المعمّمون في الغرب.. صوت الوسطية لمواجهة التشدد

القاهرة تستضيف ممثلي 80 دولة لتصحيح النصوص «المشوّهة»

جزء من  أزمة أئمة المساجد الوافدين إلى الغرب من العالم العربي والإسلامي هو بعدهم عن المجتمع الأوروبي وثقافته
جزء من أزمة أئمة المساجد الوافدين إلى الغرب من العالم العربي والإسلامي هو بعدهم عن المجتمع الأوروبي وثقافته
TT

المعمّمون في الغرب.. صوت الوسطية لمواجهة التشدد

جزء من  أزمة أئمة المساجد الوافدين إلى الغرب من العالم العربي والإسلامي هو بعدهم عن المجتمع الأوروبي وثقافته
جزء من أزمة أئمة المساجد الوافدين إلى الغرب من العالم العربي والإسلامي هو بعدهم عن المجتمع الأوروبي وثقافته

يراهن خبراء ومتابعون لأوضاع الجاليات الإسلامية في الغرب على أن المعممين من الدعاة والأئمة الموفدين إلى أوروبا هم الأمل في نشر صوت الوسطية ووقف نزيف التشدد، الذي تسعى لنشره بعض القوى والتنظيمات والأفراد داخل المجتمعات الغربية.
وكانت ظاهرة «الإسلاموفوبيا» قد تنامت خلال السنوات الأخيرة نتيجة الأفعال الإرهابية التي تنفذها التنظيمات المتطرفة؛ بل لا يكاد يمر يوم واحد من دون أن نسمع عن مظاهرة ضد المسلمين في الدول الأوروبية حتى من دون أي مبرر، وعليه فإن مسلمي الغرب يواجهون مشكلات عدة تفرض عليهم التأكيد مرة تلو الأخرى على براءتهم من هذه الأفعال.
ومع تزايد الهجمات الإرهابية في الغرب يحاول المسلمون، وبخاصة الأئمة والدعاة هناك إلى اتخاذ خطوات جادة للتصدي لهذه الهجمات، في محاولة لتبرئة دين الإسلام مما يحدث. بينما يرى مراقبون أن «الدور الإعلامي حتى الآن لبعض الدعاة والأئمة في الغرب ما زال ضعيفًا، ولا يرقى لمستوى الطموح والتحدي والتقدم الإعلامي الحديث، لذا تسربت الجماعات الإرهابية بأفكارها إلى عقول الشباب والأسر بمفاهيم عن الإسلام خاطئة». ويلفت المتابعون إلى أن بعض من يتولون الخطابة من الدعاة غير أكفاء بالنسبة لمعلوماتهم الشرعية، ولا يعون مشكلات البلدان التي يعيشون فيها؛ ما يجعلهم في «واد» والناس ومشكلاتهم في «واد» آخر.
نظرًا لأهمية دور الأئمة المسلمين في دول الغرب، قررت مصر لأول مرة تنظيم مؤتمر عالمي لدور وهيئات الإفتاء حول العالم برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبمشاركة وفود من 80 دولة إسلامية وعربية من مختلف قارات العالم. وفي تصريح له قال مفتي مصر الدكتور شوقي علام إن «المؤتمر يسعى لسحب البساط من التيارات المتشددة، ولتأكيد أن الأئمة والدعاة في الغرب هم نواة نشر الإسلام وتصحيح المفاهيم في الخارج».
الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، ومقرها دار الإفتاء المصرية في القاهرة، هي أول هيئة علمية متخصصة تضم ما يزيد على 21 مفتيًا وعالمًا من مختلف دول وقارات العالم يحملون المنهج الوسطي. وكان قد أعلن عنها خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي في العاصمة المصرية، بهدف تقليص فجوة الاختلاف بين جهات الإفتاء، من خلال التشاور العلمي بصورة المختلفة، والتصدي لظاهرة الفوضى والتطرف في الفتوى.
