إيران تخطط لمرحلة ما بعد السيستاني وتعيد تأهيل المالكي رغم اتهامات الصدر

قيادي شيعي لـ«الشرق الأوسط»: تريده عامل توازن أمام العبادي المدعوم أميركيًا

السيستاني
السيستاني
TT

إيران تخطط لمرحلة ما بعد السيستاني وتعيد تأهيل المالكي رغم اتهامات الصدر

السيستاني
السيستاني

لم يعد نوري المالكي (رئيس الوزراء العراقي السابق الذي تولى السلطة من عام 2006 إلى عام 2014) يهتم للاتهامات والهجمات شبه المتكررة التي يكيلها إليه مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري الشاب الذي يبدو الأكثر جماهيرية ضمن التيارات الشيعية الماسكة للسلطة بعد عام 2003.
فطبقا لما كشفه لـ«الشرق الأوسط» قيادي بأحد التيارات الدينية والذي يزور لندن حاليًا فإن «المالكي يحاول العودة إلى الواجهة مستغلًا مجموعة من المتغيرات على الساحة بالإضافة إلى ما يمكن اعتباره نوعا من إعادة التأهيل الإيرانية له لعدم نسيان ما قدمه من خدمات لإيران لا سيما أثناء فترة العقوبات الدولية التي كانت قاسية عليها لولا التسهيلات التي قدمها المالكي».
وبينما يشير القيادي البارز إلى ما يعده «صفقة» جرى على إثرها «اختيار رئيس المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم لزعامة التحالف الوطني الشيعي مقابل مسالتين مترابطتين وهما تسلم المالكي رئاسة التحالف السنة المقبلة والتي تتزامن مع الانتخابات البرلمانية وهو ما يصب في مصلحة المالكي والثانية هي سعي المالكي لأن يكون أمينا عاما لمجلس السياسات العليا الذي يراد تحويله من فكرة مطروحة منذ عام 2010 إلى واقع حال بعد أن رفض إياد علاوي تسلمه بسبب أنه عده خاليًا من الصلاحيات التنفيذية».
هذه القصة لا تزال ملتبسة داخل القيادات الشيعية التي تستعد من وجهة نظر السياسي الشيعي إلى «معركة سياسية بسبب الدور الذي يمكن أن يوكل لميليشيات الحشد الشعبي وقياداتها خلال الانتخابات حيث بدأت الكثير من القيادات التقرب أكثر إلى إيران ومن بينها المالكي الذي لا يزال يتقدم عليها بينما تراجع دور الصدر والحكيم ربما بسبب احتفاظ كل واحد منهما بجمهور منظم بالإضافة إلى أن كليهما لم يعد بحاجة إلى التمويل الإيراني قياسًا إلى سنوات التأسيس لتياريهما (الصدري) و(شهيد المحراب)».
ومع أن الحكيم، والكلام للسياسي الشيعي، «كثيرًا ما يوجه نقدا وملاحظات ربما قاسية بحق المالكي لكنه لا يعلنها للإعلام نظرًا لطبيعته المحافظة أصلًا ولكونه يعمل دائما على مسك العصا من الوسط مع الجميع بينما الصدر يختلف حيث عرف عنه الوضوح والهجوم دون حساب للنتائج». ولذلك فإن آخر ما وجهه الصدر من سهام نقده اللاذع للمالكي قوله ردًا على سؤال لأحد أتباعه، وهي الصيغة التي يعتمدها الصدر في التعبير عن آرائه حيال مختلف القضايا، إن «المالكي باع العراق للإرهاب» وهي التهمة الأخطر التي توجه بعد التهم الأخرى التي تلاحق مقربين منه بالفساد فيما تتهم الفترة التي تولى فيها رئاسة الحكومة بضياع نحو تريليون دولار أميركي (منها 800 مليار دولار واردات النفط و200 مليار معونات أميركية ومن دول مانحة).
الغريب في الأمر أن اتهام الصدر للمالكي بأنه «باع العراق للإرهاب وإنه لم يعد يهمه لأنه لم يعد له تأثير ولا صاحب قرار ولا شعبية له» جاء ردًا على توصيف قديم للمالكي عن الصدر حيث قال عنه في إحدى المقابلات التلفازية إنه «حديث عهد بالسياسة».
مقولة المالكي عن حداثة عهد الصدر بالسياسة ترتبط بما هو أهم على صعيد الساحة السياسية الشيعية وهي مثلما يراها السياسي الشيعي «الترتيبات الإيرانية لحقبة ما بعد المرجع الأعلى آية الله علي السيستاني الذي لم يعد وضعه الصحي مريحا مثل السابق»، مضيفا أن «أهمية هذه القصة تكمن ليس في توقيت رحيل السيستاني من عدمه بل لعدم وجود البديل الذي يمكن أن يكون موضع إجماع بشأن المرجع الذي يخلفه، حيث إن المراجع الثلاثة الكبار الذين يشاطرون السيستاني المرجعية العليا، محمد سعيد الحكيم وإسحاق الفياض وبشير النجفي والإيراني من أصول عراقية محمود الهاشمي الشاهرودي رئيس السلطة القضائية في إيران، لا يمكن النظر إلى أي واحد منهم على أنه يمكن أن يحل محل السيستاني، وهي مسألة تقلق إيران».
وبشأن العلاقة بين متغير ديني على الساحة السياسية في العراق والصراع المحتدم حاليًا بين القيادات الشيعية التي طرفها المالكي من جهة وعدد من قيادات ميليشيات الحشد الشعبي فضلا عن الصدر الذي يهاجمه دائما والحكيم الذي يقول عنه القيادي الشيعي العراقي إنه «لم يعد أمامه سوى الصمت بعد حصوله على زعامة التحالف الوطني في سياق صفقة مع المالكي قد تكون فتحت الباب أمام المالكي لكي يصبح عنصر التوازن حتى بعد رحيل السيستاني إلى أن تضع حرب المراجع والتقليد أوزارها، حيث يمكن أن تأخذ فترة طويلة».
ويستطرد القيادي قائلًا إن «المالكي يملك عشرات الفصائل ضمن ميليشيات الحشد الشعبي بالإضافة إلى سيطرته على ما يسمى بجبهة الإصلاح البرلمانية، وهو ما يجعله قوة في مواجهة خصومه ويسعى للاستحواذ على موقع سياسي يجعله بمثابة الوصي والرقيب على منصب رئاسة الوزراء وهو مجلس السياسات الذي عبر عن رغبته في لقاءات سياسية خاصة باستلامه ومن خلال إيحاءات إيرانية بدفع المالكي لتبوئه لأن إيران ترى أن المالكي قدم لها خدمات جليلة أيام حصارها كما أنها تضعه كعنصر توازن حيال العبادي الذي لولا هذا الكابح لاندفع كثيرًا باتجاه الأميركيين وبالتالي تفقد إيران سيطرتها عليه».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.