المعمّمون في الغرب.. صوت الوسطية لمواجهة التشدد

القاهرة تستضيف ممثلي 80 دولة لتصحيح النصوص «المشوّهة»

جزء من  أزمة أئمة المساجد الوافدين إلى الغرب من العالم العربي والإسلامي هو بعدهم عن المجتمع الأوروبي وثقافته
جزء من أزمة أئمة المساجد الوافدين إلى الغرب من العالم العربي والإسلامي هو بعدهم عن المجتمع الأوروبي وثقافته
TT

المعمّمون في الغرب.. صوت الوسطية لمواجهة التشدد

جزء من  أزمة أئمة المساجد الوافدين إلى الغرب من العالم العربي والإسلامي هو بعدهم عن المجتمع الأوروبي وثقافته
جزء من أزمة أئمة المساجد الوافدين إلى الغرب من العالم العربي والإسلامي هو بعدهم عن المجتمع الأوروبي وثقافته

يراهن خبراء ومتابعون لأوضاع الجاليات الإسلامية في الغرب على أن المعممين من الدعاة والأئمة الموفدين إلى أوروبا هم الأمل في نشر صوت الوسطية ووقف نزيف التشدد، الذي تسعى لنشره بعض القوى والتنظيمات والأفراد داخل المجتمعات الغربية.
وكانت ظاهرة «الإسلاموفوبيا» قد تنامت خلال السنوات الأخيرة نتيجة الأفعال الإرهابية التي تنفذها التنظيمات المتطرفة؛ بل لا يكاد يمر يوم واحد من دون أن نسمع عن مظاهرة ضد المسلمين في الدول الأوروبية حتى من دون أي مبرر، وعليه فإن مسلمي الغرب يواجهون مشكلات عدة تفرض عليهم التأكيد مرة تلو الأخرى على براءتهم من هذه الأفعال.
ومع تزايد الهجمات الإرهابية في الغرب يحاول المسلمون، وبخاصة الأئمة والدعاة هناك إلى اتخاذ خطوات جادة للتصدي لهذه الهجمات، في محاولة لتبرئة دين الإسلام مما يحدث. بينما يرى مراقبون أن «الدور الإعلامي حتى الآن لبعض الدعاة والأئمة في الغرب ما زال ضعيفًا، ولا يرقى لمستوى الطموح والتحدي والتقدم الإعلامي الحديث، لذا تسربت الجماعات الإرهابية بأفكارها إلى عقول الشباب والأسر بمفاهيم عن الإسلام خاطئة». ويلفت المتابعون إلى أن بعض من يتولون الخطابة من الدعاة غير أكفاء بالنسبة لمعلوماتهم الشرعية، ولا يعون مشكلات البلدان التي يعيشون فيها؛ ما يجعلهم في «واد» والناس ومشكلاتهم في «واد» آخر.
نظرًا لأهمية دور الأئمة المسلمين في دول الغرب، قررت مصر لأول مرة تنظيم مؤتمر عالمي لدور وهيئات الإفتاء حول العالم برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبمشاركة وفود من 80 دولة إسلامية وعربية من مختلف قارات العالم. وفي تصريح له قال مفتي مصر الدكتور شوقي علام إن «المؤتمر يسعى لسحب البساط من التيارات المتشددة، ولتأكيد أن الأئمة والدعاة في الغرب هم نواة نشر الإسلام وتصحيح المفاهيم في الخارج».
الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، ومقرها دار الإفتاء المصرية في القاهرة، هي أول هيئة علمية متخصصة تضم ما يزيد على 21 مفتيًا وعالمًا من مختلف دول وقارات العالم يحملون المنهج الوسطي. وكان قد أعلن عنها خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي في العاصمة المصرية، بهدف تقليص فجوة الاختلاف بين جهات الإفتاء، من خلال التشاور العلمي بصورة المختلفة، والتصدي لظاهرة الفوضى والتطرف في الفتوى.