ولقد أوضحت مصادر مطلعة في دار الإفتاء بمصر أن «مؤتمر القاهرة سوف يعقد تحت عنوان (التكوين العلمي والتأهيل الإفتائي لأئمة المساجد للأقليات المسلمة) لمدة يومين في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وسيثار خلال المؤتمر مناقشة عدد من القضايا المهمة التي تتعلق بالجاليات المسلمة في الدول الغربية، وكيفية تأهيل أئمة المساجد هناك لمعالجة قضايا التشدّد في الجالية المسلمة والتحديات التي تواجهها».
وأردفت المصادر أن «ملتقى القاهرة يتصدّى بقوة للجماعات المتطرفة التي تستخدم الفتوى كأداة لهدم المجتمعات ونشر الفوضى، وتستغل بعض النصوص الدينية التي تفسرها بمنطق «مشوّه» وغير علمي، من أجل تحقيق مصالحها الشخصية وتبرير أعمالها الإجرامية».
ومن جانبه، قال مفتي مصر «إننا نسعى خلال المؤتمر بمشاركة العلماء لبناء تكتل وسطي من خلال دعم وتأهيل قادة الرأي الديني من أئمة المساجد في الغرب في مجال الإفتاء، وكيفية مواجهة ظاهرة التشدّد والتحديات التي تواجه الجاليات المسلمة في الخارج».
والواقع أن بعض الجاليات المسلمة تشكو من «تقوقع» الأئمة في الغرب حول الذات، أو حول الخطاب الديني المتعلق بالمؤسسة الدينية التابعين لها. ومعلوم أنه سبق أن شن تنظيم «داعش» المتطرف الإرهابي هجمات دامية في عدد من الدول من بينها الولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا، الأمر الذي شجّع حركات متشددة في الغرب على شن حملات عدائية عنصرية ضد المسلمين واتهام الإسلام، بأنه دين قتل وعنف.
المصادر المطلعة في الإفتاء قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الأحداث الإرهابية التي تحدث في كثير من دول العالم تجعلنا أمام تحد متزايد لنقل صورة الإسلام الصحيحة أمام العالم»، مشيرة إلى «أن (داعش) يسعى بقوة لتأهيل جيل جديد من القتلة من المواطنين الأوروبيين خاصة الشباب، لا يحملون في عقولهم ولا قلوبهم سوى منهج التنظيم الدموي الذي يبتهج لرؤية الدماء ومشاهدة القتل والذبح... ولذلك سيتصدى المؤتمر لهذا الوباء اللعين».
من ناحية ثانية، أفاد خبراء بأن جزءًا من أزمة أئمة المساجد الوافدين إلى الغرب من العالم العربي والإسلامي «بعدهم عن المجتمع الأوروبي وثقافته، ما يؤثر في نظرتهم للحياة، فضلاً عن التأثيرات المحتملة على النشء الجديد الذي يتلقى تعاليم الدين على أيدي هؤلاء الأئمة الذين يحملون أفكارًا اجتماعية وثقافية مختلفة، وغالبًا ما تكون غير متوائمة مع المجتمع الجديد الذي يضمهم». ويرى مراقبون أنه في ظاهر الأمر تريد أوروبا أن يتشبّع المسلم الذي يترعرع بين جنباتها بمعظم القيم الغربية، ومنها احترام الرأي الآخر والتسامح والتواصل والالتزام بالأنظمة ومراعاتها وعدم الانحراف عنها؛ ولكن في حقيقة الأمر فهو لـ«كبح جماح» التطرف الذي قد يؤدي إلى الإرهاب من قبل بعض التفسيرات والفتاوى الخاطئة.
