مثقفون في المغرب يرصدون مدى التفاعل بين مثقفي المشرق والمغرب

أكدوا أن الجامعة العربية الحقيقية بين العرب هي الثقافة

نجيب العوفي - عبد الرحيم العلام - سعيد يقطين - حسن نجمي - حسن المودن
نجيب العوفي - عبد الرحيم العلام - سعيد يقطين - حسن نجمي - حسن المودن
TT

مثقفون في المغرب يرصدون مدى التفاعل بين مثقفي المشرق والمغرب

نجيب العوفي - عبد الرحيم العلام - سعيد يقطين - حسن نجمي - حسن المودن
نجيب العوفي - عبد الرحيم العلام - سعيد يقطين - حسن نجمي - حسن المودن

بين الأمس واليوم، تحولات كثيرة همت الوضع الثقافي العربي، ومن خلالها قيمة التفاعل بين المثقفين، في المغرب والمشرق. وما بين زمن «الرسالة» و«الآداب» و«الأديب» و«الشعر»، وغيرها من المجلات التي مكنت العرب من التعرف على تجارب بعضهم البعض، خالقة تفاعلاً حقيقيًا بين المثقفين، وصولاً إلى زمن التواصل التكنولوجي، ترتفع أصوات، هنا أو هناك، لتقارن بين زمن مثمر بين المثقفين، من خلال مجلاته ومهرجاناته، وحاضر مأخوذ بسرعة التكنولوجيا و«جنون» العولمة، غارق في «الاستعراضات والبهرجة والوجاهات الاجتماعية».
لا شك أننا نعيش راهنًا ثقافيًا عربيًا مختلفًا عن سابقه، يعكس مستوى التحول الذي طال العقليات، بعد أن تراجعت هواجس وأحلام الماضي، على وقع المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية التي عرفها العالم، منذ تسعينيات القرن الماضي بشكل خاص. في المغرب لا يمكن لرصد حاضر الممارسة الثقافية، بين أطراف العالم العربي، خاصة على مستوى التفاعل والتواصل بين المثقفين، وبالتالي الحصيلة العامة للمنجز الثقافي، إلا أن ذلك يستحضر نقاشًا تواصل منذ عقود، بل منذ قرون، بصدد تفاعل المثقفين العرب فيما بينهم، تم اختصاره، بشكل خاص، في ثنائية «المشرق والمغرب» أو «المركز والهامش».
* العلام: تواصل المثقفين العرب شهد تطور كثيرًا
يقول عبد الرحيم، الناقد ورئيس اتحاد كتاب المغرب، إن سؤال التواصل والتفاعل بين المثقفين، في المشرق والمغرب العربيين: «سؤال قديم جدًا، لكنه ما فتئ يتجدد باستمرار، رغم أن تلك الشكوى القديمة من انقطاع التواصل، بين الطرفين، لم تعد قائمة بمثل حدتها الأولى، إذ كثر، في وقت سابق، وبشكل مبالغ فيه، عتاب المغاربة للمشارقة، لتجاهلهم لهم ولإنتاجهم الثقافي والأدبي والفني، بما هو عتاب يعكس، في أحد تجلياته، جانبا من أزمة الثقافة العربية، بشكل عام، في صورها ومكوناتها المختلفة». لكن، رغم ذلك، يضيف العلام، ففي اعتقادي، وحسب ما تكشف عنه تمظهرات التواصل الثقافي، اليوم، بين المشرق والمغرب، أن هذا السؤال، لم يعد يطرح بالحدة نفسها والأهمية السابقة، فالحوار والتواصل الثقافيان بين المثقفين والكتاب في المغرب والمشرق