زيادة الصادرات التركية وتراجع السياحة

حوافز للمستثمرين.. وتخفيض أسعار الغاز 10 %

سائحة تتجول في المناطق الأثرية بتركيا (رويترز)
سائحة تتجول في المناطق الأثرية بتركيا (رويترز)
TT

زيادة الصادرات التركية وتراجع السياحة

سائحة تتجول في المناطق الأثرية بتركيا (رويترز)
سائحة تتجول في المناطق الأثرية بتركيا (رويترز)

سجلت الصادرات التركية ارتفاعًا بنسبة 7.7 في المائة في أغسطس (آب) الماضي مقارنة بالشهر نفسه من عام 2015 ليبلغ حجمها 11 مليارا و867 مليون دولار.
وبحسب الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الجمارك والتجارة، ومؤسسة الإحصاء التركية، فإن حجم الواردات التركية خلال الشهر المذكور شهد ارتفاعا أيضا، بلغت نسبته 3.7 في المائة، مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي، ليبلغ 16 مليارا و554 مليون دولار، فيما انخفض العجز التجاري خلال الفترة المذكورة بنسبة 5.3 في المائة. وزادت الصادرات التركية إلى الاتحاد الأوروبي، خلال أغسطس الماضي بنسبة 13.9 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من عام 2015، محققة 5 مليارات و519 مليون دولار.
وكانت ألمانيا هي الوجهة الأولى للصادرات التركية، خلال أغسطس الماضي، حيث بلغ حجم الصادرات التي اتجهت إليها مليارا و193 مليون دولار، تلتها بريطانيا بقيمة921 مليونا، ثم العراق بـ708 مليون، والولايات المتحدة بـ606 ملايين دولار. واعتلت الصين قائمة الدول المصدرة لتركيا بمبلغ مليارين و531 مليون دولار، تلتها ألمانيا بمليار و738 مليون دولار، فيما احتلت روسيا المرتبة الثالثة بمبلغ مليار و387 مليون دولار. وتراجعت الصادرات التركية خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي بنسبة 3.1 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، واستقرت قيمتها عند 92 مليارا و652 مليون دولار. وخلال الأشهر الـ12 الأخيرة انخفضت الصادرات بنسبة 5 في المائة مقارنة بالأشهر الـ12 التي سبقتها، وبلغ إجمالي قيمة الصادرات في هذه الفترة 140 مليارا و906 ملايين دولار.
وكانت الصادرات التركية سجلت زيادة خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي بنسبة 1.8 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، محققة 11 مليارا و865 مليون دولار. على صعيد آخر، تراجع عدد الزوار الأجانب لتركيا بنسبة 38 في المائة في أغسطس مع تأثر القطاع السياحي جراء الانقلاب الفاشل في يوليو (تموز) والقلق إزاء الأوضاع الأمنية بعد الاعتداءات التي شهدتها البلاد، حسبما أظهرت إحصاءات رسمية، والأرقام هي الأولى التي تكشف عن عدد الزوار خلال شهر بعد الانقلاب الفاشل.
وزار تركيا في أغسطس 3.18 مليون شخص في تراجع نسبته 37.96 في المائة مقارنة مع أغسطس 2015 كما ذكرت وزارة السياحة.
وكان القطاع السياحي تضرر في الأساس قبل الانقلاب بسبب الاعتداءات هذا العام مع عمليات انتحارية في مطار إسطنبول في يونيو أوقعت 47 قتيلا في عملية نُسبت إلى تنظيم داعش الإرهابي.
ومثلت إيرادات القطاع السياحي العام الماضي، التي بلغت 35.1 مليار دولار، 4.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي التركي.
ورغم عودة العلاقات مع روسيا إلى طبيعتها في يونيو ورفع العقوبات على السفر الصيف الماضي، تراجع عدد السياح الروس إلى تركيا 83.63 في المائة الشهر الماضي مقارنة مع الشهر نفسه العام الماضي. وفي أغسطس 2015 كان العدد الإجمالي للسياح الروس 640 ألفا لكن العدد للشهر نفسه العام الحالي كان 105 ألف في ضربة للسياحة في تركيا.
إلا أن استئناف رحلات الشارتر إلى المنتجعات التركية في مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي قد يساهم في ارتفاع عدد السياح الروس.
وتراجع عدد السياح خلال أغسطس من ألمانيا بـ34.5 في المائة في حين انخفض عدد الزوار من إيران بـ32 في المائة. وفي إحصاءاتها الأخيرة التي نشرت الثلاثاء أشارت مجموعة توماس كوك البريطانية للرحلات المنظمة إلى طلب كبير لمعظم الوجهات السياحية باستثناء تركيا.
