شاشة الناقد: بحر من برغمان

ليف أولمن في «برسونا»
ليف أولمن في «برسونا»
TT

شاشة الناقد: بحر من برغمان

ليف أولمن في «برسونا»
ليف أولمن في «برسونا»

* الفيلم: Persona
* ‫إخراج: ‬إنغمار برغمان (1966)
* تقييم الناقد: (*3)
* إعادة إطلاق فيلم المخرج السويدي إنغمار برغمان «برسونا» على أسطوانات هذا الأسبوع فرصة لقراءة فيلم متعدد الحكايات ضمن الحكاية الواحدة. كان «برسونا» (1966) ‫الفيلم الثاني عشر للمخرج إنغمار برغمان. وكان أيضا التعاون الكامل السادس بينه وبين مدير التصوير الفذ سفن نيكفست وهو لجأ إلى ممثلتين مفضّلتين عنده وجمعهما معا وهما ليف أولمن وبيبي أندرسن.‬
هذا الفيلم من «أصعب» أفلام المخرج تحليلا، ويعمل على عدة مستويات. هو يُقبل كحكاية ممثلة لجأت للصمت الكامل لتفهم حياتها، وممرضة تجد الوقت للإفصاح عن حياتها لشريك صامت. المرأتان تلتقيان في تشابه نفسي معيّن (المستوى الثاني) مما يوحي بأنهما في الواقع امرأة واحدة في حياتين تبدوان مختلفتين. ومن هنا يطرح المخرج مستوى ثالثا عبارة عما تعنيه كل رموز الفيلم بدءا من حالة الصمت إلى موقع الأحداث، ودخولا في تلك التفاصيل الدقيقة العاكسة للمتاهات النفسية ولعذابات الضمير على أكثر من نحو. ‬
‬هو أيضا فيلم شعري ممتزج بلون تجريبي خاص من دون التخلي عن عنصر الدراسة النفسية الذي ميّز الكثير من أفلام برغمان حينها. وهو عمل آسر في كل استخداماته وعناصره جميعا: اختيارات المخرج السويدي من الأداءات، من الحوارات، من اللقطات، من حجم اللقطات، من زوايا اللقطات، من التوقيت الذي يختاره للانتقال من صورة إلى أخرى.
تبدأ القصة عندما يتم نقل الممثلة إليزابيث فوغلر (أولمن) إلى المستشفى بعدما أصيبت بعارض غامض. هناك على خشبة المسرح وبينما كانت تمثّل «إلكترا» تقرر أن تصمت فتفعل. الممرضة ألما (أندرسون) هي من ستعتني بها وستطلب منها إدارة المستشفى نقلها إلى منزل على ساحل البحر ورعايتها هناك. باقي الفيلم عن تجاذب هاتين الشخصيتين ورجوعهما في الذاكرة إلى أحداث ما زالت تقلق حياتهما الحاضرة. إليزابيث ستستمع فقط (والفيلم سينتهي من دون أن تنطق كلمة واحدة) لكنها ستعايش أكثر مما لو حكت. إلما هي التي ستتلو شذرات من تاريخها فاتحة نوافذ إلى الماضي، فإذا بها مراجعة لما يؤنب ضميرها ويقلقها ويجعلها إنسانا أقل ثقة مما كانت تبدو في مطلع الفيلم. نقاط الخلاف بين الشخصيّتين كما نقاط اللقاء تشترك معا في تعزيز قراءة أن كليهما ربما شخص واحد.
في الحقيقة عندما تعود الكاميرا إلى غرفة إليزابيث في المستشفى يكون ذلك الإدراك قد تطور: ربما هي لم تترك الغرفة. ها هي ما زالت وحيدة في غرفة مستطيلة وغير مبهجة. تنظر مرعوبة إلى مشهد في نشرة أخبار تلفزيونية لبوذي يحرق نفسه ثم تلجأ إلى النوم. تدخل ألما عليها وهي ما زالت مستلقية. تبدو إليزابيث أضعف من ذي قبل. بالتالي، ربما لم تغادر المستشفى، وأن ما شاهدناه سلسلة انعكاسات نفسية وعاطفية عايشتها بإيحاء من وجود الممرضة لكن ليس معها. الرائع أن هذا الإدراك لا يزال أحد الاحتمالات، فبالقوة ذاتها يبقى الاحتمال أن ما رأيناه هو ما حدث بالفعل وليس في البال خصوصا أنه مزود بتفاصيل تؤهل الحكاية للوقوع.



شاشة الناقد: حرب ومجرم

لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)
لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)
TT

شاشة الناقد: حرب ومجرم

لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)
لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)

‫ISRAEL PALESTINE ON SWEDISH TV 1958-1989 ★ ★ ☆‬

تاريخ القضية الفلسطينية على الشاشة السويدية

حسب المخرج السويدي غوران أوغو أولسن فإن هذا الفيلم استغرق 5 سنوات قبل إتمامه. 200 دقيقة من أرشيف التلفزيون السويدي الذي تابع الوضع الفلسطيني- الإسرائيلي منذ وثيقة هرتزل وتأييد بريطانيا لها حتى عام 1989 الذي كانت القضية ما زالت تبرح مكانها ما بين نازحين فلسطينيين وسُلطة إسرائيلية حاكمة.

يعرض المخرج مراحل مختلفة، بما فيها مرحلتا الحروب الصعبة التي خاضتها بعض الدول العربية، كما تلك العمليات الفدائية التي قام بها الفلسطينيون في ميونيخ وسواها. هذه التغطية الموسّعة تشمل الدور الذي لعبه ياسر عرفات خلالها والمحاولات الجادة أحياناً لإيجاد حلٍّ ما لقضية شعبين. أحدهما نزح من قراه ومدنه والآخر نزح إليها واحتلها.

كثيرٌ ممّا يعرضه الفيلم مرّ، مثل تاريخ في الأفلام الوثائقية المنتجة في الغرب (وبعض ما أُنتج في سوريا والعراق والأردن ولبنان في السبعينات والثمانينات). لذلك ليس هناك جديدٌ يُضاف فعلياً إلّا لمن فاتته تلك الأفلام ويتطلّع إلى عمل يستعرضها كاملة. هذا هو الدور المُناط بالفيلم الذي يوفّر أسبابه.

نقطتا اهتمام هنا، الأولى أنه مؤلّف من وثائقَ استخرجها أولسن من أرشيف ضخم للتلفزيون السويدي (SVT) وانكبّ عليها فحصاً ومحصاً حتى ألَّف هذا الفيلم الذي يُعيد الاعتبار لنوعٍ من العمل الصّحافي والريبورتاجات التلفزيونية في تلك الفترة. الثانية أن الفيلم يقف على الحياد غالباً، لكنه لا يُخفي أحياناً تعاطفاً مع الفلسطينيين في مشاهد عدّة تحيط بما عانوه.

* عروض مهرجان ڤينيسيا.

DON’T MOVE ★ ★ ★‬

تشويق يسود رغم ثغرات حكايته

الطلب بعدم الحركة موجه إلى بطلة الفيلم (كيلسي أسبيل). شابة خطفها مجرم (فين ويتروك) وحقنها بما يشلّ حركتها. تستطيع أن ترى وترمش وبالكاد تحرّك أصابع يديها لكنها، في غالب أحداث الفيلم، حبيسة هذه التركيبة التي وضعها المخرجان برايان نيتو وآدم شيندلر بعناية وبإخراج جيدٍ إلى حدٍ مقبول.

كيلسي أسبيل في «لا تتحركي» (هامرستون ستديوز)

ينطلق الفيلم من لحظات حاسمة. تقف بطلته على حافة جبلٍ تفكّر بإلقاء نفسها بعدما فقدت ابنها الصبي. يُنقذها الرجل نفسه الذي يريد قتلها. بذلك، المرأة التي كادت أن تنتحر هي نفسها التي باتت تصارع من أجل بقائها حيّة.

يختفي من الفيلم التبرير المطلوب للطريقة التي يتّبعها القاتل للتخلص من ضحاياه. إذا كان سيقتلهن لماذا لا يفعل ذلك مباشرة؟ هناك مفارقات أخرى كانت تتطلّب سدّ ثغرات، واحدة منها، أن المرأة تنطق لأول مرّة منذ اختطافها بعد دقائق من اكتشاف شرطي للحالة المريبة. لم تستطع أن تنطق بالكلمة المأثورة «Help» حينها، لكنّها نطقت بعد دقائق قليلة وتكلّمت بلا عناء. لو نطقت بها في الوقت المناسب لما تغيّر المشهد لأن المجرم سيقتل الشرطي في جميع الأحوال، ولكان الفيلم استفاد من تبريرٍ أقوى لشكوك رجل الأمن.

* عروض منصّات.

ذكرياتي مليئة بالأشباح ★★

الحرب السورية في ذكريات الذين عانوا

يتبع هذا الفيلم التسجيلي السوري، من إخراج أنَس زواهري، سلسلة الأفلام التي تناولت الحرب، مثل «آخر رجال حلب» و«العودة إلى حمص» و«لأجل سما»، التي دارت في مرحلة ما عُرف بـ«ثورة الربيع» قبل أكثر من 15 سنة. يختلف عنها بأنه لا يتقرّب من الجماعات التي حاربت الحكومة ويشيد بها، لكنه - في الوقت نفسه - بعيدٌ عن أن يصفّق لنظام أو يشيد به.

«ذكرياتي مليئة بالأشباح» (ويند سينما)

إنه عبارة عن ذكريات عدد من المتحدّثين وحكاياتهم خلال الحرب التي دارت حول وفي مدينة حمص خلال تلك السنوات. يوفّر صور دمار الأحياء ومقابلات مع أصحاب تلك الذكريات وهم ينبشون في ماضٍ قريب وما يحمله من آلام نفسية وعاطفية على خلفية ذلك الدمار. يختار الفيلم أن نستمع لأصوات أصحاب الذكريات في حين تتولّى الكاميرا تصويرهم صامتين ينظرون إليها أو بعيداً عنها. هذا بالطبع لجانب صور الأحياء والمباني والشوارع التي لا تعجّ بالحياة كسابق عهدها.

معظم ما يسرده الفيلم من ذكريات لا يُضيف جديداً ولا ينبش عميقاً. هو وصف مؤلم لحالات يمكن تقدير مصادر أحزانها وأسبابها، لكن الإخراج يختار أن يمضي في خطٍ غير متصاعدٍ ولا يتجنّب تكرار السّرد بالوتيرة نفسها (ولو بذكريات مختلفة). طبعاً لا يتوخّى المرء فيلماً يسرد ما هو حزين ومؤلم بفرح وغبطة أم بإثارة، لكن اعتماد توالي تلك الذكريات يؤدّي بعد سماعها إلى استقبالٍ يبدأ مثيراً للفضول وينتهي فاتراً.

* عروض مهرجان الجونة‫‫

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز