الخدمات.. أبرز أولويات الحكومة العائدة نهائيًا إلى عدن

مصادر لـ «الشرق الأوسط»: ترتيبات مالية مرتقبة تزامنًا مع سلاسة وصول إيرادات «المركزي»

عناصر أمنية يمنية قرب مطار عدن تؤمن المطار قبيل وصول الحكومة اليمنية أمس (أ.ف.ب)
عناصر أمنية يمنية قرب مطار عدن تؤمن المطار قبيل وصول الحكومة اليمنية أمس (أ.ف.ب)
TT

الخدمات.. أبرز أولويات الحكومة العائدة نهائيًا إلى عدن

عناصر أمنية يمنية قرب مطار عدن تؤمن المطار قبيل وصول الحكومة اليمنية أمس (أ.ف.ب)
عناصر أمنية يمنية قرب مطار عدن تؤمن المطار قبيل وصول الحكومة اليمنية أمس (أ.ف.ب)

عادت الحكومة اليمنية، برئاسة الدكتور أحمد عبيد بن دغر، أمس، إلى العاصمة المؤقتة عدن، وأكد مسؤولون في الحكومة اليمنية، لـ«الشرق الأوسط»، أن عودة الحكومة هذه المرة نهائية، وذلك لأنها تأتي بعد قرار نقل البنك المركزي إلى عدن والمهام التي تنتظر الجهاز التنفيذي للدولة في هذا الجانب.
وتأتي عودة الحكومة اليمنية بعد أن اضطرت قسرا إلى البقاء في المملكة العربية السعودية لنحو عامين، جراء الانقلاب الذي قادته ميليشيات الحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح على الحكومة الشرعية في صنعاء واحتلال العاصمة، واحتجاز الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس وزرائه السابق خالد بحاح وبقية الوزراء تحت الإقامة الجبرية.
وقال وزير الدولة اليمني لشؤون الحوار الوطني، ياسر الرعيني، لـ«الشرق الأوسط»، إن لدى الحكومة أولويات كثيرة في عدن، وإن أهم هذه الأولويات «ترتيب الوضع المالي للدولة بالتزامن مع نقل البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن، وضمان وصول الإيرادات إليه بشكل سلس، ليقوم البنك بدوره بالشكل المطلوب بعيدا عن سيطرة الميليشيات الانقلابية»، مشيرا إلى أن ضمن الأولويات والمهام العاجلة «تعزير دور السلطات المحلية في تطبيع الحياة العامة في المحافظات المحررة وتحقيق الأمن والاستقرار فيها وتوفير الخدمات وانتظامها، وتعزيز ودعم الجيش والمقاومة الشعبية في استعادة العاصمة صنعاء وما تبقى من المحافظات التي لا تزال تحت سيطرة الانقلاب».
وخلال العامين المنصرمين، عادت الحكومة إلى عدن بضع مرات، غير أنها لم تستطع الاستقرار جراء الوضع الأمني المتقلب وجراء انعدام الميزانيات التشغيلية لمؤسسات الدولة، بسبب بقاء البنك المركزي تحت سيطرة الانقلابيين في صنعاء. وعملت الحكومة اليمنية وأجهزة الأمن في عدن وبدعم واسع من قوات التحالف على تحسين الوضع الأمني في العاصمة المؤقتة عدن، وضرب الخلايا الإرهابية التي تقول الحكومة إنها تتحرك بتعليمات من المخلوع علي صالح في صنعاء، لزعزعة الوضع الأمني في المحافظات المحررة.
من جانبه، قال وزير التربية والتعليم اليمني، الدكتور عبد الله لملس، إن عودة الحكومة هذه المرة نهائية، وإنها جاءت في ضوء توجيهات الرئيس عبد ربه منصور هادي في خطابه الأخير بمناسبة عيد الأضحى المبارك. وأكد لملس، لـ«الشرق الأوسط»، أن الأوضاع الأمنية في عدن جيدة، مشيرا إلى أن المواطنين مستبشرون خيرا بعودة الحكومة «خصوصا أن الحكومة تعهدت وستبدأ بدفع مرتبات الشهر الجاري خلال الأيام القليلة المقبلة»، وتطرق الوزير إلى جملة من أولويات عمل الحكومة في عدن، ضمنها ملف الخدمات العامة التي تمس المواطنين بشكل مباشر.
