بعد «بريكست».. «بيربري» تفتح صفحة جديدة وترفع العلم البريطاني عاليًا

من دمجها الرجالي بالنسائي إلى توفير تشكيلتها للبيع بعد العرض مباشرة

لقطة من آخر العرض -  الأقمشة والألوان الناعمة مع التفصيل الصارم - ياقات تستحضر العهد الإليزابيثي
لقطة من آخر العرض - الأقمشة والألوان الناعمة مع التفصيل الصارم - ياقات تستحضر العهد الإليزابيثي
TT

بعد «بريكست».. «بيربري» تفتح صفحة جديدة وترفع العلم البريطاني عاليًا

لقطة من آخر العرض -  الأقمشة والألوان الناعمة مع التفصيل الصارم - ياقات تستحضر العهد الإليزابيثي
لقطة من آخر العرض - الأقمشة والألوان الناعمة مع التفصيل الصارم - ياقات تستحضر العهد الإليزابيثي

«بيربري» من بيوت الأزياء القليلة جدا في لندن التي تنجح دائما في استقطاب شخصيات كبيرة، من حجم سامنثا كاميرون زوجة رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، وأنا وينتور رئيسة تحرير مجلة «فوغ» النسخة الأميركية، إضافة إلى باقة من النجمات والنجوم الشباب. إنها قوة لا يستهان بها، وأسبوع لندن يستقوي بها منذ أن التحقت به من بضع سنوات. لكن الإقبال على عرض الدار هذا الموسم كان أكبر من أي وقت مضى، ولم يكن السبب أنها قوة إعلانية تفرض احترامها والولاء إليها، بل لأنها كتبت فصلا جديدا مهما في تاريخ الموضة، كونها هي التي بادرت بفكرة بيع كل ما يعرض على منصات العرض مباشرة في اليوم التالي، تحت شعار «متع عيونك اليوم.. واشتر غدا». كما أنها هي التي بادرت بفكرة دمج العروض الرجالية والنسائية، مكتفية بعرضين في السنة، عوض أربعة، تحتى مسمى «سبتمبر.. بدل ربيع وصيف»، و«فبراير.. بدل خريف وشتاء».
والمشجع على هذه الفكرة ليس إرضاء الزبون فحسب، بل أيضًا تحريك عملية البيع والشراء، في وقت يعاني فيه كثير من صناع المنتجات المرفهة من ركود الأسواق العالمية. وما يزيد الأمر سواء أن بعض البيوت توسعت في الأسواق الآسيوية بشكل كبير، لتتفاجأ بتباطؤ نموها الاقتصادي، لا سيما الصين، بالإضافة إلى أسواق أخرى مثل روسيا والبرازيل. كل هذا استدعى استراتيجيات جديدة، وأفكارا ثورية، كمضاد لتفادي المزيد من الخسارات في المستقبل. وقد بادرت دار «بيربري» بفكرة دمج عروضها، وأيضًا طرح منتجاتها في اليوم نفسه من عرضها، حتى تلبي رغبة زبائن لا صبر لهم لانتظارها لمدة ستة أشهر، وفي الوقت ذاته سد الباب على المحلات الكبيرة التي كانت تستنسخ كل ما تراه على منصات العروض لتعرضه بسرعة وبأسعار زهيدة مقارنة بهم. هذه المنافسة كانت تجعل منتجاتهم تبدو «موضة قديمة» عندما تصل إلى المحلات بعد ستة أشهر.
وفي خضم كل هذا الجدل والتحدي، قدمت الدار البريطانية العريقة اقتراحاتها، الاثنين الماضي، لربيع وصيف 2017، فيما لا يترك أدنى شك بأن استراتيجتها الجديدة لم تؤثر على عملية الإبداع، بل على العكس تماما. فما قدمه مصممها كريستوفر بايلي أكد أن كل ما صرح به سابقا لم يكن مجرد استعراض لشد الانتباه، أو كلاما طنانا، لأنه طبقه بكل تفاصيله، من خلال تشكيلة للرجل والمرأة على حد سواء، لا تعترف بزمان أو مكان.
ولأن الدار أرادت أن تكتب هذا الفصل الجديد على صفحة بيضاء، فقد غيرت حتى مكان العرض الذي تعودنا عليه في حدائق «كينغستون»، حيث كانت تبني قاعة زجاجية ضخمة تستوعب أكثر من ألف ضيف، وانتقلت إلى مبنى «مايكرز هاوس» الواقع خلف مكتبة «فويلز» الشهيرة بمنطقة «سوهو». ولعدة أسابيع، جندت فريقا من العمال والمتخصصين لتحويله إلى ما يشبه القصر، بتغطية أرضياته بسجاجيد فخمة صنعت خصيصا للمناسبة، وكراسيه بأقمشة من صنع محلي، كما زينت الجدران والجوانب بالجص. ورغم أنه كان محدودا، لم يستوعب سوى نحو 700 ضيف، إلا أنه بحميميته، ترجم رؤية المصمم كريستوفر بايلي للمستقبل، ورغبته في أن يُدخلنا عالمه.
وفوق كل كرسي، وضعت نسخة من رواية «أورلاندو» للكاتبة فرجينيا وولف، شارحا بأنه أعجب بقصتها الفانتازية إلى حد الهوس: «إنها رواية غنية وكأنها رسالة حب إلى الماضي، وإلى التاريخ الإنجليزي.. إنها أيضًا عن العواطف والجمال، وهذا تماما ما تعنيه الموضة بالنسبة لي».
وبالفعل، فإن القصة التي تدور حول رجل عاش في العصر الإليزابيثي يتحول إلى امرأة وهو في الثلاثينات من عمره، ويعيش لعدة قرون من دون أن يؤثر الزمن على مظهره، تلخص رؤية كريستوفر بايلي، كمصمم يريد أن تناسب تصاميمه كل زمان ومكان بغض النظر عن جنس لابسها.
وهذا تحديدا ما يعنيه له دمج عروضه الرجالية والنسائية، وما جسده في تشكيلة تعبق بالرومانسية والقوة في الوقت ذاته، وتتحدى مثل شخصية أورلاندو الفروقات الذكورية والأنثوية. فقد استعمل أقمشة ناعمة ومنسابة في قمصان وفساتين مستقاة من الـ«بيجاما»، إلى جانب أقمشة أخرى مترفة، مثل المخمل، ظهرت في سترات مفصلة، فضلا عن عدد كبير من المعاطف والسترات القصيرة المستوحاة من تلك التي كان يلبسها الجنرالات والقادة. ودمجه الرجالي والنسائي في عرض واحد أطلق له العنان في أن يُسهب في هذه التداخلات، بحيث يمكن للجنسين أن يتبادلا بعض القطع، من دون أن تبدو نشازا، مثل القمصان ذات الياقات المستوحاة من العهد الإليزابيثي، أو السترات المفصلة، إلى حقائب اليد. وحتى قبل أن يبدأ العرض، يغمرك شعور بأن القصة ستكون إنجليزية محضة، ففي الطابق الأرضي، نظمت الدار شبه معرض صغير سيمتد لبضعة أسابيع، يستعرض فيه حرفيون مهاراتهم على اختلاف تخصصاتهم، فضلا عن عرض مجموعة من البورتريهات والمنحوتات التي تمثل شخصيات إنجليزية أثرت على التاريخ بشكل أو بآخر، مثل الملكة فيكتوريا، وتوماس بيربري مؤسس الدار، وعدد لا يحصى من الجنرالات. لهذا عندما يبدأ العرض، وتتوالى الأزياء، الرجالية والنسائية على حد سواء، يزيد شعورك باعتزاز المصمم كريستوفر بايلي بإرثه الإنجليزي إلى حد أنك تتساءل عما إذا كان قد صوت لصالح البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبي. فكل ما في التشكيلة يحتفل بأن بريطانيا قوية، حتى لوحدها. لكن سرعان ما تتذكر بأن الجواب على هذا الاعتزاز الواضح قد يكون مرده أن «بريكست» لم يكن سيئا بالحجم الذي تصوره، أو صوره، البعض. فكثير من بيوت الأزياء شهدت ارتفاعا في مبيعاتها لحد الآن، لا سيما في بريطانيا، بفضل السياح.
إنك تخرج من العرض وأنت متأكد أن الموضة كما كنا نعرفها في السابق تغيرت. ففي عصر الإنستغرام وكل وسائل التواصل الاجتماعي التي تتقنها «بيربري» جيدا، وتعتمد عليها بشكل كبير، أصبح لزاما أن يغير المصممون استراتيجياتهم، على شرط أن لا تؤثر على الإبداع والابتكار. وما قدمه كريستوفر بايلي، يوم الاثنين الماضي، لا يترك أدنى شك أنها من أقوى التشكيلات التي قدمها منذ فترة. وقد يعود الأمر إلى تنحيه عن مهمته كرئيس تنفيذي، واقتصاره على مهمة تصميم الأزياء، وهو ما منحه الوقت الكافي للإبداع والتركيز على ما يتقنه أكثر. فقد تميزت التشكيلة بتنوع كبير وديناميكية تضم بين طياتها وثناياها كل البهارات التي ستجعلها تبيع وتحقق الربح من دون أن تفتقد إلى التميز والأناقة.



الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
TT

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

تحظى سراويل الجينز اليابانية المصبوغة يدوياً بلون نيلي طبيعي، والمنسوجة على أنوال قديمة، باهتمام عدد متزايد من عشاق الموضة، الذين لا يترددون في الاستثمار في قطع راقية بغض النظر عن سعرها ما دامت مصنوعةً باليد. وعلى هذا الأساس يتعامل كثير من صُنَّاع الموضة العالمية مع ورشات يابانية متخصصة في هذا المجال؛ فهم لا يزالون يحافظون على كثير من التقاليد اليدوية في صبغ قطنه وتصنيعه من الألف إلى الياء.

