صناديق الأسهم العالمية متفائلة بقطاع العقارات الهندي

توقعات باحتلاله المركز الثالث دوليًا في 2030

طفرة كبيرة في قطاع العقارات بالهند خلال الأعوام القليلة الماضية وتوقعات بنمو واسع حتى عام 2030 (رويترز)
طفرة كبيرة في قطاع العقارات بالهند خلال الأعوام القليلة الماضية وتوقعات بنمو واسع حتى عام 2030 (رويترز)
TT

صناديق الأسهم العالمية متفائلة بقطاع العقارات الهندي

طفرة كبيرة في قطاع العقارات بالهند خلال الأعوام القليلة الماضية وتوقعات بنمو واسع حتى عام 2030 (رويترز)
طفرة كبيرة في قطاع العقارات بالهند خلال الأعوام القليلة الماضية وتوقعات بنمو واسع حتى عام 2030 (رويترز)

مع التوقعات التي تتنبأ لقطاع العقارات والبناء الهندي بأن يصبح من الصناعات التي تبلغ قيمتها 180 مليار دولار أميركي بحلول عام 2020، وثالث أكبر صناعة من نوعها على مستوى العالم بحلول عام 2030، فإن السوق الهندية تشهد زيادة في الأفضلية لدى المستثمرين الدوليين في الأسهم العالمية.
وشهية المستثمرين الأجانب في سوق العقارات الهندية آخذة في الارتفاع بفضل النمو الاقتصادي الأفضل نسبيا، وبالتالي العوائد الناتجة عن الاستثمار هناك. وفي عام 2015، استثمرت الصناديق العقارية المملوكة لشركات الأسهم الخاصة مبلغ 5 مليارات دولار في الهند، وهو أعلى مبلغ مسجل منذ الأزمة المالية العالمية لعام 2008، وفقًا لمؤسسة «فنتشر» للاستشارات الاستثمارية.
ويمكن قياس الاهتمام المتزايد في سوق العقارات الهندية من جانب شركات الأسهم الخاصة الأجنبية من واقع حقيقة أنه خلال الربع الأول من عام 2016، استثمرت شركات الأسهم الخاصة الأجنبية مبلغ 954 مليون دولار في المشروعات العقارية الهندية.
ومن المتوقع خلال هذا العام أيضًا أن تشهد السوق الهندية دخول عدد آخر من صناديق الثورة السيادية الكبيرة، وصناديق التقاعد، والمستثمرين العالميين من ذوي الشراكات مع المطورين العقاريين الهنود، التي تنشئ منصات استثمارية كبيرة في الهند.
يقول راجيف بيراثي، المدير التنفيذي لشركة «نايت فرانك إنديا» العاملة في مجال الاستشارات العقارية: «انتشرت وعلى نطاق واسع الاستثمارات العقارية داخل الهند، مع كثير من المستثمرين الخارجيين الذين يتطلعون للتوقيع على الصفقات مع المطورين الهنود مباشرة من خلال صفقات المنصات الاستثمارية. وسوف نشهد المزيد من تلك الصفقات أو الشراكات لبناء المشاريع الجديدة خلال العام الحالي، وليس في مجال المشروعات السكنية فقط، ولكن في مجال المشروعات التجارية أيضًا».
* استثمارات الأسهم الرئيسية
يبدو أن المستثمرين الصينيين يعتزمون أيضًا فتح خزائن أموالهم لضخ المزيد منها في الأسواق العقارية الهندية، حيث يحاول تكتل «فوصن» الاقتصادي الصيني فتح طريق في قطاع العقارات الهندي باستثمارات تبلغ مليار دولار من خلال منصة استثمارات الأسهم الخاصة. واتباعًا لخطوات الصناديق العالمية الكبرى مثالاً بصندوق «بلاكستون»، يعمل تكتل «فوصن» على شراء بعض الأصول التنموية في كبريات المدن الهندية، التي يجري تطويرها في وقت لاحق بعد إنشاء ذراع التشييد هنا بغية بناء المشروعات الكبيرة. كما يجري تكتل «فوصن» المحادثات مع شركات الصناديق العقارية الهندية، ومن بينها شركة «ريسينغ ستريتس كابيتال» من أجل الاستثمار في أموالها. وهذا يشبه ما يقوم به صندوق الثروة السيادية في سنغافورة «جي آي سي» تمامًا، حيث يضخون الأموال في صناديق استثمارية أخرى، وينفذون الصفقات الاستثمارية بأنفسهم كذلك.
