تصاعد الرفض الدولي لـ «جاستا».. ودبلوماسيون غربيون يطالبون العالم بإبطاله

سفراء عرب وغربيون: القرار ينسف قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وينشر الفوضى

الرئيس الأميركي باراك أوباما مغادرا بلاده عن طريق قاعدة سانت أندروز في 28 سبتمبر الشهر الماضي (رويترز)
الرئيس الأميركي باراك أوباما مغادرا بلاده عن طريق قاعدة سانت أندروز في 28 سبتمبر الشهر الماضي (رويترز)
TT

تصاعد الرفض الدولي لـ «جاستا».. ودبلوماسيون غربيون يطالبون العالم بإبطاله

الرئيس الأميركي باراك أوباما مغادرا بلاده عن طريق قاعدة سانت أندروز في 28 سبتمبر الشهر الماضي (رويترز)
الرئيس الأميركي باراك أوباما مغادرا بلاده عن طريق قاعدة سانت أندروز في 28 سبتمبر الشهر الماضي (رويترز)

يتصاعد التفاعل الدولي ضد قانون «جاستا»، الذي أقره الكونغرس الأميركي مؤخرًا، ويقضي بالسماح لعائلات الضحايا في تفجيرات وقعت داخل الولايات المتحدة، بمقاضاة الدول التي يتورط رعاياها في تلك الاعتداءات.
وازداد التفاعل في أوساط الدول الغربية والعربية والآسيوية، حيث طالب دبلوماسيون عرب، الجامعة العربية باتخاذ موقف عربي موحّد لإجبار واشنطن على التراجع عن هذا القرار، في حين طالبت دول غربية المجتمع الدولي والأمم المتحدة، بتسريع الخطى لإبطال هذا القانون، مؤكدين على أنه ينتهك قاعدة «لا أحد فوق القانون»، فضلا عن أنه ينسف كل أسس القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ويغيّب العدالة الحقيقية المنشودة، وبالتالي نشر الفوضى.
وقال أوليغ أوزيروف السفير الروسي لدى السعودية، لـ«الشرق الأوسط»: «إن موسكو تعارض قانون (جاستا) بشدة، إذ إنه من الواضح تماما أن قانون (جاستا)، يعارض كل الأسس وقواعد القانون الدولي، ومع الأسف الشديد فإنه خلال الأعوام القليلة الماضية، تجلى للعالم أن السياسة الأميركية فيما يختص بهذا الجانب تنتهك القانون الدولي، حيث أصبحت بعيدة كل البعد عن هذه الأسس والقواعد المتفق عليها دوليا».
وأضاف السفير الروسي: «مع كل ذلك، فإن الأميركيين لا يزالون يصرّون على موقفهم الاستثنائي الذي منحوه لأنفسهم من دون وجه حق، بأنهم فوق كل القوانين الدولية، ولذلك سمحوا لأنفسهم يتصرّفون كما يشاءون. فموسكو تعلم هذه السياسة التي تتبعها واشنطن منذ أمد بعيد، بحكم التجربة الروسية الخالصة مع أميركا في السياسة الدولية».
وزاد: «إن الأميركيين كان يمارسون حيلة الاعتقال في أكثر من مرة لرعايانا الروس في خارج حدود روسيا، كما حدث مثلاً في بلاد أفريقية، ثم يرحلونهم إلى الولايات المتحدة ويطلقون اتهاماتهم هنا وهناك جزافا، ويلصقون بهم اتهامات فوق الخيال، بينما هم يقبعون في السجون إلى أعوام مديدة من دون محاكمتهم. ومن المؤسف حقّا أن تلك الممارسات الأميركية أصبحت عادية في مختلف أنحاء العالم».
وشدد السفير الروسي، بأنه بناء على ذلك، فإن موسكو تعتقد جازمة، أنه من المهم أن ينبري المجتمع للممارسات الأميركية، ويتخذ موقفا صارما تجاه «جاستا»، باعتباره ينسف كل أسس القانون الدولي وأسس ميثاق الأمم المتحدة، ويغيّب العدالة الحقيقية المنشودة، مؤكدا رفض بلاده لهذا القانون جملة وتفصيلا.
من جهته، قال برتران بزانسنو، السفير الفرنسي لدى السعودية، لـ«الشرق الأوسط»: «إن باريس ترفض بشدة إجازة قانون (جاستا)؛ لأنها تعلم ما سيسببه من مهددات للعالم، وفي أولها زعزعة الأمن والسلام الدوليين، وهذا واضح وسيطال كل بلاد العالم»، منوها بأن «جاستا»، لا يتوافق مع القانون الدولي، مشيرا إلى أن ذلك سيشكل سابقة وخطرا كبيرا على كل دول العالم.
وزاد: «ليس من المعقول أن تقبل فرنسا بإجازة هذا القانون، ولذلك نأمل أن يتراجع الكونغرس الأميركي عن هذه السابقة القانونية، حيث إنه لا بد له أن يفهم أن إجازة هذا القانون سيخلق مشكلة كبيرة للولايات المتحدة نفسها، وسيؤدي إلى فوضى عارمة شاملة»، مؤكدا وقوف باريس إلى جانب الرياض في هذا المنحى. وفي هذا الإطار قال جمال الشمايلة السفير الأردني لدى السعودية لـ«الشرق الأوسط»: «في الواقع، إن ردود الفعل العربية والدولية، كلها كانت ضد قرار (جاستا)، وهو قرار قد يشمل دولاً عربية بعينها، وبالتالي يلحق الضرر بسيادة هذه الدول، وغيرها من دول العالم»، مشيرا إلى أن هذا القرار اتخذ من الكونغرس الأميركي مع أنه عورض من قبل الرئيس باراك أوباما، ما يدل على أنه قرار خلافي ولم يكن مدروسا. وأضاف: «حقيقة هذا القرار أزعجنا جدا، وموقفنا منه هو تماما كالموقف السعودي؛ لأنه سيكون سابقة قانونية خطيرة في المستقبل، للضغط على سيادة الدول والتدخل في شؤونها الداخلية، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، حيث يستطيع من يشاء أن يدعي على أميركا ويحاكمها من خلال الأجهزة والمحاكم القضائية المختلفة، وبالتالي إلحاق الضرر حتى بواشنطن نفسها».
