قال مراقبون إن تحالفات المعتدلين مقابل أنصار «القاعدة» في الشمال السوري، تهدد بـ«صدام مبكر» بين الفصائل هناك. وقضى الاتفاق الأخير بين «حركة أحرار الشام» الإسلامية وجبهة «فتح الشام» بخصوص تنظيم «جند الأقصى»، أن تعتبر «بيعة جند الأقصى لجبهة فتح الشام حلاً لكيان جند الأقصى واندماجًا له في جبهة فتح الشام، وهذا يفضي إلى منع تشكيل جند الأقصى مجددًا في المستقبل»، وذلك إثر الاقتتال بين «الأحرار» و«جند الأقصى» الذي تواصل أمس.
وعلى الرغم من الاتفاق على حلّ «جند الأقصى»، فإن اندماج التنظيم الأخير مع «فتح الشام» (جبهة النصرة سابقًا)، أظهر انقسامًا بين تيارين في فصائل المعارضة السورية شمال البلاد، هما التيار المتشدد، والتيار المعتدل الذي يمثله 50 تنظيمًا معتدلاً يدعمون حركة «أحرار الشام» الإسلامية، التي تواصل معاركها في الشمال، وسط معلومات عن «قرار واضح لدى الفصائل المعتدلة باستئصال تنظيم جند الأقصى» الذي تحوم حوله شبهات بتنفيذ عمليات اغتيال بحق قياديين في «أحرار الشام»، وبالعلاقة السرية مع تنظيم داعش، قبل تحالفه مع «النصرة».
غير أن عملية الاستئصال لا ينظر إليها المعارضون على أنها ستنجح بسهولة، «فمن الممكن أن تتعثر إذا استمرت فتح الشام بتوفير الحماية لجند الأقصى على ضوء تحالفهما»، كما يقول المراقبون لشأن الفصائل. كما أنه من شأن هذه الحماية أن «تخلق مشكلات كثيرة مع فصائل المعارضة المعتدلة وتبكّر بحرب بين الطرفين المعتدل والمتشدد، وتؤثر على تحالف «جيش الفتح» الذي يجمع معتدلين ومتشددين لضرورات القتال ضد النظام السوري بريف حلب الجنوبي وإدلب وريف حماه.
وقضى الاتفاق الأخير، أن يعود الوضع في مدينة سرمين بريف حماه إلى ما كان عليه قبل الاقتتال، مع تسلم جبهة فتح الشام لإدارة حواجز جند الأقصى فيها، وأن تخضع المناطق الأخرى لهذا الاتفاق، وأن يجري سحب القوات المحتشدة عندما تطلب اللجنة القضائية وتعلن بدء إجراءات القضاء بشكل جدي.
ولم تلقَ مبايعة «جند الأقصى» لجبهة «فتح الشام»، بهدف تجاوز الاقتتال بينه وبين حركة «أحرار الشام»، قبولاً لدى فصائل المعارضة المعتدلة، إذ فتح الباب على استقطابات وتحالفات عريضة في وجه هذا الاندماج. وحمّلت فصائل المعارضة المعتدلة والفصائل الإسلامية المعتدلة جبهة «فتح الشام» مسؤولية حماية التجمّع المعروف بقربه من تنظيم داعش، ومحاولة تجنيبه تبعات عمليات التصفية والاغتيال لعدد من قيادات «الفصائل الثورية».
ولم ينفِ الباحث السوري المعارض عبد الرحمن الحاج، أن تبعات هذا الاندماج «خطيرة»، وأنه ولّد «انقسامًا وجبهتين متقابلتين في شمال البلاد»، موضحًا في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن المشكلة المتوقعة «مرتبطة بأمرين»، أولهما أن «فتح الشام»، التي تمثل «العمود الفقري للتنظيمات المتطرفة، ليست لديها الثقة الكافية بالتنظيمات الأخرى، فبوجود مهاجرين بين مقاتليها، لا تبدو التوجهات الوطنية لدى المعارضين السوريين مريحة بالنسبة لها، ما يدفع فتح الشام للتعاطي مع التنظيمات الأخرى بمنطق تكتيكي مرتبط بالمعارك، وليس بمنطق استراتيجي، نظرًا إلى أنه لا مشترك بينهم».