يوضع القطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن لا يلوّنها وحدها بل أيضاً أيدي العاملين (أ.ف.ب)

داخل مصنع «موموتارو جينز» الصغير في جنوب غربي اليابان، يغمس يوشيهارو أوكاموتو خيوط قطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن يلوّن يديه وأظافره في كل مرّة يكرر فيها العملية. يتم استيراد هذا القطن من زيمبابوي، لكنّ الصبغة النيلية الطبيعية المستخدَمة مُستخرجةٌ في اليابان، ويؤكد أوكاموتو أنّ لونها غني أكثر من الصبغات الاصطناعية. وكانت هذه الطريقة التي يشير إلى أنها «مكلفة» و«تستغرق وقتاً طويلاً»، شائعةً لصبغ الكيمونو في حقبة إيدو، من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر.

العمل في هذه المصانع صارم فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع من صبغة إلى خياطة (أ.ف.ب)

وتشكِّل «موموتارو جينز» التي أسستها عام 2006 «جابان بلو»، إحدى عشرات الشركات المنتِجة لسراويل الجينز، ويقع مقرها في كوجيما، وهي منطقة ساحلية تشتهر بجودة سلعها الحرفية، بعيداً عن سراويل الجينز الأميركية المُنتَجة على نطاق صناعي واسع. ويقول رئيس «جابان بلو»، ماساتاكا سوزوكي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن صارمون جداً فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع». ويشمل ذلك «جودة الخياطة والصبغة»، ما يجعل الاعتماد على مهارات التصنيع التقليدية للحرفيين المحليين، مسألة ضرورية.

بيد أن كل ما هو منسوج يدويا ومصنوع بهذا الكم من الحرفية له تكلفته، إذ يبلغ سعر النموذج الرئيسي من الجينز الذي تنتجه «موموتارو» نحو 193 دولاراً. أما النموذج الأغلى والمنسوج يدوياً على آلة خشبية محوّلة من آلة نسج كيمونو فاخرة، فيتخطى سعره 1250 دولاراً.

يعمل أحد الحرفيين على تنفيذ بنطلون جينز باليد بصبر رغم ما يستغرقه من وقت (أ.ف.ب)

ومع ذلك، ازداد الاهتمام بما تنتجه «جابان بلو» على أساس أنها إحدى ماركات الجينز الراقية على غرار «إيفيسو»، و«شوغر كين». وتمثل الصادرات حالياً 40 في المائة من مبيعات التجزئة، كما افتتحت الشركة أخيراً متجرها السادس في كيوتو، ويستهدف السياح الأثرياء بشكل خاص. يشار إلى أن صناعة الجينز ازدهرت في كوجيما بدءاً من ستينات القرن العشرين لما تتمتع به المنطقة من باع طويل في زراعة القطن وصناعة المنسوجات. وخلال حقبة إيدو، أنتجت المدينة حبالاً منسوجة للساموراي لربط مقابض السيوف. ثم تحوّلت بعد ذلك إلى صناعة «تابي»، وهي جوارب يابانية تعزل إصبع القدم الكبير عن الأصابع الأخرى، وانتقلت فيما بعد إلى إنتاج الأزياء المدرسية.

تعدّ سراويل الجينز الياباني من بين أغلى الماركات كونها مصنوعة ومصبوغة باليد (أ.ف.ب)

ويقول مايكل بندلبيري، وهو خيّاط يدير مشغل «ذي دينيم دكتور» لتصليح الملابس في بريطانيا، إنّ سوق سراويل الجينز اليابانية «نمت خلال السنوات الـ10 إلى الـ15 الماضية». ومع أنّ محبي الجينز في الدول الغربية يبدون اهتماماً كبيراً بهذه السراويل، «لا يمكن للكثيرين تحمل تكاليفها»، بحسب بندلبيري. ويتابع قائلاً: «إن ماركات الجينز ذات الإنتاج الضخم مثل (ليفايس) و(ديزل) و(رانغلر) لا تزال الأكثر شعبية، لكن في رأيي تبقى الجودة الأفضل يابانية». ويرى في ضعف الين وازدهار السياحة فرصةً إضافيةً لانتعاش سوق هذه السراويل.

رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها فإن الأنوال القديمة لا تزال هي المستعملة احتراماً للتقاليد (أ.ف.ب)

يعزز استخدام آلات النسيج القديمة رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها، وبالتالي لا تملك سوى رُبع قدرة أنوال المصانع الحديثة، من سمعة «موموتارو جينز» التي تعود تسميتها إلى اسم بطل شعبي محلي. وغالباً ما تتعطَّل هذه الأنوال المصنوعة في الثمانينات، في حين أنّ الأشخاص الوحيدين الذين يعرفون كيفية تصليحها تزيد أعمارهم على 70 عاماً، بحسب شيغيرو أوشيدا، وهو حائك حرفي في موموتارو.

يقول أوشيدا (78 عاماً)، وهو يمشي بين الآلات لرصد أي صوت يشير إلى خلل ما: «لم يبقَ منها سوى قليل في اليابان» لأنها لم تعد تُصنَّع. وعلى الرغم من تعقيد هذه الآلات، فإنه يؤكد أنّ نسيجها يستحق العناء، فـ«ملمس القماش ناعم جداً... وبمجرّد تحويله إلى سروال جينز، يدوم طويلاً».