى» من جهة أخرى. ودفعت هذه المعارك «جبهة فتح الشام» إلى التدخل عبر مفاوضات، سعيًا لإنهاء القتال وضم جماعة «جند الأقصى» إلى صفوفها.
ولقد تضمن الاتفاق أن يلتزم الجميع بالوقف الفوري والمباشر لإطلاق النار وفتح جميع الطرق المغلقة، إضافة إلى الإفراج الفوري عن جميع المحتجزين خلال 24 ساعة، باستثناء من عليه دعاوى ارتباط بتنظيم داعش الإرهابي المتطرف. كذلك نص الاتفاق على تشكيل لجنة قضائية مؤلفة من قاضيين من «جبهة فتح الشام» وآخرين من «أحرار الشام» والفصائل التي معها، وخامس مستقل، وذلك للنظر في الدعاوى المقدمة من أي طرف، وتجتمع اللجنة خلال مدة أقصاها 48 ساعة.
وأشار الاتفاق، إلى اعتبار بيعة «جند الأقصى» لجبهة «فتح الشام»، حلاً لـ«جند الأقصى»، واندماجًا كاملاً في «فتح الشام»، منوهًا إلى أن هذا الأمر «يعني منع إعادة تشكيل هذا الكيان مستقبلاً بأي شكل أو مسمى جديد». وأخيرًا أكد الاتفاق على أن يعود الوضع في بلدة سرمين بريف محافظة إدلب، في شمال غربي سوريا، إلى ما كان عليه قبل الحوادث الأخيرة، وتتولى «فتح الشام» إدارة الحواجز التي كانت لجماعة «جند الأقصى»، وتخضع المناطق الأخرى للاتفاق المبرم بين الطرفين.
* الصفقة بعد القتال
أتت هذه الصفقة – كما سبقت الإشارة – في أعقاب اشتباكات دامية بين «جند الأقصى» و«أحرار الشام» دارت لعدة أيام متتالية في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في الشمال السوري. وكانت سلسلة المعارك هذه قد اندلعت عندما حاول «جند الأقصى» اختطاف ضابط أمن من «أحرار الشام» في بلدة سراقب بمحافظة إدلب. وأسفرت هذه العملية بالذات عن مقتل شقيقه وزوجته، كما أصيب شخص آخر وهو في حالة حرجة. ومباشرة بعد ذلك، تفجّرت المعارك في محافظة إدلب بين «أحرار الشام» و«جند الأقصى» وكذلك في محافظة حماه، وخلّفت، وفقا لمصادر محلية، مئات الجرحى وعشرات القتلى من الجانبين، بما في ذلك قادة تجمع «أحرار الشام».
* ما هي «جند الأقصى»؟
تعتبر «جند الأقصى» جماعة راديكالية تضم مقاتلين أجانب وسوريين، وهي تنشط ميدانيًا في المقام الأول على جبهات محافظتي إدلب وحماه بشمال غربي سوريا. وحسب المعلومات المتوافرة، أنشئت هذه الجماعة أصلا كمجموعة مستقلة ظاهريًا في أوائل عام 2013، واختارت في بداياتها أن تلتزم الحياد في النزاع الذي دار بين «جبهة النصرة» و«داعش». ووفق الشيخ حسن دغيم، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» فإن جماعة «جند الأقصى» - التي أسست عام 2013 - اختارت ألا تلتحق لا بـ«جبهة النصرة» ولا بـ«داعش». أما الشخصية التي كانت وراء تأسيس هذه الجماعة فهي الشيخ عبد العزيز القطري، الذي قاتل مع تنظيم القاعدة في أفغانستان وكان مقرّبًا من زعيمي «القاعدة» أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.
ووفق المعلومات تندرج آيديولوجية «جند الأقصى» ضمن معسكر التشدد الراديكالي وتعكس رؤية القطري. وراهنًا «الأمير» الحالي لهذه الجماعة هو أبو ذر النجدي الحارثي، السعودي الجنسية الذي سبق أن اعتقل في المملكة العربية السعودية لفترة، قبل أن يسافر إلى سوريا. كما تستعين جماعة «جند الأقصى» أيضا بشخص يطلق على نفسه اسم «ابن تيمية» لاتخاذ القرارات الحاسمة. وهنا، يشير خبير إسلامي - تحدث لـ«الشرق الأوسط» شريطة التكتم على هويته – إلى أن «جند الأقصى» عبارة عن جماعة «تكفيرية قريبة آيديولوجيًا إلى داعش».
* هوية الجماعة دينيًا
تركِّز الدعاية التي تنشرها جماعة «جند الأقصى» على ضرورة التديّن سنيًّا لمقاومة ما تسميه «دولة بشار» وحماية ما تصفه بـ«الأمة السنّية» في سوريا والعراق واليمن. وهذا الخطاب ينسجم مع المطالبات التاريخية الراديكالية المتشددة للتوحّد في مواجهة الاضطهاد الديني والقمع الذي تمارسه بعض الحكومات في العالم الإسلامي. والظاهر أن جماعة «جند الأقصى» لا توجِّه أجندتها القتالية ضد الغرب، بل هي تركّز من ذلك على ضرورة القتال في سوريا قبل كل شيء.
