خان يسعى لتفجير «فقاعة لندن العقارية»

تحقيق مزيد من الشفافية.. دون رفض كامل للاستثمار الأجنبي

صديق خان عمدة لندن يسعى لمواجهة الأزمة التي جعلت المدينة طاردة لسكانها من الطبقات المتوسطة (رويترز)
صديق خان عمدة لندن يسعى لمواجهة الأزمة التي جعلت المدينة طاردة لسكانها من الطبقات المتوسطة (رويترز)
TT

خان يسعى لتفجير «فقاعة لندن العقارية»

صديق خان عمدة لندن يسعى لمواجهة الأزمة التي جعلت المدينة طاردة لسكانها من الطبقات المتوسطة (رويترز)
صديق خان عمدة لندن يسعى لمواجهة الأزمة التي جعلت المدينة طاردة لسكانها من الطبقات المتوسطة (رويترز)

في وقت يتراجع فيه معدل ارتفاع أسعار المنازل في بريطانيا «نسبيًا»، مما يشير إلى مزيد من التباطؤ في السوق العقارية، إلا أن صديق خان، عمدة العاصمة البريطانية لندن، يسعى لمواجهة حاسمة مع «الفقاعة العقارية» التي تعاني منها مدينته، مؤكدًا أنه بصدد فتح تحقيق هو الأكثر شمولاً في بريطانيا، للوقوف على تأثير تدفق الاستثمارات الأجنبية في سوق العقار اللندنية، وسط مخاوف متصاعدة حول حجم التطوير الذي يشهده القطاع، وارتفاع تكاليف السكن في العاصمة، مما جعل منها «مدينة لا مكان فيها للفقراء وذوي الدخل المحدود»، بل إنها أصبحت «عصية» حتى على بعض من الميسورين.
وفي مطلع الأسبوع، أظهرت بيانات من شركة «نيشن وايد» للتمويل العقاري أن أسعار المنازل في بريطانيا ارتفعت بوتيرة أقل في سبتمبر (أيلول) الماضي، مقارنة مع أغسطس (آب) الماضي، مما يضيف المزيد إلى الإشارات على تباطؤ سوق الإسكان بعد تصويت الناخبين لصالح الخروج من عضوية الاتحاد الأوروبي في استفتاء يونيو (حزيران) الماضي.
وقالت «نيشن وايد» إن أسعار المنازل ارتفعت 5.3 في المائة في سبتمبر على أساس سنوي، بما يمثل تباطؤًا في وتيرة نمو الأسعار مقارنة مع أغسطس على أساس سنوي، الذي زادت فيه الأسعار بنسبة 5.6 في المائة. بينما زادت أسعار المنازل 0.3 في المائة على أساس شهري، وهو ما يمثل أيضًا تباطؤًا في وتيرة نمو الأسعار مقارنة مع أغسطس، الذي ارتفعت فيه الأسعار 0.6 في المائة.
وبالتزامن مع ذلك التباطؤ، كشف خان لصحيفة «الغارديان» البريطانية عن أنه بصدد فتح تحقيق معمق لمعرفة آثار التدفقات المالية الأجنبية على سوق العقارات في العاصمة لندن، التي جعلت منها مدينة طاردة لسكانها من الشرائح الدنيا والمتوسطة، واصفًا ذلك التحقيق بأنه سيكون «الأكثر شمولاً في بريطانيا».
وكان خان قد وعد إبان حملته الانتخابية قبل عدة أشهر بأن يسعى لإعادة صورة لندن التقليدية، ومواجهة الفقاعة العقارية، وحل الأسباب التي أدت إلى أن تصبح المدينة طاردة لسكانها من الطبقات المتوسطة والفقيرة لمصلحة الطبقات فائقة الثراء.
وقال خان في حديثه، إن هناك مخاوف حقيقية تتعلق بارتفاع عدد البيوت التي يملكها مستثمرون من الخارج، مضيفًا أن التحقيق قد يرصد حجم المشكلة للمرة الأولى، وذلك لمعرفة نوع الإجراء الذي يمكن اتخاذه لدعم عمليات التطوير ومساعدة سكان لندن على إيجاد منزل.
وتشير تحقيقات صحافية بريطانية متعددة إلى أن عقارات لندن تحولت إلى مقر لإخفاء الأموال الأجنبية، وهناك قلق واسع من التدفقات الأجنبية خصوصًا المقبلة من الصين. فيما تشير توقعات إلى تنامي الاستثمارات الصينية وحدها خلال العقد المقبل في القطاع العقاري إلى نحو 200 مليار دولار، أي ما يعادل أربعة أضعاف وضعها الحالي. كما قالت «الغارديان» في تقرير سابق إن جانبًا كبيرًا من العقارات تعود ملكيتها لشركات مسجلة في ملاذات ضريبية سرية في الخارج، وكثيرًا من هذه الشقق شاغرة، مما يثير الريبة حول جانب كبير من هذه الاستثمارات.
ويسعى خان من خلال التحقيق المزمع إلى وضع حلول جذرية وفهم الأسباب الجوهرية التي أدت إلى استعار أسعار العقارات اللندنية، مما يهدد المدينة بفقدان طبيعتها التي تميزها كمدينة عالمية (cosmopolitan)، تضم جميع الأطياف الاجتماعية والإنسانية.