وقال الحاج إن «فتح الشام» تعاني من مخاوف على ضوء الضغوط الدولية والمحلية عليها، وباتت «تحسب حساب المستقبل»، لذلك «تحاول أن تكون ملاذًا آمنًا لكل المتشددين والفصائل التي تتقاسم معها الآيديولوجيا»، لافتًا إلى أن «جند الأقصى» يمثل ثاني أكبر الفصائل العسكرية المتشددة في الشمال، بعد فتح الشام، ويتقاسمان الولاء لفكر تنظيم القاعدة، وكانا حلفاء قبل انشقاق «الجند» عن «النصرة»، على ضوء الخلافات بين النصرة و«داعش»، مشيرًا إلى أن فتح الشام «وجدت اليوم الفرصة الذهبية لتأمين الحماية لجند الأقصى واستقطابهم». وقال إن طلب الحماية «هو المعنى الوحيد للاندماج، ليتجنب الأقصى النتائج الوخيمة بتصفيتهم، وهي المترتبة على شبهات حول ضلوع أعضاء منها بتنفيذ اغتيالات ضد قياديين في فصائل معارضة بينها أحرار الشام». ويتصدر دافع «الحماية»، رؤية المعارضين. ويقول الباحث السوري المعارض أحمد أبا زيد، إن «انضمام جند الأقصى إلى جبهة فتح الشام، ليس إلا محاولة من الأول لحماية نفسه بعد المعارك التي خاضها مع (أحرار الشام) وعمليات الاغتيال والتصفية لقيادات في الجيش الحر».
وأكد أبا زيد لـ«الشرق الأوسط»، أن «محاولة جبهة (فتح الشام) حماية تجمع (جند الأقصى) عقّد الموقف، وفتح الباب على تحالفات جديدة واستقطاب للفصائل»، كاشفًا أن «عشرات الفصائل تحالفت مع (أحرار الشام) وعلى رأسها الجيش الحرّ و(جيش الإسلام) و(صقور الشام) و(فيلق الشام) وغيرها». وقال: «من الواضح أن هذا الاندماج هدفه حماية (جند الأقصى) من العقاب على الاغتيالات التي نفذها بحق كوادر وقيادات من (أحرار الشام) والجيش الحر، وبعض عناصر (جند الأقصى) اعترفوا باغتيال قياديين في الثورة مثل مازن قسوم القيادي في (فيلق الشام)».
غير أن بروز معسكرين «من شأنه أن يضعف غرفة عمليات جيش الفتح، ذلك أن معظم الفصائل تدعم أحرار الشام ضد الأقصى، وهذا الأمر سيؤثر على عدد من الجبهات ضمن نطاق عمليات جيش الفتح». وقال الحاج: «ما يظهر أن جبهة فتح الشام، تولي أهمية لمصالحها تتخطى مصلحة الفصائل»، لافتًا إلى أن «هناك عددًا كبيرًا من المقاتلين الأجانب (المهاجرين)، لهم روابط بجند الأقصى، تجعل منطق حماية جند الأقصى من قبل فتح الشام أقرب، إضافة إلى مكاسب تطمح إليها فتح الشام على المدى البعيد، وهي حاجتها إلى قوة بشرية أكبر تعوض الاستنزاف اللاحق بها والاستحواذ على مكاتب الأقصى ومناطق انتشاره».
لكن الخسائر بنظر الحاج أكبر، أهمها «سوء العلاقة مع الفصائل المعتدلة، والتداعيات على تحالف جيش الفتح». ورأى أن التحالفات الجديدة التي أدت إلى انقسام بين جناح القاعدة والجناح المعتدل «ستؤدي إلى إضعاف الفصائل وزيادة الشك وإمكانية الاصطدام المبكر بين الجناحين، على خلاف ما كان متوقع قبل الآن، وخصوصا أن العمليات ضد الأقصى لا تزال مستمرة حتى اليوم».
بدوره، أكد أبا زيد أن «التحالفات الجديدة لها دلالات كبيرة على مستقبل التعاطي مع جبهة (فتح الشام)، لكن بالتأكيد ليست الآن في مجال فتح مواجهة عسكرية معها، لكن هذا الاستقطاب سيشكّل ضغطًا على (فتح الشام) للعودة عن قرار ضم (جند الأقصى) وحمايته، وخصوصا أن الأخير معروف بارتباطه وعلاقته العضوية بتنظيم داعش».
اتفاق يحل «جند الأقصى» لتجنيب الشمال السوري اقتتال المعارضين
خبراء: تحالفات المعتدلين مقابل أنصار «القاعدة» تهدد بـ«صدام مبكر» بين الفصائل
اتفاق يحل «جند الأقصى» لتجنيب الشمال السوري اقتتال المعارضين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة