شراكة قديمة بين دونالد ترامب وبنك إيراني تثير الجدل في أميركا

حملة كلينتون: المرشح الجمهوري وضع «مصالحه التجارية الخاصة قبل المصلحة الوطنية»

المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترامب مغادراً أحد تجمعاته الانتخابية في ولاية كولورادو أمس (رويترز)
المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترامب مغادراً أحد تجمعاته الانتخابية في ولاية كولورادو أمس (رويترز)
TT

شراكة قديمة بين دونالد ترامب وبنك إيراني تثير الجدل في أميركا

المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترامب مغادراً أحد تجمعاته الانتخابية في ولاية كولورادو أمس (رويترز)
المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترامب مغادراً أحد تجمعاته الانتخابية في ولاية كولورادو أمس (رويترز)

يكاد لا يمر يوم واحد من دون أن يواجه المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب فضيحة تتطاله تضج بها الصحافة الأميركية وتتناقلها وسائل الإعلام العالمية.. وفي أحدث قضية كشف عنها تحقيق جمعية الصحافيين الاستقصائيين أن شركات ترامب دخلت سابقا في شراكة اقتصادية مع بنك «ملي» الإيراني الذي دخل قائمة العقوبات الأميركية المتعلقة بـ«دعم الإرهاب».
فبعد الفضيحة المدوية التي فجرتها صحيفة «نيويورك تايمز» التي تشير إلى أن المرشح الرئاسي دونالد ترامب لم يدفع الضرائب للدولة الأميركية على مدى أكثر من عشرين عاما، أرسل النائب العام في نيويورك يوم الاثنين الماضي رسالة لمؤسسة دونالد ترامب يطلب منها التوقف عن أعمالها لحين تقديمها إلى المحكمة تقارير مالية مفقودة من حساباتها.
سلسلة الفضائح لا تقف عند هذا الحد، بل تطال محيطه أيضا، فمحكمة الاستئناف للولايات المتحدة ألغت أمر حاكم ولاية آنديانا مارك سبنس نائب المرشح الرئاسي دونالد ترامب، حظر أجهزة الدولة عن تقديم الخدمات الاجتماعية للاجئين السوريين في ولايته. وكان مارك سبنس صرح بأن سياسته فيما يخص المهاجرين تتطابق وسياسات المرشح ترامب.
اليوم فضيحة أخرى تتطال ترامب وتتفاعل في الصحافة العالمية. فعلى ما يبدو تعامل المرشح الجمهوري من خلال مؤسسته العقارية مع بنك «ملي» (الوطني) الإيراني من عام 1998 حتى عام 2003، التي وضعته سلطات الولايات المتحدة الأمريكية على لائحة العقوبات، لارتباطه مع مجموعات إرهابية وربطته بالبرنامج النووي الإيراني. وفقا للسجلات العامة التي استعرضها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين ومركز النزاهة العامة، فإن مؤسسة ترامب العقارية، التي اشترت مبنى «جنرال موتورز» الواقع على الجادة الخامسة في نيويورك، أبقت على عقد إيجار بنك «ملي» لأربع سنوات إضافية، وذلك بعد أن وضعت وزارة الخزانة الأميركية عام 1999 البنك على لائحة العقوبات على أساس سيطرة الحكومة الإيرانية على أعماله. وزعم مسؤولون أميركيون أن البنك حول أموالا إلى الحرس الثوري الإيراني بين عامي 2002 و2006، وهي الفترة التي كان موجودا فيها المصرف في مبنى ترامب.
ريتشارد نفيو، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية الذي عمل ما يقارب السنوات العشر على ملف العقوبات على إيران في إدارات جورج دبليو بوش وباراك أوباما، قال إنه «ليس المهم معرفة ما إذا كانت دفعات الإيجار التي تم جمعها من قبل ترامب قانونية أما لا، إنما القضية الأساس هي أن دونالد ترامب يقول شيئا ويفعل شيئا آخر عندما تكون مصالحه في الميزان».
بنك «ملي»، وحسب بعض التقارير، قد يكون دفع أكثر من نصف مليون دولار سنويا لمؤسسة ترامب العقارية. من الصعب ألا يكون المرشح الجمهوري على دراية بهذا الأمر، خصوصا أنه يقول للرأي العام الأميركي إنه يشرف على كل أعماله بأدق تفاصيلها.
هذه القضية تلقي الضوء على طريقة إدارة ترامب لأعماله الواسعة التي غالبا ما تناقض بشكل فاضح مواقفه الحادة التي يتخذها في إطار حملته الانتخابية. فمثلا حملة ترامب الانتخابية تشدد على كونه رجل أعمال ناجحا، ليكتشف بعضها الرأي العالم الأميركي أن الرجل تهرب من دفع الضرائب على مدى أعوام كبيرة، بحجة أنه تكبد خسائر مالية كبرى من جراء أعماله.
كذلك الأمر في انتقاده للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون عدم اتخاذها موقف أكثر تشددا ضد النظام الإيراني الذي يصفه بـ«العدو الكبير»، في حين لا يرى هو أي حرج في التعامل مع مؤسسة تضعها حكومته على لائحة العقوبات. وكان ترامب في أولى المناظرات الرئاسية انتقد كلينتون لتأييدها الاتفاق النووي مع إيران، واصفا الاتفاق بأنه «واحد من أسوأ الصفقات على مدار التاريخ».
وكانت تقارير إخبارية تحدثت عن تعامل شركات ترامب مع عدد من الحكومات الأجنبية المعادية للولايات المتحدة. فمثلا حاول المرشح الجمهوري جمع تبرعات لمنظمة ترامب من نظام الرئيس معمر القذافي، الذي اتهم بالوقوف وراء تفجير طائرة «بان آم» عام 1988 فوق لوكيربي باسكوتلندا، الذي أودى بحياة 189 أميركيا، حسب ما جاء في تقرير صحافي نشرته «بزفيد».
كذلك الأمر فإن إحدى الشركات المملوكة من قبل ترامب كانت قد انتهكت الحظر المفروض على كوبا من خلال القيام برحلة عمل إلى الجزيرة في عام 1998، قبل وقت قصير من إلقاء كلمة له في ميامي، معربا عن دعمه للحظر الأميركي المفروض على الجزيرة، كما ذكرت مجلة نيوزويك في سبتمبر (أيلول). أما وكالة بلومبيرغ فذكرت أن مسؤولين تنفيذيين في شركات ترامب انتهكوا الحصار المفروض على كوبا وأبدوا استعدادا للاستثمار في مشاريع في هافانا في أواخر عام 2012 أو أوائل عام 2013. هذا وكانت قد انتقدت الحملة الرئاسية لهيلاري كلينتون دونالد ترامب بوضع «مصالحه التجارية الخاصة قبل المصلحة الوطنية» في أول تعليق يكشف تعامل ترامب مع بنك إيراني المرتبط بالبرنامج النووي الإيراني. وقال جيك سوليفان، كبير مستشاري هيلاري كلينتون، إن «هذا التقرير يكشف نفاق ترامب بخصوص إيران، تماما كما هي الحال مع كوبا، فعندما يتعلق الأمر بمصالحه الشخصية فسوف يتعامل ترامب مع أي شخص».



إلى أين ستقود سياسة ترمب «أميركا أولاً»؟

مسؤولة صينية تمر أمام عَلمَي الولايات المتحدة والصين خلال مباحثات بين البلدين عُقدت في غوانغزو (أ.ف.ب)
مسؤولة صينية تمر أمام عَلمَي الولايات المتحدة والصين خلال مباحثات بين البلدين عُقدت في غوانغزو (أ.ف.ب)
TT

إلى أين ستقود سياسة ترمب «أميركا أولاً»؟

مسؤولة صينية تمر أمام عَلمَي الولايات المتحدة والصين خلال مباحثات بين البلدين عُقدت في غوانغزو (أ.ف.ب)
مسؤولة صينية تمر أمام عَلمَي الولايات المتحدة والصين خلال مباحثات بين البلدين عُقدت في غوانغزو (أ.ف.ب)

رغم أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لا يخفي اعتزامه تبني نهج متشدد مع الصين بدءاً من التلويح بفرض رسوم جمركية تصل إلى 60 في المائة على المنتجات الصينية، وحتى اختيار شخصيات مناوئة للصين في حكومته؛ يمكن أن تمثل إدارة ترمب فرصة كبيرة أمام الصين لتعزيز نفوذها دولياً والاقتراب من قيادة العالم.

الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جينبينغ خلال لقائهما بكاليفورنيا في نوفمبر 2023 (رويترز)

فاستراتيجية «أميركا أولاً» التي يتبناها ترمب في السياسة الخارجية يمكن أن تؤدي إلى انسحاب الولايات المتحدة كلياً أو جزئياً من العديد من المنظمات الدولية والمبادرات العالمية التي شكلت أحجار زاوية في هيمنتها العالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. هذا الانسحاب سيولّد فراغاً لن تتردد الصين في السعي لملئه. وستسعى بكين وراء الحصول على مساحة حركة أوسع لضمان دور قيادي في العالم وصياغة نظام دولي متعدد الأطراف يخدم مصالحها.

فريق صيني للاستعراضات الجوية يحلّق في السماء ضمن معرض الصين الدولي الـ15 للطيران والفضاء (أ.ب)

وفي تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية «تشاتام هاوس» البريطاني، قال ويليام ماتيوس الباحث الزميل البارز في برنامج آسيا والمحيط الهادئ في المعهد، إن رؤية الرئيس الصيني شي جينبينغ هي ضرورة وجود نظام دولي وليس فوضى. لكن هذا النظام لا يلتزم بالمعايير وأنظمة التحالف القائمة على القيم العالمية لصالح شراكات غير ملزمة تقوم على المصالح المشتركة، وهو ما يعني من الناحية العملية حصول الصين على نفوذ كبير في العالم بفضل حجم اقتصادها الكبير، وريادتها التكنولوجية، وقوتها العسكرية المتنامية.

وتسعى الصين لتحقيق هذه الرؤية من خلال إعادة تشكيل الأمم المتحدة وإطلاق مبادراتها الدولية، وتحديد الشروط والأحكام المنظمة للتكنولوجيات الجديدة وسلاسل الإمداد. وفي هذا السياق، أطلقت الصين منذ 2021 ثلاث مبادرات عالمية مرتبطة بنفوذها في الأمم المتحدة، وهي مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية.

وتشير الصين إلى ميثاق الأمم المتحدة باعتباره «جوهر» النظام الدولي في ورقتها الخاصة بمبادرة الأمن العالمي، وربطت مبادرة الحضارة العالمية بتشجيع الحوار بين الحضارات الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) التي قرر الرئيس ترمب في ولايته الأولى انسحاب بلاده منها.

طائرة مقاتلة صينية من طراز «J-15» تظهر في معرض الصين الدولي الـ15 للطيران والفضاء (أ.ب)

كما أصبحت الأمم المتحدة أداة أساسية تحاول من خلالها الصين بناء دورها كوسيط عالمي، بما في ذلك الترويج لخطة سلام في أوكرانيا بالتعاون مع البرازيل.

ويرى ويليام ماتيوس خبير العلاقات الخارجية الصينية والمتخصص في دراسة الآثار الجيوسياسية للصين كقوة صاعدة، كما جاء في تحقيق الوكالة الألمانية، أن مبادرة التنمية العالمية تمثل تطويراً لنهج التنمية الدولية الذي تتبناه الصين من خلال مبادرة الحزام والطريق، والتي أكدت دور الصين كشريك تنموي أساسي بالنسبة للعديد من الدول في عالم الجنوب، مضيفاً أن المبادرتين الأخريين للأمن العالمي والحضارة العالمية تستحقان المتابعة.

وتمثل مبادرة الأمن العالمي إطار عمل للتعاون الأمني الدولي في مواجهة التحالفات العسكرية الأميركية. وفي حين ما زالت الصين متأخرة للغاية عن الولايات المتحدة من حيث القوة العسكرية، فإن مبادرة الأمن العالمي مصممة لكي تناسب نقاط قوة الصين مع التركيز على التعاون في مجالات تشمل الأمن الداخلي وأمن البيانات.

سيارات صينية مُعدة للتصدير في ميناء يانتاي شرق البلاد (أ.ف.ب)

ومن شأن خفض الالتزامات الأميركية أن يساعد بكين في استخدام مبادرة الأمن العالمي لنشر معايير الأمن الصينية مع حماية مصالحها الاقتصادية أيضاً.

وبالفعل أثبتت الصين أنها شريك أمني جذاب بالنسبة لشركاء عسكريين للولايات المتحدة. فباكستان المصنفة حليفاً رئيسياً من خارج «الناتو» للولايات المتحدة، تكثف تعاونها الأمني مع الصين لحماية المواطنين الصينيين الذين يعملون في مشروعات مبادرة الحزام والطريق. كما أن هناك تقارير عن اعتزام مصر المصنفة أيضاً حليفاً رئيسياً من خارج «الناتو» للولايات المتحدة، الاستعانة بالمقاتلات الصينية من طراز «جيه-20» بدلاً من المقاتلات الأميركية من طراز «إف-16». في الوقت نفسه، تستهدف مبادرة الحضارة العالمية تقديم بديل لمنظومة قيم حقوق الإنسان المستندة إلى القيم الغربية. وتشجع المبادرة الصينية إقامة نظام يستند إلى تعدد الحضارات، وأن لكل منها قيمها وأنظمتها السياسية الخاصة التي يجب احترام سيادتها وسلطتها.

طائرة «سوخوي سو-57» روسية تهبط خلال معرض الصين الجوي (إ.ب.أ)

لذلك، فإن وجود إدارة أميركية تميل إلى الانفصال عن قضايا العالم قد تسمح بسهولة لخطاب القيم «الحضارية» الذي تتبناه بكين بأن يصبح الإطار المفضل للدبلوماسية الدولية، خاصة مع تزايد النفوذ الصيني في الأمم المتحدة.

ورغم أهمية هذه المبادرات، سيظل المصدر الأقوى للنفوذ الصيني هو التجارة والتكنولوجيا، خاصة في المجالات التي أصبح لها فيها دور رئيسي. فالمنهج المنتظم للصين في تطوير التكنولوجيا الخضراء بدءاً من إنتاج الطاقة إلى السيارات الكهربائية، منحها السيطرة على سلاسل إمداد هذا القطاع في العالم.

مشاة على شاطئ ميناء «فيكتوريا هاربور» في هونغ كونغ في حين تنذر السحب بهبوب عاصفة (د.ب.أ)

ومع قدراتها التقنية المتقدمة، ومكانتها كشريك تنموي وتكنولوجي أساسي بالنسبة لعالم الجنوب، سوف تصبح باقي دول العالم معتمدة بصورة متزايدة على الصين في سلاسل إمداد التكنولوجيا الخضراء. ونتيجة لانتشار التكنولوجيا الصينية في العالم، من المحتمل أن تصبح المعايير الصينية الحاكمة لاستخدام هذه التكنولوجيا هي المعايير السائدة.

في المقابل، فإن عدم رغبة إدارة ترمب في الانخراط في التعاون الدولي في مجال المناخ سيجعل الصين أكبر لاعب فيه بما لديها من تكنولوجيات ومنتجات يحتاجها باقي العالم للتحول الأخضر.

ولا يجب التقليل من أهمية النفوذ الدولي الذي ستحققه الصين من خلال هذا الملف. فقد شهد منتدى التعاون الصيني - الأفريقي الأخير مجموعة من التعهدات بزيادة التعاون في مجال التكنولوجيا الخضراء والطاقة المتجددة. كما شهد المنتدى تعهدات بتعميق التعاون في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

وفي غياب الولايات المتحدة يمكن أن تحدد الصين المعايير الدولية لاستخدام الذكاء الاصطناعي. لذلك، فحرص الصين على أن تصبح لاعباً رائداً في حوكمة الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم يمثل تحدياً خطيراً للولايات المتحدة التي ربما ترغب إدارتها الجديدة في الانكفاء على الداخل تحت شعار: «أميركا أولاً».

أخيراً، فإن توازن النفوذ الدولي للولايات المتحدة والصين لا يعتمد على العلاقات الثنائية بينهما، وإنما على علاقات كل منهما مع باقي دول العالم.

وتزايد نفوذ الصين داخل الأمم المتحدة مع مبادراتها الدولية وريادتها التكنولوجية، سيجعلها في موقف جيد للاستفادة من الغياب الأميركي المحتمل عن المسرح العالمي تحت حكم ترمب، ويجعلها أكثر قدرة على صياغة القواعد العالمية الجديدة، من اللجوء لأي سبيل أخرى.

خط إنتاج للسيارات الكهربائية في مصنع شركة «ليب موتور» بمدينة جينهوا الصينية (أ.ف.ب)

في المقابل، لن يكون أمام حلفاء الولايات المتحدة خيارات كثيرة لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد، ما دام البيت الأبيض لا يهتم كثيراً بالقضايا الدولية ولا بقيادة أميركا للنظام العالمي. وإذا كانت أي حرب تجارية بين بكين وواشنطن يمكن أن تدمر أجندة ترمب الداخلية، فإن استراتيجية «أميركا أولاً» هي أفضل خدمة للصين الساعية إلى إيجاد نظام عالمي متعدد الأقطاب ولا يستند إلى القواعد التي أرستها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بعد الحرب العالمية الثانية. لذلك، فإن أفضل استراتيجية لحلفاء الولايات المتحدة هي التكيّف مع حقائق عالم يتزايد فيه النفوذ الصيني على المدى الطويل.