لكن خان أكد أنه لا يرفض الاستثمارات الأجنبية في المطلق، لكنه فقط يسعى لجعل المدينة أكثر قابلية وترحيبًا بسكانها، وقال لـ«الغارديان»: «نحن نرحّب بالاستثمار من أنحاء العالم في بناء مساكن جديدة، بما فيها مساكن لمن يشترون عقارًا لأول مرة. ولكن إذ يكافح لندنيون أكثر فأكثر للحصول على سكن، فإن هناك مخاوف حقيقية من إمكانية حدوث زيادة حادة في عدد العقارات التي يشتريها مستثمرون أجانب». كما شدد في ذات الوقت على أن «هناك حاجة ملحة إلى مزيد من الشفافية بشأن الأموال الأجنبية التي تُستثمر في عقارات لندن، ولا بد من طمأنة اللندنيين إلى عدم وجود أموال مشبوهة في سوقنا العقارية. وعلى الوزراء الآن أن يجعلوا الملكية العقارية في لندن كلها ملكية شفافة، بحيث نستطيع أن نرى على وجه التحديد مَنْ يملك وماذا يملك».
ورغم مساعي خان، ومخاوف جانب واسع من البريطانيين حول ذات النقاط، فإن يولاند بارنز، مديرة «سافيلس وورلد ريسيرتش» للأبحاث العقارية، تؤكد أن المشترين الأجانب يشكلون 7 في المائة فقط من العقارات في لندن، لكنها أوضحت أن أغلب الصفقات تكون في وسط المدينة.
وتشير بارنز إلى أن الاستثمارات الأجنبية لها دور هام جدًا في السوق العقارية البريطانية، لأنها أسهمت في رفع السوق بشكل عام وإنقاذها عقب الأزمة المالية العالمية، وكذلك توفير بيئة اقتصادية خصبة تسمح بزيادة تمويل السكن الاجتماعي لمحدودي الدخل.
وتضيف بارنز أن «الاستثمارات ساعدت على طرح مساكن رخيصة في لندن منذ الأزمة المالية. وغالبًا ما يكون المشتري الأجنبي هو المستهدف في النقاشات التي تدور حول أزمة السكن، لكنه في الواقع ليس إلا عنصرًا واحدًا في مشهد معقد لا يمكن تصديقه. ومن دون استثمارات الأجانب في العقارات ما كنا نقدر على تمويل كثير من المساكن الاجتماعية والرخيصة منذ الأزمة المالية». كما توضح أن جوهر القضية هو السعر وندرة الأراضي المتوافرة للتطوير في العاصمة البريطانية.
وتوضح «الغارديان» أن الاستثمارات الأجنبية ساعدت على دفع ازدهار الإنشاءات العقارية الجديدة في أنحاء بريطانيا. إذ بلغت الاستثمارات الأجنبية في عقارات ومساكن ليفربول وحدها ملايين الجنيهات الإسترلينية خلال الأعوام الخمسة الماضية، منها مشروع تطوير مدينة جديدة باسم «نيو تشاينا تاون» بقيمة 200 مليون جنيه إسترليني، وهي لا تزال قيد الإنشاء حاليًا، ويتم تسويقها بشكل ضخم في الصين.
لكن على الجهة الأخرى، يرى عدد من الاقتصاديين أن تدفق المستثمرين الأجانب يسهم، في حقيقة الأمر، في تصعيد أزمة السكن في العاصمة. إذ أشارت إحصاءات قبل أسبوع إلى أن عددًا من السكان خلال السنوات الماضية غادروا لندن، بسبب عدم قدرتهم على تحمل تكاليف السكن المرتفعة.. وهو ذات الرأي الذي يتبناه خان.
وأشارت دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة «غولدسميث» في لندن، إلى أن تدفق رؤوس الأموال على سوق العقارات الفاخرة في لندن من ذوي الثراء الفائق في العالم يمارس تأثيرًا أوسع باستئثار الأثرياء الجدد بمناطق سكنية في عموم المدينة على حساب الشرائح الأخرى.
وتوصلت الدراسة إلى أن الاستثمار في شراء عقارات فاخرة طرد «نخبة لندن التقليدية» من مناطقها الراقية العريقة في أحياء مثل مايفير وتشيلسي وهامبستيد، وتسبب باشتعال الأسعار فوق قدرة غالبية الأشخاص الذين كانوا يسكنون أحياء لندنية رخيصة في السابق.
علاوة على ذلك، يركز المستثمرون الأجانب بشكل متزايد على المدن والبلدات خارج العاصمة، مثل مانشستر وليفربول وبرمنغهام، التي تعد «مناطق ساخنة»، إذ يجني المشترون عوائد أكبر ويتجنبون شروط الضريبة الجديدة المفروضة على الأراضي في الوقت ذاته. أما العقارات في الضواحي الخارجية لمدينة لندن، وبعض البلدات مثل سلوف، فيتم تسويقها في هونغ كونغ لمستثمرين صينيين محتملين.



الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة
TT

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

يَعدّ المصريون الاستثمار العقاري من بين أكثر أنواع الاستثمار أمناً وعائداً، مع الأسعار المتزايدة يوماً بعد يوم للوحدات السكنية والتجارية في مختلف الأحياء المصرية، بناءً على تغيّرات السوق، وارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء، ورغم أن هذه المتغيرات تحدد سعر المتر السكني والتجاري، فإن بعض الوحدات السكنية قد تشذّ عن القاعدة، ويخرج سعرها عن المألوف لوقوعها في حي راقٍ شهير وسط القاهرة وتطل على النيل، أو حتى في عمارة سكنية شهيرة.
وبتصفح إعلانات بيع الوحدات السكنية على المواقع الإلكترونية والتطبيقات المخصصة لذلك قد يصطدم المشاهد برقم غريب يتجاوز الأسعار المتعارف عليها في الحي بشكلٍ كبير جداً، لتقفز من وحدات سكنية سعرها 3 ملايين جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 15.6 جنيه مصري)، إلى أخرى مجاورة لها بأربعين مليوناً، هذه الإعلانات التي يصفها متابعون بأنها «غريبة جداً» على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط أسئلة منطقية عن السبب الرئيسي وراء هذه الأسعار، التي تؤكد تفوق أسعار بيع بعض الشقق السكنية على أسعار فيلات بالمدن الجديدة.
على كورنيش النيل، تطل واحدة من أشهر العمارات السكنية بحي الزمالك وسط القاهرة، تحديداً في عمارة «ليبون» التي سكنها عدد من فناني مصر المشهورين في الماضي، تُعرض شقة مساحتها 300 متر للبيع بمبلغ 40 مليون جنيه، أي نحو 2.5 مليون دولار، رغم أن متوسط سعر المتر السكني في الحي يبلغ 23 ألف جنيه، وفقاً لموقع «عقار ماب» المتخصص في بيع وشراء الوحدات السكنية في مصر.
ولا يشتري الناس بهذه الأسعار مجرد شقة، بل يشترون ثقافة حي وجيراناً وتأميناً وخدمات، حسب حسين شعبان، مدير إحدى شركات التسويق العقاري بحي الزمالك، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «عمارة ليبون واحدة من أعرق العمارات في مصر، وأعلاها سعراً، والشقة المعروضة للبيع كانت تسكنها الفنانة الراحلة سامية جمال»، مؤكداً أن «هذه الإعلانات تستهدف المشتري العربي أو الأجنبي الذي يبحث عن عقار مؤمّن، وجيراناً متميزين، وثقافة حي تسمح له بالحياة كأنه في أوروبا، فسعر الشقة ربما يكون مماثلاً لسعر فيلا في أفضل التجمعات السكنية وأرقاها في مصر، لكنه يبحث عن شقة بمواصفات خاصة».
وفي عام 2017 أثار إعلان عن شقة بجوار فندق «أم كلثوم» بالزمالك، الجدل، بعد عرضها للبيع بمبلغ 3 ملايين دولار، وتبين فيما بعد أن الشقة ملك للسياسي المصري أيمن نور، لكن شعبان بدوره يؤكد أن «الناس لا تهتم بمن هو مالك الشقة في السابق، بل تهتم بالخدمات والجيران، وهذا هو ما يحدد سعر الشقة».
ويعد حي الزمالك بوسط القاهرة واحداً من أشهر الأحياء السكنية وأعلاها سعرها، حيث توجد به مقرات لعدد كبير من السفارات، مما يجعله مكاناً لسكن الأجانب، وينقسم الحي إلى قسمين (بحري وقبلي) يفصلهما محور (26 يوليو)، ويعد الجانب القلبي هو «الأكثر تميزاً والأعلى سعراً، لأنه مقر معظم السفارات»، وفقاً لإيهاب المصري، مدير مبيعات عقارية، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «ارتفاع الأسعار في الزمالك مرتبط بنقص المعروض في ظل ازدياد الطلب، مع وجود أجانب يدفعون بالعملات الأجنبية، وهم هنا لا يشترون مجرد إطلالة على النيل، بل يشترون خدمات وتأميناً عالي المستوى».
