التقرير السنوي لمعهد الدراسات الاستراتيجية لعام 2016: صورة قاتمة في الشرق الأوسط

التوترات زادت ومساحة التعبير ضاقت.. و«داعش» قد يحتفظ بمكانته تنظيمًا إرهابيًا حتى بعد فقدان كل أراضيه

د. جون شيبمان المدير العام والرئيس التنفيذي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية يلقي كلمته في مقر المعهد بلندن أمس خلال استعراض التقرير السنوي الذي أعده مجموعة من الخبراء والمختصين عن أحداث عام 2016 (أ.ف.ب)
د. جون شيبمان المدير العام والرئيس التنفيذي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية يلقي كلمته في مقر المعهد بلندن أمس خلال استعراض التقرير السنوي الذي أعده مجموعة من الخبراء والمختصين عن أحداث عام 2016 (أ.ف.ب)
TT

التقرير السنوي لمعهد الدراسات الاستراتيجية لعام 2016: صورة قاتمة في الشرق الأوسط

د. جون شيبمان المدير العام والرئيس التنفيذي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية يلقي كلمته في مقر المعهد بلندن أمس خلال استعراض التقرير السنوي الذي أعده مجموعة من الخبراء والمختصين عن أحداث عام 2016 (أ.ف.ب)
د. جون شيبمان المدير العام والرئيس التنفيذي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية يلقي كلمته في مقر المعهد بلندن أمس خلال استعراض التقرير السنوي الذي أعده مجموعة من الخبراء والمختصين عن أحداث عام 2016 (أ.ف.ب)