العربيين، ظلا قائمين ومفتوحين، بل يمكن القول إنهما قد تطورا بشكل لافت، في ضوء المتغيرات والتحولات المتسارعة التي يعرفها عالم اليوم، والتي أسهمت فيها الثورة التكنولوجية بنصيب كبير، دون أن نلغي الأخذ بعين الاعتبار، أيضًا، غياب التكافؤ الجغرافي بين أقطار المشرق العربي ومغربه، واختلاف طبيعة النسيج الاجتماعي، موازاة مع تبدد جانب كبير من تلك العوائق التقليدية والادعاءات الوهمية التي كانت تحول دون تحقيق حوار وتواصل مخصب بين الطرفين، في إطار مفهوم الوحدة عبر التعدد والتنوع. فما تعيشه مجتمعاتنا العربية اليوم، وهي تواجه أخطر ما يهدد كيانها، ألا وهو التطرف والإرهاب، أصبح يستلزم منا أن نوسع، بشكل أكبر، مجال حوارنا، حتى لا يبقى داخليا فقط، فالحرب اليوم، هي حرب ثقافية، بالأساس، ما يلزمنا، أكثر من أي وقت مضى، أن نعمل على توحيد المواقف، وتشكيل جبهات ثقافية، وتعميق حوارنا مع محيطنا ومع الآخر من حولنا، على أساس مبادئ التواصل والاستمرار والتعايش، بعيدًا عن أي قطيعة كأداء يرتضيها الفكر المتطرف. ومع ذلك، فقد كان الحوار مثمرًا بين المشارقة والمغاربة، بما يوازيه من نفي لأي قول بـ«القطيعة» و«الانفصال»، دون أن ننسى، هنا، ما تثيره قضية «مشرق ومغرب» لدى البعض من التباس وسوء فهم أحيانا. وكلنا، هنا، يتذكر ذلك الحوار المخصب والمثير بين المفكر محمد عابد الجابري والمفكر حسن حنفي، في موضوع «حوار المشرق والمغرب»، بما أعقبه من ردود ومناقشات أغنته، بما هو حوار يعكس صورة لقاء المشرق والمغرب في أبهى تجلياته، بمثل ما يعكس حلما دائما، لم يبدده لا الزمن ولا تغير السياسات والقناعات والحساسيات والآيديولوجيات، ما يدفعنا اليوم إلى تغيير نظرتنا إلى هذا المفهوم الضيق الذي يؤطر العلاقة بين المشرق والمغرب، لأجل تجاوزه».
* نجمي: لقاءاتنا الثقافية العربية هشة
من جهته، يرى حسن نجمي، الشاعر والروائي والرئيس السابق لاتحاد كتاب المغرب، أن «الثنائية القائمة بين المشرق والمغرب، على المستوى الثقافي والأدبي، أصبحت تتقادم تدريجيًا، ولم تعد تحظى بالأولوية التي كانت لها في الماضي على مستوى التواصل بين المبدعين والأدباء والفاعلين في الحقل الثقافي، وإن كانت لا تزال أكثر إلحاحًا على المستوى السياسي والدبلوماسي».
وقال نجمي إن «إشكالية التواصل بين مثقفي المشرق والمغرب كانت تلقي بظلالها في نقاشاتنا العربية - العربية، في مختلف المحافل والمؤتمرات الأدبية، فكنا دائما نجهر بمظلمتنا كمغاربيين، كلما أحسسنا بأن أشقاءنا العرب في المشرق يعاملون إنتاجاتنا كما لو كانت إبداعًا من درجة ثانية. كما شعرنا بأن هناك نوعا من (المركزية المشرقية)، كانت تظل كامنة خلف الخطابات والإشارات والتلميحات المختلفة. وبالتأكيد لا يزال قدر بسيط من ذلك، حتى اليوم، لدى عدد قليل من الأسماء المشرقية، ومن ذلك، مثلا، أن الشاعر عبد المعطي حجازي يبقى نموذجًا لافتًا للانتباه في هذا الاتجاه، خاصة في بعض حواراته التي ينتقص فيها من الشعرية المغاربية، لكن ذلك يتضاءل باستمرار أمام الوعي المتبصر لدى الأسماء الأدبية والفكرية المرجعية والمؤثرة في صياغة المشهد الثقافي والأدبي والإعلامي في مشرقنا العربي. وهناك عدد من العقلاء يدركون حجم التحولات الهائلة في الساحة الأدبية العربية في المغرب والجزائر وتونس بالخصوص، ويتفاعلون مع مختلف التجارب والأصوات والأجيال المختلفة، ويتبادلون الإشارات تلو الإشارات، ولهم شعور حقيقي بأن التجربة الأدبية العربية واحدة وموحدة، رغم الاختلافات والتباينات القائمة مقارنة مع المنجز الأدبي والمعرفي والفكري في العالم اليوم».
ولاحظ نجمي أن المثقفين المغاربة «أخذوا يضعون هذه الثنائية خلف ظهورهم ويعتبرونها جزءا من الماضي»، قبل أن يستدرك، قائلا: «ثمة إحساس ملموس بأن علينا أن نقود تجربتنا الأدبية في اتجاه أفقها الكوني».
ولاحظ نجمي أن «التفاعل بين المثقفين العرب أصبح، اليوم أوضح وأسرع والانتعاش أكبر، كما صار أكثر حيوية، واتسعت مساحته أكثر من أي وقت مضى، من جهة أن وسائل التفاعل صارت لحظية وسريعة»، مشيرًا إلى أن هذا «التفاعل لا يخلو من نقاط قوة ونقاط ضعف»، مشددًا على أن «التفاعل المستمر، الإيجابي، الخلاق والبناء يحتاج إلى إيقاع خاص وإلى استغراق زمني، على عكس ردود الفعل والتفاعلات المستعجلة التي يفرضها إيقاع (فيسبوك) ومختلف شبكات الاتصال العنكبوتية». وانتقد نجمي كثيرًا اللقاءات الثقافية التي يتم تنظيمها على صعيد العالم العربي، مشيرًا إلى أن «فيها كثيرًا من الهشاشة»، مرجعًا ذلك إلى المسؤولين عنها، والذين قال عنهم إنهم، غالبًا، ما يكونون إداريين، تجدهم يحرصون أكثر على تمثيلية أكبر عدد من الدول العربية أكثر من البحث في نوعية المشاركين، الشيء الذي ينعكس على قيمة الأسماء المشاركة والمحتوى العلمي والفكري الذي يتمخض عن هذه المواعيد الثقافية. واستغرب نجمي، في هذا الإطار، لعدم توجيه كثير من المظاهرات العربية، ذات التوجه المسرحي الدعوة للدكتور حسن المنيعي، أو التي يدور موضوعها حول القصة لأحمد بوزفور، أو الشعر لمحمد بنيس أو محمد بنطلحة، مثلا.
ورأى نجمي أن طرح سؤال «من يمثلنا في التظاهرات الثقافية؟» يبقى ضروريًا، لأنه يبرر، في أكثر الأحيان، تواضع المنتوج الذي تفرزه هذه التظاهرات وضعف التفاعل بين المثقفين، منتهيًا إلى أن «هناك خللاً تنظيميًا، بالأساس، مرده إلى أن من يشرفون على التظاهرات الثقافية العربية هم، في غالب الأحيان، إداريون لا معرفة لهم بالحقل الثقافي. وهذا شيء مؤسف».