* أزمة أهلية
مفتي مصر الدكتور علام قال إن الإسلام مثل الأديان الأخرى يشهد «ظاهرة تصدي غير المتخصصين للفتوى، ممن ليس لهم نصيب وافر من التعليم الديني، وتنصيب أنفسهم مرجعيات دينية، على الرغم من أنهم يفتقرون إلى المقومات التي تؤهلهم للحديث في الشريعة والأخلاق». وأردف قائلاً: «هذا التوجه أدى إلى أن فتح الباب على مصراعيه أمام التفسيرات المتطرفة للإسلام والتي لا أصل لها في الواقع. إذ لم يدرس أحد من هؤلاء المتطرفين الإسلام في أي من معاهد التعليم الديني الموثوق بها، وإنما هم نتاج بيئات مفعمة بالمشكلات، ولقد انخرطوا في تفسيرات مشوهة ومنحرفة لا أساس لها في العقيدة الإسلامية، فغايتهم تحقيق مآرب محض سياسية لا أصل دينيا لها، وهمهم إشاعة الفوضى في العالم».
وعن موضوع المؤتمر، أضاف علام، الذي سيترأس مؤتمر القاهرة، أنه «جرى اختيار موضوع المؤتمر بدقة وعناية، إيمانًا من الإفتاء المصرية بأن الأئمة والدعاة في الغرب هم نواة نشر الإسلام وتصحيح المفاهيم في الخارج، ومن الأهمية بمكان أن يتم تدريبهم وتأهيلهم للتعامل مع النصوص الشرعية، والتعاطي مع معطيات الواقع، وامتلاك أدوات وأساليب الخطاب الديني الصحيح الوسطي البعيد عن التفريط والإفراط، وتأصيل الرباط بين الأئمة والدعاة وبين العلماء الثقات والمؤسسات الإسلامية الكبرى في العالم الإسلامي».
ثم أضاف: «لا شك أن الحوادث الإرهابية التي تقترف في الغرب باسم الإسلام - والإسلام منها براء - لها دور كبير في تصاعد حدة الهجوم على الإسلام والمسلمين، وإذا كان البعض يرى أن هذه الحوادث ظاهرة دينية، فإنها حقًا تمثل مظهرًا من مظاهر التمييز العنصري المقيت، إنه تمييز عنصري ضد الدين. لقد عاش الغرب لفترة طويلة وهو يغضّ الطرف عن المدارس الإسلامية، لأنه لم ير منها إلا كل خير؛ بل إن معظم خريجي هذه المدارس كانوا من خيرة المواطنين في بلدانهم الأوروبية، ولذلك فإن أغلب العمليات الإرهابية التي نفذت في الغرب، إنما نفذت على أيدي وافدين جدد لا ينتمون لهذه المدارس».
وأضاف المفتي الدكتور علام أن علماء الدين الإسلامي أخذوا على عاتقهم «نشر الصورة الحقيقية عن الإسلام، التي نأمل أن تعطي العالم فهم أفضل عن الإسلام»، مشيرا إلى أن خطر الإرهاب أصبح يهدد الجميع».. ولن ننجح في تحقيق أي تقدم ملموس في هذا الملف الخطير؛ إلا إذا تحمل كل طرف مسؤوليته بجدية.
* دعاة أكثر من فقهاء
في هذه الأثناء، يشدد مراقبون على أن «المجتمعات الغربية بحاجة إلى إعداد من الدعاة أكثر منها إلى إعداد من الفقهاء، كما أن هؤلاء الدعاة، بجانب العلم الشرعي، يحتاجون لإتقان فن الإلقاء والإلمام بفنون وأساليب التواصل والحوار مع الآخر». ويشار إلى أنه في أعقاب تصاعد الخطاب العنصري والتمييز ضد الجاليات المسلمة في الكثير من الدول الغربية تحت وقع التأويل المغلوط لآيات القرآن الكريم، تتواتر الادعاءات الكاذبة ضد الإسلام، صاحب الرسالة العالمية، بأنه محرّض هؤلاء القتلة على كل الجرائم التي اقترفوها ضد البشرية لمن يدعى زورًا أنه يمثل الإسلام بوجه قبيح يستحب قتل الأبرياء وترويع الآمنين بفتاوى مغلوطة وآراء محرفة.
