روسيا تعرض الوساطة للمرة الأولى لحل الأزمة الليبية

قصف مدنيين في بنغازي واستمرار الغارات الأميركية على «داعش» في سرت

عبد الرحمن السويحلي رئيس المجلس الأعلى للدولة لدى استقباله المبعوث الروسي («الشرق الأوسط»)
عبد الرحمن السويحلي رئيس المجلس الأعلى للدولة لدى استقباله المبعوث الروسي («الشرق الأوسط»)
TT

روسيا تعرض الوساطة للمرة الأولى لحل الأزمة الليبية

عبد الرحمن السويحلي رئيس المجلس الأعلى للدولة لدى استقباله المبعوث الروسي («الشرق الأوسط»)
عبد الرحمن السويحلي رئيس المجلس الأعلى للدولة لدى استقباله المبعوث الروسي («الشرق الأوسط»)

عرضت روسيا رسميا وللمرة الأولى استضافة محادثات سلام بين الفرقاء الليبيين، فيما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن الغارات الجوية التي تشنها الطائرات الأميركية ضد تنظيم داعش في سرت، المعقل السابق للجهاديين في ليبيا، طالت أكثر مما كان متوقعا إثر دخولها شهرها الثالث. وكشف بيان أصدره المكتب الإعلامي لعبد الرحمن السويحلي رئيس المجلس الأعلى للدولة الذي التقى مساء أول من أمس في العاصمة الليبية طرابلس، مع المُمثل الخاص لوزارة الخارجية الروسية ليف دينغوف، أن الأخير أبلغه برغبة القيادة الروسية في مشاركة السويحلي في «مشاورات واجتماعات مُقترحة تحت إشراف ورعاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزيري الخارجية والدفاع الروسيين لتوسيع دائرة الاتفاق السياسي المُوقع في منتجع الصخيرات بالمغرب نهاية العام الماضي والخروج من حالة الانسداد السياسي».
كما أكد المبعوث الروسي «امتناع بلاده عن توريد السلاح لأي من الأطراف الليبية التزاما بحظر السلاح المفروض على ليبيا وقرارات مجلس الأمن الدولي»، مشيرا إلى رغبة روسيا في فتح آفاق تعاون جديدة مع ليبيا من خلال تفعيل الاتفاقيات والمعاهدات السابقة بما لا يضر مصالح البلدين.
وبحسب البيان فقد أعرب السويحلي عن ترحيبه بالمبادرة الروسية «بشرط أخذ المراحل السابقة للحوار بعين الاعتبار ومُعاناة الشعب الليبي التي لا تحتمل العودة إلى نقطة الصفر»، كما دعا السلطات الروسية إلى «تحمل مسؤولياتها كونها دولة عظمى وعضوًا دائمًا في مجلس الأمن ومضاعفة جهودها للمساعدة في إحلال السلام والأمن والاستقرار في ليبيا».
إلى ذلك، أعلن الكابتن جيف ديفيس المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية أنه عندما بدأت الولايات المتحدة غاراتها على تنظيم داعش في سرت في مطلع الشهر الماضي دعما لقوات حكومة الوفاق الوطني التي يترأسها فائز السراج كانت تعتقد أن هذا التدخل سيكون «لأسابيع وليس لأشهر».
وأكد أن وتيرة الغارات تقررها حكومة السراج، وقال: «نحن الآن في الجزء الأخير من المدينة، الجزء الأكثر كثافة. من الصعب جدا تطهير هذه المواقع من القناصة بأي وسيلة أخرى غير الغارات الجوية».
وأوضح أن الولايات المتحدة شنت حتى أمس أكثر من 200 غارة في سرت، مشيرا إلى أن القسم الأكبر من هذه الغارات نفذتها طائرات تابعة للسفينة الهجومية البرمائية «يو إس إس واسب» التي تجوب المتوسط.
وهذه السفينة التابعة لسلاح مشاة البحرية (المارينز) مزودة خصوصا بمروحيات هجومية من طراز «إيه إتش إيه دبليو سوبر كوبرا» وطائرات قادرة على الإقلاع والهبوط العمودي من طراز هاريير.
وبحسب القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) فقد شنت الطائرات الأميركية يوم الأحد الماضي وحده 20 غارة.
وقال المركز الإعلامي لعملية البنيان المرصوص إن قواتها تقدمت أمس في منطقة «كامبو المنارة» بالحي رقم 3 بسرت، فيما تمكنت من قتل ستة من مقاتلي «داعش» اختبأوا بين المنازل خلال عملية تمشيط منطقة السواوة لملاحقة فلول هاربة من معركة أول من أمس.
