استمالة أصوات الأقليات.. محرّك الحملات الانتخابية في سباق البيت الأبيض

كلينتون تحظى بدعم الأميركيين الأفارقة والجاليتين المسلمة واليهودية

المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون ومنافسها الجمهوري دونالد ترامب بعد انتهاء أول مناظرة رئاسية بنيويورك في 26 سبتمبر الماضي (أ.ب)
المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون ومنافسها الجمهوري دونالد ترامب بعد انتهاء أول مناظرة رئاسية بنيويورك في 26 سبتمبر الماضي (أ.ب)
TT

استمالة أصوات الأقليات.. محرّك الحملات الانتخابية في سباق البيت الأبيض

المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون ومنافسها الجمهوري دونالد ترامب بعد انتهاء أول مناظرة رئاسية بنيويورك في 26 سبتمبر الماضي (أ.ب)
المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون ومنافسها الجمهوري دونالد ترامب بعد انتهاء أول مناظرة رئاسية بنيويورك في 26 سبتمبر الماضي (أ.ب)

تحتل قضية التمييز ضد الأقليات العرقية والدينية مكانة محورية في السباق الانتخابي إلى البيت الأبيض، إذ يسعى كل من الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون إلى استمالة أصوات هذه الأقليات، التي تتعدد وتتشابك وتتباين في مواقفها من كليهما.
وتعد الولايات المتحدة الأميركية من أكثر الدول تنوعا من حيث الأعراق والأديان، وتتمتّع بوجود دستور يحمي هذا الخليط العرقي والديني. وقد تشكلت الولايات المتحدة من موجات مهاجرين قبل قرنين، كما تلقّب بـ«بلاد الفرص» لما امتازت به من توفير فرص العيش والتعليم والعمل للجميع.
ووفقًا لمكتب الإحصاء الأميركي، يتوقع أن يزيد عدد المواطنين الأميركيين عن 325 مليون نسمة مع مطلع شهر الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016. ووفقا للإحصاءات الأخيرة وتوزيعها، يشكل الأميركيون ذوو البشرة البيضاء الغالبية العظمى من سكان الولايات المتحدة بنسبة 77.1 في المائة. أما الأقليات العرقية، فتشير الإحصائيات إلى أن السود أو الأميركيين من أصل أفريقي يشكّلون نسبة 13.3 في المائة، بينما يشكل ذوو الأصول اللاتينية - الملقبون بالهيسبانك - نسبة 17.6 في المائة. أما الآسيويون، فيشكلون ما يقارب 5.6 في المائة. أما الهنود الحمر، فيشكلون نسبة 1.2 في المائة، بينما يتشكل 2.6 في المائة من المواطنين من خليط من اثنتين أو أكثر من هذه الأقليات.
أما العرب الأميركيون، فلا يزالون يحتسبون ضمن «ذوي البشرة البيضاء» في الإحصائيات الأميركية، رغم أنهم أقلية يقدر عددها بـ3.7 مليون شخص.
على صعيد الأقليات الدينية، تشير الإحصائيات إلى أن المسلمين يشكلون تقريبا 1 في المائة من إجمالي سكان الولايات المتحدة، بينما يشكل اليهود 2 في المائة من السكان. وجدير بالذكر أن ولايات تكساس وكاليفورنيا ونيومكسيكو وهاواي هم الأربع ولايات التي تشكل فيها الأقليات العرقية بأنواعها الأغلبية من سكانها.
لا شك أن لهذه الأرقام دورًا كبيرًا، بل مصيريًا، في تحديد سير الانتخابات الأميركية الحالية والصراع بين المرشحين. كلاهما يسعى لكسب أكبر عدد من أصوات هذه الأقليات، وذلك بالتركيز على القضايا التي تمسّهم بشكل خاص، ومن أهمّها قضايا الهجرة والتمييز العرقي من جهات القانون، خصوصا تلك التي تستهدف السود والعرب على وجه الخصوص. وتلعب المناظرات الرئاسية دورا مهمًا. إما في جذب أو تنفير هذا الأقليات في التصويت لصالح مرشح معيّن.
