الإسبان على موعد مع تحديد مسارهم السياسي نهاية هذا الشهر

ملك إسبانيا سيدعو الأحزاب مجددًا لبحث تشكيل حكومة

الإسبان على موعد مع تحديد مسارهم السياسي نهاية هذا الشهر
TT

الإسبان على موعد مع تحديد مسارهم السياسي نهاية هذا الشهر

الإسبان على موعد مع تحديد مسارهم السياسي نهاية هذا الشهر

لا شك أن السياسة الإسبانية الحالية أصبحت تواجه معضلة ضخمة، وهي أن البلاد ما زالت تعيش وسط غياب حكومة منتخبة. الإسبان ذهبوا إلى مراكز الاقتراع مرتين متتاليتين منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي في الانتخابات التشريعية، التي، حتى الآن، لم يستطع الساسة حسم مواقفهم وتكوين حكومة بشكل كامل.
ملك إسبانيا أعلن أنه سيدعو الأحزاب الإسبانية في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الحالي للحضور إلى القصر الم
لكي، وذلك لبحث المواقف السياسية من الأحزاب المختلفة داخل المعادلة السياسية الإسبانية لدراسة الموافقة على تولي الحزب الشعبي زمام الأمور وقيادة البلاد، إلا أن الحزب الاشتراكي وهو المعارض التقليدي للحزب الشعبي والحاكم سابقا لا يريد هذا المسار.
الإسبان أصبحوا في حالة إنهاك من العملية الانتخابية، وذلك لذهابهم لصناديق الاقتراع مرتين (ديسمبر الماضي وأبريل/ نيسان الماضي) وهو الشيء الذي لم يحسم بعد العملية السياسية في البلاد. الحزب الشعبي فاز في الانتخابات في المرات السابقة ولكن دون وجود أغلبية لازمة داخل البرلمان لتمكينه من حكم البلاد، إلى الآن تكوين الحكومة في إسبانيا يحتاج إلى أغلبية برلمانية وغالبية كبرى لمقاعد البرلمان حتى يتسنى للحزب الفائز تكوين الحكومة، لكن الواقع الإسباني الحالي مغاير تماما لذلك؛ إذ إن الحزب الاشتراكي (غريم الحزب الشعبي) وأحزابًا جديدة مثل ثيودادانوس أو غيرها ليست على وفاق لتشكيل حكومة ائتلافية.
وبالفعل أجرى القائم بأعمال الحكومة الحالية ماريانو راخوي وهو زعيم الحزب الشعبي كثيرًا من الاتصالات مع الأحزاب الأخرى، وأخفق في كل مرة منذ نحو عام تقريبا للوصول للتوافق السياسي أو حتى الحكم، وهو ما أدخل البلاد في حالة من الفراغ السياسي مما شكل معضلة وسابقة في تاريخ الديمقراطية الإسبانية، فلم يحدث من قبل أن تتعثر العملية السياسية الإسبانية بهذا الشكل.
ما يزيد المشهد تعقيدا الآن هو أن الأحزاب السياسية الإسبانية ستتم دعوتها لزيارة قصر الملك في الفترة بين الرابع والعشرين والخامس والعشرين من الشهر الحالي، وذلك لبحث سبل تشكيل الحكومة في مسعى أخير من الملك في إطار الدستور الإسباني لإنقاذ البلاد وتشكيل حكومة، ولكن في حال فشلت الأحزاب في التوافق فيما بينها سيكون على الإسبان مواجهة انتخابات تشريعية للمرة الثالثة خلال عام واحد في سابقة تاريخية في مسار السياسة الإسبانية، وهو ما أسهم في تعطيل الحياة السياسية في البلاد لنحو عام حتى الآن ووجود رئيس الحكومة الأسبق التابع للحزب الشعبي كقائم بأعمال الحكومة الحالية.
وسيكون 31 أكتوبر الحالي هو آخر موعد للأحزاب السياسية الإسبانية، كما أنه سيكون اليوم الذي سيعلن فيه عن موعد جديد لانتخابات تشريعية، حال الإخفاق في تحقيق التوافق السياسي.
الجدير بالذكر أن المشهد السياسي الإسباني تغير في السنوات الأخيرة بعد تغير الخريطة السياسية في البلاد، إذ إنه تقليديًا كان هناك حزبان يسيطران على المشهد السياسي، وهما الحزب الشعبي والمعروف اختصارا باسم بي بي (PP) والحزب الاشتراكي المعروف اختصارًا باسم بيسوي PSOE))، إلا أن دخول أحزاب جديدة للمشهد السياسي والحركات الشبابية مثل الزعيم اليساري بابلو ايغليسياس زعيم حزب بوديموس وصعود نجمه في السياسة الإسبانية واستقطابه للشباب الإسباني غير من خريطة توزيع الأصوات الانتخابية، وأسهم في أن يستحوذ الحزب الجديد على عدد ليس بالهين من الأصوات، التي أخذت من نصيب الأحزاب التقليدية ليزداد المشهد تعقيدا في واقع سياسي أصبح فيه الناخب الإسباني يشكك في نيات الأحزاب التقليدية لحكم البلاد وسط أزمات سياسية واقتصادية تعصف بإسبانيا خاصة، وبالاتحاد الأوروبي عامة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