ويطرح سياسيون وباحثون جملة من المهام التي يجب على الحكومة اليمنية القيام بها بعد عودتها إلى عدن، ويقول رئيس مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان، محمد قاسم نعمان، إن ضمن ذلك «سرعة معالجة قضية انقطاعات الكهرباء والمياه، واتخاذ خطوات جادة باتجاه إعادة تطبيع الحياة العامة في عدن وبالذات إعادة تنظيم وتفعيل دور أجهزة الأمن العام ومراكز الشرطة ومختلف حلقات الأمن العام ومكافحة الجريمة وإعادة هيبة الدولة والنظام وسيادة النظام والقانون وإعادة هيكلة وتفعيل دور النيابة العامة.. سيما أن قيادة النيابة في عدن أنيطت بها مسؤوليات أخرى في اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان». ويضيف نعمان متحدثا عن مهام الحكومة في عدن، في سياق تصريحه لـ«الشرق الأوسط»: «إعادة تنظيم خطوات وإجراءات ضمان توصيل الإيرادات من مختلف المواقع إلى البنك المركزي، مع تفعيل دور الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.. ووضع حد للبناء العشوائي الذي ما زالت مدينة عدن تعاني منه، وشكّل تشوهات كبيرة للمدينة مع أهمية إيلاء اهتمام للنظافة في المدينة وحماية البيئة».
وضمن القضايا التي يطرحها نعمان والتي يرى أن على الحكومة العمل عليها «إعادة توطين قناتي اليمن وعدن وإذاعة عدن إلى داخل البلاد، إضافة إلى إعادة الحياة لعمل الصحف الحكومية وبالذات صحيفة 14 أكتوبر الحكومية اليومية». ودعا رئيس مركز اليمن لحقوق الإنسان إلى «سرعة إعادة بناء محكمة استئناف عدن، كونها رمزا للقضاء والعدالة، والبدء في تنفيذ خطة إعادة بناء محطات توزيع النفط التي دمرت أثناء الحرب»، مشيرا إلى أن المواطنين في عدن ينتظرون «وقف زحف واتساع صور الفساد، ووقف كل من لوثت يداه بالفساد ليس بتوقيفهم من العمل بل إحالتهم للقضاء ليأخذ مجراه، وكذا أن تقوم الحكومة بوضع خطة نزول الوزراء إلى المحافظات الخاضعة للسيطرة الكاملة للشرعية واللقاء بالمواطنين والاستماع إلى مشكلاتهم وهمومهم وقضاياهم، ونقلها إلى اجتماع مجلس الوزراء، للوقوف أمامها ووضع الحلول والمعالجات لها».
والى جانب ذلك، يعتقد الباحث اليمني باسم فضل الشعبي، رئيس مركز مسارات للاستراتيجية والإعلام، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن على الحكومة بعد أن عادت «معالجة ما تبقى من الملف الأمني، لتحقيق الاستقرار ومعالجة ملف الخدمات بصورة عاجلة، والبدء بافتتاح المؤسسات والوزارات ومباشرة الدوام فيها من قبل الوزراء والمسؤولين، والبدء بتشغيل البنك المركزي وضخ سيولة للسوق لتحريك الاقتصاد»، إضافة إلى «دفع رواتب الموظفين المتأخرة من الشهور السابقة والالتزام بدفع الرواتب للموظفين للفترة المقبلة»، وكذا «ترتيب وضع الحكومة ومنح صلاحيات إدارية ومالية للمدن والمحافظات المحررة وإجراء تغييرات شاملة تخدم مشروع التغيير في البلاد لإعادة إنتاج الماضي وإصلاح وضع الأمن والجيش وضم المقاومة إليهما»، وأيضا «مواصلة المعركة ضد الانقلابين لتحرير ما تبقى من المدن والمناطق اليمنية بما فيها تعز والحديدة وصنعاء».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.