الإعلام الألماني لا يزال رجوليًا

100 صحيفة ألمانية و5 رئيسات تحرير فقط

كوردولا فيسوكي رئيسة تحرير «لودفيغزبورغر كرايزستزايتونغ» وريجينا فيرله رئيسة تحرير «راين ــ نيكار تزايتونغ» (على اليسار) («الشرق الأوسط»)
كوردولا فيسوكي رئيسة تحرير «لودفيغزبورغر كرايزستزايتونغ» وريجينا فيرله رئيسة تحرير «راين ــ نيكار تزايتونغ» (على اليسار) («الشرق الأوسط»)
TT

الإعلام الألماني لا يزال رجوليًا

كوردولا فيسوكي رئيسة تحرير «لودفيغزبورغر كرايزستزايتونغ» وريجينا فيرله رئيسة تحرير «راين ــ نيكار تزايتونغ» (على اليسار) («الشرق الأوسط»)
كوردولا فيسوكي رئيسة تحرير «لودفيغزبورغر كرايزستزايتونغ» وريجينا فيرله رئيسة تحرير «راين ــ نيكار تزايتونغ» (على اليسار) («الشرق الأوسط»)

أقرت الحكومة الألمانية في مايو (أيار) 2015 برنامجها الطموح الداعي إلى رفع نسبة النساء في المواقع القيادية في الشركات الكبرى إلى 30 في المائة. وإذ تحسنت هذه الحال في المجالات الاجتماعية والثقافية، فإنها لم تتحسن في مجال الإعلام والاقتصاد. وذكرت دراسة لمعهد أولبرايت الألماني أن نسبة النساء في المواقع القيادية لا تتعدى 6.5 في المائة في 675 شركة ألمانية كبيرة ومتوسطة شملتها الإحصائية.
ويقول موقع «برو كووت» لاستطلاعات الرأي على الإنترنت، إنه سأل 100 صحيفة ألمانية كبيرة ومنطقية (يتعدى توزيعها حدود المدن إلى الولايات) عن حصة النساء من موقع رئاسة التحرير، واتضح وجود 5 رئيسات تحرير فقط. وكان رؤساء التحرير من الذكور يحتلون 95 موقعًا، وتزداد هذه النسبة كلما امتدت خريطة «الحصة النسائية» إلى الغرب.
وكانت الصحف أنثوية القيادة الخمس كالآتي: «برلينر تسايتونغ» و«تريريشه فولكسفرويند»، و«كولنشه روندشاور» و«راين - نيكار تزايتونغ» و«لودفيغزبورغر كرايزستزايتونغ». وإذا نظر المرء من منبر رئاسة التحرير إلى مقاعد نواب رئاسة التحرير سيكتشف أن النسبة ترتفع إلى 18 في المائة بين النساء، لكنها تبقى بعيدة كل البعد عن «الكوتا» الطموحة للحكومة الألمانية. هذا يعني أن الذكور يتحكمون بنسبة 82 في المائة من مواقع نواب رئاسة التحرير هنا.
وقالت يوهانا ليمكه، من رئاسة موقع «برو كووت» إن «شعار الدوري الثاني لكرة القدم» (البوندسليغا2) في الصحافة لا يزال«العب - ناول - ذكر». وأضافت ليمكه، وهي من هيئة تحرير «زيكزشه تزايتونغ»، أنها حاولت الاستفسار من الصحف عن أسباب الظاهرة، إلا أن الردود التي تلقتها كانت معدودة. وحتى إن الردود جاءت على مواقع التراسل الإلكترونية لهذه الصحف، ولم تتم الإجابة على الهاتف.
وواقع الحال أن 8 رؤساء تحرير فقط ردوا على أسئلة الموقع عن سبب هبوط نسبة النساء في هيئاتهم التحريرية. والعجيب، بحسب يوهانا ليمكه، أن إحدى رئيسات التحرير في جريدة معروفة رفضت الرد على أسئلة الموقع.
وقالت أولريكه ترامبوس، رئيسة تحرير «لودفيغزبورغر كرايزستزايتونغ» إنها ترفض «الحصة النسائية»، وأضافت أن تقلد منصبي رئيس التحرير أو نائبه يتطلب في الأساس موافقة الشخص المعني، ولا تعتقد أن النساء يفضلن ذلك حفاظًا على أجوائهن وحياتهن الخاصة. ثم إن عليهن أن يثقن بقدراتهن على تحمل مثل هذه المسؤولية.
هذا يعني أن النساء أنفسهن لا يردن الاضطلاع بهذه المسؤولية، وهذا ما يتفق فيه ميشائيل غارت، رئيس تحرير «راينبفالز»، بالقول إنه يحاول الآن تعيين عضو إضافي في هيئة التحرير يتولى المسؤولية عن القسم الإلكتروني، لكنه لم تتقدم أي امرأة للحصول على الموقع، وإنه سيضطر لتعيين ذكر، وإن ذلك سيستمر لسنوات طويلة.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.