وزاد الشمايلة: «إننا في الأردن، لسنا مع هذا القرار، لا شكلا ولا مضمونا، بل ننظر إليه على أنه قرار ينضوي على ضرر كبير وتدخل سافر في سيادة الدول، ولا يتطابق بأي شكل من الأشكال مع الأعراف والمواثيق الدولية المعروفة المتفق عليها، ولا مع القانون الدولي الثابت والممارس حاليا».
وأكد أن السعودية، هي الدولة الشقيقة الكبرى للدول العربية، منوها بأن ما بين الرياض وعمّان كبير، مشددا على وقوف بلاده إلى جانب المملكة بقوة، ودعم أي قرار تتخذه بشأن «جاستا»، و«سيكون هناك موقف عربي، والأردن ستكون مع الإجماع العربي الرافض لهذا القرار عندما يناقش في الجامعة العربية».
وفي هذا الصدد، قال منظور الحق، سفير باكستان لدى السعودية، لـ«الشرق الأوسط»: «تابعت بقلق التطورات التي تتعلق بإجازة قانون (جاستا)، ذلك الذي يسمح لأي جهة أو مجموعة بالملاحقة القانونية للحكومات والكيانات الأجنبية، ومقاضاة رعاياهم في أي بلد في الخارج». وأضاف: «نعتقد أن صدور القوانين الوطنية مع الملاحقة القضائية خارج الحدود سيؤصلان لسابقة قضائية خطيرة على نطاق دولي، وسيقودان إلى حالة من الإرباك على نطاق واسع، وبخاصة في الوقت الذي نحتاج فيه بالأحرى للسعي إلى خلق شكل أكبر من أشكال التقارب والتفاهم والتعاون الوثيق».
وفي هذا الصدد، قال عبد الباسط السنوسي السفير السوداني لدى السعودية لـ«الشرق الأوسط»: «إن إقدام الكونغرس الأميركي على إجازة (جاستا)، ورفض استخدام الرئيس باراك أوباما حق النقض ضده، يمثل ليس فقط تراجعا أميركيا عن إحقاق العدل وبسط العدالة الدولية المنشودة، وإنما يعزز ثقافة التلاعب بالقوانين الدولية ونسف مواثيق الأمم المتحدة، لتغليب سياسة استغلال المؤسسات الدولية لبسط الهيمنة الأميركية على العالم».
ولفت السنوسي إلى أن هذا المسعى الأميركي، لا ينفصل عن المخطط الذي يتبناه اللوبي الصهيوني لاستعداء البلاد الإسلامية والعربية وفي مقدمتها السعودية، مطالبا الجامعة العربية بضرورة اتخاذ موقف أكثر صلابة ضد «جاستا»، وقلب السحر على الساحر، وإجبار واشنطن على منع تمرير هذا القانون، الذي سيلحق ضررا بالأمن والسلام الدوليين، على حدّ تعبيره.
ولا يستبعد السنوسي، أن القصد من إثارة هذا الأمر بعد مضي أكثر من 15 عاما على أحداث سبتمبر (أيلول)، هو ممارسة شكل من أشكال الضغط، ليس على السعودية فقط وسياستها في المنطقة، وإنما على البلاد العربية والإسلامية كافة؛ لأنها الأكثر تضررا بهذا القرار «المجحف»، منوها بأنه يعبر عن أجندة خفية أيضا، لإثارة الفوضى، وإشعال مزيد من الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن أحداث كل من اليمن وسوريا.
من ناحيته، قال ناصر حمدي السفير المصري لدى السعودية لـ«الشرق الأوسط»: «موقفنا دائما إلى جانب الرياض ضد (جاستا)؛ لأنه قرار يضر مصالحنا جميعا، وكل التقارير لم تثبت إلا عكس ما ذهب إليه هذا القرار، بأنه ليس هناك أي تورط لأي حكومات فيما حصل، وهذا القرار سيفتح الباب لخلق شكل من أشكال السلوكيات والتصرفات غير المنضبطة، بل ربما ينتهي بفوضى عارمة».
وأضاف السفير المصري: «هناك حاجة ماسة لأن يكون هناك تنسيق أقوى بين البلدان العربية من أجل تعزيز التصدي لهذا التوجه»، مشددا على أهمية وجود موقف عربي موحد؛ لأنه في نهاية الأمر سيؤثر على العلاقات الدولية بشكل عام، مؤكدا أن انعكاسات هذا القرار على أميركا نفسها سيكون بالغ الضرر على مصالحها في العالم. واستغرب حمدي، محاولة واشنطن المغامرة بعلاقتها الاستراتيجية مع الرياض، منوها بأن الإرهاب لم يعد صنيعة حكومات، وإنما أفراد في مختلف أنحاء العالم، مضيفا أن الأمر على العكس، حيث إن أكثر البلاد تضررا من الإرهاب هي السعودية ومصر، مشيرا إلى أن الرياض والقاهرة، يدفعان ثمنا باهظا جراء ذلك، في حين أنهما الأكثر حراكا لمحاربة الإرهاب.



لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.