وأشار المركز في بيان له أمس إلى أنه تم العثور على شاحنة مفخخة، كانت عالقة بالرمال، ويتوقع أنها كانت مجهزة لنفس المعركة.
وبفضل عملية «البنيان المرصوص» التي شنتها القوات الحكومية ضد تنظيم داعش في سرت في شهر مايو(أيار) الماضي لاستعادة المدينة الساحلية من قبضة الجهاديين بعدما سيطروا عليها في يونيو (حزيران) 2015، تمكنت هذه القوات من استعادة غالبية أنحاء سرت باستثناء حي واحد لا يزال الجهاديون يتحصنون فيه.
إلى ذلك، لقي ستة مواطنين مصرعهم وأصيب 12 آخرون إثر سقوط قذائف صاروخية على حي سيدي حسين وسط بنغازي بشرق البلاد.
وقالت مصادر ليبية إن الحي المكتظ بالسكان تعرض إلى سقوط عدد من القذائف أطلقتها التنظيمات الإرهابية التي لا زالت تتحصن في محور سوق الحوت القريب. وأعلن الجيش عن مصرع آمر كتيبة التدخل السريع والتابعة للواء أول مشاة والقائد الميداني عبد الحليم السعيطي، جراء انفجار لغم أرضي بمحور القوارشة غرب المدينة. من جهة أخرى، اعتبر الجيش الوطني الليبي أن التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية بخصوص العائلات العالقة في منطقة قنفودة، محاولة من بعض القوى الإقليمية والدولية لاستغلال حقوق الإنسان ووجود المدنيين في أماكن الاشتباك لغرض إعاقة تقدم قوات الجيش وزيادة أمد المعارك في بنغازي وتأخير إعلان تحريرها من براثن الإرهاب. واستغربت قيادة الجيش ما وصفته بازدواجية المعايير المتبعة من منظمات حقوق الإنسان الدولية، وقالت: «لم نسمع منها يوما مطالبة التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية بوقف إطلاق النار وفتح ممرات آمنة للمدنيين في سوريا والعراق».
وقالت إنه على هذه المنظمة وغيرها من منظمات حقوق الإنسان الدولية أن تدرك أن الجيش الوطني الليبي يقاتل «داعش» و«القاعدة»، وهما مجموعات من الإرهابيين المقاتلين وبعضهم من المرتزقة الذين لا يتمتعون بالحماية المقررة لاتفاقيات جنيف الأربع.
وأكدت أنها أعطت فرصا عديدة لإخراج العائلات العالقة والعمالة الأجنبية، ولكنهم منعوا من الخروج على الرغم من النداءات المتكررة لخروجهم.
إلى ذلك، قررت الحكومة الانتقالية التي يترأسها عبد الله الثني وقف وزير الصحة رضا العوكلي عن العمل بناءً على طلب لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب. وقال الثني في قرار وزعه أمس إن وقف العوكلي سيتم لحين مثوله للتحقيق أمام اللجنة وإفادة رئاسة مجلس الوزراء باستمراره في العمل كوزير للصحة من عدمه. ولقي 11 مهاجرا حتفهم بعدما غرقوا قبالة ليبيا خلال محاولتهم الإبحار على متن زورق مطاطي نحو أوروبا. وقال مسؤول في جهاز خفر السواحل الليبي لوكالة الصحافة الفرنسية: «وصلنا بلاغ من أحد الصيادين عن وجود زورق مطاطي على متنه مجموعة من المهاجرين قبالة منطقة القره بوللي» (70 كلم شرق طرابلس). وأضاف المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن هويته: «توجهنا إلى مكان القارب وقمنا باعتراضه من أجل إعادته إلى الشاطئ، ووجدنا على متنه 11 جثة تعود إلى مهاجرين غرقوا ثم جرى انتشالهم وإعادتهم إلى القارب». وتابع: «المهاجرون القتلى طفلان وتسع نساء، وجثثهم لا تزال على الشاطئ حيث إننا لم نتلق أي رد من أي جهة مختصة حول نقل هذه الجثث إلى مكان آخر». وذكر أيضا أن «151 شخصا آخر كانوا على متن الزورق، وقد قمنا بنقلهم إلى مركز إيواء في المنطقة». وفي غياب الرقابة الفعالة على الحدود البحرية بفعل الفوضى الأمنية التي تشهدها ليبيا منذ 2011، تحولت شواطئ هذا البلد المتوسطي الذي لا تبعد سواحله سوى بضع مئات من الكيلومترات عن أوروبا إلى منطلق لعشرات آلاف المهاجرين الساعين إلى بلوغ السواحل الأوروبية.



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.