الحاج سامي: «اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني»

توارث مهنته من أجداده.. ومذاق البسبوسة والكنافة لديه يختلط بالتراث

الحاج سامي ورث مهنة (الحلواني) من آبائه وأجداده و يقدمها لزوار «المعز» ومسجد سيدنا الحسين وخان الخليلي والأزهر الشريف والغورية
الحاج سامي ورث مهنة (الحلواني) من آبائه وأجداده و يقدمها لزوار «المعز» ومسجد سيدنا الحسين وخان الخليلي والأزهر الشريف والغورية
TT

الحاج سامي: «اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني»

الحاج سامي ورث مهنة (الحلواني) من آبائه وأجداده و يقدمها لزوار «المعز» ومسجد سيدنا الحسين وخان الخليلي والأزهر الشريف والغورية
الحاج سامي ورث مهنة (الحلواني) من آبائه وأجداده و يقدمها لزوار «المعز» ومسجد سيدنا الحسين وخان الخليلي والأزهر الشريف والغورية

«اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني».. مقولة شهيرة تناقلت عبر الأجيال وتغنت بها ألسنة المصريين منذ مئات السنين، تشعر بها عندما تأخذك قدماك إلى مناطق القاهرة الأثرية، ومنها شارع المعز لدين الله، الذي يحتفظ برونقه التراثي حتى اليوم.
وفي مدخل هذا الشارع العتيق، من جهة شارع الأزهر، ستجد تجسيدًا حرفيًا لهذه المقولة المجازية، يتمثل في الحاج سامي الحلواني، بائع حلوى البسبوسة والكنافة، الذي يعد علامة من علامات هذا المكان، حيث يوجد به منذ سنوات طويلة، وارثًا مهنته (الحلواني) من آبائه وأجداده، يقدمها لزوار «المعز» والمترددين على مسجد سيدنا الحسين بن علي، وسوق خان الخليلي، ومحيط الأزهر الشريف، وأسواق الغورية والموسكي والعطارين، التي تكتظ ليلاً ونهارًا بالمصريين والسائحين.
الغريب، أن الرجل لا يملك محلاً لبيع حلواه، ولكنها فقط مجرد «فاترينة» صغيرة، تحتوي على صينية بسبوسة وأخرى للكنافة، فيما يقف هو من ورائها حاملاً في وجهه قسمات سنواته السبعين، وفي يديه حرفة تعجن الحلوى بسر الصنعة، بينما لسانه يتجمل بكلمات «ابن البلد»، فيما تتداخل من خلفية هذا المشهد روائح الأعشاب والعطور المنبعثة من حوانيت جيرانه، ليفوح من المكان عبق الماضي و«مذاق» الحاضر.
«أنا هنا من جد الجد»، عبارة سيخبرك بها الحاج سامي مع أول قطعة من الكنافة أو البسبوسة تدخل فمك، في محاولة لإغرائك بالمذاق، وإشعارك بقيمة ما تتناوله، فهي قطع لا تحمل فقط مذاقًا حلوًا سائغًا، ولكنها تحمل أيضًا طعم التراث.
يقول الرجل، الذي يطلق على نفسه اسم «أخصائي الحلويات الشرقية»: «مهنة الحلواني توارثتها من أبي وهو ورثها بدوره عن أبيه (جدي)، وهو ما يمتد إلى أجدادي أيضًا، وذلك منذ القرن الـ19، وجميعهم كانوا يجلسون بصواني البسبوسة والهريسة والكنافة بمحيط منطقة الأزهر ومنطقة زقاق المدق (أحد الأزقة القديمة بمنطقة الحسين)، وكانت لهم شهرة كبيرة لجودة مذاق ما يصنعون من حلوى».
وبلغة الراوي يقص كيف أن العروس المصرية قديمًا كان تشتري جميع ما تحتاجه من مفروشات من محلات شهيرة بالأزهر تسمى «عوف»، التي كان يقصدها العروس وأهلها وجيرانها للشراء، ثم تحمّل هذه البضاعة على عربات «كارو» وبجوارها أهل العروس، «وكانت هذه العائلات قبل الرحيل تختتم يومها بشراء البسبوسة والكنافة من أفراد عائلتي، ومن هنا اكتسبت بضاعتنا شهرة كبيرة بين العائلات، وكما توارثنا نحن صناعتنا، توارث هؤلاء الأهالي على مدار الأجيال التالية مذاق البسبوسة والكنافة الخاصة بنا، وأصبحوا أيضًا من زبائننا».