ولقد أوضحت مصادر مطلعة في دار الإفتاء بمصر أن «مؤتمر القاهرة سوف يعقد تحت عنوان (التكوين العلمي والتأهيل الإفتائي لأئمة المساجد للأقليات المسلمة) لمدة يومين في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وسيثار خلال المؤتمر مناقشة عدد من القضايا المهمة التي تتعلق بالجاليات المسلمة في الدول الغربية، وكيفية تأهيل أئمة المساجد هناك لمعالجة قضايا التشدّد في الجالية المسلمة والتحديات التي تواجهها».
وأردفت المصادر أن «ملتقى القاهرة يتصدّى بقوة للجماعات المتطرفة التي تستخدم الفتوى كأداة لهدم المجتمعات ونشر الفوضى، وتستغل بعض النصوص الدينية التي تفسرها بمنطق «مشوّه» وغير علمي، من أجل تحقيق مصالحها الشخصية وتبرير أعمالها الإجرامية».
ومن جانبه، قال مفتي مصر «إننا نسعى خلال المؤتمر بمشاركة العلماء لبناء تكتل وسطي من خلال دعم وتأهيل قادة الرأي الديني من أئمة المساجد في الغرب في مجال الإفتاء، وكيفية مواجهة ظاهرة التشدّد والتحديات التي تواجه الجاليات المسلمة في الخارج».
والواقع أن بعض الجاليات المسلمة تشكو من «تقوقع» الأئمة في الغرب حول الذات، أو حول الخطاب الديني المتعلق بالمؤسسة الدينية التابعين لها. ومعلوم أنه سبق أن شن تنظيم «داعش» المتطرف الإرهابي هجمات دامية في عدد من الدول من بينها الولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا، الأمر الذي شجّع حركات متشددة في الغرب على شن حملات عدائية عنصرية ضد المسلمين واتهام الإسلام، بأنه دين قتل وعنف.
المصادر المطلعة في الإفتاء قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الأحداث الإرهابية التي تحدث في كثير من دول العالم تجعلنا أمام تحد متزايد لنقل صورة الإسلام الصحيحة أمام العالم»، مشيرة إلى «أن (داعش) يسعى بقوة لتأهيل جيل جديد من القتلة من المواطنين الأوروبيين خاصة الشباب، لا يحملون في عقولهم ولا قلوبهم سوى منهج التنظيم الدموي الذي يبتهج لرؤية الدماء ومشاهدة القتل والذبح... ولذلك سيتصدى المؤتمر لهذا الوباء اللعين».
من ناحية ثانية، أفاد خبراء بأن جزءًا من أزمة أئمة المساجد الوافدين إلى الغرب من العالم العربي والإسلامي «بعدهم عن المجتمع الأوروبي وثقافته، ما يؤثر في نظرتهم للحياة، فضلاً عن التأثيرات المحتملة على النشء الجديد الذي يتلقى تعاليم الدين على أيدي هؤلاء الأئمة الذين يحملون أفكارًا اجتماعية وثقافية مختلفة، وغالبًا ما تكون غير متوائمة مع المجتمع الجديد الذي يضمهم». ويرى مراقبون أنه في ظاهر الأمر تريد أوروبا أن يتشبّع المسلم الذي يترعرع بين جنباتها بمعظم القيم الغربية، ومنها احترام الرأي الآخر والتسامح والتواصل والالتزام بالأنظمة ومراعاتها وعدم الانحراف عنها؛ ولكن في حقيقة الأمر فهو لـ«كبح جماح» التطرف الذي قد يؤدي إلى الإرهاب من قبل بعض التفسيرات والفتاوى الخاطئة.