وتشجيعا للاستثمار في تركيا وللتغلب على الظروف التي أعقبت حوادث الإرهاب ومحاولة الانقلاب الفاشلة، قالت وزارة المالية التركية إنها ستعفي المستثمرين الجدد من ضرائب العقارات لـ5 سنوات، وذلك في إطار خطتها لتحفيزهم على الاستثمار في تركيا.
وأشارت الجريدة الرسمية في عددها الصادر أمس، إلى أن القرار يشمل العقارات التي ستبنى بعد مطلع يناير (كانون الثاني) 2017، موضحة أن القرار سيكون ساري المفعول فور إتمام بناء العقارات.
ولفتت الصحيفة الانتباه إلى أن الأراضي التي ستخصص للمشاريع الاستثمارية المذكورة، ستُعفى بدورها لمدة زمنية معينة مما يسمى «ضريبة الأراضي»، وتنتهي هذه المدة بانتهاء بناء المشاريع.
على صعيد آخر، أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي برات البيراق أنّ الحكومة التركية ستخفض أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 10 في المائة اعتبارًا من اليوم السبت. وقال البيراق إن قرار خفض أسعار استهلاك الغاز الطبيعي بني على قرار التحكيم الدولي الذي جاء لصالح تركيا في خلافها مع إيران بخصوص أسعار الغاز الطبيعي المستورد منها. ولفت البيراق إلى أن هذا التخفيض سينعكس إيجابا على المواطنين وعلى أرقام التضخم، وسيساهم في رفع مستوى المنافسة في مجال الصناعة، كونه سيخفض التكاليف الصناعية. وفيما يخص إجراء تخفيض في أسعار الكهرباء، قال البيراق إنه من الممكن تخفيض أسعار الطاقة الكهربائية في الفترة المقبلة، إلا أن ذلك غير وارد حاليًا.
وأوضح أن وزارته لا تنوي رفع أسعار الطاقة الكهربائية، مشيرًا إلى إمكانية خفض أسعار الكهرباء خلال الفترة القادمة على غرار خفض أسعار الغاز. كانت حكومة رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان وقعت مع الجانب الإيراني عام 1996 اتفاقية تقضي بأن تقوم إيران بتزويد تركيا بالغاز الطبيعي لمدة 25 عامًا، واستنادًا إلى تلك الاتفاقية، تستورد تركيا سنويا، منذ عام 2001، نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز الإيراني. واعترضت تركيا في أكثر من مناسبة على سعر الغاز الطبيعي الإيراني المستورد، ما شكل نقطة خلاف بين البلدين، ودفع تركيا للجوء إلى التحكيم الدولي العام 2005 من أجل الوصول إلى سعر مناسب بالنسبة للطرفين.
وقضت المحكمة بأحقية تركيا باسترداد نحو 900 مليون دولار أميركي، كتعويضات، وإجراء تخفيض على أسعار الغاز الطبيعي المبيع لتركيا يصل إلى 16 في المائة.
وانتقلت قضية التحكيم إلى مرحلة ثانية، عقب صدور الحكم الأول من قبل المحكمة الدولية، وطلبت تركيا في 17 فبراير (شباط) الماضي من المحكمة الدولية المختصة في النظر بالقضية، إصدار حكم يقضي بخفض سعر الغاز الطبيعي المستورد من إيران بنسبة 25 في المائة. وتطرق البيراق إلى مشروع خط أنابيب السيل التركي لنقل الغاز الطبيعي الروسي إلى دول القارة الأوروبية عبر الأراضي التركية، مبينًا أنّ المحادثات بين الجانبين جارية في هذا الخصوص، وأنه من المتوقع أن يقدم الطرفان على خطوات ملموسة بخصوص تنفيذ المشروع عقب زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المزمعة خلال أكتوبر (تشرين الأول) الحالي إلى أنقرة.
في الوقت نفسه، قال السفير الروسي لدى أنقرة أندريه كارلوف إنهم ينتظرون عودة المقاولين الأتراك للعمل في روسيا. وقال خلال مشاركته في اجتماع لرابطة المقاولين الأتراك في العاصمة أنقرة إن الأزمة الكبيرة بين البلدين تم تجاوزها بفضل مبادرة قادة البلدين، مضيفا: «نبذل جهودا لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها، واتخذ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين خلال لقائهما في سان بطرسبرج في 9 أغسطس الماضي حزمة من الإجراءات لإعادة العلاقات الثنائية إلى مستوياتها السابقة». وأشاد كارلوف بإسهامات شركات الإنشاءات التركية التي تعمل في روسيا، مضيفا: «اكتسبت الشركات التركية في روسيا سمعتها بفضل جهودها، حيث بلغت نسبة مساهمة المقاولين الأتراك في بعض الأعوام ثلث المشاريع الحالية».
وحول مشروع خط أنابيب السيل التركي الهادف لنقل الغاز الروسي إلى دول القارة الأوروبية عبر الأراضي التركية، أكّد كارلوف أن «تركيا ستحصل على الغاز ليس من أجلها فقط إنما من أجل التصدير أيضا».



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».