جدير بالذكر أنه كان قد اتفق 25 مفتيًا من مختلف دول العالم خلال سبتمبر (أيلول) الماضي في القاهرة على تأسيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم. وقالت المصادر المطلعة في الإفتاء نفسها إن «مهام الأمانة العامة التنسيق بين دور الإفتاء لبناء منظومة إفتائية وسطية علمية منهجية، تعمل على بناء استراتيجيات مشتركة بين دور وهيئات الإفتاء الأعضاء لطرح خطاب إفتائي علمي متصل بالأصل ومرتبط بالعصر؛ لمواجهة التطرف في الفتوى». وأضافت: «تهدف (أي الأمانة) كذلك إلى التبادل المستمر للخبرات بين دور وهيئات الإفتاء أعضاء الأمانة، وتقديم الاستشارات الإفتائية لمؤسسات الإفتاء والمفتين حول العالم، وأيضًا تقديم الدعم العلمي للدول والأقليات الإسلامية لإنشاء دور إفتاء محلية في هذه الدول».
وفي السياق ذاته، قال بعض الأئمة المصريين الذين عملوا لسنوات في الخارج، إنه مطلوب تأهيل وتدريب الأئمة والدعاة سواءً في مجال تعليم اللغات الأجنبية أو العلوم الشرعية وقضايا العصر، فضلاً عن تطوير قدرات الأئمة وتدريبهم على استخدام وسائل العصر، بهدف تخريج جيل من الدعاة قادر على الحوار مع الغرب بلغته، وذلك من أجل تصحيح صورة الإسلام. ويلفت هؤلاء إلى أن المؤتمر بحضوره الواسع من العلماء سيسهم في المساعدة على ذلك، خاصة، أن المؤتمر مهم جدًا في هذا التوقيت، لأن الغرب عندما يجد إمامًا يتحدث بلغتهم، هذا يمثل نقطة فارقة في التواصل والحوار.
* أهمية الترجمة
وهنا علّق سعيد محمود، وهو إمام وخطيب مصري، قائلاً إن «الترجمة لها دور مهم في الدعوة، وهذه الرسالة تهم الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم، لأن التواصل مع الغرب بلغتهم أمر ضروري، لتصحيح صورة الإسلام والتواصل مع المسلمين في الخارج. ولا بد أن نعرف كيف يفكر الغرب، وذلك بهدف التواصل والحوار... فالإسلام دين الحوار وليس دين الصدام».
وأضاف محمود أن «على الداعية في الغرب العمل على كشف حقيقة ظاهرة (الإسلاموفوبيا) التي يسببها الجهل بالإسلام وحضارته، والتحذير من آثارها السلبية في السلم العالمي، بما تعمقه من جراحات الماضي، وما تستنبته من بذور العداء والكراهية. وعليه أيضًا التأكيد على التعاضد في إنهاء الحروب والصراعات التي أذاقت الإنسانية الويلات، وخلفت الكثير من الآلام، بالإضافة إلى ضرورة تحصين الشباب من التيارات والأفكار التي تتناقض مع قيم الإسلام وتوجيهاته، والنأي عن كل ما يؤجج الفتن، ويثير عداء الآخرين عن الإسلام وحضارته وأبنائه».
أخيرًا، أكدت المصادر المطلعة في الإفتاء بمصر أن «مؤتمر القاهرة سيحث على ضرورة تعاون المسلمين في الغرب مع الدول والمؤسسات الإسلامية، بما يحفظ سمعة المسلمين، ويصون مقدساتهم عن العبث والعدوان لتصحيح المفاهيم، ولتكوين صورة حقيقية عن الإسلام والمسلمين، فضلاً عن وضع خطط تعزيز الاتصال مع الجهات الموضوعية في الغرب، وحثها على توظيف منابرها الإعلامية والثقافية والأكاديمية في خدمة الحقيقة المسلمة. وأيضًا، الكف عن بث المواد التحريضية ضد الإسلام، والعمل على إشاعة ثقافة التسامح والحوار وترسيخهما في المجتمعات الإنسانية، والتصدي للعنف والتطرف والإرهاب والنظريات المسمومة المروّجة لصراع الحضارات وحتمية المواجهة بين الثقافات المختلفة».



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».