يأتي اهتمام تكتل «فوصن» بالاستفادة من الفرص العقارية المتاحة في السوق الهندية في وقت الذي يبذل فيه كثير من المستثمرين الدوليين قصارى جهدهم لدخول المشهد العقاري الهندي، وإضافة تلك الصفقات إلى محافظ أعمالهم. والمستثمرين الأجانب، بما في ذلك مجموعة «بلاكستون»، وصندوق الثروة السيادية في سنغافورة «جي آي سي»، ومجلس خطط الاستثمارات التقاعدية الكندي، ومؤسسة «غولدمان ساكس»، وجهاز قطر للاستثمار، تجري جميعها بالفعل استثمارات في الأصول العقارية الهندية على مدى السنوات القليلة الماضية.
وهناك بعض من كبار المستثمرين العالميين، مثال بنك «مورغان ستانلي»، و«ماكواري»، و«إيفانو كامبريدج» (وهي شركة متفرعة عن مجلس خطط الاستثمارات التقاعدية الكندي)، تحاول إعادة دخول سوق العقارات الهندية، بعد فترة طويلة من الابتعاد. وتنظر شركة «تيماسيك» القابضة، وهي الذراع الاستثمارية لحكومة سنغافورة، ولأول مرة في استثمار مبلغ مليار دولار في شريحة الأصول العقارية الهندية. والشركة المملوكة للحكومة في سنغافورة، التي ابتاعت حصصًا في شركة «أوبروي» العقارية، هي بالفعل من أكبر المستثمرين الأجانب في الهند، مع حافظة استثمارية تبلغ نحو 9 مليارات دولار. وتخطط شركة «تيماسيك» القابضة للاستثمار في المجال العقاري بعد أن تحول شقيقها (صندوق الثروة السيادية في سنغافورة «جي آي سي») إلى أحد أكبر المستثمرين الأجانب في هذه الشريحة من السوق العقارية الهندية خلال العامين الماضيين.
وأسس صندوق الثروة السيادية في سنغافورة شركة مشتركة تحت اسم «دي إل إف للتطوير العقاري» لاستثمار مبلغ 300 مليون دولار في تطوير المشاريع في قطعتي أرض في دلهي. وتبع ذلك شراكة مع شركة «كيه كيه آر» العالمية للأصول البديلة بهدف إنشاء شركة مالية غير مصرفية لإقراض المطورين العقاريين الأموال، في وقت سابق من العام الحالي. ولقد أبرم صندوق الثروة السيادية في سنغافورة صفقة مع مجموعة «دلهي فاتيكا» لتطوير مشاريع سكنية في غورغاون وبنغالورو مع شركة «بريجيد» للمشروعات السكنية.
وعلى نطاق العقارات التجارية، استحوذ الصندوق السيادي في سنغافورة على شركة «بي إس إي»، المدرجة على مؤشر «نيرلون»، التي تمتلك حديقة تكنولوجيا المعلومات في غورغاون بمدينة مومباي.
وكانت شركة «إيه بي جي» الهولندية لإدارة الأصول واحدة من أكثر المستثمرين الأجانب نشاطًا في السوق العقارية الهندية خلال السنوات القليلة الماضية. وفي الآونة الأخيرة، استثمرت الشركة مبلغ 275 مليون دولار في شركة «غودريج» العقارية الهندية لبناء العقارات السكنية في كبريات المدن الهندية. وفي عام 2014، دخلت الشركة الهولندية في مشروع مشترك مع شركة «بيرامال إنتربرايز» بهدف استثمار مليار دولار في شركات البنية التحتية الهندية، بما في ذلك توفير التمويلات المطلوبة لهذه الشركات. كما اشتركت الشركة الهولندية أيضًا مع شركة «زاندر» لإدارة الاستثمارات، وغيرها من الشركات، لإنشاء صندوق بقيمة 300 مليون دولار للاستثمار في العقارات الإدارية في البلاد.
ووفقا لمصادر السوق، يتطلع بنك «مورغان ستانلي» الأميركي إلى الاستثمار في السوق العقارية الهندية من واقع الصناديق العالمية التي يمتلكها، كما يتطلع أيضًا إلى تمويل السوق الهندية. وتعقد شركة «ريالتي مورغان ستانلي» الأميركية محادثات نشطة مع شركة «أوبروي ريالتي» الهندية من أجل تكوين شركة مشتركة للاستثمار في مشروعات الأسواق التجارية ومراكز التسوق في مدينة مومباي الهندية. ولقد نقل بنك مورغان ستانلي في وقت سابق جميع استثماراته العقارية الهندية إلى شركة «بروبريوم كابيتال»، التي تأسست بواسطة الموظفين السابقين لدى بنك مورغان ستانلي الأميركي في عام 2013.
وتدير شركة «بروبريوم كابيتال» في الوقت الراهن استثماراتها في الهند من حلال شركة «مانتري ريالتي» في بنغالورو، وشركة «بانكشيل» في بيون، من بين شركات أخرى.
وعلى صعيد متصل، تتطلع شركة «ماكواري» الأسترالية للعودة إلى السوق العقارية الهندية. وعلى الرغم من أن شركة «ماكواري» الأسترالية للاستثمار العقاري تملك مكتبًا لها في الهند، إلا أنها أغلقته قبل عامين سابقين. والآن، تتطلع الشركة إلى إنشاء صندوق استثماري في العقارات الهندية بقيمة 500 مليون دولار، كما أفادت بعض المصادر.
وتجري شركة «ماكواري للبنية التحتية والأصول العقارية» المحادثات مع شركة «تاتا» الإسكانية لإنشاء شركة بعدة ملايين من الدولارات للاستثمار في المشروعات الإسكانية. وتدير شركة «ماكواري للبنية التحتية والأصول العقارية» صناديق استثمارية تبلغ قيمتها 105 مليارات دولار حول العالم.
أما شركة «ايفانو كامبريدج» (وهي شركة متفرعة عن مجلس خطط الاستثمارات التقاعدية الكندي)، فتتطلع إلى العودة للاستثمار في السوق العقارية الهندية. ولقد افتتحت الشركة مكتبًا لها في الهند عام 2008 للاستثمار في المراكز التجارية الهندية، ولكنها أغلقت المكتب حيث لم تفلح في العثور على الفرص المناسبة للاستثمار. والآن، شكلت الشركة تحالفًا استراتيجيًا مع شركة «بيرامال إنتربرايز» لإنشاء شركة مالية عقارية برأسمال يبلغ 500 مليون دولار في الهند من أجل توفير رؤوس الأموال لشركات التطوير العقاري المحلية.
واستثمرت شركة «واربورغ بينكوس» للأسهم نحو 280 مليون دولار في شركة «بيرامال رياتلي الخاصة المحدودة» لشراء الأراضي وبناء المساكن في مومباي. كما استثمرت شركة «غولدمان ساكس» مبلغ 150 مليون دولار في شركة «بيرامال» أيضًا.
وإذا كنا لنصدق التقارير الإخبارية، فإن شركة «سيمون بروبرتي غروب»، وهي صندوق الاستثمار الأميركي، قد دخلت في شراكة، وتنمية، واستثمار عقاري هندي، وتعتزم دخول السوق الهندية من خلال مشروع مشترك كبير. وأكدت المصادر العقارية المحلية أن شركة «سيمون بروبرتي غروب» أجرت بالفعل محادثات مع ثلاث شركات هندية في مومباي.

لماذا الاستثمار في الهند؟
مع الإصلاحات التي بدأ يشهدها قطاع العقارات الهندي، بما في ذلك تمرير قانون اللوائح العقارية الأخير، والمعني بإجراءات التشغيل المعيارية لصناديق الاستثمار العقاري والإسكاني بأسعار معقولة، فإن بعضًا من صناديق الأسهم العالمية عاودتها الرغبة للعودة والاستثمار في السوق الهندية، على حد وصف بعض من خبراء المجال العقاري في البلاد.
حيث يقول ارون ناتاراجان، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة «فنتشر» الاستشارية: «خلال الموجة الأولى من استثمارات الأسهم الخاصة في قطاع العقارات الهندي، بذل المستثمرون العالميون قصارى جهدهم من خلال استثمارات الأسهم في المشروعات السكنية هنا». والآن، صاروا متحمسين بسبب قانون الإصلاحات العقارية الهندية الجديد، ومن المتوقع لهم الاستثمار بصورة أكثر جدية خلال السنوات المقبلة. ومع ذلك، فإنهم حذرون بدرجة واضحة ويحاولون اتخاذ جميع الاحتياطيات الممكنة. وبدلاً من الاندفاع الأعمى، عندما يتيح المستثمرون الأموال لمديري الصناديق، الذين بدورهم يقدرون وضع الأموال في المشروعات التي يختارونها، فإن المستثمرين العالميين هذه المرة قد تشاركوا مع شركات التطوير العقاري المحلية لبناء المشروعات مباشرة حيث تكون لهم الكلمة الأخيرة في الاستثمارات، وتخصيص الأموال، والمجالات المتخصصة مثل الإسكان بأسعار معقولة، والمراكز التجارية، والمشروعات الإدارية، وخلافه.
* الاستثمارات في العقارات المتعثرة
توقفت الصناديق العالمية ومستثمري الأسهم الخاصة عن توفير التمويل لشركات التطوير العقاري المتعثرة، في مقابل العوائد بنسبة 15 إلى 17 في المائة، وفقًا للمحللين. وتستعد شركة «لون ستار فاندس» الأميركية للأسهم الخاصة للانضمام إلى مجموع اللاعبين الدوليين الذين يتطلعون للاستثمار في الأصول العقارية المتعثرة في الهند. وأشار تقرير منشور على صفحات «إيكونوميك تايمز» عن مصادر إلى أن الشركة الأميركية تبحث ضخ ما يقرب من مليار دولار في السوق الهندية للاستثمار في الأصول المتعثرة، كما اجتمعت الشركة مع المصارف الهندية، ومن بينها بنك «أوف إنديا»، لاستكشاف الصفقات المتاحة.
يقول امبر ماهيشواري، المدير التنفيذي لشركة «إنديابوللز المحدودة» لصناديق الأسهم الخاصة وإدارة الأصول: «في حين أن الديون المجدولة سوف تستمر في الهيمنة على المشهد الاستثماري العقاري الهندي، سوف تكون بعض الصناديق على استعداد للخوض في المزيد من المخاطر القليلة من أجل تحقيق عوائد أفضل، وفي العملية المؤدية إلى المزيد من صفقات الأسهم الخاصة بأكثر مما رأيناه في عام 2015. وسوف تكون القرارات الجديدة أكثر انتقائية، وتتم من خلال المعاملات الفردية مع كبار المطورين العقاريين».
* صناديق الاستثمار العقارية
بدأ المستثمرون العالميون في إلقاء نظرة جيدة على قطاع العقارات الهندي، ولا سيما «صناديق الاستثمار العقاري»، وبدرجة كبيرة من الاهتمام والحماس عن ذي قبل. ومن حيث رؤوس الأموال في «صناديق الاستثمار العقاري»، تبلغ قيمة السوق الهندية الآن نحو 18 مليار دولار، حتى مع احتمال أن نسبة 50 في المائة من المساحات الإدارية لصناديق الاستثمار العقاري سوف يتم إدراجها.
وتجري شركة «تيماسيك» القابضة، وصندوق الثروة السيادية في سنغافورة «جي آي سي»، ومجلس خطط الاستثمارات التقاعدية الكندي، وهيئة أبوظبي للاستثمار، محادثات متقدمة مع الجانب الهندي للاستثمار في عرض صندوق الاستثمار العقاري الهندي «إيفرستون غروب» البالغة قيمته ملياري دولار من خلال منصة «إندوسبيس» للتطوير العقاري (وهي شركة مشتركة بين صندوق «إيفرستون غروب» وشركة «ريلتيرم» العقارية الأميركية).
وصناديق الاستثمار العقارية الهندية هي عبارة عن كيانات تمتلك الأصول العقارية المدرة للإيجارات، وتقدم روافد الدخل الاعتيادية للمستثمرين وتقديرات رؤوس الأموال على المدى البعيد.
وتقدر قيمة منصة «إندوسبيس» للتطوير العقاري السوقية بمبلغ 1.5 إلى ملياري دولار. وهي واحدة من كبريات شركات التطوير العقاري العاملة في قطاع الصناعات واللوجيستيات في الهند. ولقد نجحت منصة «إندوسبيس» للتطوير العقاري من جمع 584 مليون دولار حتى الآن من خلال صندوقين للاستثمار في بناء الحدائق اللوجيستية.
وتشتمل حافظة أعمال منصة «إندوسبيس» للتطوير العقاري على 17 مشروعا من المشروعات الصناعية واللوجيستية تحت التشغيل والتطوير، إلى جانب خمسة مشروعات أخرى. أما المستأجرون فهم شركات مثل: «أمازون»، و«لوريل»، و«بروكتر آند غامبل»، و«نيسان»، و«بيبسي»، و«دي إتش إل»، و«ليوني»، و«ستيلكيس»، و«كوبوتا»، و«إريكسون»، و«بوش»، و«ديلفاي»، و«كاتربيلار»، و«أديداس»، والآسيوية للدهانات.
والاهتمام في عروض منصة «إندوسبيس» للتطوير العقاري من جانب المؤسسات الاستثمارية العالمية يأتي في وقت لا تزال فيه كثير من الشركات تحقق تقدمًا بطيئًا. ولقد نشرت مجلة «مينت» تقريرًا بأن شركات أمثال مجموعة «بلاكستون»، ومجموعة «إمباسي»، و«بانكشيل ريالتي»، ومجموعة «آر إم زي»، ومجموعة «راهيجا»، قد وضعت الخطط من أجل الانضمام إلى صناديق الاستثمار العقارية الهندية، ولكن ما من أحد يتوقع الإدراج الفعلي قبل عام 2017.



جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»