ركز التقرير السنوي لمعهد الدراسات الاستراتيجية لعام 2016 على الإحساس بخيبة الأمل واليأس التي تسود منطقة الشرق الأوسط، وقال المعهد البحثي، ومقره لندن في تقريره السنوي، إن الآمال المعقودة على انحسار التصعيد في القتال على جبهات عدة بالشرق الأوسط لم تتحقق، وعلاوة على ذلك فإن المعهد الدولي المختص بالدراسات الاستراتيجة أشار أيضا إلى أنه في الوقت نفسه لم تُبذل جهود مخلصة من أجل الإصلاح السياسي في المنطقة.
وعلى العكس من ذلك يرى التقرير الاستراتيجي أن التوترات في المنطقة قد زادت ومساحة التعبير قد ضاقت، حيث إن عدة أنظمة قد عززت من قبضتها على الأمور في بلدانها. واستعرض تقرير معهد الدراسات الاستراتيجية الذي وضعه مجموعة من الخبراء والمختصين في العلاقات الدولية والشؤون الشرق أوسطية، الحروب في سوريا والعراق واليمن وليبيا، حيث لم تسفر عن تحقيق انتصارات حاسمة، أو التوصل إلى تسويات سياسية، رغم التكلفة والخسائر البشرية العالية، والآثار المترتبة على ذلك.
وقال التقرير الاستراتيجي عن سوريا: «رغم أنها نقطة الارتكاز الأولى للمنافسة الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، فإنها قد ظهرت أيضا نقطة اشتعال محتملة للصراع بين مختلف القوى الدولية، تلك النقطة التي اعتقد البعض في وقت من الأوقات أنه يمكن احتواؤها، إلا أن الصراع السوري قد أثبت وبشكل كامل آثاره المزعزعة للاستقرار في المنطقة، حيث شكل التدخل الروسي في سوريا، الذي بدأ أواخر الخريف عام 2015، الحرب الدائرة هناك، إلى جانب الجهود الدبلوماسية الرامية إلى وضع حد نهائي للحرب هناك».
وأوضح التقرير السنوي عن الشؤون الدولية، للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن التدخل الروسي أثر أيضا على التصورات المأخوذة في المنطقة حيال الولايات المتحدة وروسيا وأثارت جدلا دوليا حول النظام الإقليمي.
وأضاف: «كان إضعاف نظام حكم الرئيس بشار الأسد خلال النصف الأول من عام 2015 على أيدي تحالف قوى المعارضة الذي اشتمل على الذراع السوري التابع لتنظيم القاعدة المعروف باسم (جبهة النصرة)، إلى جانب الفصائل الإسلامية والتيارات المتطرفة الأخرى، قد دفع بروسيا إلى بناء قواتها في المنطقة والتدخل بالتنسيق المباشر مع إيران».
وتطرق المعهد الاستراتيجي في تقريره السنوي لعام 2016 إلى «نشر موسكو قوات جوية كبيرة (بما في ذلك القاذفات والمقاتلات والمروحيات للإسناد الجوي القريب) جنبا إلى جنب مع موجة المقاتلين الإيرانيين والميليشيات الشيعية القادمة من العراق، ولبنان، وجنوب آسيا، بهدف تعزيز نظام حكم الأسد وبسط سيطرته على البلاد».
وقال: «كانت المرحلة الأولى من التدخل قد انتهت بحلول فبراير (شباط) 2016، وركزت بشكل كبير على العناصر والتيارات الإسلامية من قوات المعارضة في غرب وشمال سوريا، مما أوجد انتكاسات كبيرة لدى قوات المعارضة، ولا سيما حول مدينة حلب واللاذقية ودمشق».
وأوضح التقرير السنوي: «ساعد المستشارون الروس في إعادة تنظيم وتوجيه الحكومة السورية والقوات المتحالفة معها في ميدان القتال، وانتظرت روسيا حتى بدء المرحلة الثانية من التدخل لاستهداف الجماعات المتطرفة، ومن أبرزها (داعش)، الذي وفر صعوده المبرر الأساسي للتدخل الروسي. وسمح الدعم الروسي لقوات الأسد باستعادة مدينة تدمر التاريخية في مارس ، التي كان (داعش) قد سيطر عليها قرابة العام الكامل».
وأشار إلى أن نشر أنظمة الدفاع الجوي المتطورة والطائرات المقاتلة قد منح روسيا الهيمنة الجوية على القطاع الغربي من سوريا. ولقد رفع هذا الأمر من التكاليف بالنسبة للولايات المتحدة أو لغيرها من الدول التي تهدف إلى فرض منطقة حظر الطيران هناك، كما سمح لموسكو بفرض قواعد جديدة للعمل هناك على دول الجوار.
وتطرق التقرير إلى أن إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية، التي عبرت لفترة وجيزة إلى داخل المجال الجوي التركي، دفع موسكو لمعاقبة أنقرة من خلال فرض حزمة من العقوبات الاقتصادية والبلطجة الدبلوماسية واستهداف المعارضة المدعومة من تركيا. كما سمحت روسيا لإسرائيل بتنفيذ الطلعات الجوية فوق الجنوب السوري لتحديد وتدمير الأهداف التابعة لإيران ولما يسمى «حزب الله» اللبناني، بما في ذلك تدمير شحنات الأسلحة المرسلة بين الجانبين.
وقال المعهد البحثي البريطاني في تقريره السنوي إن التدخل الروسي خلق مزيدا من المعضلات والمخاطر بالنسبة للولايات المتحدة، التي نفذت قواتها الجوية عمليات ضد مواقع «داعش» في شرق سوريا. ونتيجة لذلك، صارت واشنطن أكثر اهتماما من ذي قبل بشأن كيفية التقليل من حدة الصراع مع موسكو من دون الدخول في حالة من التعاون المباشر والفعال.
وبالنسبة للعراق، قال التقرير: «منذ البداية وحتى منتصف عام 2016، كان العراق بؤرة الاهتمام لثلاثة اتجاهات جيو - سياسية مختلفة معنية بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط الكبير. وأول هذه الاتجاهات، والذي نشأ في أعقاب تغيير نظام الحكم في البلاد، كان الشكل العنيف للغاية والفعال للغاية من التطرف الأصولي الذي انتشر على أيدي (داعش) في المنطقة. ذلك التنظيم الذي تأسس في العراق على أيدي زعيم التطرف الأردني، أبو مصعب الزرقاوي، حيث أعلنت جماعته ولاءها وسمت نفسها تنظيم القاعدة في العراق في عام 2004، قبل أن تحمل اسم (داعش) في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2006. وبلغ التنظيم ذروة قوته في مايو (أيار) من عام 2015، عندما تمكن من الاستيلاء على مدينة الرمادي في محافظة الأنبار العراقية. ومع ذلك، بين يوليو 2015 ويونيو 2016، فقد التنظيم 50 في المائة من أراضيه التي سيطر عليها في العراق، حيث تم طرد مقاتليه من مدن الرمادي، والفلوجة، ومن مدينة سنجار إلى الشمال أيضا».
أما الاتجاه الإقليمي الثاني، بحسب التقرير الاستراتيجي، فقد كان ارتفاع وتيرة الطائفية السياسية بين النخبة الحاكمة في صورة الخطاب الذي تسيطر عليه الدولة، والعوام، من خلال الكراهية الطائفية المنتشرة فيما بينهم. وبدأت تلك الكراهية في التشكل في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق في عام 2003، حيث كانت الانتخابات المتعاقبة والحكومات الناتجة عنها تدعو إلى مزيد من الفرقة والطائفية داخل البلاد.
وقال التقرير: «تفاقمت حدة الكراهية الداخلية في العراق عن طريق استخدام ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية، وكانت هذه الميليشيات غير الرسمية قد تشكلت في أعقاب سقوط مدينة الموصل في أيدي (داعش) في يونيو عام 2014، واستخدمت في تطهير المناطق التي كان (داعش) يسيطر عليها من قبل. وكانت تلك الميليشيات تُحشد وتُحرك بالخطاب الطائفي العلني، ولقد اتهمت مرارا وتكرارا من قبل (منظمة هيومان رايتس ووتش) و(منظمة العفو الدولية) بالتورط في انتهاكات حقوق الإنسان، وتهجير السكان، وعمليات القتل خارج نطاق القضاء».
أما الاتجاه الأخير بالنسبة للعراق، فكان نتيجة للضعف المستمر في أسعار النفط العالمية. والعراق هو أحد أكثر البلدان اعتمادا على النفط في العالم، مع تمويل ما يقرب من 95 في المائة من الإنفاق الحكومي من تصديرات المنتجات النفطية للخارج. وأدى الانخفاض في الخدمات العامة، متبوعا بالهبوط الحاد في أسعار النفط، إلى اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية الحاشدة في جميع أنحاء جنوب العراق منذ يوليو 2015 وحتى الآن، حيث اندفع عشرات الآلاف من المواطنين العراقيين العاديين إلى الشوارع في ذروة الصيف الملتهب للاحتجاج على نقص إمدادات الكهرباء والمياه النظيفة، وألقوا باللائمة في ذلك على الفساد الحكومي المستشري، وكذلك على المحاصصة الطائفية، أو نظام الحصص الطائفية العراقية الذي كان قيد الاستخدام من جانب كل حكومة عراقية منذ عام 2003. ونتيجة لذلك، كان النصف الأول من العام الحالي يتسم محاولات مستمرة من قبل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لتلبية مطالب المحتجين ومحاولة إصلاح الحكومة.
وفيما يتعلق بتنظيم داعش الإرهابي، قال التقرير السنوي في نسخته لعام 2016: «عانى تنظيم داعش من نكسات عسكرية كبيرة خلال النصف الأول من عام 2016، حيث خسر كثيرا من الأراضي في العراق وسوريا، في حين يكافح التنظيم من أجل تحقيق بعض المكاسب المستدامة في خضم المشهد المتشدد المزدحم في ليبيا. وفي الأثناء ذاتها، ألهم التنظيم أو نفذ مباشرة كثيرا من العمليات الإرهابية خارج الحدود، بما في ذلك داخل أوروبا والولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن مشروع إقامة (الخلافة) يعاني من الفشل الذريع، فإن (داعش) قد يحتفظ بمكانته تنظيما إرهابيا حتى بعد فقدان كل أراضيه.
ويوضح التقرير السنوي البريطاني: «بلغ تأثير (داعش) ذروته في مايو من عام 2015، عندما سيطرت قواته على مدينة الرمادي العراقية. ومنذ ذلك الحين، والتنظيم يواصل خسارة الأراضي، والإيرادات، والكوادر، والرجال. وكان السبب الرئيسي في هذه الانتكاسات هو التنسيق العسكري المتزايد من جانب المعارضين. وبحلول يونيو من عام 2016، كان (داعش) قد خرج إلى حد كبير من مدينة الرمادي والفلوجة على أيدي قوات الأمن العراقية. التي أعيد تشكيلها وبناؤها بمساعدات أجنبية كبيرة، إلى جانب قوات الحشد الشعبي، وهي تشكيلات من الميليشيات الشيعية غير الرسمية ذات العلاقات الفضفاضة مع الحكومة المركزية في البلاد. ثم بدأت القوات تحركها ضد (داعش) في معقله بمدينة الموصل. وفي الأثناء ذاتها، كانت قوات البيشمركة الكردية تحقق نجاحات معتبرة في شمال العراق ضد التنظيم. وقد استعيدت أجزاء كبيرة من الحدود السورية العراقية من تنظيم داعش، مما تسبب في التعقيد في حرية حركة التنظيم الإرهابي بين البلدين. واستفادت هذه الحملة كثيرا من الدعم العسكري الغربي، ولا سيما من القوة الجوية الأميركية، والاستخبارات، والمستشارين العسكريين. ولكن الجهود أعيقت كثيرا بسبب الاضطرابات السياسية في بغداد وأعمال العنف الطائفية التي ترتكبها الميليشيات الشيعية، إلى جانب الأهداف المتباينة لكل فريق؛ حيث تضع الحكومة العراقية الأولوية لتحرير الفلوجة بدلا من الموصل التي تفضل الولايات المتحدة تحريرها أولا».
ويقول التقرير: «كان الوضع أكثر تعقيدا في سوريا، حيث تشتعل المنافسة بين جبهات مختلفة لمحاربة (داعش)، فهناك، تدعم الولايات المتحدة القوى الديمقراطية السورية، وهو تحالف كانت تهيمن عليه وحدات الحماية الشعبية الكردية - وهي الذراع الكردي لحزب العمال الكردستاني - وضمت هذه القوى كثيرا من قوات العشائر العربية ووحدات من الجيش السوري الحر. وتمكن التحالف من تحقيق نجاحات معتبرة ضد تنظيم داعش بمساعدة القوات الجوية الأميركية في شمال وشرق سوريا، خصوصا على طول الحدود السورية التركية».



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».