البرلمان اليوناني يصوت غدًا على تدابير جديدة

«النقد» يدعو أوروبا لتخفيف ديونها ويطالب أثينا بالمزيد من التقشف

البرلمان اليوناني يصوت غدًا على تدابير جديدة
TT

البرلمان اليوناني يصوت غدًا على تدابير جديدة

البرلمان اليوناني يصوت غدًا على تدابير جديدة

يصوت البرلمان اليوناني غدًا الثلاثاء على مجموعة جديدة من تدابير التقشف التي تطالب بها الجهات الدائنة، تمهيدًا للإفراج عن قروض لليونان تبلغ قيمتها 2.8 مليار يورو (نحو 3.14 مليار دولار)، في حين حض صندوق النقد الدولي الأوروبيين مجددًا على تخفيف إضافي لعبء ديون اليونان، وإعادة النظر في أهداف فائض الميزانية المحددة لهذا البلد، وذلك في تقريره حول الاقتصاد اليوناني، مطالبًا في الوقت نفسه أثينا بخفض جديد للمعاشات.
وأوضح التقرير أنه حتى في حالة التنفيذ الكامل لتدابير التقشف والإصلاحات المطلوبة، فإن اليونان بحاجة إلى تخفيف ديونها المغايرة لأهداف الموازنة، ونمو ذي مصداقية، واعتبر الصندوق أن وجود فائض أولى في الميزانية باستثناء خدمة الدين بنسبة 3.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي - كما حددته منطقة اليورو بعد عام 2018 - هو أمر غير واقعي. وقالت موفدة صندوق النقد الدولي إلى اليونان ديليا فيلوكيليسكو، إن تخفيف الدين العام اليوناني الذي يلامس 180 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، رغم ثلاث خطط متعاقبة من الدعم المالي من قبل الاتحاد الأوروبي والصندوق منذ عام 2010، هو أمر يجب أن يقرره الشركاء الأوروبيون للبلاد. ولكنها رحبت باتفاق منطقة اليورو في مايو (أيار) الماضي على مبدأ التخفيف، قائلة إنه من الجيد جدًا أن يدرس الشركاء الأوروبيون هذه التدابير لليونان.
في غضون ذلك، طالب صندوق النقد الدولي اليونان بخفض المعاشات مجددا لدعم اقتصادها، وعدم التساهل في تحصيل الضرائب. ولم يحدد الصندوق بعد ما إذا كان سيشارك في حزمة الإنقاذ الثالثة لليونان، إلا أنه أكد أن «الإصلاح الأخير لمنظومة المعاشات الذي قلل المعاشات بنسبة 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خطوة مرحب بها وصعبة»، ولكنها بعيدة عن الوضع المثالي في منظومة تستهلك 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين يبلغ المتوسط في منطقة اليورو 2.5 في المائة.
كما دعا الصندوق أيضا اليونان للتوقف عن «التساهل مع التهرب الضريبي»، مشيرًا إلى بيانات تظهر أن المواطنين والشركات اليونانية عليها مديونية تبلغ 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. مبينًا أنه رغم المساعدة الدولية غير المسبوقة، فإن تحصيل الضرائب انخفض «من 75 في المائة في 2010، إلى أقل من 50 في المائة» حاليًا.
وطالب الصندوق في الوقت نفسه أثينا بتنفيذ إصلاحات عميقة، والقضاء على الإعفاءات الضريبية «الكريمة» التي تجعل أكثر من نصف أصحاب الرواتب لا يدفعون ضرائب، بالمقارنة مع المعدل المتوسط الذي يبلغ 8 في المائة في منطقة اليورو، وبالتالي يتم توزيع عبء الضرائب على المجتمع.
وتتفاوض اليونان حاليا مع دائنيها للحصول على الحزمة التالية من برنامج الإنقاذ والمقدرة بـ2.8 مليار يورو، لتنهي بها التقييم الأول من خطة الإنقاذ الثالثة، في حين يتوقع البدء في التقييم الثاني لاحقًا.
وأعلنت أثينا أن البرلمان اليوناني سوف يصوت غدا الثلاثاء على مجموعة جديدة من تدابير التقشف التي تطالب بها الجهات الدائنة، ووفقًا للمصادر فإن مشروع القانون المشار إليه يتعلق بإعادة تنظيم سوق الكهرباء وتسريع عمليات الخصخصة وإدارة القروض المصرفية المتعثرة، ويناقش اليوم الاثنين في إطار اللجان النيابية قبل إجراء تصويت عليه غدًا من قبل أعضاء البرلمان والبالغ عددهم 300 نائب تتمتع الحكومة من حزبي سيريزا واليونانيين المستقلين بأغلبية 153 برلمانيًا.
ومن المواضيع المثيرة للخلاف والواردة في مشروع القانون، نقل شركات عامة ومنها شركتا الكهرباء والماء إلى شركة المساهمات العامة (أديس) التي أنشئت أخيرًا على النموذج الفرنسي لـ«وكالة مساهمات الدولة». و«شركة المساهمات العامة» هي جزء من «الصندوق الجديد للخصخصة» الذي يحل محل «صندوق استغلال الممتلكات العامة»، الذي أنشئ لدى انفجار أزمة الديون، لتسهيل بيع الممتلكات العامة، وزيادة السيولة لدى الدولة.



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.