ويتفاخر الحاج سامي بأن جده ظهر بشخصيته كبائع حلوى في إحدى لقطات فيلم «زقاق المدق»، (المأخوذ عن رواية للأديب نجيب محفوظ، وإنتاج 1963، إخراج حسن الإمام)، حيث ظهر وسط مجموعة من الفنانين - الذين مثلوا أهالي الحي - حاملاً صينية بسبوسة.
يترك حلواني شارع المعز التاريخ قليلاً ليحدثنا عن حاضره، فيقول إنه يقوم بصنع الكنافة والبسبوسة بنفسه، داخل منزله الكائن بحي الغورية المجاور لشارع المعز، مؤكدًا أن ما تتميز به بضاعته أنها دائمًا طازجة، بعكس محلات الحلويات الكبرى التي تبقى فيها الحلوى لأيام، مبينًا أنه يعمل بالمثل الشعبي القائل: «بياع الصابح رابح».
ويوضح أنه يكتفي بقليل من الحلوى «صينية أو اثنتين»، فما يهمه في المقام الأول المذاق الجيد، الذي يعتبره رأسماله، والذي يجذب به الزبائن، سواء لتناول الحلوى أمامه أو شرائها مغلفة لتناولها في أماكن أخرى.
يقطع حديثنا مع الحاج سامي وجود أحد الزبائن طالبًا طبقًا من البسبوسة والكنافة، فيقوم بإعدادها له في سرعة تظهر خبراته في تقطيع الحلوى، ثم يقوم برش القطر (الشربات) على الوجه، مقدمًا إياها لزبونه مصحوبة بعبارة «بالهنا والشفا».
ثم يتابع حديثه معنا: «كما أن صناعة الحلوى فن، فالبيع والشراء فن أيضًا، وأنا لي طريقتي وأسلوبي في البيع، فأنا أحكي مع الزبون، وأحاول فتح أحاديث معه، خصوصًا عن تاريخنا مع البسبوسة، وأقيم معه علاقة ود».
ويحكي بائع البسبوسة أنه يعرف كثيرًا من زبائنه بالاسم، يقصدونه لتناول الحلوى عندما تشتاق أنفسهم إليها، كما أن طلاب الأزهر الشريف كثير منهم يعرفون بضاعته ويبتاعون منه، ورغم مرور السنوات بعد تخرجهم يتذكرونه ويترددون عليه كلما سمحت ظروفهم.
ويذكر الحاج سامي موقفًا حدث له، فيقول: «رئيس الوزراء السابق المهندس إبراهيم محلب كان في زيارة للمنطقة وتفقد شارع المعز، ولأنني أقف بمدخل الشارع وجهني مدير الأمن أن أتحنى جانبًا، ففوجئت برئيس الوزراء يقول له عني: (إنه هنا من قديم الأزل)، وهي الكلمات التي أسعدتني بشدة، وأكدت لي أنه ربما ذاق بضاعتي يومًا ما».
بلغة الخبير يعدد «أخصائي الحلويات الشرقية» مواصفات الحلواني الجيد، موضحًا أن «سر الصنعة» يتمثل في ضبط مكونات البسبوسة والكنافة من السمن والدقيق وكميات السكر.
وبسؤاله عن إطلاق اسم «البسبوسة» أجاب سريعًا: «إطلاق هذا الاسم على هذه الحلوى يعود لطريقة عملها الذي يتطلب (البس)، أي مزج الدقيق بالسمن حتى يمتزجا تمامًا».
أما عن سبب مقولة «اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني»، فيوضح أن الروايات تقول إن جوهر الصقلي مؤسس القاهرة كان من الأرمن واشتهر بلقب «الحلواني»، لأنه كان يجيد صناعة الحلويات قبل أن يلتحق بالجيش، ويصبح من أهم القادة العسكريين في تاريخ الدولة الفاطمية.
وقبل أن نغادره، أشار إلى أنه كما تسلم راية البسبوسة والكنافة من آبائه، فإنه سيسلمها لنجله محمد حتى لا يتوقف تاريخ العائلة، الذي يعتبره الرجل جزءًا من تاريخ مصر، قبل أن يردد بزهو: «اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني».



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».