المصاعب الاقتصادية تلاحق تونس رغم الانفراج السياسي

عجز الحكومة عن دفع رواتب الموظفين بعد أشهر أصبح واردا

تونس اقترضت 220 مليون دولار خلال أبريل لسداد الأجور (رويترز)
تونس اقترضت 220 مليون دولار خلال أبريل لسداد الأجور (رويترز)
TT

المصاعب الاقتصادية تلاحق تونس رغم الانفراج السياسي

تونس اقترضت 220 مليون دولار خلال أبريل لسداد الأجور (رويترز)
تونس اقترضت 220 مليون دولار خلال أبريل لسداد الأجور (رويترز)

نبه مهدي جمعة رئيس الحكومة التونسية، أمس الجمعة، من جديد في تصريح لوسائل الإعلام إلى «خطورة الوضع الاقتصادي لتونس». وقال جمعة في أعقاب ندوة ثلاثية حول الحوار الاجتماعي عقدت أمس بالعاصمة التونسية بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف التونسية)، إن «الدولة اقترضت هذا الشهر 350 مليون دينار تونسي (220 مليون دولار) لخلاص الأجور»، مضيفا أنه «يجري الإعداد لتنظيم اكتتاب وطني لتعبئة موارد مالية أخرى رغم أنه لا يمكن أن يمثل حلا لكل المشكلات».
وأضاف رئيس الحكومة أنه سيتوجه قريبا «بكلمة للشعب التونسي لمصارحته والكشف عن المصاعب الاقتصادية التي تمر بها تونس»، داعيا الجميع إلى «التضحية من أجل مصلحة تونس».
ويأتي كلام جمعة بعد يوم واحد من تصريحات نضال الورفلي الناطق الرسمي باسم رئاسة الحكومة والوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بتنسيق ومتابعة الشؤون الاقتصادية حول الوضع الاقتصادي والمالي الراهن للبلاد على أثر اجتماع مجلس الوزراء أول من أمس الخميس، التي أكد فيها «مجابهة الحكومة مصاعب لصرف رواتب الموظفين»، مؤكدا أن العجز المالي بالنسبة لشهر أبريل (نيسان) بلغ أكثر من نحو مليار دينار تونس (نحو 650 مليون دولار)، مؤكدا أنه إزاء هذا الوضع «قامت وزارة المالية التونسية بإجراءات استثنائية لتسديد أجور شهر أبريل».
وأضاف أن «النقص في الميزانية سيبلغ خلال الأشهر الثلاثة المقبلة نحو ثلاثة مليارات دينار تونسي (نحو ملياري دولار) سيقع تغطيتها من خلال الاقتراض».
وقد أثارت هذه التصريحات مخاوف لدى عموم الشعب والموظفين وردود فعل واسعة في أوساط الخبراء الماليين والاقتصاديين الذين سبق للبعض منهم أن حذر من «تواصل انهيار الاقتصاد التونسي إلى حد عدم القدرة على دفع رواتب الموظفين».
وتواجه تونس مصاعب اقتصادية خانقة وضغوطا مالية متزايدة على خزينتها واختلالا في التوازنات المالية العامة.
وفي موضوع متصل حذر الشاذلي العياري محافظ البنك المركزي التونسي من «خطر تواصل العجز التجاري الذي تعانيه تونس». وعبر في تصريح إعلامي عن «تخوفه من انهيار الميزان التجاري وتأثير ذلك المحتمل على قيمة الدينار التونسي». وقال العياري: «إن تفاقم العجز التجاري يمثل خطرا كبيرا على الاقتصاد التونسي».
وأبرزت إحصائيات رسمية حول التجارة الخارجية لتونس في الأشهر الثلاثة الأولى للسنة الحالية نشرها المعهد الوطني للإحصاء أخيرا، تراجع الصادرات بنسبة 1.8 في المائة وارتفاع نسبة الواردات بـ7.9 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2013. وتراجعت بذلك نسبة تغطية الواردات بالصادرات بنحو سبع نقاط لتبلغ 67.6 في المائة مقابل 74.3 في المائة وليبلغ العجز التجاري لتونس حسب هذه الإحصائيات نحو 3.3 مليار دينار تونسي (نحو دولارين أميركيين).
وعزا المعهد الوطني للإحصاء هذا التراجع في الصادرات بالأساس إلى تراجع تصدير المنتجات الزراعية والغذائية الذي بلغ نحو 38.5 في المائة، وخاصة تراجع تصدير زيت الزيتون التونسي، وكذلك تراجع صادرات قطاع الفوسفات ومشتقاته. أما تنامي الواردات فيعود بالأساس إلى ارتفاع توريد مواد الطاقة ومواد التجهيز، وكذلك المنتجات الزراعية والغذائية وخاصة القمح الصلب.
وقد عرفت تونس موسما سيئا جدا في إنتاج زيت الزيتون الذي لم يبلغ ربع حصيلة الموسم السابق، وهو ما أثر على صادراتها من هذه المادة، حيث لم تصدر سوى ما قدره 70 مليون دينار تونسي (نحو 42 مليون دولار) مقابل 328 مليون دينار تونسي (نحو 200 مليون دولار) الموسم الماضي، كما يتواصل تعثر قطاع الفوسفات بسبب الاحتجاجات الاجتماعية المتواصلة منذ ثلاث سنوات بمنطقة الحوض المنجمي (جنوب غربي البلاد)، حيث تراجعت صادرات الفوسفات ومشتقاته بنحو 30 مليون دينار تونسي (نحو 20 مليون دولار أميركي). كما عرفت تونس تقلص إنتاج الحبوب، واضطرها ذلك إلى توريد كميات أكبر من العادة، حيث زادت قيمة الواردات بنحو 70 مليون دينار تونسي (أكثر من 40 مليون دينار).
ولمواجهة هذا الوضع الاقتصادي الصعب ما فتئت حكومة مهدي جمعة تسعى إلى تعبئة موارد مالية مهمة من خلال الاقتراض الخارجي. ومثلت هذه المسألة أحد أهم محاور زيارات مهدي جمعة الخارجية الأخيرة التي قادته إلى خمس دول خليجية وإلى الولايات المتحدة الأميركية حيث التقى قادة الهيئات المالية العالمية. كما ينتظر أن تكون أبرز ملفات زيارته المرتقبة إلى فرنسا الشريك الاقتصادي الأول لتونس.
ورغم حالة الانفراج السياسي التي تعيشها البلاد منذ بداية شهر فبراير (شباط) بعد تسلم حكومة مهدي جمعة المستقلة مقاليد السلطة في تونس خلفا لحكومة علي العريض والمصادقة على دستور جديد في أعقاب أزمة سياسية خانقة تواصلت لأشهر، فإن المصاعب الاقتصادية لتونس لا تزال قائمة وقد تكون «ازدادت تفاقما»، حسب بعض الأوساط المالية والاقتصادية المطلعة.
وينتظر أن ينتظم في تونس نهاية شهر مايو (أيار) المقبل، ببادرة من رئاسة الحكومة التونسية، حوار وطني اقتصادي على شاكلة الحوار الوطني الذي رعته أربع منظمات وطنية، والذي مكن تونس من الخروج من أزمتها السياسية. وتتحدث الكثير من الأوساط عن حاجة تونس إلى «هدنة اجتماعية»، حتى يستعيد اقتصاد البلاد نسقه الطبيعي، وهي من أبرز النقاط التي سيناقشها الحوار الاقتصادي الذي سيشارك فيه بالخصوص الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف).