* العوفي: عكاظات ثقافية
من جهته، يرى الناقد نجيب العوفي أن التفاعل بين مثقفي المغرب والمشرق «قديم وموصول امتدّت وتوثّقت عُراه على امتداد التاريخ، وما يزال»، وأن «وتائره قد تنامت وتضاعفت الآن، بحُكم إمكانات التواصل المتطورة ودخول الإنترنت على خطّ هذا التواصل، حيث أجهز على خرائط العالم».
وشدد العوفي على أن «المشرق كان حاضرًا باستمرار في الذّاكرة الثقافية المغربية ورافدًا أساسيا لها»، مشيرًا إلى أن «هذا الاحتفاء الحفي والبهي بالمشرق من طرف المغرب، كان يُقابل، للأسف، بصمت ولامبالاة المشرق تجاه المغرب، وفقًا لثُنائية المركز والهامش التي كانت سائدة آنئذ؛ إن لم نقلْ، إن المشرق كان ينظر من عل إلى المغرب، معتبرًا إياه ذيلاً وتكْملة، وكأنّه يستعيد تلك المقولة المأثورة للصاحب بن عبّاد (هذه بضاعتنا رُدّت إلينا)»، الشيء الذي «أشعر المثقفين المغاربة، يضيف العوفي، بالضّيم والتبخيس، ودفع أحد روّادهم الأوائل وهو عبد الله كنون إلى كتابة سِفْره الكبير - الشهير (النبوغ المغربي في الأدب العربي)». والآن، يضيف العوفي: «لعلّ الموازين قد تبدّلت أو عَرَاها بعضُ تبدّل وتحوّل، فأصبح الهامش بدوره مركزًا، وفقد المركز الثقافي المشرقي الأثيل، بعض دالته وسلطته. وتلك الأيام نُداولها بين الناس. وهكذا، أصبحنا نُعاين الآن نوعًا من (النّدّية) الثقافية بين المغرب والمشرق، وبخاصّة لدى الأجيال الجديدة والشابّة من المثقفين.
وفي العُقود الأخيرة، لم يعد التفاعل الثقافي المغربي - العربي محصورًا في دائرة حواضر المشرق التقليدية (القاهرة - بغداد - دمشق - بيروت)، بل امتدّ وتوَاشج مع الفضاء الخليجي، وبخاصة بعد الحَراك الثقافي – الدّؤوب الذي شهدته بعض الأقطار الخليجية.
وصِرْنا نلاحظ في المدة الأخيرة (هجرة) كثير من الأقلام المغربية صوْب المنابر والمطابع الخليجية والمشرقية.. وكأنّ البيت ضاق على أهله. ولعل ازدهار اللقاءات الثقافية بين المغرب والمشرق، في السنوات الأخيرة، قرينة أخرى على حيويّة هذا التفاعل ومتانة عُرَاه».
وتحدث العوفي عن مشاركاته في اللقاءات الثقافية العربية، فقال: «شخصيًّا، كان لي شرف المشاركة في أكثر من لقاء عربي، مشرقي وخليجي، وذلك منذ ثمانينات القرن الفارط إلى الآن. وكانت هذه اللقاءات بحقّ، عُكاظات ثقافية تنزع فيها العروبة عن قوس واحدة، وتغرّد بلسان واحد، وكأن لا فرق بين مغرب ومشرق، بما يؤكّد أن الجامعة العربية الحقيقية بين العرب، هي الثقافة».
* المودن: نحتاج خطابًا ثقافيًا جديدًا
من جهته، يفترض الناقد حسن المودن أن التفاعل بين مثقفي المشرق والمغربي «ينبغي أن يسير في اتجاه بلورة خطاب ثقافي جديد يستجيب للأسئلة والقضايا والتحديات التي تواجهها البلدان العربية، شرقًا وغربا، في الوقت الراهن». ويفترض المودن، في سبيل ذلك، «مهمتين كبريين مستعجلتين ينبغي للخطاب الثقافي أن يشتغل بهما، نظريًا وعمليًا»: المهمة الأول، تتلخص في «أن يعمل هذا الخطاب الثقافي على أن يَحلَّ التفكيرُ الحواري مَـحَــلَّ التفكير العَـقَـدِيِّ»؛ فيما تتلخص الثانية في «الاهتمام بالأسئلة العملية التي تطرحها مجتمعاتنا.
وهي أسئلة كثيرة ذات طابع إشكالي، تتطلب حلولاً عملية، ما يجعل الثقافة اليوم مسألة مستعجلة»، مشيرًا، في هذا السياق، إلى أن «الأمر يتعلق بأسئلة عملية لا يتدخل فيها الخطاب الثقافي بالشكل المطلوب، أي بالسهر على أن يتشكل حوارٌ موسَّعٌ بين جميع الأطراف المعنية، وأن يتمَّ إسماعُ كلِّ الأسئلة والأجوبة المحتملة، وأن يعمل على خلق شروط التحاجج والتفاهم بين الأطروحات المتعارضة من أجل الوصول إلى أفضل الحلول التي تُجنِّب بلداننا مصير تلك الصدامات العنيفة التي تكون عواقبها وخيمة».
* يقطين: غياب المؤسسات الثقافية الحقيقية
ويرى الناقد سعيد يقطين أن «التفاعل بين مثقفي المغرب والمشرق قائم أبدا. فالحوار عبر المواقع التواصلية مستمر، والمساهمات في بعض الندوات التي تقام هنا وهناك متواصلة. وتبادل النقاش، والتأليف المشترك، والشراكات بين بعض الجامعات العربية، ومواكبة ما يجري على الساحة العربية لا شك فيه. غير أن التفاعل الحقيقي الذي يمكن أن يوحد الرؤى، ويدفع إلى النقاش حول الواقع العربي الحالي غائب تماما».
يرى يقطين أننا «نعيش واقعًا مختلفا عن السابق. وليس هذا الواقع سوى امتداد لذلك الماضي»، مشيرًا إلى أنه «كان من الممكن أن يأخذ هذا التطور الذي يعرفه الوطن العربي حاليا صورة أخرى من التفاعل بين المثقفين للعمل على مواجهة التحديات التي يعرفها عالمنا»، معتبرا أن «التردي الذي يعرفه الوطن العربي، بعد وقائع ما يسمى بالربيع العربي، لم يعمل فقط على تغيير العلاقات بين الأقطار العربية، ولكنه عمل أيضا على إيجاد القطائع بين مثقفي المغرب والمشرق. كانت اللقاءات الثقافية في المنتديات والمؤتمرات العربية أهم قنوات التواصل والتعارف والحوار. لكن واقع الحرب العربية حال دون استمرار مثل هذه الفعاليات. وأهم اللقاءات الحالية تستضيفها دول الخليج العربي».
وأوضح يقطين أننا «حين نتحدث عن المثقفين في الوطن العربي، نعني بصورة واضحة أفرادًا من مختلف تلك الأقطار لهم مساهمات ثقافية. وهؤلاء يتدبرون شؤون تواصلهم وتفاعلهم عبر القراءة لبعضهم، أو تبادل الرسائل، أو حضور الملتقيات. لكن المؤسسات الثقافية غائبة في هذا المشهد. كان من الممكن أن تضطلع الاتحادات والروابط بدور كبير في هذا الواقع، لكنها وليدته أيضا. غياب المؤسسات الثقافية الحقيقية دال على تعثر التفاعل الثقافي العربي».



الرياض تحتفي بمئوية كتاب «ملوك العرب» لأمين الريحاني

أمين الريحاني (الشرق الأوسط)
أمين الريحاني (الشرق الأوسط)
TT

الرياض تحتفي بمئوية كتاب «ملوك العرب» لأمين الريحاني

أمين الريحاني (الشرق الأوسط)
أمين الريحاني (الشرق الأوسط)

يعود المفكر والأديب والمؤرخ والرحالة والشاعر والرسام العربي اللبناني أمين الريحاني، إلى الواجهة مجدداً، بعد 85 عاماً على رحيله، من خلال احتفاء دارة الملك عبد العزيز، بمضيّ قرن على صدور كتابه «ملوك العرب»، الذي يعد خلاصة رحلة المؤرخ الراحل إلى الجزيرة العربية بين عامي 1922 و 1924.

ويرعى الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، ندوة علمية، تنظمها الدارة، بالتعاون مع مؤسسة أمين الريحاني، الأربعاء 15 يناير (كانون الثاني)، للاحتفاء بمئوية صدور كتابه «ملوك العرب»، وذلك في قاعة الملك عبد العزيز للمحاضرات.

الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز (الشرق الأوسط)

ووفقاً للمؤرخ الراحل الدكتور عبد الرحمن الشبيلي، فإن أمين الريحاني يعد أحد مصادر التاريخ السعودي، وكان على درجة من الدقة فيما يتعلق بالمعلومات والأحداث التاريخية، مشيراً إلى أن ابن أخي الأديب المهجري اللبناني أمين الريحاني أصدر عام 2000 كتابه «الرسائل المتبادلة بين الملك عبد العزيز والريحاني»، تناول ومضات الإعلام الخارجي في تلك الرسائل، إذ أبانت الحسّ الإعلامي الفطري عند الملك، واهتمامه بالرأي العام الخارجي، وأشارت إلى تنفيذ الريحاني مبادرات وصيَغ إعلاميّة متقدّمة، إذا ما قيست بظروف عشرينات القرن الماضي ومعاييره، كالمقالات السياسيّة في الصحف اللبنانيّة والمصرية، وإلقاء المحاضرات في الجمعيّات الأميركيّة والكنديّة والأوروبيّة وإذاعتها في الإذاعات، مما قام به الريحاني ودّيّاً بوصفه صديقاً للملك، خدمةً للإعلام السياسي للدولة السعودية الناشئة.

وأضاف الشبيلي في مقالة كتبها في «الشرق الأوسط» نهاية أبريل (أيار) 2018: «وقد وقعتُ على كتابين قديمين -نادرين بالنسبة لي- يتّصلان بسيرة أمين الريحاني وتراثه: الأول؛ أصدره عام 1951 ألبرت، وهو الشقيق الأصغر للريحاني، ونشرته دار الريحاني ببيروت في 570 صفحة، متضمّناً رسائل خاصة أمكن العثور عليها حتى عام صدور الكتاب، تبادلها مع عدد من الساسة والمفكّرين، يقع تاريخ كتابتها بين عام 1896 والعام الذي توفي فيه 1940، وهي تضمّ خمائل من أدب الريحاني، وألواناً من إبداعاته في الفكر والشعر والفن والسياسة والعلوم، وتكشف عن أهوائه وهواياته، وهمومه وآلامه وتجلّياته، وتعرض جوانب من شخصيّته، وهي أولاً وأخيراً، لون متميّز معروف في التراث العربي (أدب الرسائل) وقد أضاف إليها ابن أخيه عام 2000 مخاطبات عمّه مع الملك عبد العزيز، كما سبق».

غلاف كتاب «ملوك العرب» الذي سيحتفى بمضي 100 عام على صدوره

وزاد بالقول: «أما الكتاب الثاني؛ فهو بالغ الأهميّة كذلك، صدر عام 1979 بمناسبة الذكرى السنويّة لمولد الريحاني (عام 1879) واعتنى بإصداره أخوه ألبرت أيضاً، ويتضمّن فهارس بيبلوغرافيّة في 550 صفحة، لمجمل ما نُشر عن الريحاني ومنه حتى ذلك العام، في المطبوعات العربيّة والأجنبيّة في الشرق وفي المهجر، نشرته المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر في بيروت».

وشدد على أنه «رغم قِدَم الكتابين، وأنه مضى على صدورهما حين من الزمن، فإِنهما يُشكّلان ذخيرة نفيسة لمن يسعى للاطّلاع على تراث هذا الأديب العربي الكبير، الذي توفي في حادث سقوطه من دراجة في بلدته (الفريكة) بلبنان عام 1940 عن 63 عاماً، ولا غنى لمن يعمل على سيرته والتنقيب في أعماله عن كتابيه المشار إليهما، ولا يملك من يطّلع عليهما إِلا أن يتمنّى تحديثهما، وإضافة ما جدّ عليهما خلال العقود الماضية».

ومع أن الريحاني لم يُعمّر طويلاً، وأنه أمضى زهرة شبابه في المهجر (أميركا)؛ فإنه مع بداية العشرينات زار الحجاز ونجداً وعدداً من الدول العربيّة والأوروبيّة، واتّصل بكثير من القادة والساسة، وراسلهم وكوّن صداقات معهم، ومن بينهم الملك عبد العزيز، والشريف حسين بن علي، ملك الحجاز، ويحيى حميد الدين، إمام اليمن، وأحمد الجابر الصباح، أمير الكويت، وسلمان آل خليفة، أمير البحرين، وفيصل الأول، ملك العراق، ومن المفكّرين العرب جرجي زيدان، وأحمد شوقي، ومحمد كرد علي، وبشارة الخوري (الأخطل الصغير) وغيرهم.