من جهة أخرى، تشير لبنى مرية في مقال نشر من مركز الأبحاث الأميركي المجلس الأطلسي، أنه «خلافًا لأحرار الشام، لا تعتبر جماعة (جند الأقصى) نفسها جزءًا من الانتفاضة السورية ضد استبداد نظام الأسد. فهي مثل جبهة النصرة وداعش، لا تعترف بسوريا ككيان وطني، ولكن كجزء من خلافة أكبر وقد استفادت من الحرب لتحقيق حلمها هذا».
وفي عام 2015، التحقت جماعة «جند الأقصى» بـ«جيش الفتح»، وهو التحالف المسلّح الواسع الذي ضم «جبهة النصرة»، وساعد على كسب معارك رئيسية في شمال غربي سوريا. فخلال معركة مدينة إدلب مثلاً، فجّر عدد من الانتحاريين من تنظيم «جند الأقصى» أنفسهم في نقاط تفتيش تابعة لنظام الأسد، ما فسح المجال لمقاتلين آخرين بتوجيه ضربات قاضية أدت إلى تحرير إدلب على أيدي «جيش الفتح» في غضون أيام فقط.
ولكن مع هذا، في وقت لاحق من ذلك العام، انشقت «جند الأقصى» عن «جيش الفتح» بعد رفضها التوقيع على اتفاق لمكافحة «داعش»، ما أدى إلى اعتبار الجماعة و«داعش» بمثابة «إخوة وحلفاء». ومنذ ذلك الحين أيضا و«أحرار الشام» على خلاف مع «جند الأقصى».
* اختراق «داعشي»
وفي السياق نفسه، اتهمت مصادر في المعارضة الوطنية والإسلامية في سوريا جماعة «جند الأقصى» بإقامة علاقات مع «داعش»، وشنت هجومًا في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة. وعلى الرغم من أن معارضي «جند الأقصى» يتهمونها وما زالوا بخدمة أهداف «داعش» وزعيمها أبو بكر البغدادي، فإن قادتها لطالما عبروا عن ولائهم لتنظيم القاعدة، ففي 31 يونيو (حزيران)، أصدر «جند الأقصى» بيانا امتدح تحوّل «جبهة النصرة» إلى جبهة «فتح الشام» معتبرًا أن قادة «القاعدة» لا بد أن رأوا أن هذه الخطوة ستصب في «مصلحة» الناس والنضال في سوريا. ومع ذلك، يُعتقد أن العناصر العادية داخل «جند الأقصى» قد تدين بولائها لـ«داعش»، ولا سيما أنه انتشرت بعض الشائعات التي تحدثت عن تعرّض «جند الأقصى» لاختراق من «داعش» وذلك من أجل مهاجمة شخصيات «أحرار الشام» وغيرها داخل فصائل المعارضة. وفي هذا السياق، أظهر شريط فيديو بث أخيرًا مقاتلاً من «جند الأقصى» وهو يعترف باستهداف المعارضة بهجمات لحساب «داعش». ولقد زُعم أن عناصر من «جند الأقصى» شنوا بالفعل هجومًا بالتزامن مع مسلحي «داعش» لقطع الطريق السريع لفترة وجيزة بين مدينتي حلب وحماه عند بلدة خناصر في فبراير (شباط) الماضي، وأتت عمليات الإعدام التي نفذها «جيش الفتح» بحق بعض مقاتلي «جند الأقصى» في مدينة إدلب خلال يناير (كانون الثاني) بتهمة تنفيذ اغتيالات سياسية، لتظهر مدى تشكيك المعارضة السورية بعناصر هذه الجماعة المتطرفة.
في أي حال، من خلال الانضمام رسميًا إلى «فتح الشام»، تأمل جماعة «جند الأقصى» ومن يحالفونها الآن بوضع حد للاقتتال الدائر بين الفصائل المعارضة. وفي هذا السياق كان الدكتور عبد الله محمد محيسني، وهو رجل دين له تأثير كبير وعلى صلة بتنظيم القاعدة في سوريا، قد ادعى أنه ساعد في التوسط للتوصل إلى اتفاق.
ومن جهة ثانية، فإن وضع حد للأعمال العدائية بين «أحرار الشام» و«جند الأقصى»، ومن ثم انضمام هذه الأخيرة إلى «فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقًا) يسلط الضوء على تطورات الساحة القتالية الراديكالية في أراضي سوريا، وأيضًا على مدى واقعية «فتح الشام» التي تسعى إلى توحيد، بقدر المستطاع وبأي ثمن، مختلف قوى المقاتلين المعارضين الراديكاليين.
جماعة «جند الأقصى» حالة لافتة على الساحة الراديكالية في سوريا
أسسها عبد العزيز القطري كفصيل «مستقل» عام 2013
جماعة «جند الأقصى» حالة لافتة على الساحة الراديكالية في سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة