واقع التشيّع في المغرب

بين تهديد الأمن الروحي والاستيعاب السياسي

جنازة في مدينة طنجة لشيعي مغربي توفي في بلجيكا قبل أشهر
جنازة في مدينة طنجة لشيعي مغربي توفي في بلجيكا قبل أشهر
TT

واقع التشيّع في المغرب

جنازة في مدينة طنجة لشيعي مغربي توفي في بلجيكا قبل أشهر
جنازة في مدينة طنجة لشيعي مغربي توفي في بلجيكا قبل أشهر

كشفت عدة تقارير دولية ووطنية، من ضمنها تقرير الحريات الدينية الذي تصدره وزارة الخارجية الأميركية، وتقرير الحالة الدينية الذي يصدره المركز المغربي للدراسات والأبحاث عام 2015م، أن ظاهرة التشيّع بالمغرب أصبحت تحديًا جديًا يواجه المجتمع والدولة. فلقد كانت منظومة التدين المغربي والمغاربي، مؤطرة منذ قرون طويلة بتصوّرات المذهب المالكي والاعتقاد الأشعري، غير أن إيران وحلفاءها مذهبيًا وطائفيًا، أخذوا يستغلون تحوّلات ما أطلق عليه علماء الاجتماع المعاصر «عصر الأديان»، وموجاته المعقدة، لنشر التشيّع بشمال أفريقيا. وهو ما عرّض النسيج الديني لهذه المنطقة للتفاعلات الطائفية بالشرق الأوسط، وأدمجها قسرًا في عولمة القيم والتدين المتلبس بالتشيّع الإمامي، والمتخذ من المرجعيات العقدية الإيرانية والعراقية واللبنانية، مرجعيته الدينية العليا.
وظاهرة التشيع في المغرب جعلت كثيرًا من المتخصصين والباحثين في هذه الظاهرة بشمال أفريقيا، ينبهون إلى التهديد الذي يشكله مَن يطلقون على أنفسهم اسم «المستبصرين» على وحدة النسيج الديني، والتماسك العقدي. وذلك إذ يصبح الولاء الخارجي للشيعة بشمال أفريقيا قضية تداخل انصهاري بين العقيدة والسياسة في المذهب الجعفري، وهو ما يجعل من الولي الفقيه في إيران سلطة دينية وسياسية، يخضع لها الشيعة في شمال أفريقيا.
من الناحية العملية، يصعب تحديد أرقام محددة للمتشيّعين المغاربة، لسببين: السبب الأول أنهم يخفون نوعية تدينهم ومعتقداتهم، ويمارسون التقية مع محيطهم الاجتماعي، والخاص في كثير من الأحيان. والسبب الثاني، أن مواقفهم السياسية تتعارض والثوابت المغربية التي تجعل من الاستقلالية الدينية والسياسية المغربية مرتبطة بالملك، بصفته أميرًا للمؤمنين، كما ينص على ذلك الفصل 41 من دستور 2011م.
ومع أن تقارير وزارة الخارجية الأميركية تفيد بأن في المغرب نحو 8 آلاف شيعي أو متشيّع، فإن هذا العدد يضم، أساسًا، الشيعة العراقيين والسوريين واللبنانيين الموجودين على أرض المملكة المغربية. في حين يقدر بعض الباحثين في ظاهرة التشيّع بالمغرب عدد الشيعة المغاربة المستقرين بنحو 3 آلاف فقط. ويؤكد الباحثون المشار إليهم أن التشيّع بالبلاد ينقسم إلى قسمين: الأول، تشيّع عقدي وهو الأخطر والأقل عددًا. والثاني، تشيّع سياسي وهو الأكثر والأبرز، ويستفيد أساسًا من الموقف الشعبي المغربي حول القضية الفلسطينية، وضرورة مقاومة الكيان الصهيوني.
في هذا السياق وانطلاقًا من نقاشات أجريناها مع بعض المتشيّعين المغاربة، بخصوص تكاثرهم، وطريقة ممارسة التدين والتحرك العام بالمجتمع المغربي، نسجل إقرارهم بأنهم يواجهون بصدّ مجتمعي وذهنية شعبية رافضة للطائفية وللارتباط بالتدين الخارجي البعيد عن المذهب المالكي والأشعرية السنّيّة المعروفة في العرف والتقاليد الدينية الشعبية. كذلك فإنهم يواجهون برفض سياسي من الدولة، يهم على الخصوص ارتباطهم السياسي بولاية الفقيه، من جهة، وارتباطهم المالي بدوائر مجهولة تموّل بعض الجمعيات والمكتبات، وبعض الشخصيات الشيعية المغربية.
* ارتباط وولاء عقدي
ينقسم الشيعة المغاربة إلى عدة تيارات قليلة العدد، يجمع بينها الارتباط والولاء العقدي والسياسي للخارج. وللعلم، قبل أن تظهر التنظيمات الشيعية الجديدة، كان التعاطي مع المقولات المذهبية الشيعية منحصرًا في الجامعات المغربية. وكان هذا التعامل فكريًا سياسيًا، ومبتعدًا عن التمثل العقدي. غير أن منتصف الألفية الثالثة شهد تغيرًا مهمًا، حين استغل المتشيّعون المغاربة مجموعة من العوامل للظهور بشكل سريع على سطح الساحة السياسية الدينية في المغرب.
أول هذه العوامل، الانفراج الذي شهدته العلاقات المغربية الإيرانية في عهد الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، وكذلك الحرب الأخيرة بين ما يسمى «حزب الله» اللبناني وإسرائيل عام 2006، وما خلفه ذلك من تعاطف عربي شعبي كبير مع ما كان يطلق عليه اسم «جبهة المقاومة». وكان للقنوات الفضائية التابعة والداعمة لإيران، ومنها قنوات عراقية وقناة المنار والعالم وغيرها، في حينه، دور مهم في الترويج للتدين الشيعي. غير أن أهم عاملين ما زالا يتحكّمان في ظهور التشيع بالمغرب على السطح، يتعلقان بالدراسة في الخارج، خصوصًا في سوريا. فأهم الرموز المغربية المعروفة اليوم على الساحة سبق لها أن درست بجمهورية الأسد.
* سفارة إيران في بلجيكا
أما العامل الثاني، فيتمثل في الدور النشط جدًا للسفارة الإيرانية في بلجيكا والجمعيات التابعة لها ماليًا. ولقد أسهمت هذه السفارة، بالذات، بقوة في تشيّع المهاجرين المغاربة. إذ منذ بداية التسعينات من القرن العشرين أقدمت هذه السفارة على تقديم مساعدات مالية شهرية منتظمة للشباب المغربي الوافد إلى بلجيكا، وتشجيعهم على زواج المتعة الذي يمكّنهم من الحصول على أوراق الإقامة. كذلك عملت على ربط جزء من المغاربة بشخصيات دينية تمثل مرجعية الولي الفقيه بالعاصمة البلجيكية بروكسل ونواحيها، ومولت أنشطة وزيارات لإيران استفاد منها هؤلاء الشباب، وهو ما مكّن الإيرانيين من تأسيس جالية شيعية مغربية في بلجيكا تقدر بنحو 20 ألف مغربي.
هذا المسار انعكس على التشيّع داخل المغرب، وقسمه لبعدين؛ خارجي وداخلي: الأول، تتحكم فيه إيران بشكل مباشر وهو يتمثّل بالشيعة المغاربة في أوروبا، خصوصًا الشيعة المغاربة في بلجيكا الذين يقطنون في مدن بروكسل (العاصمة) ولييج وشارلروا وأنتويرب، والذين يكثفون جهودهم لنشر مذهبهم الطائفي بمدن المغرب الشمالية.
والواقع، أن بروكسل وغيرها من المدن البلجيكية غدت قاعدة خلفية لـ«الغزو» الشيعي الطائفي للمغرب. وهذا الاستهداف المنظم له مؤسساته من مثل «جمعية الهدى» بإمامة الشيخ بلوق، و«جمعية الهادي المغربية» المرتبطة بالمراجع العراقية الشيعية، إضافة إلى «مركز أبحاث وحسينية الحسن المجتبى للإخوان العراقيين» التي تجمع الطرفين، كما ينشط الشيعة المغاربة بمدرسة في «مركز الرضا» متخصصة في تعليم أبناء الجالية.
* داخل المغرب
أما البعد الداخلي المتعلق بالشيعة المستقرين داخل المغرب، فتعمل الدولة وأجهزتها الأمنية، على فصله بشكل تام عن إيران وسعيها الحثيث لتقسيم المغرب طائفيًا، وخلق «جيوب» لها في أفريقيا عبر دعم شبكتها المنظمة في غرب القارة، التي تمتد من نيجيريا إلى السودان، ومن السنغال إلى الغابون وساحل العاج، مرورًا بالجزائر ووصولاً إلى المغرب.
أيضًا على المستوى الداخلي، سجل المتخصصون تراجعًا كبيرًا لجمعية «الغدير» في مدينة مكناس التي أسسها شيعة مغاربة تأثروا بالفضاء الجامعي، وما كان يتداول فيه من كتب وأفكار كل من السيد حسين فضل الله والسيد محمد مهدي شمس الدين والدكتور علي شريعتي والسيد محمد باقر الصدر والرئيس الأسبق محمد خاتمي.. في تسعينات القرن العشرين. غير أن «الغدير» وخطها في التشيّع لم يعد لهما أثر يذكر حاليًا. ولكن في المقابل، ظهر تياران متمركزان بشمال المملكة، وبالتحديد في مدينة طنجة، هما:
1 - «هيئة الإمام الشيرازي»، وهي مجموعة متشيّعة كانت تحمل اسم «هيئة شيعة طنجة» قبل عام 2012م، ثم غيّرت اسمها، دون أن تغير من ارتباطها بياسر الحبيب، الطائفي المتطرف المقيم في العاصمة البريطانية لندن راهنًا، الذي سحبت منه الكويت جنسيتها.