وذكر الشبيلي أن من مؤلّفاته النثريّة والأدبيّة الثلاثين، والخمسة والعشرين بالإنجليزيّة، كتابين اثنين، هما؛ ملوك العرب (1924 - جزآن) وتاريخ نجد الحديث (1927)، والثاني يُعدّ قطعة من تاريخ السعودية، وعلى درجة من الدقّة فيما يتعلّق بالمعلومات التاريخيّة، بحكم أنه استقى كثيراً منها برواية الملك عبد العزيز نفسه، وكان الملك يطّلع على تطوّر إصداره، ومرتاحاً لما تضمّنه من مواد، وإن كانت تردّدت شبهات حول زيادات فيه من تصرّف الريحاني، قد تكون ناتجة عن غيرة، كما يحدث أحياناً بين المتنافسين.

وحسب الزركلي، فإن للريحاني كتاباً ثالثاً نشره بالإنجليزيّة بعنوان «ابن سعود ونجد»، صدر بعد عام 1927، ومما ذكرته الجريدة الرسميّة السعودية «أم القرى» عن الريحاني، حضوره عام 1926 استقبال أعيان الحجاز للملك عبد العزيز، في منزل الشيخ محمد حسين نصيف، عند مَقدمه لأول مرّة، وإلقاء كلمة فيه.

استمر التواصل واللقاءات بين الملك عبد العزيز والريحاني نحو عشرين عاماً، تدور مراسلاتهما حول النزاع بين السعوديين والأشراف في مطلع العشرينات، والأحداث الحدوديّة الجارية مع اليمن في أوائل الثلاثينات، وحرص القيادة السعودية على إطلاع الرأي العام الداخلي والخارجي بصراحة وموضوعيّة على مجريات تلك الأحداث أوّلاً بأول، كما كان يتلقّى التأكيد على إيلاء القضيّة الفلسطينيّة الاهتمام الواجب، وذلك قبل نشوء دولة الاحتلال بأعوام.

هدف كتاب «ملوك العرب» إلى التعريف بسِيَر ثَمَانيَة من قادة العرب، من خلال معرفة المؤلّف بهم، فيما تطرّق كتابه الثاني «تاريخ نجد الحديث» إلى سيرة الملك عبد العزيز، وتاريخ الدولة الجديدة التي جمع شتاتها، وأنه بصدد إعلان توحيدها سياسياً في دولة واحدة (1932) وقد استقى المؤلّف كثيراً من التفاصيل من الملك مباشرةً كما سلف، فضلاً عن نشر الوثائق والرسائل التي كانت بحوزة المؤلّف، وتَحَرّى الدقّة في ضبط أسماء الأعلام والبلدان، كما ضمّ الكتاب ثلاث نُبَذ عن نواحي نجد، والوهابيّة، والأسرة السعودية الحاكمة.

وبعد؛ لعل مما يُسجّل دليلاً على حنكة الملك عبد العزيز، ضمن جهوده في تأسيس الدولة طيلة مدّة حكمه (54 عاماً) أنه أحاط ديوانه بمستشارين رسميين من جميع الأقطار العربيّة (منهم يوسف ياسين من سوريا، ورشدي مَلحَس من فلسطين، وفؤاد حمزة من لبنان، وحافظ وهبة من مصر، وعبد الله الدملوجي ورشيد عالي الكيلاني من العراق)، وبأصدقاء مفكّرين (منهم عبد الله فيلبي من بريطانيا، ومحمد أسد من النمسا، وأمين الريحاني من لبنان)، فضلاً عن نخبة من المستشارين المثقفين السعوديين (منهم أحمد بن ثنيّان آل سعود، وعبد الله بن عبد الرحمن آل سعود، وخالد السديري، وإبراهيم المعمّر، وحمزة غوث) يلتقيهم كل يوم، ويناقش آراءهم، ويتخاطبون معه مباشرةً، ومع ذلك يكون الرأي الأخير له، والقرار إرادته، ومن هنا صارت له الغَلَبة والتوفيق، بفضل الحكمة والدهاء والمشورة والثقة بالنفس.