وعلى موقع «أوليكس» المخصص لبيع وتأجير العقارات والأدوات المنزلية، تجد شقة دوبليكس بمساحة 240 متراً في الزمالك مكونة من 4 غرف، معروضة للبيع بمبلغ 42 مليون جنيه، وشقة أخرى للبيع أمام نادي الجزيرة مساحة 400 متر بمبلغ 40 مليون جنيه.
ورغم ذلك فإن أسعار بعض الوحدات المعروضة للبيع قد تبدو مبالغاً فيها، حسب المصري، الذي يقول إن «السعر المعلن عنه غير حقيقي، فلا توجد شقة تباع في عمارة (ليبون) بمبلغ 40 مليون جنيه، وعند تنفيذ البيع قد لا يتجاوز السعر الثلاثين مليوناً، وهو سعر الوحدة السكنية في عمارة (العبد) المطلة على نادي الجزيرة والتي تعد أغلى عقارات الزمالك».
والشريحة المستهدفة بهذه الأسعار هي شريحة مختلفة تماماً عن الشريحة التي يستهدفها الإسكان الاجتماعي، فهي شريحة تبحث عن أسلوب حياة وإمكانيات معينة، كما يقول الخبير العقاري تامر ممتاز، لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن «التعامل مع مثل هذه الوحدات لا بد أن يكون كالتعامل مع السلع الخاصة، التي تقدم ميزات قد لا تكون موجودة في سلع أخرى، من بينها الخدمات والتأمين».
وتتفاوت أسعار الوحدات السكنية في حي الزمالك بشكل كبير، ويقدر موقع «بروبرتي فايندر»، المتخصص في بيع وتأجير العقارات، متوسط سعر الشقة في منطقة أبو الفدا المطلة على نيل الزمالك بمبلغ 7 ملايين جنيه مصري، بينما يبلغ متوسط سعر الشقة في شارع «حسن صبري» نحو 10 ملايين جنيه، ويتباين السعر في شارع الجبلاية بالجانب القبلي من الحي، ليبدأ من 4.5 مليون جنيه ويصل إلى 36 مليون جنيه.
منطقة جاردن سيتي تتمتع أيضاً بارتفاع أسعار وحداتها، وإن لم يصل السعر إلى مثيله في الزمالك، حيث توجد شقق مساحتها لا تتجاوز 135 متراً معروضة للبيع بمبلغ 23 مليون جنيه، ويبلغ متوسط سعر المتر في جاردن سيتي نحو 15 ألف جنيه، وفقاً لـ«عقار ماب».
وتحتل الشقق السكنية الفندقية بـ«فورسيزونز» على كورنيش النيل بالجيزة، المرتبة الأولى في الأسعار، حيث يبلغ سعر الشقة نحو 4.5 مليون دولار، حسب تأكيدات شعبان والمصري، وكانت إحدى شقق «فورسيزونز» قد أثارت الجدل عندما عُرضت للبيع عام 2018 بمبلغ 40 مليون دولار، وبُرر ارتفاع السعر وقتها بأن مساحتها 1600 متر، وتطل على النيل وعلى حديقة الحيوانات، وبها حمام سباحة خاص، إضافة إلى الشخصيات العربية المرموقة التي تسكن «فورسيزونز».
وتحدد أسعار هذا النوع من العقارات بمقدار الخدمات والخصوصية التي يوفّرها، وفقاً لممتاز، الذي يؤكد أن «العقار في مصر يعد مخزناً للقيمة، ولذلك تكون مجالاً للاستثمار، فالمشتري يبحث عن عقار سيرتفع سعره أو يتضاعف في المستقبل، ومن المؤكد أنه كلما زادت الخدمات، فإن احتمالات زيادة الأسعار ستكون أكبر، خصوصاً في ظل وجود نوع من المستهلكين يبحثون عن مميزات خاصة، لا تتوافر إلا في عدد محدود من الوحدات السكنية».