* أزمة أهلية
مفتي مصر الدكتور علام قال إن الإسلام مثل الأديان الأخرى يشهد «ظاهرة تصدي غير المتخصصين للفتوى، ممن ليس لهم نصيب وافر من التعليم الديني، وتنصيب أنفسهم مرجعيات دينية، على الرغم من أنهم يفتقرون إلى المقومات التي تؤهلهم للحديث في الشريعة والأخلاق». وأردف قائلاً: «هذا التوجه أدى إلى أن فتح الباب على مصراعيه أمام التفسيرات المتطرفة للإسلام والتي لا أصل لها في الواقع. إذ لم يدرس أحد من هؤلاء المتطرفين الإسلام في أي من معاهد التعليم الديني الموثوق بها، وإنما هم نتاج بيئات مفعمة بالمشكلات، ولقد انخرطوا في تفسيرات مشوهة ومنحرفة لا أساس لها في العقيدة الإسلامية، فغايتهم تحقيق مآرب محض سياسية لا أصل دينيا لها، وهمهم إشاعة الفوضى في العالم».
وعن موضوع المؤتمر، أضاف علام، الذي سيترأس مؤتمر القاهرة، أنه «جرى اختيار موضوع المؤتمر بدقة وعناية، إيمانًا من الإفتاء المصرية بأن الأئمة والدعاة في الغرب هم نواة نشر الإسلام وتصحيح المفاهيم في الخارج، ومن الأهمية بمكان أن يتم تدريبهم وتأهيلهم للتعامل مع النصوص الشرعية، والتعاطي مع معطيات الواقع، وامتلاك أدوات وأساليب الخطاب الديني الصحيح الوسطي البعيد عن التفريط والإفراط، وتأصيل الرباط بين الأئمة والدعاة وبين العلماء الثقات والمؤسسات الإسلامية الكبرى في العالم الإسلامي».
ثم أضاف: «لا شك أن الحوادث الإرهابية التي تقترف في الغرب باسم الإسلام - والإسلام منها براء - لها دور كبير في تصاعد حدة الهجوم على الإسلام والمسلمين، وإذا كان البعض يرى أن هذه الحوادث ظاهرة دينية، فإنها حقًا تمثل مظهرًا من مظاهر التمييز العنصري المقيت، إنه تمييز عنصري ضد الدين. لقد عاش الغرب لفترة طويلة وهو يغضّ الطرف عن المدارس الإسلامية، لأنه لم ير منها إلا كل خير؛ بل إن معظم خريجي هذه المدارس كانوا من خيرة المواطنين في بلدانهم الأوروبية، ولذلك فإن أغلب العمليات الإرهابية التي نفذت في الغرب، إنما نفذت على أيدي وافدين جدد لا ينتمون لهذه المدارس».
وأضاف المفتي الدكتور علام أن علماء الدين الإسلامي أخذوا على عاتقهم «نشر الصورة الحقيقية عن الإسلام، التي نأمل أن تعطي العالم فهم أفضل عن الإسلام»، مشيرا إلى أن خطر الإرهاب أصبح يهدد الجميع».. ولن ننجح في تحقيق أي تقدم ملموس في هذا الملف الخطير؛ إلا إذا تحمل كل طرف مسؤوليته بجدية.
* دعاة أكثر من فقهاء
في هذه الأثناء، يشدد مراقبون على أن «المجتمعات الغربية بحاجة إلى إعداد من الدعاة أكثر منها إلى إعداد من الفقهاء، كما أن هؤلاء الدعاة، بجانب العلم الشرعي، يحتاجون لإتقان فن الإلقاء والإلمام بفنون وأساليب التواصل والحوار مع الآخر». ويشار إلى أنه في أعقاب تصاعد الخطاب العنصري والتمييز ضد الجاليات المسلمة في الكثير من الدول الغربية تحت وقع التأويل المغلوط لآيات القرآن الكريم، تتواتر الادعاءات الكاذبة ضد الإسلام، صاحب الرسالة العالمية، بأنه محرّض هؤلاء القتلة على كل الجرائم التي اقترفوها ضد البشرية لمن يدعى زورًا أنه يمثل الإسلام بوجه قبيح يستحب قتل الأبرياء وترويع الآمنين بفتاوى مغلوطة وآراء محرفة.