2 - المجموعة الثانية تعرف بـ«الخط الرسالي»، ويذكر أنه عام 2013 سمحت السلطات المغربية لأعضاء من هذه المجموعة بتأسيس جمعية «الرساليون التقدميون». كما اعترف بشكل قانوني بمؤسسة «الخط الرسالي للدراسات والنشر» عام 2014، ثم في العام الماضي 2015 أعلن متشيّعو «الخط الرسالي» تأسيس «المرصد الرسالي لحقوق الإنسان».
* التعامل مع الظاهرة
في هذا السياق تحاول السلطة السياسية في المغرب ألا تجعل من ظاهرة التشيع حدثًا إعلاميًا أو حقوقيًا، بل تكتفي بالمراقبة الأمنية، كي تتجنب الانتقادات المتكررة للتقارير الأميركية المدافعة عن التشيع والتنصير في المغرب.
ويبدو أن هذه السياسة الجديدة، غير ثابتة، ذلك أن السلطة واجهت المجموعات الشيعية عام 2009 بحزم، وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع إيران، كما أغلقت المدرسة العراقية بالرباط. بل وصل الأمر إلى إقدام وزارة التعليم العالي على إلغاء حصص اللغة الفارسية في الجامعات المغربية، وإغلاق بعض المكتبات الخاصة بالكتب الشيعية، وإخضاع بعض الأفراد لاستجوابات أمنية في كل من مدن الدار البيضاء وطنجة والصويرة وفاس.
غير أن الوضع بدأ يتغير من جديد منذ عام 2012م، إذ لم تكتفِ السلطة السياسية المغربية بالاعتراف القانوني ببعض المؤسسات التي أسسها الشيعة المغاربة، بل سمحت لهم بالاحتفال الجماعي بعاشوراء لأول مرة عام 2014م، حين أقيمت طقوس بحضور نحو 300 فرد في قاعة للحفلات بمدينة طنجة. ويأتي هذا بعد السماح لمجموعة شيعية في المدينة نفسها بتشييع جثمان أحد أفرادها عبد الله الدهدوه، الذي قتل في بلجيكا عام 2012م، وشهدت الجنازة خروجًا واضحًا عن المذهب المالكي، من خلال طريقة الدفن مثل دفن كتاب مع الجثة وحضور النساء.
* الدمج سياسيًا
من جانب آخر، يظهر أن السلطة السياسية في المغرب تسعى لدمج الشيعة المغاربة في الحقل السياسي، بعدما سمحت لهم بمزاولة بعض شعائرهم بشكل جماعي. إذ التحق أبرز الوجوه الشيعية إدريس هاني، بحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية عام 2015، وكان هاني من المؤسسين لحزب النهضة والفضيلة، والمعدين لورقته المذهبية عام 2005، قبل أن ينسحب منه ويلتحق بحزبه الجديد. وفي السياق ذاته، نسجل أنه عام 2015 سجلت محاولة لبعض الوجوه الشيعية للالتحاق بالحزب الاشتراكي الموحّد، غير أن أطرافًا من داخل الحزب تحفّظت عن اتخاذ هذه الخطوة، خصوصًا مع غموض ارتباطات بعض العناصر الشيعية بإيران، وإيمانها العقدي بولاية الفقيه. في أي حال، يبدو مما سبق أن ظاهرة التشيع في المغرب لها امتدادات خارجية واضحة، تتعلق بالجهود الإيرانية لتشييع الجالية المغربية المقيمة في بلجيكا وكندا وهولندا وإسبانيا، ومن ثم ربط الشيعة المقيمين في المغرب بشيعة غرب أفريقيا، عبر عمل شبكي يلقى دعمًا سياسيًا وماليًا من طهران وشيعة لبنان خاصة. كل هذا من شأنه أن يهدد الأمن الروحي المغربي وتماسك وحدة مذهبه المالكي، الذي قال عنه المؤرخ والمفكر المغربي عبد الله العروي إنه «مذهب مسح الطاولة بشمال أفريقيا»، واستطاع لقرون طويلة جدًا الحفاظ على الوحدة الدينية المذهبية المغاربية، مع الاعتزاز بحب آل البيت.
من الناحية السياسية، تتعارض ولاية الفقيه، مع الاستقلال الديني التاريخي المغربي عن المشرق، إذ تتناقض السلطة الدينية والسياسية التي يتمتع بها مرشد الثورة الإيرانية مع صلاحيات إمارة المؤمنين للملك التي ينص عليها الدستور المغربي. ذلك أن ولاية الفقيه التي تجعل للفقيه المعصوم ولاية على الفرد الشيعي أينما كان، وعلى المجتمع وعلى الدولة الشيعية. وبذلك يتبين أن هذا المفهوم يتناقض والثوابت الدينية والدستورية المغربية، وخصوصًا الفصل 41 من الدستور الحالي.

* أستاذ علوم سياسية في جامعة محمد الخامس - الرباط



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».