سكوت رئيسة وزراء بريطانيا حول خروجها من التكتل «يثير الحيرة»

ما زالت الشركات العالمية، وحتى البريطانية، حائرة حول مستقبلها بسبب «صمت» الحكومة البريطانية، وخصوصا رئيسة الوزراء تيريزا ماي، إزاء خطط خروجها من الاتحاد الأوروبي، بعد التصويت التاريخي في 23 يونيو (حزيران) الماضي. وكانت قد تدخلت ماي عدة مرات لتصحيح ما قاله بعض وزرائها بعد اقترافهم زلات أفصحوا من خلالها عزمهم الشروع بالمفاوضات مع التكتل الأوروبي وتفعيل آلية الخروج المادة 50 من اتفاقية لشبونة.
وفي الأمس ذكرت مؤسسة بحثية أن عدم توضيح رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي للخطط المفصلة التي تعتزم تبنيها إزاء استراتيجية مفاوضات خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي والجدول الزمني لذلك يعد أمرا محيرا بالنسبة لدول الاتحاد الأخرى ويوحي بعدم الاستقرار بالنسبة للشركات التي تعمل في بريطانيا.
وأوضحت مؤسسة «إنستيتيوت فور جافرنمنت» البحثية في بريطانيا أن هناك
«نقصا شديدا في المعلومات» حول كيفية تخطيط الحكومة للمضي فيما يلي من خطوات عقب تصويت بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو. وأوضحت المؤسسة أن «صمت رئيسة الوزراء حول الطريقة التي تعتزم من خلالها الوصول إلى موقع مبدئي للتفاوض يثبت أنه ينطوي على إشكاليات»، وحثت المؤسسة حكومة ماي على «التحرك سريعا نحو توضيح خطتها».
وتابعت المؤسسة ومقرها لندن أن التخطيط من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يكلف الحكومة نحو 65 مليون جنيه إسترليني (85 مليون دولار) سنويا، كما يتطلب توظيف 500 موظف مدني إضافي.
وتركز هذه المؤسسة البحثية على تحسين فعالية أداء الحكومة. وقالت هانا وايت، التي شاركت في كتابة التقرير: «الصمت ليس استراتيجية».
وكانت أغلبية البريطانيين قد قررت من خلال استفتاء شعبي في يونيو الماضي الخروج من الاتحاد الأوروبي وهو ما يستوجب قيام لندن بمفاوضات رسمية مع بروكسل لتنفيذ هذه الرغبة الشعبية. واكتفت ماي حتى الآن بالإشارة إلى أنها ستفعل ذلك أواخر العام الجاري. أما الاتحاد الأوروبي فطالب بريطانيا في أعقاب الاستفتاء بالمسارعة في بدء هذه المفاوضات. ومن غير المستبعد أن تستمر هذه المفاوضات المعقدة نحو عامين. كما انتقد المعهد تولي ثلاث وزارات معنية أمر هذه المفاوضات وهي وزارة الخارجية و«وزارة الخروج» التي أنشئت حديثا لهذا الغرض وكذلك وزارة
التجارة الدولية. ورأى المعهد أن مشاركة هذه الوزارات ستؤثر سلبا على أدائها بسبب تداخل الاختصاصات.
وقال وزير التجارة الدولية البريطاني ليام فوكس أمس الخميس إن سوق إيران تقدم فرصة كبيرة جدا للتجارة البريطانية. جاء ذلك ردا على سؤال صحافي عن فرص التجارة مع إيران عقب اتفاقها التاريخي مع القوى الغربية بخصوص برنامجها النووي. وقال فوكس «تقدم إيران لنا فرصة سوق كبيرة جدا. ستكون سوقا كبيرة جدا من حيث المستهلكين». وأضاف أن هناك مشكلات محددة بشأن التجارة مع إيران، مشيرا إلى النظام المصرفي لكنه ينظر إلى إيران باعتبارها «فرصة ضخمة».
أما صحيفة «صنداي ديلي تلغراف» فقالت أمس إن بريطانيا تسعى لأن تصبح عضوا مستقلا في منظمة التجارة العالمية عندما تنفصل عن الاتحاد الأوروبي وهو ما سيعلنه وزير التجارة البريطاني ليام فوكس الأسبوع القادم.
وقالت الصحيفة دون أن تكشف عن مصادرها أن فوكس سينتهز فرصة كلمة سيلقيها أمام منظمة التجارة يوم الثلاثاء ليقول: إن بريطانيا ستسعى لأن تصبح عضوا مستقلا في المنظمة حتى تتمكن من التفاوض على اتفاقاتها التجارية خارج الاتحاد الأوروبي. وأضافت أن العضوية المستقلة لبريطانيا في منظمة التجارة ستتيح لها الانسحاب من الوحدة الجمركية للاتحاد الأوروبي وهو ما ترفض الحكومة البريطانية حتى الآن تأكيد نيتها القيام به.
وقال ماتيو رينتسي رئيس الوزراء الإيطالي إن على البريطانيين ألا يتوقعوا أن يحصلوا في نهاية الأمر على حقوق تزيد على حقوق مواطني بقية الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بعد خروجهم منه وإن مسألة الحد من حرية التنقل بين دول الاتحاد لن يجري بحثها حتى تبدأ المحادثات الرسمية.
ووجه رينتسي، الذي يعمل من أجل دعم شعبيته قبيل استفتاء مقرر في ديسمبر (كانون الأول) على إصلاحات دستورية علق عليها مستقبله السياسي، انتقادات كذلك لرئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون لإجرائه الاستفتاء لاسترضاء حزبه.
وفي إشارة على تزايد أهمية إيطاليا في أعقاب تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي أجرى رينتسي محادثات مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في إيطاليا الشهر الماضي في إطار محاولات الاتحاد الأوروبي توحيد الصف في أعقاب استفتاء بريطانيا يوم 23 يونيو.
وقال رينتسي إنه يحترم القرار الذي حظي بتأييد نسبة 52 في المائة من الناخبين البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي لكنه أبلغ هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أن أي اتفاق لن يعطي البريطانيين وضعا تفضيليا بالمقارنة ببقية الدول غير الأعضاء في الاتحاد.
وقال: «سيكون من المستحيل إعطاء الشعب البريطاني حقوقا تزيد على حقوق الشعوب الأخرى خارج الاتحاد».
ورغم أن بريطانيا لم تحدد رسميا مطالبها بعد في إطار اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي يأمل الكثيرون من أعضاء الحكومة في الحد من حرية التنقل بين الدول الاتحاد وهو السبب الرئيسي الذي دفع ملايين البريطانيين لتأييد الخروج من الاتحاد للحد من عدد المهاجرين مع الإبقاء على الصلات التجارية بالسوق الأوروبي الموحدة.