حكومة ماي.. بين خيار خروج «قوي» أو «ناعم»

الإسترليني يتراجع إلى أدنى مستوياته منذ 3 سنوات بعد إعلان تاريخ الانسحاب

رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وزوجها فيليب ماي (الثاني من اليسار) يصلان إلى مؤتمر حزب المحافظين في برمنغهام أمس (إ.ب.أ)
رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وزوجها فيليب ماي (الثاني من اليسار) يصلان إلى مؤتمر حزب المحافظين في برمنغهام أمس (إ.ب.أ)
TT

حكومة ماي.. بين خيار خروج «قوي» أو «ناعم»

رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وزوجها فيليب ماي (الثاني من اليسار) يصلان إلى مؤتمر حزب المحافظين في برمنغهام أمس (إ.ب.أ)
رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وزوجها فيليب ماي (الثاني من اليسار) يصلان إلى مؤتمر حزب المحافظين في برمنغهام أمس (إ.ب.أ)

بعد أسابيع من الاستقرار الاقتصادي والمالي في بريطانيا، انخفض سعر الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوياته منذ ثلاث سنوات مقابل اليورو أمس بعدما أعلنت رئيسة الوزراء تيريزا ماي أن بلادها ستبدأ مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية مارس (آذار)، فيما حذر وزير المال فيليب هاموند من «اضطرابات».
في غضون ذلك، تعززت الانقسامات داخل حزب المحافظين بين مؤيدي خروج «قوي» وتام من الاتحاد الأوروبي، أو انسحاب «ناعم» يبقي بريطانيا داخل السوق الأوروبية المشتركة.
وانخفض الجنيه ليصل إلى 87.46 بنس لليورو، وهو أدنى سعر منذ أغسطس (آب) 2013، بعدما كشفت حكومة ماي مزيدا من التفاصيل حول كيفية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خلال مؤتمر حزب المحافظين الذي يجري في برمنغهام وسط إنجلترا.
وقال وزير المال إن على البريطانيين أن يتوقعوا «بعض الاضطرابات أثناء عملية التفاوض» على ما يعرف اختصارا بالـ«بريكست»، مضيفا أن ثقة المستهلكين ورجال الأعمال يمكن أن ترتفع وتنخفض «مثل الأرجوحة».
وتأتي تصريحاته غداة كشف ماي أن بريطانيا ستبدأ عملية بريكست التي تستمر عامين بنهاية مارس، ما يضعها على طريق الخروج مطلع 2019 ويفتح الطريق أمام مفاوضات مؤلمة بين لندن وشركائها في الاتحاد الأوروبي.
وأشارت ماي، التي تولت السلطة في يوليو (تموز) خلفا لديفيد كاميرون الذي استقال في أعقاب التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلى استعداد البلاد للخروج من الاتحاد لضمان ضبط دخول المهاجرين إلى أراضيها من دول الكتلة الأوروبية.
وفي تعاملات بداية الأسبوع في لندن، انخفض الجنيه الإسترليني إلى 1.28 مقابل الدولار، أي بانخفاض وصلت نسبته إلى 0.5 في المائة مقارنة مع إغلاق الجمعة. وقالت أنا ثاكر، خبيرة الأسواق في مؤسسة «فيليب كابيتال» البريطانية إنه «في حين رحبت الأسواق» بكشف ماي تفاصيل بريكست: «إلا أن هناك درجة كبيرة من عدم اليقين تحيط بما ستتضمنه المفاوضات».
وجاء في تحليل لمؤسسة «رابوبانك» لأبحاث الأسواق المالية أنه «كلما ازداد إصرار ماي على ضبط الهجرة، أصبح أكثر ترجيحا أن يغلق الاتحاد الأوروبي دخول (بريطانيا) إلى السوق الموحدة». واعتبر أن «انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني صباح اليوم يعكس قلق المستثمرين».
وجاء أداء الاقتصاد البريطاني عقب نتائج استفتاء يونيو (حزيران) المفاجئ على الخروج من الاتحاد الأوروبي، أقوى من توقعات بعض المحللين. وفي مؤشر رئيسي إلى قوة قطاع التصنيع، ارتفعت مؤشرات «ماركت» لمديري المشتريات إلى أعلى مستوى منذ منتصف 2014. طبقا لأرقام نشرت أمس.
من جانبها، لا يزال الكثير من الشركات الكبرى مترددة بسبب «بريكست» في اتخاذ قرارات استثمارية طويلة المدى. وقد صرح كارلوس غصن، الرئيس التنفيذي لشركة نيسان لتصنيع السيارات، الأسبوع الماضي أن الشركة تؤجل استثماراتها الجديدة في مصنعها العملاق في سندرلاند شمال شرقي إنجلترا، وقال: «لا نستطيع أن نبقى إن لم تكن الظروف تسمح ببقائنا».