جدير بالذكر أنه كان قد اتفق 25 مفتيًا من مختلف دول العالم خلال سبتمبر (أيلول) الماضي في القاهرة على تأسيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم. وقالت المصادر المطلعة في الإفتاء نفسها إن «مهام الأمانة العامة التنسيق بين دور الإفتاء لبناء منظومة إفتائية وسطية علمية منهجية، تعمل على بناء استراتيجيات مشتركة بين دور وهيئات الإفتاء الأعضاء لطرح خطاب إفتائي علمي متصل بالأصل ومرتبط بالعصر؛ لمواجهة التطرف في الفتوى». وأضافت: «تهدف (أي الأمانة) كذلك إلى التبادل المستمر للخبرات بين دور وهيئات الإفتاء أعضاء الأمانة، وتقديم الاستشارات الإفتائية لمؤسسات الإفتاء والمفتين حول العالم، وأيضًا تقديم الدعم العلمي للدول والأقليات الإسلامية لإنشاء دور إفتاء محلية في هذه الدول».
وفي السياق ذاته، قال بعض الأئمة المصريين الذين عملوا لسنوات في الخارج، إنه مطلوب تأهيل وتدريب الأئمة والدعاة سواءً في مجال تعليم اللغات الأجنبية أو العلوم الشرعية وقضايا العصر، فضلاً عن تطوير قدرات الأئمة وتدريبهم على استخدام وسائل العصر، بهدف تخريج جيل من الدعاة قادر على الحوار مع الغرب بلغته، وذلك من أجل تصحيح صورة الإسلام. ويلفت هؤلاء إلى أن المؤتمر بحضوره الواسع من العلماء سيسهم في المساعدة على ذلك، خاصة، أن المؤتمر مهم جدًا في هذا التوقيت، لأن الغرب عندما يجد إمامًا يتحدث بلغتهم، هذا يمثل نقطة فارقة في التواصل والحوار.
* أهمية الترجمة
وهنا علّق سعيد محمود، وهو إمام وخطيب مصري، قائلاً إن «الترجمة لها دور مهم في الدعوة، وهذه الرسالة تهم الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم، لأن التواصل مع الغرب بلغتهم أمر ضروري، لتصحيح صورة الإسلام والتواصل مع المسلمين في الخارج. ولا بد أن نعرف كيف يفكر الغرب، وذلك بهدف التواصل والحوار... فالإسلام دين الحوار وليس دين الصدام».
وأضاف محمود أن «على الداعية في الغرب العمل على كشف حقيقة ظاهرة (الإسلاموفوبيا) التي يسببها الجهل بالإسلام وحضارته، والتحذير من آثارها السلبية في السلم العالمي، بما تعمقه من جراحات الماضي، وما تستنبته من بذور العداء والكراهية. وعليه أيضًا التأكيد على التعاضد في إنهاء الحروب والصراعات التي أذاقت الإنسانية الويلات، وخلفت الكثير من الآلام، بالإضافة إلى ضرورة تحصين الشباب من التيارات والأفكار التي تتناقض مع قيم الإسلام وتوجيهاته، والنأي عن كل ما يؤجج الفتن، ويثير عداء الآخرين عن الإسلام وحضارته وأبنائه».
أخيرًا، أكدت المصادر المطلعة في الإفتاء بمصر أن «مؤتمر القاهرة سيحث على ضرورة تعاون المسلمين في الغرب مع الدول والمؤسسات الإسلامية، بما يحفظ سمعة المسلمين، ويصون مقدساتهم عن العبث والعدوان لتصحيح المفاهيم، ولتكوين صورة حقيقية عن الإسلام والمسلمين، فضلاً عن وضع خطط تعزيز الاتصال مع الجهات الموضوعية في الغرب، وحثها على توظيف منابرها الإعلامية والثقافية والأكاديمية في خدمة الحقيقة المسلمة. وأيضًا، الكف عن بث المواد التحريضية ضد الإسلام، والعمل على إشاعة ثقافة التسامح والحوار وترسيخهما في المجتمعات الإنسانية، والتصدي للعنف والتطرف والإرهاب والنظريات المسمومة المروّجة لصراع الحضارات وحتمية المواجهة بين الثقافات المختلفة».



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».