ويملك المرشّح الجمهوري دونالد ترامب تاريخا حافلا من التعليقات المثيرة للجدل لما تتضمنه من عنصرية صريحة. فقد وعد ترامب ببناء جدار يفصل الولايات المتحدة عن المكسيك لمنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى البلاد، مؤكدا أنّه سيحمّل المكسيك تكاليف بناء هذا الجدار. ولم تتوقف تعليقات ترامب العنصرية لذوي الأصول اللاتينية عند هذا الحد، بل استمر واصفا المهاجرين المكسيكيين الموجودين في الولايات المتحدة بالمغتصبين وتجار المخدرات والمجرمين.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن ذوي الأصول اللاتينية يعتبرون موضوع الهجرة مشكلة رئيسية، بالإضافة إلى مواضيع أخرى كالصحة والتعليم والأمن القومي. وتشير الاستطلاعات أيضًا إلى أن المرشحة كلينتون تحظى بشعبية أكبر لدى هذه الجالية مقارنة بالمرشح ترامب.
ويشكّل العدد السكاني الكبير لهذه الأقلية مصدر قلق دائم للحزب الجمهوري، وذلك لتاريخهم في تفضيل الحزب الديمقراطي بفارق شاسع في التصويت ولزيادة تعدداهم السكاني بشكل كبير في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الانقسام بين أوساط هذه الأقليات واضحًا، خصوصًا بين اللاتينيين المهاجرين واللاتينيين المولودين في الولايات المتحدة. إذ يشكل المهاجرون الذين يفضلون أو يميلون أكثر إلى كلينتون نسبة 87 في المائة، بينما من يفضلون أو يميلون لترامب تبلغ نسبتهم 13 في المائة من مصوتي هذه الأقلية. أما اللاتينيون المولودون في الولايات المتحدة، فاتجاههم ونظرتهم نحو ترامب وكلينتون مشابه لاتجاه عامة المواطنين الأميركيين، ونسبة المؤيدين لكلينتون تبلغ بينهم 43 في المائة، و29 في المائة ممن يفضلون ترامب.
يرى المحللون أن هذه الاستطلاعات مصدر قلق للمرشح الجمهوري دونالد ترامب، لما يتطلبه من محاولة جبارة لكسب ود هذه الأقلية قبل تاريخ الاقتراع الشهر المقبل. وعلى الرغم من الإشادة الأخيرة من ترامب بالأقلية الأفريقية - الأميركية، لما أسهموا فيه من تضحيات للولايات المتحدة، إضافة إلى زيارته لكنيسة للسود في ولاية ميشيغان لكسب ودهم، لم يسلم السود من التعليقات العنصرية والساخرة التي يستمر في ترديدها.
واتهم ترامب الحزب الديمقراطي بالفشل لأكثر من خمسين عاما في حل مشكلات الأقلية السوداء، واصفًا وضعهم الاجتماعي بالفقر وارتفاع معدل الجريمة وسوء وضع المدارس. ويشير أكثر من استطلاع للرأي إلى أن الأقلية السوداء تفضل المرشحة كلينتون بشكل شاسع، إذ إن نسبة من يفضلون ترامب من السود تمثل رقما أحاديا مقارنة بنسب فاقت الـ80 في المائة للمرشحة كلينتون. وبهذا يبدو أن فرص ترامب لعكس هذا التوجه باتت شبه مستحيلة.
أما بالنسبة للأقلية الآسيوية في الولايات المتحدة، فهي أيضًا ما زالت تميل للحزب الديمقراطي كما كانت بالانتخابات الماضية. تشير استطلاعات الرأي إلى أن الآسيويين الأميركيين لا يمثلون سوى 4 في المائة من المواطنين الذين لهم أحقية التصويت هذا العام، بزيادة 12 في المائة عن الانتخابات الماضية.
أما بالنسبة لعرب أميركا، فإنهم يميلون أكثر للتصويت للمرشحة الديمقراطية كلينتون حسب استطلاعات الرأي. تصريحات ترامب ضد المسلمين، بما يشمل منعهم من دخول أميركا وتصريحات أخرى تخص الهجرة وإغلاق مساجد، نفرت هذه الأقلية من الحزب الجمهوري. ويشير الاستطلاع أيضًا إلى أن نسبة 53 في المائة من المصوتين المسلمين يفضلون أو يميلون إلى كلينتون مقارنة بـ13 في المائة ممن يفضلون أو يميلون إلى ترامب. أما الجالية اليهودية في أميركا، فكانت وما زالت تدعم الحزب الديمقراطي بقوة. في استطلاع رأي قامت به لجنة يهود أميركا يظهر أن كلينتون ستحظى بثلاثة أضعاف أصوات اليهود التي سيحصل عليها ترامب.
إجمالاً، تشير استطلاعات الرأي إلى أن توجهات وتفضيلات الأقليات العرقية والدينية في أميركا لسباق الرئاسة الحالي تدعم المرشحة الديمقراطية كلينتون بفارق شاسع عن المرشح الجمهوري ترامب، رغم التفاوتات بين مختلف الأقليات.



لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.