وأقر هاموند أمس بأن بريطانيا قد تواجه أوقاتا صعبة قبل مفاوضات بريطانيا على بريكست. وصرح لـ«بي بي سي» بأنه «علينا أن نتوقع فترة تنخفض فيها الثقة وترتفع - ربما مثل الأرجوحة - حتى نتوصل إلى اتفاق في النهاية». كما قدّم تطمينات جديدة لقطاع الأعمال في كلمته في مؤتمر الحزب، متعهدا بـ«اتخاذ جميع الخطوات الضرورية لحماية هذا الاقتصاد من الاضطرابات» خلال مفاوضات الخروج.
كما تعهد أن تضمن وزارة الخزينة الحصول على تمويل من الاتحاد الأوروبي لمشاريع كبيرة سبقت بريكست حتى بعد خروج بريطانيا من الاتحاد.
ويعتبر هاموند من أنصار «الخروج الناعم» التدريجي من الاتحاد الأوروبي، بما يحافظ على بقاء بلاده في السوق المشتركة، في حين يريد البعض في حكومة ماي «خروجا قويا» يتضمن قطعا كليا للعلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
وأعلن اختلافه مع هدف سلفه جورج أوزبورن بالقضاء على العجز في الميزانية البريطانية بحلول 2019 - 2020، إلا أنه لم يحدد موعدا جديدا. وبدلا من ذلك تعهد بضخ مزيد من الاستثمارات لدعم الاقتصاد البريطاني بما في ذلك إطلاق صندوق بقيمة ثلاثة مليارات جنيه إسترليني (3.4 مليار يورو، 3.9 مليار دولار) لبناء أكثر من 200 ألف منزل جديد.
واتضحت الانقسامات داخل حكومة ماي خلال مؤتمر حزبها في برمنغهام، بين من يدعو إلى خروج «قوي» وخروج «لين» أو «ناعم».
الخروج «القوي» يعني قطع كل الروابط بشكل سريع مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي، والانسحاب من السوق المشتركة، والاعتماد بدلا من ذلك على قواعد منظمة التجارة العالمية للتبادل الخارجي. أما الخروج «اللين»، فيعني الحفاظ على الوصول إلى السوق المشتركة بشكل ما، لكن زعماء الاتحاد الأوروبي أوضحوا أن ذلك مرتبط باستمرار حرية الحركة للعاملين في الاتحاد الأوروبي إلى داخل بريطانيا.
وكانت عملية الهجرة الجماعية غير المضبوطة من الاتحاد عاملا كبيرا في التصويت البريطاني التاريخي، لتصبح أول دولة تغادر الاتحاد الأوروبي بعد عضوية استمرت 40 عاما. وأصرت بروكسل أنه في حال أرادت بريطانيا تجارة حرة مع الاتحاد، فعليها القبول بحرية تنقل الأفراد.
لكن ماي قالت: إنها تريد تجارة حرة في السلع والخدمات، وبريطانيا لن تترك الاتحاد الأوروبي «من أجل التخلي عن السيطرة على الهجرة مرة أخرى». وأضافت: «سنقرر بأنفسنا كيف نسيطر على الهجرة».
ولاقى إعلان ماي التي عملت بهدوء من أجل بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، ترحيبا من القادة الأوروبيين والمحافظين المتشككين على حد سواء. وكتب رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك على «تويتر» أن ماي قدمت «توضيحا موضع ترحيب»، مضيفا أنه بمجرد تفعيل المادة 50 فإن الاتحاد الأوروبي «سينخرط لحماية مصالحه».
أما النائب المحافظ المشكك في أوروبا، برنار جينكين، فوصف تصريحات ماي بـ«الخطاب الممتاز». وكانت ماي أعلنت في وقت سابق الأحد عن «قانون الإلغاء الكبير» لإنهاء سلطة قانون الاتحاد الأوروبي فور خروج بريطانيا من الاتحاد.
وسيلغي هذا القانون مجموعة القوانين التي تجعل من أنظمة الاتحاد الأوروبي هي المتحكمة، وإدراج جميع قوانين الاتحاد في القانون المحلي وتأكيد أن البرلمان البريطاني يستطيع تعديل هذه القوانين متى شاء.
ولكن هذه الخلافات والانقسامات قد تكون سهلة مقارنة مع ما ينتظر ماي عندما تبدأ فعلا عملية الخروج، وهي مهمة هائلة لا تحصى تداعياتها. وتقول الكاتبة في «فايننشيال تايمز» جنان غانيش إن تيريزا ماي أنهت «أفضل أسابيعها» وما ينتظرها ليس سوى الأسوأ، لأن سائر أعضاء الاتحاد الأوروبي ليست لديهم أي نية في التساهل معها.
لكن ماي لا تزال تتمتع اليوم بالكثير من المزايا ومن بينها شعبية مريحة، كما أنها تستفيد من تخبطات حزب العمال المعارض الذي تمزقه الخلافات الداخلية وأزمة قيادة لم يحلها تماما انتخاب جيرمي كوربن رئيسا له للمرة الثانية السبت الماضي.
وبما أنهم يديرون الدفة وحدهم، قد يميل المحافظون إلى تجربة حظهم وتقديم موعد الانتخابات التشريعية المرتقبة في 2020. وأظهرت استطلاعات الرأي تقدم المحافظين على العمال بهامش كبير.
إلا أن ماي استبعدت إجراء انتخابات عامة قبل موعدها المحدد في 2020، وقالت لصحيفة «صنداي تايمز» إن إجراء انتخابات مبكرة «سيبعث مؤشرا على عدم استقرار» البلاد.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.