بكين تنتقد مساعي أميركية لإشعال «حرب الثوم»

مزارع يفرز الثوم في إحدى الأسواق الشعبية بمدينة جينشيانغ شرق الصين (رويترز)
مزارع يفرز الثوم في إحدى الأسواق الشعبية بمدينة جينشيانغ شرق الصين (رويترز)
TT

بكين تنتقد مساعي أميركية لإشعال «حرب الثوم»

مزارع يفرز الثوم في إحدى الأسواق الشعبية بمدينة جينشيانغ شرق الصين (رويترز)
مزارع يفرز الثوم في إحدى الأسواق الشعبية بمدينة جينشيانغ شرق الصين (رويترز)

حثت وزارة الخارجية الصينية يوم الجمعة الساسة الأميركيين على ممارسة المزيد من «الحس السليم» بعد أن دعا عضو في مجلس الشيوخ الأميركي إلى إجراء تحقيق في واردات الثوم الصيني، مستشهدا بمخاوف بشأن سلامة الغذاء وممارسات العمل في البلاد.

وكتب السيناتور الجمهوري ريك سكوت إلى العديد من الإدارات الحكومية الأميركية هذا الأسبوع، واصفا في إحدى رسائله الثوم الصيني بأنه «ثوم الصرف الصحي»، وقال إن استخدام البراز البشري سمادا في الصين أمر يثير القلق الشديد.

وفي رسائل أخرى، قال إن إنتاج الثوم في الصين قد ينطوي على ممارسات عمالية استغلالية وإن الأسعار الصينية المنخفضة تقوض جهود المزارعين المحليين، ما يهدد الأمن الاقتصادي الأميركي.

وتعتبر الولايات المتحدة الصين أكبر مورد أجنبي لها للثوم الطازج والمبرد، حيث يتم شحن ما قيمته ملايين الدولارات منه عبر المحيط الهادئ سنويا.

وقالت ماو نينغ، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، عندما سُئلت في مؤتمر صحافي دوري عن رسائل سكوت: «لم يكن الثوم ليتخيل أبداً أنه سيشكل تهديداً للولايات المتحدة... ما أريد التأكيد عليه هو أن تعميم مفهوم الأمن القومي وتسييس القضايا الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية وتسليحها لن يؤدي إلا إلى زيادة المخاطر الأمنية على سلسلة التوريد العالمية، وفي النهاية إلحاق الضرر بالآخرين وبنفسنا». وأضافت: «أريد أيضاً أن أنصح بعض الساسة الأميركيين بممارسة المزيد من الحس السليم والعقلانية لتجنب السخرية».

ومن المتوقع أن تتصاعد التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم عندما يعود دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني)، بعد أن هدد بفرض تعريفات جمركية تتجاوز 60 في المائة على واردات الولايات المتحدة من السلع الصينية.

وخلال فترة ولاية ترمب الأولى، تعرض الثوم الصيني لزيادة التعريفات الجمركية الأميركية إلى 10 في المائة في عام 2018، ثم إلى 25 في المائة في عام 2019. وكان الثوم من بين آلاف السلع الصينية التي فرضت عليها تعريفات جمركية أعلى خلال الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين والتي كانت السمة المميزة لرئاسته.

ومن غير المرجح أن تهز أي إجراءات عقابية على الثوم الصيني وحده التجارة الثنائية الإجمالية، حيث تمثل شحناته جزءاً ضئيلاً فقط من صادرات الصين البالغة 500 مليار دولار إلى الولايات المتحدة العام الماضي.

وفي سياق منفصل، قال المكتب الوطني الصيني للإحصاء يوم الجمعة إن إجمالي إنتاج الحبوب في الصين بلغ مستوى قياسيا يتجاوز 700 مليون طن متري في عام 2024، مع تحرك بكين لتعزيز الإنتاج في سعيها لتحقيق الأمن الغذائي.

وقال وي فنغ هوا، نائب مدير إدارة المناطق الريفية، في بيان، إن إنتاج العام في أكبر مستورد للحبوب في العالم بلغ 706.5 مليون طن، بعد حصاد أكبر من الأرز الأساسي والقمح والذرة. وأظهرت بيانات المكتب أن هذا أعلى بنسبة 1.6 في المائة من حصاد عام 2023 البالغ 695.41 مليون طن.

وقال وي: «كان حصاد الحبوب هذا العام وفيراً مرة أخرى، بعد أن تبنت المناطق والسلطات الصينية بشكل صارم مهام حماية الأراضي الزراعية والأمن الغذائي، مع التغلب على الآثار السلبية للكوارث الطبيعية».

وتعتمد الصين بشكل كبير على الواردات من البرازيل والولايات المتحدة لإطعام سكانها البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة. وفي السنوات الأخيرة، كثفت الصين استثماراتها في الآلات الزراعية وتكنولوجيا البذور في إطار الجهود الرامية إلى ضمان الأمن الغذائي. وأظهرت البيانات أن إنتاج الأرز في عام 2024 ارتفع إلى 207.5 مليون طن، بزيادة 0.5 في المائة على أساس سنوي، في حين نما إنتاج القمح بنسبة 2.6 في المائة إلى 140.1 مليون طن. وشهد الذرة قفزة أكبر عند مستوى قياسي بلغ 294.92 مليون طن، بزيادة 2.1 في المائة عن العام السابق. وانخفضت فول الصويا بنسبة 0.9 في المائة إلى 20.65 مليون طن.

ويعزى الحصاد الوفير إلى زيادة زراعة الأرز والذرة، بالإضافة إلى غلة أفضل من الأرز والقمح والذرة.

وقال وي إن المساحة المزروعة بالحبوب على المستوى الوطني بلغت حوالي 294.9 مليون فدان (119.34 مليون هكتار)، بزيادة 0.3 في المائة عن العام السابق في السنة الخامسة على التوالي من التوسع.

وارتفعت مساحة زراعة الأرز للمرة الأولى منذ أربع سنوات، بنسبة 0.2 في المائة على أساس سنوي إلى 71.66 مليون فدان (29 مليون هكتار). كما ارتفعت مساحة زراعة الذرة بنسبة 1.2 في المائة إلى 110.54 مليون فدان (44.74 مليون هكتار). وانكمش حجم زراعة فول الصويا بنسبة 1.4 في المائة إلى 25.53 مليون فدان (10.33 مليون هكتار). كما انخفض حجم زراعة القمح بنسبة 0.2 في المائة إلى 58.32 مليون فدان (23.6 مليون هكتار).

وقالت وزارة الزراعة الصينية إنه على الرغم من زيادة الإنتاج، تظل الصين معتمدة على الإمدادات المستوردة من فول الصويا والذرة.