«3 آلاف ليلة» تكملة لمسيرة المخرجة الفلسطينية مي المصري

الفيلم نال الجائزة الأولى في مهرجان مالمو الأخير

لقطة من «3 آلاف ليلة»
لقطة من «3 آلاف ليلة»
TT

«3 آلاف ليلة» تكملة لمسيرة المخرجة الفلسطينية مي المصري

لقطة من «3 آلاف ليلة»
لقطة من «3 آلاف ليلة»

لم تكن هناك مفاجأة كبيرة وراء نيل فيلم «3 آلاف ليلة» الجائزة الأولى في مهرجان مالمو الذي انتهت أعماله في الرابع من هذا الشهر. فالفيلم جيد في عموم نواحيه، وهو استفاد من حقيقة أن أحد أكثر المعجبين به هو الناقد إبراهيم العريس الذي اشترك في عضوية لجنة التحكيم هذه السنة بجانب كل من المخرج المصري عمر عبد العزيز والسيناريست المغربية فاطمة الوكيلي.
إنه فيلم المخرجة الفلسطينية مي المصري الروائية الأولى بعد عقود أمضتها في إطار السينما التسجيلية. والفيلم شارك في كثير من المهرجانات الإقليمية والعالمية امتدت من مهرجان تورنتو وبوسان (كوريا الجنوبية) ولندن وستوكهولم ومومباي إلى دبي وبالم سبرينغز وسياتل وسيدني وميونيخ وصولاً إلى مالمو.
الفيلم الذي ينقلنا إلى داخل سجن إسرائيلي فيه معتقلات فلسطينيات بينهن زوجة أنجبت هناك وتم فصل ابنها عنها بعد ثلاث سنوات من إنجابه، اكتسب سمعة جيّدة واهتمامًا واسعًا.
السيناريو الذي وضعته المخرجة مي المصري لهذا الفيلم يستمد من مواقفها السياسية حيال القضية الفلسطينية، وهي المواقف التي دارت حولها كل أعمالها التسجيلية السابقة على نحو أو آخر.
تُقاد بطلتها ليال (ميساء عبد الهادي)، في مطلع الفيلم، بسيارة عسكرية إسرائيلية إلى التحقيق متهمة بمساعدة مطلوب فلسطيني على الفرار. تدخل إلى السجن في الدقيقة الرابعة من الفيلم حيث يمضي الفيلم كل وقته هناك باستثناء دقيقة النهاية حين يُفرج عنها ويهرع إليها ابنها الذي أنجبته خلال الثلاثة آلاف ليلة التي أمضتها هناك.
هناك الرغبة في تعرية ما يقع في سجن جنائي وسياسي في الوقت ذاته. نقد لسياسة تجريم الأبرياء وقيام المسؤولات بالتحريض على العنف والكراهية. لكن هناك أيضًا نمطية في الشخصيات رغم وعي المخرجة السياسي والتزامها بتنويع المواقف: المخدرات التي تدمن عليها بعض السجينات، الخناقات وشد الشعر، قسوة المسؤولة عن العنابر، المحامية المتعاطفة والتعاطف الذي تتلقاه بطلة الفيلم ليال من البعض في مقابل عداء أخريات. هذه نماذج ومواقف لا مهرب منها للأسف.
ما تنجح فيه المخرجة وبإجادة ملحوظة حسن إدارتها للمكان بأكمله وبتفاصيله. الشعور الدائم بأن الفيلم يتحدث عن العدالة الغائبة كما عن المرأة التي تفقد دورها الزوجي (خط جانبي معبّر عنه جيدًا) حالما تتلاعب الظنون بالزوج. وبالتالي عن ظلمين واقعين على بطلته (والأخريات) واحد من الداخل والآخر هو العدو المحتل.
كذلك يستفيد الفيلم من خلفية المخرجة في السينما التسجيلية. صحيح أنه ليس معالجًا على النحو ذاته وبالأسلوب نفسه، إلا أنه يحاول توثيق ما هو معروض وليس الاهتمام بسرده فقط.
اختارت مي المصري السينما التسجيلية في السبعينات كمنبر لها كون زوجها جان شيمعون باشر تحقيق الأفلام التسجيلية أيضًا. كغيرهما من مخرجي السينما في لبنان آنذاك، كانت الرغبة أكبر من مجرد تصوير ضحايا الغارات الجوية الإسرائيلية على لبنان. كان أيضًا الحديث عن الناس وأحلامها ولماذا محكوم عليها أن تعيش وضعًا غير طبيعي كالذي تعيشه.
أفلام المصري محسوسة وليست فقط عينات من مشاهد. سينماها تعلن وتبحث في الوقت ذاته، لذلك تأتي صادقة أكثر منها عاطفية حيال الموضوع الجوهري الذي تعرضه. وهي داومت التواصل مع مختلف الشؤون التي عاشها لبنان وتبعاتها. صاحبت التطوّرات التي مرّت بها القضية الفلسطينية من القصف المكثّف على لبنان قبل الحرب الأهلية إلى الهجوم البري عليه خلالها، ومن الحياة في المخيمات الفلسطينية وما تعنيه إلى حرب 2006 التي تم خلالها تدمير بنى تحتية لم يتم ترميمها كاملاً إلى اليوم.
أفلامها تحمل أسلوب عمل مختلف وأكثر تكاملاً من معظم العاملين في السينما التسجيلية ذات القضايا. لا تتطلع صوب العناوين الكبيرة بل تستوحي من الحدث مفردات إنسانية بسيطة وتترك للأشخاص الكشف عن الحلم وعن تلاشيه كما الحال في «33 يومًا» وما قبله.
في «3 آلاف ليلة» يتمنى الناقد لو أن المخرجة وجدت لزامًا ابتكار معالجة أفضل فنيًا مما أقدمت عليه. لو أن السيناريو أساسًا احتمل أبعادًا غير جاهزة وبالتالي نمطية لبعض شخصياتها. حتى ليال هي حال حاضر ليس له كثير من العمق.
الجوائز التي نالها فيلم «3 آلاف ليلة» في المهرجانات التي عرضته سابقًا كانت جوائز الجمهور ما يعكس الاهتمام الذي استطاع الفيلم رصده بين المشاهدين. في مالمو نال جائزة الجمهور أيضًا إلى جانب جائزة المهرجان الأولى.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز